الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فوائد الحديث: إثبات النار وإثبات يوم القيامة.
قوله: «ولأحمد من حديث أسماء نحوه» ماذا نسمي هذا؟ نسميه شاهداً؛ لأن الصحابي مختلف.
الترغيب في الصدقة:
1467 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «ما نقصت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله تعالى» . أخرجه مسلمٌ.
"ما" نافية، و"صدقة" فاعل، و"من مال" جار ومجرور متعلق بـ"نقصت" يعني: أن الصدقة لا تنقص المال، وقد يرويه بعض العامة بلفظ:"بل تزده" وهذا اللفظ منكر؛ أولاً: لأنه لم يرد في الحديث، وثانياً: أنه خطأ من جهة العربية، يقول:"بل تزده" فجزم الفعل بدون جازم، على كل حال: هو ليس من الحديث.
وقوله: "ما نقصت صدقة من مال"، إنما نفى النبي صلى الله عليه وسلم نقص المال بالصدقة؛ لأن الإنسان قد يظن أن النقص هو النقص الحسي، والحقيقة: أن النقص المعنوي، ولنضرب مثالاً: رجل عنده مائة ريال تصدق منها بعشرة كم صارت؟ تعين ريالاً، نقصت، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد هذا؛ لأنه يعلم أنه لابد أن ينقص العدد لكنه لم ينقص من حيث المعنى، وذلك أن الله تعالى ينزل البركة فيما بقي من المال وبقي المال الآفات التي قد تحدث للمال نفسه أو لمالك المال، أرأيت لو كان عند إنسان مائة ريال مثلاً وأصيب بمرض واحتاج المائة للمعالجة ذهبت المائة، فإذا تصدق من هذا المال فإنه من أسباب وقايته، أي: وقاية ما يتلفه سواء كان في مرض الإنسان أو في مرض أهله أو في ضياع أهله أو في سرقته، إذن ما نقصت صدقة من مال معنى «وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا» الإنسان إذا جنى عليه شخص وضربه فعفا عنه ابتغاء وجه الله، قد تقول له نفسه: إن عفوك عنه يعني: أنك ضعفت أمامه وذللت أمامه؟ أليس هذا وارداً؟ بلى وارد، لكن الرسول رخص في العفو وقال: إنه عز، وإن الإنسان الذي يظن أنه في العفو يكون ذليلاً سوف يعزه الله ويزيده عزا.
وقوله: «وما تواضع لله» هل المراد «تواضع لله» أي: لأمر الله فأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله، أو تواضع لعباد الله إخلاصاً لله؟ يشمل المعنيين جميعاً؛ لأن القاعدة أن النص من القرآن والسنة إذا كان يحتمل معنيين على السواء ولا منافاة بينهما فالواجب أن يحمل عليهما جميعاً، فعلى الوجه الأول «ما تواضع أحد» أي: لأوامر الله عز وجل «إلا رفعه» ؛
لأن من بني آدم من يستكبر، قال الله تعالى:{ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً} [النساء: 172]. وقال تعالى: {فبئس مأوى المتكبرين} [الزمر: 72]. فإن من الناس من بتكبر على أوامر الله ولا يتواضع، المعنى الثاني: تواضع لعباد الله لرضا الله عز وجل، فتكون اللام على هذا الوجه لتعليل، أي: لأجل الله عز وجل رفعه وذلك أن المتواضع للعباد قد يقول: إني إذا تواضعت وكلمت الفقير وسلمت على الصغير وانشرح صدري لجلسائي فإن ذلك يقتضي أن أنزل في أعينهم، نقول: هذا من وحي الشيطان، وأنت كلما تواضعت لله رفعك الله ولهذا قال بعض العامة كلمة طيبة، قال: إنك في أعين الناس بمقدار الناس في عينك، فإذا كنت تجل الناس وهم عندك بمنزلة عالية فأنت كذلك عندهم، وإذا كان العكس فالعكس، ولهذا تجد الناس يحتقرون المتكبر حتى وإن نفخ نفسه وأصلح ثوبه وركب السيارة الفخمة يكرهونه، لكن المتواضع يحبونه ويجلونه ويقدرونه، وفرق بين من يجل الإنسان خوفاً منه، ومن يجل الإنسان محبة وتعظيماً له.
في هذا الحديث فوائد أولاً: الحث على الصدقة، لقوله:«ما نقصت صدقة من مال» ، وإنما قال ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لئلا يمتنع أحد عن الصدقة؛ حيث أن الصدقة تنقص المال نقصاً حسياً، بأن يكون النقص حاصلاً في عدد المال.
ومن فوائد الحديث: أن الصدقة سبب لحماية المال وزيادة البركة فيه، لأننا نعلم أن المال ينقص عدداً بلا شك للصدقة، لكن نفى الرسول صلى الله عليه وسلم النقص عنه؛ يعني: أنه سيكون محمياً من الآفات، ولا يسلط الله على صاحبه ما ينفق المال فيه.
ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي الاعتماد على الأمور المادية؛ لأن هناك أشياء وراء الأمور المادية وهو قدر الله عز وجل، فلا تقل: أنا إذا أنفقت عشرة من مائة نقص مالي، وإن أنفقت عشرة أخرى نقص، نقول: هناك شيء وراء ذلك، ومن هذا ما يجري لبعض الناس حيث يقول: أنا لا أحب أن يكثر أولادي؛ لأنهم إذا كثروا طلبوا مني نفقات أكثر، إذا كانوا ثلاثة كم يحتاجون من الأرغفة؟ ثلاثة أرغفة، إذا كانوا أربعة يحتاجون أربعة أرغفة، من أين يأتي الرغيف الرابع؟ نقول: الأمر بيد الله عز وجل، وقد قال الله تعالى:{وما من دابةٍ في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم «إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم» ، قلنا: إن العفو ليس على إطلاقه ولكنه مقيد بالإصلاح: {فمن عفى وأصلح} [الشورى: 40]. أما إذا لم يكن في عفوه إصلاح فإنه لا ينبغي العفو، بل أحياناً يجب الأخذ.
ومن فوائد الحديث: الحث على العفو: لقوله: «وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزا» ، وهذا لا شك أن المراد به الحث على العفو.