الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسب أباه أبا الرجل؟ مشكل هذا، لا تزر وازرة وزر أخرى، فالظاهر لي - والله أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك إقرارًا للحكم الشرعي، ولكنه ذكر ذلك اعتبارًا بالواقع، أما الشرع فلا يجوز ذلكن نظير هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«لتركبن سنن من كان قبلكم» ، يعني: اليهود والنصارى، هل هذا إقرار شرعي أو إقرار بالواقع؟ الثاني لاشك، وأخبر أن الظعينة ترتحل من كذا إلى كذا ليس معها أحد، وهذا ليس إقرارًا شرعيًا، لأن المعروف في الشرع أن المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم.
بماذا يزول التهاجر بين الأخوين
؟
1402 -
وعن أبي أيوب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» . متفق عليه. إذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يحل" فالمعنى: أنها حرام، قال الله تعالى:{ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} [البقرة: 229]. وقال تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتم ما خلق الله في أرحامهن} [البقرة: 228]. يعني حرام وهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم» ، قال: المسلم، والظاهر - والله أعلم - أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم: المسلم الذي هو مؤمن، بخلا المنافق الذي هو مستتر ظاهرًا، ويحتمل أن يكون المراد بذلك: المسلم ولو ظاهرًا، ولكن قوله:"أخاه" يمنع ذلك؛ أي: يمنع دخول المنافق فيه؛ وذلك لأن المنافق ليس أخًا للمسلمين.
"أن يهجر أخاه" لم يقل: أن يهجر المسلم من أجل الاستعطاف؛ يعني: أخوك كيف تهجره، لو قال: يهجر المسلم المعنى صحيح، لكن إذا قال: أن يهجر أخاه فهو استعطاف له، لأن أخاه لا يمكن أن يهجره، والهجر هنا معناه الترك، وهو أقسام كثيرة، فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا» يعني: يلتقيان في الشارع أو المسجد، فيعرض كل واحد منهما عن الآخر، قال:«وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» ، "خيرهما" الضمير يعود على الملتقيين، خير الملتقيين من يبدأ بالسلام.
فهذا الحديث فيه فوائد كثيرة: منها: أنه يجب على المسلمين أن يقوموا بما يجلب المودة والمحبة وهو إفشاء السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشو السلام بينكم» ، وضد السلام: عدم الإفشاء، ومنه الهجر.
ومن فوائد الحديث: تحريم هجران أهل المعاصي؛ لأن العاصي لا تنتفي بمعصيته الأخوة، أرأيتم قتل الإنسان عمدًا هذا من كبائر الذنوب العظيمة ومع ذلك قال الله عز وجل:{فمن عفى له من أخيه شيء} [البقرة: 178]. فجعل القاتل أخًا للمقتول، وكذلك قتال المؤمن سماه الرسول: كفرًا قال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ، ومع ذلك قال الله تعالى:{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات: 10]. وهذه ذنوب عظيمة يكون بها الإنسان فاسقًا ومع ذلك لم يخرج عن الأخوة؛ إذن يحرم هجران أهل المعاصي، لكن يستثنى من ذلك إذا كان في هجرهم مصلحة بحيث يرتدعون عن المعصية فهنا يكون الهجر واجبًا؛ لأنه سبب لإزالة المنكر فيكون من باب النهي عن المنكر، أما إذا كان هجر أهل المعصية لا يستفيدون به شيئًا بل ربما يزدادون فرقه ونفورًا وكراهية للحق ولأهل الحق كما هو الواقع في كثير من الناس، كثير من أهل المعاصي إذا هجره أهل الخير كره الخير وأهله وازداد في إرغام أنوفنا؛ إذن نقول: الهجر دواء إن نفع فافعله وإن لم ينفع فلا نفعله، فإن ترددت فما الأصل؟ عدم الهجر.
ومن فوائد الحديث: جواز هجر المسلم لأخيه في ثلاثة أيام فأقل؛ لقوله: "فوق ثلاث"، فدل ذلك بمفهومه على أنه يجوز هجره من ثلاث فأقلن كيف ذلك؟ لأن الإنسان قد يقع في نفسه على أخيه شيء: سوء تفاهم أو مخاصمة، فيحمل في نفسه عليه شيئًا، ويرى أن تبريد الأمر أن يهجره، وعندنا في اللغة العامية يغضب عليه ما يكلمه ويكون أول يوم من الغضب هجرًا، ثاني يوم يسكت الأمر ويبرد غضبه، ثالث يوم يقول: لا فائدة من الهجر، في الرابع يزول ذلك بالكلية، ولا يجوز أن يستمر أكثر من ثلاثة أيام، وهذه من حكمة الشرع أنه جعل الهجر الجائز ثلاثة أيام، فأول يوم لشدة الغضب، وثاني يوم للتأمل والتروي، وثالث يوم يزول الغضب، فلذلك جعلت ثلاثة أيام.
ومن فوائد الحديث: أن الذي يبدأ بالسلام ولو كان الكبير على الصغير والكثير على القليل وهو خير الملتقيين لقوله: «خيرهما الذي يبدأ بالسلام» .
ومن فوائد الحديث: أن الهجر يزول بالسلام ووجه واضح لأنك ستقول: السلام عليك، فتخاطبه، فيزول بذلك الهجر، لكن ليعلم أن الناس يختلفون، من الناس من يكفيه أن تقول: السلام عليك، وتقول: عليك السلام ويذهب، ومن الناس من يحتاج إلى زيادة سؤال عن حاله: