الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فائدة]: الإلجاج: هو المنع أو الحثُّ أو التصديق أو التكذيب، مثال المنع: أن يقول والله لئن فعلت كذا لأصومنَّ سنة، هل قصده الطاعة؟ لا، ولا نذر شيئًا مباحًا، إنما علَّق نذره بهذا ليمنع نفسه من فعله، الحثُّ مثل أن يقول: والله إن لم أفعل كذا لأصومنَّ سنة، هذا مقصود به حث نفسه على الفعل، التصديق هذا في مقابلة المخاطب، أخبر بخبر فقال: حصل كيت وكيت، فقال له المخاطب: كذبت، قال: إن كنت كاذبًا فلله عليَّ نذر أن أصوم سنة كاملة، غرضه بهذا أن يحمل المخاطب على التصديق، العكس إذا أخبره المخاطب بخبر فقال: إن كان ما أخبرتني به حقًا فلله علىَّ نذر أن أصوم سنة ما المقصود؟
تولي القضاء فرض كفاية:
سبق لنا أن القضاء هو: بيان الحكم الشرعي والإلزام به، وأن الفتوى: بيان الحكم الشرعي دون الإلزام، ونقول: إن القضاء من أفضل الولايات التي يقوم بها المسلم؛ لأنه ينفذ حكم الله في عباد الله، ولأنه إذا لم يتول القضاء من هو أهل له تولاه من ليس بأهل له؛ ولهذا قال العلماء: إن تولي القضاء فرض كفاية إن قام به من يكفي وإلا تعين عليه، وتهرب بعض السلف منه؛ لأن العلماء في وقتهم كثيرون وإذا تهرب إنسان وجدنا من تكون به الكفاية لكن إذا قلَّ العلماء الموصوفون فإنه لا ينبغي أبدًا أن يتهرب الإنسان منه.
وقول القائل: أخشى أن أجور في الحكم.
نقول: حتى وإن جرت في الحكم بعد الاجتهاد فلك أجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر"، ثم إنك قد تخطئ وقد تصيب، لماذا تغلب جانب الخطأ؟ ! أليست الإصابة لمن أراد الحق واجتهد هي الأكثر؟ وإذا كانت هي الأكثر فلماذا نتهرب خوفًا من الأقل وقد قال الله تعالى لداود- عليه الصلاة والسلام:{يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} [ص: 26].
فهو ولاية من أفضل الولايات لما يحصل فيها من وصول الحقوق إلى أهلها وحقن الدماء وعقوبة المفسد وغير ذلك؛ لأن كل هذه الأشياء تمرُّ بالقضاء، فالتهرب عنه ليس في محله ولا
ينبغي؛ لأن الناس لابد لهم من قضاة فإذا تهرب أهل القضاء الذين هم أهله حقُّا تولاه من ليس بأهل له ففسدت الدنيا والدَّين.
ثم أنه قد يقول القائل: الناس تغيرت وكثرت الحيل وكثر الكيد وهذا يشق علينا؟
جوابنا على ذلك ما ذكرناه: أولاً: أن تجتهد في تحري الحق، فإن أصبت فلك أجران، وإن أخطأت فلك أجر واحد.
ثم إنه ينبغي للقاضي أن يكون عنده فراسة ومعرفة بأحوال الناس؛ لأن هذه تخدمه كثيرًا، قد يتحاكم اثنان وظاهر الحال مع الأول، ولكن بالفراسة ومعرفة الأحوال يكون الحق مع الثاني، لهذا ينبغي للقاضي أن يكون لديه فراسة حتى يصل إلى الحق، وما قصه سليمان وداود بغريبة عليكم في قصة المرأتين اللتين خرجتا فأكل ولد إحداهما الذئب فاختصمتا إلى داود فقضى به للكبرى اجتهادًا منه بناءً على أن الصغرى شابة وأمامها سنوات ويأتيها أولاد- إذا أراد الله- خلاف الكبرى، فخرجتا فقصتا على سليمان فقال: أشقه بينكما نصفين، فقالت الصغرى: هو لها يا نبي الله، أما الكبرى فوافقت حتى يلحق هذا بابنها ويهلك كما هلك ابنها الذي أكله الذئب، فقضى به سليمان للصغرى. وهذه من الفراسة.
ويذكر عن قضاة من السلف ومن الخلف أيضًا أشياء غريبة في الفراسة؛ ولهذا أتمنى أن يتتبع أحد من الناس مثل هذه القصص وتؤلف في مؤلف وتوزيع بين القضاة حتى يستعينوا بها على تحرى الحكم والحق.
على كل حال: القضاء إذن حكمه فرض كفاية وإذا لم يوجد أهل سوى واحد تعين عليه، وهو من أفضل الأعمال وأجل الطاعات وأعلى الولايات، حتى إن الحاكم القاضي يحكم حتى على الأمير والسلطان لأنه حاكم قاضٍ يقضي بشرع الله، ثم إنه يتأكد في زمننا هذا أن يتولى العلماء لشريعة الله مناصب القضاء؛ لأنه كثر التحاكم الآن إلى الطاغوت- وهو القانون المخالف للشريعة- وصار كثير من الناس اليوم- ولا أقول أكثر الناس- يعتمدون على القوانين المكتوبة ويخافون إن حكموا بخلافها أن ترد أحكامهم أو أن توضع فوق رءوسهم علامة الاستفهام، ولكن الواجب على الإنسان أن يقول الحق، قال تعالى:{يأيها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} [النساء: 135]، ثم ذكر المؤلف حديث بريدة فقال: