الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الماء؛ يعني: أننا نعلم أنه مات بالغرق، وعليه فإذا كان الجرح موحيًا؛ أي: قاتلاً، ووجدناه في الماء فهل نأكل؟ نأكل؛ لأننا نعلم أنه مات بالسهم وليس بالغرق.
ومن فوائد الحديث: أنه لو وجد حريقًا في نار فهل يؤكل أم لا؟ في الواقع قد لا نستطيع العثور على الجرح، لكن إن أمكن أن نعرف أن الجرح هو الذي قتله فهو كالماء لكن لما كان الحريق أو المحترق لا يتبين فيه أثر السهم، قلنا: لا تأكل؛ لأن تبين أثر السهم بالحرق بعيد جداً بخلاف الغرق.
ومن فوائد الحديث: الحكم بالظاهر، وأنه وإن احتمل شيئًا آخر فلا عبرة به؛ لأنه قال:"إن غاب عنك يومًا ولم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت"، وهذا غالب أحكام الشريعة مبنية على الظاهر إلا إذا كان هذا الظاهر يستلزم إبطال شيء متيقن فإنه لا يلتفت إليه؛ لأن اليقين مقدم على الظن. مثاله: رجل وجد حركة في بطنه ثم أشكل عليه انتقض وضوؤه أم لا؟ وغلب على ظنه أنه انتقض وضوؤه فهل يجب أن يتوضأ؟ لا، ولهذا قلنا: ما لم يكن ظاهرًا مبطلاً ليقين فإنه لا يلتفت إليه؛ إذ أن الظاهر ظن، والظن لا يثبت به اليقين؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أشكل عليه: أخرج منه شيء أو لا؟ قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحًا، والقاعدة عند العلماء: أن اليقين لا يزول بالشك.
ومن فوائد الحديث: أن ظاهره لا فرق بين أن يصيبه السهم بعرضه أو بحده، ولكن هذا الظاهر غير مراد؛ لأنه سيأتينا أنه إذا أصاب بعرضه فهو ميتة، وإن أصابه بحده فهو حلال.
صيد المعارض:
1283 -
وعن عدي رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض، فقال: إذا أصبت بحده فكل، وإذا أصبت بعرضه، فقتل، فإنه وقيذ، فلا تأكل". رواه البخاري. هذا يقيد ظاهر الحديث السابق، أولاً: ما هو المعراض؟ المعراض هو عصا في رأسها حديدة محددة يصطاد به الناس كما قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم} [المائدة: 94]. فهو رمح في الواقع، فيقذف به الصائد على الصيد، فإما أن يصيبه بحده، وإما أن يصيبه بعرضه، إن أصابه بحده يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"فكل"؛ لأنه إذا أصابه بالحد مع قوة الرمي انجرح فأنهر الدم، وإن أصابه بالعرض فإنه لا ينجرح، وإذا قدر أن الصيد مات فقد مات بثقله لا بحده؛ ولهذا قال:"إنه وقيذ" وقوله: "عن صيد المعراض" هذا من باب إضافة الشيء
إلى آلته أو نوعه، وقوله:"فإنه وقيذ"، "وقيذ" بمعنى: موقوذ، ولفظ الآية الكريمة {والموقوذة} [المائدة: 3]. وهي التي قتلت بشي ثقيل لا بشيء حاد. في هذا الحديث فوائد: منها: حرص الصحابة على التعلم حتى في مسائل غير الدين الأكل والشرب واللباس وغير ذلك، نجد أن الصحابة رضي الله عنه يسألون عن هذه الأمور، وهذا واجب على كل إنسان أراد أن يفعل شيئًا ألا يدخل فيه حتى يعرف أحكامه الشرعية لأجل أن يكون على بصيرة.
ومن فوائد الحديث: أنه إذا كان المسئول عالمًا بمعنى السؤال فإنه لا يحتاج إلى استفهام، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأله عن المعراض؛ لأنه يعلمه، مع أن علماء اللغة اختلفوا فيه، لكن أقرب ما يقال فيه ما ذكرناه أنه عصا في رأسه حديدة محددة.
ومن فوائد الحديث: جواز الصيد بالمعراض مع احتمال أن يصيب بالعرض أو بالحد، فلا يقال مثلاً: إذا كان فيه احتمال أن يصيب بالعرض فإن هذا لا يجوز؛ لأنه إيذاء للحيوان، أو لأنه يكون سببًا لإتلافه إذا لم تدركه فتذكيه، نقول: هذا مما أباحه الشرح مع احتمال أن يصيبه بعرضه.
ومن فوائد الحديث: وجوب التفصيل في الفتوى إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فصل، وهذا إذا احتيج إلى ذلك يستفصل عن شرط الحكم، أما عن عدم المانع فلا يجب، ولهذا لو سألنا سائل: هلك هالك عن أب وأم وأخ لا نحتاج أن نقول: هل الأب موافق للميت في الدين أم لا؟ أو هل الأم كذلك أو هل الأخ، لا نحتاج، لماذا؟ لأن هذا استفهام عن عدم المانع ولا يجب لكن لو قال هلك هالك عن بنت وأخ وعم شقيق، فهنا يجب أن نسأل نقول: ما الأخ هذا؟ إن كان أخًا لأم فللبنت النصف والباقي للعم، والأخ من الأم يسقط بالبنت وإن كان الأخ شقيقًا أو لأب فالباقي له ويسقط العم، في هذا الحديث الذي وقع السؤال من عدي بن حاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فصل الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"ما أصاب بعرضه فقتله فإنه وقيذ" فيستفاد من ذلك: أنه يجب على المفتي أن يستفصل فيما يحتاج إلى التفصيل لكن في شرط الحكم لا في انتفاء المانع.
ومن فوائد الحديث: أنه لو أصاب المعراض بعرضه فأدركته وذكيته وفي حياة مستقرة حل، يؤخذ من قوله:"فقتل" يعني: مات بإصابته بعرضه، فإن هذا يعتبر قتلاً ولا يعتبر صيدًا مبيحًا للصيد.
ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه علل منعه من الأكل بأنه وقيذ، وقد قال الله تعالى في المحرمات:{والموقوذة} .