المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم أكل القنفذ: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأطعمة

-

- ‌تحريم كل ذي ناب من السباع:

- ‌تحريم كل ذي مخلب من الطير:

- ‌حكم أكل الحمر الأهلية والخيل:

- ‌حكم أكل الجراد:

- ‌حكم أكل الأرنب:

- ‌حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد:

- ‌حكم أكل الضبع:

- ‌حكم أكل القنفذ:

- ‌النهي عن أكل الجلالة:

- ‌حل الحمار الوحشي والخيل:

- ‌حل أكل الضب:

- ‌حكم الضفدع:

- ‌خلاصة كتاب الأطعمة، وخلاصته تدور على أمور:

- ‌1 - باب الصيد والذبائح

- ‌اقتناء الكلب:

- ‌حل صيد الكلب المعلم:

- ‌فائدة: حكم التسمية عند الذبح:

- ‌حكم ما أكل منه كلب الصيد:

- ‌حكم اشتراك كلبين في الصيد:

- ‌صيد المعارض:

- ‌تنبيه:

- ‌الصيد بالسهم وحكمه:

- ‌التسمية على ما لم يسم عليه عند الذبح:

- ‌فائدة: حكم اللحوم المستوردة من بلاد الكفار:

- ‌النهي عن الحذف:

- ‌النهي عن اتخاذ ذي الروح غرضاً:

- ‌حكم ذبح الحجر وذبح المرأة الحائض:

- ‌فائدة في ذبح ملك الغير وحله:

- ‌شروط الذبح:

- ‌النهي عن قتل الدواب صبراً:

- ‌وجوب إحسان القتلة:

- ‌ذكاة الجنين ذكاة أمة:

- ‌حكم نسيان التسمية عند الذبح:

- ‌2 - باب الأضاحي

- ‌شروط الأضحية:

- ‌صفة ذبح النبي صلى الله عليه وسلم للأضحية:

- ‌حكم الأضحية:

- ‌وقت الأضحية

- ‌عيوب الأضحية:

- ‌حكم ذبح المسنة:

- ‌لا يعطي الجزار من الأضحية:

- ‌إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌العقيقة عن الغلام والجارية:

- ‌ارتهان الغلام بعقيقة:

- ‌وقت العقيقة والحلق:

- ‌مسألة السقط وأحكامه:

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌تعريف الأيمان:

- ‌كراهة الإكثار من اليمين:

- ‌فائدة: قرن اليمين بقول: «إن شاء الله»:

- ‌شروط وجوب الكفارة:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌اعتبارنية المستحلف في اليمين:

- ‌من حلف فرأى الحنث خيرا كفر عن يمينه:

- ‌الحنث في اليمين على خمسة أقسام:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌تحقيق القول في تعليق الحلف بالمشيئة:

- ‌نية الاستثناء لا تغني في اليمين إلا بالتلفظ به:

- ‌لفظ يمين الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌حكم الحلف بصفة من صفاته تعالى:

- ‌اليمين الغموس من كبائر الذنوب:

- ‌لغو اليمين:

- ‌أسماء الله الحسنى:

- ‌الدعاء بخير لصانع المعروف:

- ‌حكم النذر:

- ‌كفارة النذر:

- ‌حكم نذر المعصية وما لا يطاق:

- ‌وفاء نذر الميت:

- ‌حكم نذر المكان المعين:

- ‌حكم الانتقال عن النذر إلى ما هو أفضل منه:

- ‌الوفاء بالنذر بعد الإسلام:

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌معنى القضاء والفرق بين القاضي والمفتي:

- ‌تولي القضاء فرض كفاية:

- ‌صفة القاضي الصالح:

- ‌وجوب الحذر من تولي القضاء:

- ‌تبعات الإمارة:

- ‌حكم الحاكم أو القاضي أو المفتي المجتهد:

- ‌النهي عن الحكم حال الغضب:

- ‌لا يقضي القاضي حتى يسمع قول الخصمين:

- ‌حكم الحاكم لا يحل للمحكوم له إذا كان باطلاً:

- ‌حكم القاضي بعلمه وضوابطه:

- ‌الاهتمام بإقامة العدل:

- ‌خطر القضاء وكبر مسئوليته:

- ‌حكم ولاية المرأة أمور المسلمين العامة:

- ‌التحذير من احتجاب الوالي عن حاجة المسلمين:

- ‌الرشوة والهدية للقاضي:

- ‌تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس:

- ‌1 - باب الشهادات

- ‌خير الشهود الذي يشهد قبل أن يسأل:

- ‌خير القرون الثلاثة الأولى:

- ‌حكم شهادة الخائن والعدو والقانع:

- ‌لا تقبل شهادة البدوي على صاحبه قرية:

- ‌العبرة في عدالة الشاهد بما يظهر:

- ‌شهادة الزور:

- ‌الشهادة على ما استيقن وبالاستفاضة:

- ‌القضاء باليمين والشاهد:

- ‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌القرعة بين الخصوم في اليمين:

- ‌غضب الله على من أخذ مال غيره بغير حق:

- ‌الحكم بحسب البينة:

- ‌تغليظ اليمين بالزمان أو المكان:

- ‌الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم:

- ‌اليد المرجحة للشهادة الموافقة لها:

- ‌رد اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه:

- ‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

- ‌كتاب العتق

- ‌تعريف العتق وبيان بعض أحكامه:

- ‌الترغيب في العتق:

- ‌عتق الأنثى:

- ‌عتق الأغلى أفضل من عتق الأدنى:

- ‌حكم من أعتق نصيبه من عبد:

- ‌السعاية:

- ‌حكم من ملك والديه أو ذا رحم محرم:

- ‌حكم التبرع في المرض:

- ‌تعليق العتق:

- ‌الولاء لمن أعتق:

- ‌بيع الولاء وهبته:

- ‌ باب المدبر، والمكاتب، وأم الولد

- ‌المكاتب عبد ما لم يفيا بما كُوتِبَ عليه:

- ‌ المكاتب كالحر إذا ملك ما كوتب عليه:

- ‌دية المكاتب:

- ‌تركة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌عتق أم الولد بوفاة سيدها:

- ‌كتاب الجامع

- ‌1 - باب الأدب

- ‌معنى الأدب الإسلامي وأنواعه:

- ‌أنواع الأدب:

- ‌اختلاف الأديب باختلاف الأمم:

- ‌حقوق المسلم على أخيه:

- ‌إلقاء السلام ورده:

- ‌حكم إجابة الدعوة والنصيحة للمسلم:

- ‌آداب العطاس والتشميت:

- ‌عيادة المريض:

- ‌آداب اتباع الجنائز:

- ‌وسيلة عدم ازدراء نعمة الله:

- ‌البر والإثم وضوابطهما:

- ‌لا يتناجى اثنان دون الثالث:

- ‌آداب المجلس وأحكامها:

- ‌لعق الأصابع والصحفة:

- ‌آداب السلام وأحكامه:

- ‌سلام الواحد على الجماعة والعكس:

- ‌حكم السلام على أهل الكتاب:

- ‌تشميت العاطس:

- ‌حكم الشرب قائمًا:

- ‌استحباب التيامن في التنعل:

- ‌النهي عن المشي في نعل واحد:

- ‌حكم إسبال الثياب:

- ‌النهي عن الأكل والشرب بالشمال:

- ‌النهي عن الإسراف في كل شيء:

- ‌2 - باب البر والصلة

- ‌البركة في العمر والرزق بصلة الرحم:

- ‌النهي عن قطع الرحم:

- ‌النهي عن عقوق الوالدين:

- ‌التشديد في إضاعة المال:

- ‌بر الوالدين وضوابطه:

- ‌حقوق الجار:

- ‌أعظم الذنوب عند الله:

- ‌من الكبائر سب الرجل أبا الرجل:

- ‌بماذا يزول التهاجر بين الأخوين

- ‌كل معروف صدقة:

- ‌الإحسان إلى الجار ولو بالقليل:

- ‌الترغيب في التفريج عن المسلم والتيسير عليه:

- ‌الدال على الخير كفاعله:

- ‌المكافأة على المعروف:

- ‌3 - باب الزهد والورع

- ‌الحلال والحرام والمشتبهات:

- ‌مبحث حديث الحلال والحرام من جامع العلوم والحكم:

- ‌التحذير من حب الدنيا:

- ‌كن في الدنيا كالغريب:

- ‌الترغيب في المتشبه بالصالحين:

- ‌حفظ الله بحفظ حدوده:

- ‌كيف يكون العبد محبوباً عند الناس

- ‌كيف يكون العبد محبوباً من الله

- ‌من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه:

- ‌النهي عن الإسراف في الأكل:

- ‌التوبة فضلها وشروطها:

- ‌فضل الصمت وقلة الكلام:

- ‌4 - باب الترهيب من مساوئ الأخلاق

- ‌النهي عن الحسد:

- ‌تعريف الحسد وأقسامه:

- ‌ذم الغضب:

- ‌النهي عن الظلم والشح:

- ‌تعريف الظلم لغة وشرعاً:

- ‌الرياء:

- ‌تعريف الرياء لغة وشرعاً:

- ‌خصال النفاق:

- ‌النهي عن السباب:

- ‌التحذير من سوء الظن:

- ‌التحذير من الغش للرعية:

- ‌أمر الوالي بالرفق برعيته:

- ‌النهي عن الغضب:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌النهي عن التخوض في أموال الناس بالباطل:

- ‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

- ‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

- ‌النهي عن أسباب البغض بين المسلمين:

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء:

- ‌المزاح بين المسلمين وضوابطه:

- ‌الفرق بين المجادلة والمماراة:

- ‌ذم البخل وسوء الخلق:

- ‌النهي عن مضارة المسلم:

- ‌المسلم ليس بذيئاً ولا فاحشاً ولا لعاناً:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌النميمية:

- ‌كفُّ الغضب:

- ‌ذم الخداع والبخل:

- ‌تحريم التجسس:

- ‌التحذير من الكبر:

- ‌ذم العجلة:

- ‌الشؤم سوء الخلق:

- ‌التحذير من كثرة اللعن:

- ‌النهي أن يغير المسلم أخاه:

- ‌التحذير من الكذب لإضحاك الناس:

- ‌كفارة الغيبة:

- ‌5 - باب الترغيب في مكارم الأخلاق

- ‌الترغيب في الصدق:

- ‌حقوق الطريق:

- ‌الترغيب في الفقه:

- ‌الترغيب في حسن الخلق:

- ‌الترغيب في الحياء:

- ‌الترغيب في التواضع:

- ‌الترغيب في الصدقة:

- ‌من أسباب دخول الجنة:

- ‌النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم:

- ‌كيف تكون النصيحة لكتاب الله

- ‌النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون

- ‌النصح للولاة وللعلماء:

- ‌أعظم نصيحة النصح للعلماء:

- ‌النصح للعامة كيف يكون

- ‌الترغيب في تقوى الله:

- ‌حسن الخلق:

- ‌المؤمن مرآة أخيه:

- ‌مخالطة الناس والصبر على أذاهم:

- ‌الدعاء بحسن الخلق:

- ‌6 - باب الذكر والدعاء

- ‌حقيقة الذكر وأنواعه:

- ‌حقيقة الدعاء وشروط الاستجابة:

- ‌آداب الدعاء:

- ‌فضل المداومة على ذكر الله:

- ‌فضل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ومعناها:

- ‌الفرق بين القدرة والقوة:

- ‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

- ‌الباقيات الصالحات:

- ‌فضل لا حول ولا قوة إلا بالله:

- ‌الدعاء هو العبادة:

- ‌فضل الدعاء بعد الأذان:

- ‌استحباب رفع اليدين في الدعاء:

- ‌حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

- ‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌سيد الاستغفار ومعناه:

- ‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

- ‌الاستعاذة من سخط الله:

- ‌الاستعاذة من غلبة الدين والعدو وشماتة الأعداء:

- ‌معنى الصمد:

- ‌دعاء الصباح والمساء:

- ‌الدعاء بالحسنة في الدنيا والآخرة:

- ‌من صيغ الاستغفار:

- ‌الدعاء بخير الدارين:

- ‌ينبغي للمؤمن أن يسأل العلم النافع:

- ‌من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌حكم أكل القنفذ:

ويدل لهذا أن الإنسان ينبغي له عند المناظر أن يتبع ما تنقطع به المجادلة أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما حاجه في ربه من حاجه قال إبراهيم: {ربي الذي يوحي ويميت قال أنا أحي وأميت} [البقرة: 258]. لو قال إبراهيم: كيف تحيي وتميت؟ لصار يلتوي في جوابه ويحتاج إلى عناء في رده لكن إبراهيم عدل عن هذا إلى شيء لا يمكن العدول عنه، فقال إبراهيم:{فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب} [البقرة: 258]. وحينئذ انقطع ما يمكن أن يجادل، ولهذا قال الله تعالى:{فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين} [البقرة: 258]. فأنت إذا خفت من صاحبك الجدل لأن بعض الناس يجادل، بل الإنسان أكثر شيء جدلاً، ما يوجد في الحيوانات مثل الإنسان في المجادلة، هو أكثر شيء جدلاً، فتعمد إلى الأمر الذي تقضي عليه فيه بحيث لا يستطيع الحراك، فهنا جابر رضي الله عنه قال: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينئذ نقول: إن هذا مستثنى من قوله: "نهى عن كل ذي ناب من السباع".

‌حكم أكل القنفذ:

1275 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه سئل عن القنفذ، فقال:{قل لا أجد في ما أوحي إلي محرمًا} [الأنعام: 145]. فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: "ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنها خبيثة من الخبائث. فقال ابن عمر: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا فهو كما قال". أخرجه أحمد، وأب داود، وإسناده ضعيف.

القنفذ: حيوان معروف، صغير يشبه الفأرة، وقد أعطاه الله عز وجل ثوب جلد من الشوك شوك شديد إذا أصابك يخرق جلدك ما دام مطمئنًا تجده يمشي على أرجله، وتجد طرف رأسه قد خرج يأكل من الأرض؛ فإذا أحس بأحد انطوى حتى يكون كالكرة تمامًا لا تجده؛ أي: منفذ كرة كاملة، لكنها كرة شوكية لا أحد يستطيع مسه يحتمي بذلك، وهذا من هداية الله له، يقولون: إنه يأكل الحية يمسكها من ذيلها. وهي 'ذا جاءت تلدغه وجدت شوكًا فلا تستطيع، لكن الحدية تغلب هذا القنفذ تأتي عليه، فإذا انطوى على نفسه أمسكت بذقنها إحدى الشوك وحملته إلى الجو ثم أطلقته، وصل الأرض وإذا هو قد داخ ما يستطيع أن يدافع أن ينطوي على نفسه فتمسكه فتأكله. فهذا القنفذ يقول: سئل ابن عمر هل هو حلال أو حرام؟ فاستدل بآية فقال: {قل لا أجد

} [الأنعام: 145]. الآية {إلا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقًا أهل لغير الله به} [الأنعام: 145]. أربعة أمر الله نبيه أن يقول هذا، والآية في سورة الأنعام وهي مكية، أولاً:

ص: 16

هذا الحديث في بيان حكم القنفذ هل هو حلال أم حرام، ولو أجريناه على القاعدة السابقة أن الأصل في كل مطعوم ومشروب الحل، فإننا نقول: هو حلال إلا إذا صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حرمه، فهذا يؤخذ به في هذا الحديث. سئل ابن عمر -وهو من فقهاء الصحابة ومفتيهم- عن القنفذ؛ يعني: هل هو حلال أم لا؟ فلم يقل: هو حلال، ولم يقل: هو حرام، ولكنه أجاب بالدليل، فقال:{قل لا أحد} ، قال بمعنى: قرأ؛ لأن هذه الآية ليست قوله، ولكنها قول الله عز وجل "قال" يعني: أنه قرأ هذه الآية: {قل لا أجد

الآية} الخطاب في "قل" للرسول صلى الله عليه وسلم و {لا أجد في ما أوحي إلي} ؛ يعني: من القرآن، {محرمًا} ، أي: حرمه الله {على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقًا أهل لغير الله به} ، أربعة أشياء:{إلا أن يكون ميتة} ، وهذه قد علم أنه يستثنى منها ما ميتته حلال مثل: السمك، والجراد، {أو دمًا مسفوحًا} وهذا أيضًا يستثنى منه الدم الطاهر كدم السمك، فإنه حلال، وخرج بقوله:{مسفوحًا} الدم غير المسفوح كالذي يبقى في العروق بعد الزكاة فإنه حلال وإن ظهرت حمرته؛ لأنه ليس دمًا مسفوحًا، فدم القلب الذي يكون بعد موت الحيوان بالزكاة حلال للإنسان أن يأخذه بمعلقة ويشربه وكذلك دم الكبد، {أو لحم خنزير} وهو الحيوان المعروف الخبيث المشهور بشيئين خبيثين: أحدهما معنوي والثاني حسي، أما الحسي فإنه يأكل العذرة والقاذورات، وأما المعنوي فإنه لا غيره فيه إطلاقًا، والمتغذي به ربما يناله من هذا الخلق الذميم أن تنزع منه الغيرة سواء على أهله أو على دينه، وقوله:{فإنه رجس} لا شك أن الضمير في قوله: {فإنه} يعود على الضمير المستتر في قوله: {إلا أن يكون} أي: لا أجد في الذي أوحي إلى محرمًا على طعام يطعمه إلا أن يكون ذلك الشيء ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير، هذه كلها خبر لكان التي فيها ضمير يعود على الشيء المطعوم، فعليه يكون قوله:{فإنه رجس} يكون الضمير عائدًا على ما ذكر كله، وليس عائدًا على لحم الخنزير فقط، والرجس هو: النجس، وهذه العلة -كما رأيتم- علة منصوصة. وعلى هذا فنقول: كل نجس محرم، لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، ولا يصلح أن نقول: كل محرم نجس؛ لأن من المحرمات ما ليس بنجس كالسم والدخان، وكذلك على القول الراجح الخمر فإنه محرم وليس بنجس {أو فسقًا أهل لغير الله به} ، {أهل لغير الله به}

ص: 17

الجملة كالبيان لقوله {أو فسقًا} ، يعني: يبين ما هو الفسق، هو الخروج عن الطاعة، والذي أهل لغير الله به مذبوح على الشرك فيكون حرامًا وإن كان هو في ذاته ليس بخبيث، لكن لما ذبح لغير الله صار خبيثًا لا خبثًا ذاتيًا ولكنه خبث معنوي، ولذلك فصله عن قوله:{رجس} ليتبين أن ما حرم من أجل ذبحه لغير الله ليس لقذارته بذاته، بل قد يكون من أنقى ما يكون ذبحًا، لكنه من أجل أنه خبيث معنى، وهذه الآية استدل بها ابن عمر على حل القنفذ؛ لأن القنفذ ليس مذكورًا في هذه الأربع، وعلى هذا فيدخل في الحلال، وهذا استدلال جيد، ولكن الآية الكريمة لا ينافيها ما ثبت تحريمه بعد ذلك؛ لأن الله قال له:{قل لا أجد في ما أوحي إلي} ، ولم يقل:"لا أجد فيما يوحى إلي"، و {أوحي} فعل ماض يدل على أن ما مضى مما أوحي ليس فيه تحريم إلا هذه الأشياء الأربعة، أما المستقبل فله شأن آخر' ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم لحوم الحمر الأهلية مع أنها ليست مما ذكر، وكذلك كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من السباع، وعلى هذا فلا يكون ما ذكر بعد نزول هذه الآية لا يكون نسخًا لهل؛ لأن الآية لم تدل على تعميم الحكم وإنما دلت على تعميم الحكم فيما مضى. وقوله: ثم إن رجلاً مجهولاً قال لعبد الله بن عمر: أنه سمع أبا هريرة يقول: ذكر القنفذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنها خبيثة من الخبائث" والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنها خبيثة"، ولم يقل: إنها حرام؛ لأنه من المعلوم: أن الخبائث محرمة، فاكتفى بالوصف عن ذكر الحكم، فقال ابن عمر: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك فهو كما قال؛ يعني: إن كان قال ذلك فهو كما قال، ولا ينافي الآية؛ لأن الآية ليس فيها حصر التحريم فيما يستقبل، إنما حصر التحريم فيما مضى، فلا ينافي أن يأتي حكم يحرم ما لم يذكر فيها.

في هذا الحديث فوائد أولاً: جواز ذكر الدليل دون ذكر المدلول، يعني: ذكر دليل الحكم دون ذكر الحكم، وجهه إجابة عبد الله بن عمر بتلاوة الآية ولكن هذا مقيد بما إذا كان السائل يعرف أن يستنبط الحكم من الدليل، أما إذا كان عاميًا بحتًا لا يعرف فإنه لابد أن يذكر له الحكم فيقال: هذا حرام، ثم إن كان في الاستدلال لذلك الحكم مصلحة استدل وإلا فلا يفعل، وجه ذلك: أن العامي إذا ذكرت له الحكم ثم الاستدلال ربما يترخص في المستقبل ولا يفرق بين الحكم والدليل، فصار في هذه المسألة تفصيل: إن كان المستفتي يعرف استنباط الحكم من الدليل فإنه يجوز أن يذكر الدليل دون الحكم ليفهمه الإنسان من الدليل، وإن كان لا يعرف فلابد من ذكر الحكم، ثم إن كان من المناسب والمصلحة أن يذكر الدليل فهو أولى من أجل أن يكون المستفتي معتمدًا على الدليل فيكون ذلك أطمن لقلبه وأقوم لحجته وإن كان ليس من المناسب ذكر الدليل فلا يذكره؛ لأن المقصود معرفة الحكم، والناس يختلفون في هذا.

ص: 18

ومن فوائد الحديث: جواز الحصر في المعلوم وإن كان يحتمل لوجوده سوى هذا المحصور لقوله تعالى: {قل لا أجد

} الآية.

ومن فوائد الحديث: بلاغة القرآن؛ حيث لم يقل: قل ليس من المحرم إلا كذا وكذا، بل قال:{قل لا أجد في ما أوحي إلي .. الخ} .

ومن فوائد الحديث: تحريم هذه الأشياء الأربعة: وهي الميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به.

ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان أن يرد المجهول ولا أن يقبله، بل يجعل الحكم معلقًا على ثبوته؛ أي: ثبوت الخبر عمن نقل إليه، ووجه ذلك: قول ابن عمر: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك فهو كما قال، فإذا أخبرك إنسان مجهول فلا ترد الخبر ولا تقبله، بل الواجب التوقف، أما عدم رده فالاحتمال أن يكون صادقًا' وأما عدم قبوله فالاحتمال أن يكون كاذبًا، فيجب عليك التوقف وهذا هو الميزان العدل القسط؛ لأن الرد بدون مستند خطأ، والقبول بدون مستند خطأ أيضًا، فالواجب التوقف. فإذا قال قائل: هل تحكمون بصحة الحديث إذا لم يعرف هذا الشيخ المجهول؟

فالجواب: لا، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: إن إسناده ضعيف لجهالة هذا الشيخ، وينبني على ذلك هل يثبت الحكم بالحل أو بالتحريم في القنفذ؟ يثبت الحل؛ لأنه إذا ضعف السند فإنه لا يحتج به، إذ لا يحتج إلا بالحديث الذي يكون حسنًا أو صحيحًا، أما ما كان ضعيفًا فلا. فإن قال قائل: إذا كرهه الإنسان كراهة طبيعية فهل له أن يمتنع منه؟

الجواب: نعم له ذلك، كما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من أكل الضب مع إباحته، ومن لا يهتم به ولا يكرهه فليأكله؛ لأن الحديث لم يصح في كونه من الخبائث، ولهذا كان بعض أهل العلم يرى حله، وكان العامة المقلدون لهؤلاء العلماء لا يستكرهونه أبدًا، ويرون أنه من جنس اليربوع وشبهه.

ومن فوائد الحديث: أن الخبائث محرمة، لاسيما إذا سيقت لبيان الحكم إن صح قوله: إنها خبيثة من الخبائث، ولكن هل نقول: كل خبيث محرم، أو نقول: كل محرم خبيث؟ الثاني؛ لأننا لو قلنا: كل خبيث محرم لكان التحريم عائدًا إلى أذواق الناس، وقد يستخبث قوم هذا الشيء ولا يستخبثه آخرون، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن شجرة البصل والثوم ونحوها خبيثة ومع ذلك فهي حلال.

ص: 19