الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم ذبح المسنة:
1299 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» رواه مسلم.
«لا تذبحوا» هذا نهي والمراد: لا تذبحوا في الأضاحي وليس نهياً مطلقاً لأن ما هو صغير من المواشي يذبح في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يضر، «إلا مسنة» هذه المسنة فما هو السني من الضأن؟ ما تم له سنة، ومن المعز ما تم له سنة، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن الإبل ما تم له خمس سنين، وما دون ذلك لا يجزئ في الأضاحي لكن الرسول صلى الله عليه وسلم استثنى فقال:«إلا أن عسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» الضأن تختص بما دون السنية وهي الجذعة تجزئ، ولهذا قال: إلا أن تعسر فتذبحوا جذعة من الضأن، والجذع من الضأن ما تم له ستة أشهر، قالوا: وله علامة وهي أن الصغير من الضأن يكون شعر ظهره واقفاً فإذا صار جذعاً فإنه ينام الشعر ينام على الظهر، وهذا ربما تكون علامة مقربة لكن المدار على ما تم له ستة أشهر.
في هذا الحديث: دليل على أنه لابد في الأضاحي من أن تكون الأضحية سنية فأكثر لقوله: «لا تذبحوا إلا مسنة» .
ومن فوائده أيضاً: أنه يجوز التضحية بالجذع من الضأن لكن الحديث كما ترون مشروط بن إذا تعسرت السنية، فهل هذا الشرط شرط للإجزاء أو للكمال؟ ظاهر الحديث أنه شرط للإجزاء لأنه قال: إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن، يعني: فلا حرج، ولكن سيأتينا- إن كان المؤلف قد ذكره- بأنه يجوز التضحية بالجذع مطلقاً فالسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح التضحية بالجذع من الضأن مطلقاً، وعلى هذا فيكون هذا القيد:«إلا أن تعسر عليكم» قيد للأكمل والأفضل: يعني: أن الأفضل السنية أفضل من الجذعة، لكن إن تعسرت ولم تكن متيسرة فاذبحوا جذعة من الضأن، وإن ذبحتم بدون أن تتعسر فلا بأس، دلت عليه السنة من وجه آخر، إذن أضف إلى الشرطين السابقين شرطاً ثالثاً، وهو بلوغ السن المعتبر شرعاً وهو في الإبل خمس سنين والبقر سنتان والمعز سنة والضأن ستة أشهر.
عيوب الأضحية:
1300 -
وعن علي رضي الله عنه: قال «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ولا نضحي بعوراء، ولا مقابلة ولا مدابرة، ولا خرقاء ولا ثرماء» أخرجه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم.
«أمرنا» الأمر طلب الفعل على وجه الاستعلاء وهل يقتضي الوجوب أو الاستحباب؟ هذا محل ذكره أصول الفقه، «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين» أي: طلب شرفهما أي: حسنهما يعني: أن نتفقد العين والأذن وننظر الأحسن في منظره والأحسن في أذنه، وألا نضحي بعوراء يعني: وأمرنا ألا نضحي بعوراء وسبق أن العور فقد البصر في إحدى العينين وأنه ينقسم إلى قسمين بين وغير بين، وحديث على بعوراء يشمل العوراء البين عورها وما لا يبين عورها، وألا نضحي بمقابلة ولا مدابرة هذه هي العيوب المقابلة والمدابرة والخرقاء كلها عيوب في الأذن.
أما المقابلة فهي التي يقابلك عيبها والمدابرة هي التي يدابرك عيبها والخرقاء مخروقة الأذن، المقابلة هي أن تشق أذنها عرضا من قدام، المدابرة عكسها تشق الأذن عرضا من الخلف، الخرقاء ما خرقت أذنها سواء خرقت من أعلى أو أسفل أو الوسط أو اليمين أو اليسار، أي: خرق وسواء كان الخرق من الوسم أو من حادث أصابها.
ولا ثرمي وهي التي سقط من أسنانها شيء، ويوشك أن تكون هذه الكلمة غير محفوظة لأنه ليس لها علاقة بالعيب والأذن، والحديث يقول: أن نستشرف العين والأذن، ولذلك [جاء في] بعض ألفاظ الحديث:«لا شرقي» وهي التي تشق أذنها من الوسط طولاً.
هذا الحديث: يدل على أنه ينبغي للإنسان أن يتفقد أضحيته حتى الأعضاء الصغيرة فيها وهي العين والأذن يتفقدها ويختار الأحسن والأجمل لقوله: «أمرنا أن نستشرف العين والأذن» وهل هذا الأمر للوجوب بمعنى أن تكون العين شريفة والأذن شريفة؟ لا، هذا على سبيل الاستحباب ويدل لذلك حديث البراء أن الممنوع من التضحية به هي الأربع، أما هذا فهو على سبيل الكمال ألا نضحي بعوراء، هذا يستفاد منه أيضاً:«أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا نضحي بعوراء» ،
وهل هذا الأمر على الوجوب؟ نقول: لا، فيه تفصيل، أما العوراء البين عورها فإننا لا نضحي بها وجوبا ويفيده حديث البراء، وأما العوراء التي ليس عورها بيناً فإننا نضحي بها لكن الأفضل الا أن التضحية بها تكون مكروهة.
كذلك يستفاد من هذا الحديث: جواز التضحية بما اختل أذنه من البهائم، يستفاد من هذا الحديث: جواز التضحية لكن على خلاف الأفضل والأكمل وعليه فينبغي أن تكون الأذن سليمة ليس فيها خروق ولا شقوق ولا غير ذلك.
فإن قال قائل: إذا قطعت الأذن للمصلحة فهل تدخل في هذا الحديث.
نقول: نعم تدخل لأن المصلحة التي قطعت لها الأذن ليس لمصلحة البهيمة ولكنها لمصلحة صابحها لكثرة الدراهم بخلاف الخصي، تجوز التضحية به، وقد ضحى به النبي صلى الله عليه وسلم لأن الخصي إنما قطعت خصيتاه لمصلحة البهيمة فهو يكون سبباً لحسن اللحم وكثرته.
ومن فوائد الحديث: ألا نضحي بالمقابلة والمدابرة والخرقاء، بل يضحي بما أذنه سليمة أسنانه شيء سواء الثنايا أو الرباعيات أو الأضراس فإنه لا يضحي به، وذلك لنقص خلقته، ولكن هل هذا على سبيل الوجوب؟ لا، ، هو على سبيل الكمال لأنه كلما كانت أسنانها أكمل فهي أفضل.
بقي لنا لو انكسر قرنها فهل تجزئ؟ الجواب: نعمن تجزئ حتى لو انكسر القرن كله فإنها تجزئ: لأن القرن لا يؤكل ولا يستفيد الناس منه بالأكل، ولا يضر البهيمة إذا انكسر، لكن إن كان انكساره طريا والبهيمة متأثرة به فإننا نقول: إن كان تأثرها بيناً لم تجزئ لدخولها في قوله: «المريض البين مرضها» وأما إذا لم يكن مؤثراً فلا حرج فيها إطلاقاً أيضا: هل مقطوعة الذنب تجزئ أو لا؟
الأحاديث ليس فيها شيء يدل على هذا، لكن يؤخذ من القياس أنها مكروهة لأنها كمقطوعة الأذن، ولكنها مجزئة، وإذا كانت مقطوعة الإلية فإنها لا تجزئ، وذلك لأن الإلية لحم مقصود ومؤثر في البهيمة، وإذا كانت البهيمة مما لا ألية له خلقة فهل تجزئ؟ نعم، تجزئ، لأن هذا بأصل الخلقة، من ذلك الضأن الاسترالي فإن الأسترالي ليس له ذنب بل هو مقطوع الذنب فهو مجزئ لأنهم يقطعونه من أجل طيب اللحم وكثرة اللحم وهو يشبه ذنب البقرة ولا يشبه ألية الضأن، وقد رأينا ذلك في التي تولدت من الاستراليات ووجدنا أن ذنبها مستطيل كذنب البقرة تماماً يعني: ليس كالضأن الذي قطعت أليته، وعلى هذا فيكون مجزءاً الخصي يجزئ مقطوع الذكر يجزئ، لكن كلما كانت البهيمة أكمل فهي أفضل.
نعود إلى شروط الأضحية هي أربعة أولا: أن تكون من بهيمة الأنعام، ثانياً: تبلغ السن المعتبرة شرعاً، ثالثاً: أن تكون سلمية من العيوب المانعة من الإجزاء رابعاً: أن يكون في وقت الأضحية وهو ما بين انتهاء الإمام من صلاة العيد يوم النحر إلى أن تغرب الشمس في اليوم الثالث عشر على القول الراجح.
ومن العلماء من قال: إنه يوم النحر فقط، ومنهم من قال: إنه يوم النحر ويومان بعده، ولكن القول الراجح: أنها ثلاثة أيام بعد العيد، فتكون أيام الذبح أربعة ويجزئ الذبح ليلاً ونهاراً بلا كراهة، على هذا فقوله تعالى:{واذكروا الله في أيام معدودات} [البقرة: 203] لا يمنع من دخول الليالي، لأن العرب تطلق الأيام على الليالي والليالي على الأيام.
هل يشترط أن تكون ملكاً للإنسان؟ نعم، يشترط، فلو أن أحداً غصب شاة شخص ثم ضحى بها فإنها لا تجزئه لقول النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا» وهذه ليست طيبة بل هي خبيثة وكذلك ما تعلق بها حق الغير كالمرهونة فإنه لو ضحى بها لم تجزئ، لأنه لا يمكن التصرف فيها.
وهناك بحث: هل الأضحية للأموات أو للأحياء؟ الأضحية للأحياء وليست للأموات، ولهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم ضحوا عن ميت إطلاقاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم توفيت زوجته خديجة وهي من أحب الناس إليه وتوفي جميع أولاده ما عدا فاطمة وتوفي عمه حمزة بن عبد المطلب ولم يضح عن أحد منهم أيداً، ولو كان هذا من شرع الله لفعله النبي صلى الله عليه وسلم أو أرشد الأمة إليه أو فعل بحضرته وأقدره فدل ذلك على أن الأضحية سنة تتعلق ببدن الفاعل كالصلاة وغيرها من العبادات، وقد قرنها الله تعالى بالصلاة فقال:{فصل لربك وأنحر} [الكوثر: 2]
وأما عن الأموات فلم يرد، لكن لو أن الإنسان تبرع لوالده بأضحية فنرجو ألا يكون في هذا بأس، وإن كان بعض العلماء يقول: لا يجوز، ، ولا تنفع الميت على أنها أضحية ولكن تنفعه على أنها صدقة؛ لأن الأضحية إنما تشرع للأحياء فقط، وأما ما يفعله بعض العامة عندنا يجعلون الأضاحي كلها للأموات يعني: مر علينا أعوام سابقة لا يعرف الناس الأضحية إلا للأموات، لا تجد أحداً يضحي عن نفسه وأهل بيته، حتى في بيتنا أذكر أنه يكون عندنا عشر أو إحدى عشرة أضحية كلها للأموات لكنها وصاياً، أما الأحياء فما كان يطرأ على بالهم أن الحي يضحى له إطلاقا.
فإن قال قائل: هل يجوز أن يضحى عن الميت تبعاً؟
فالجواب: نعم، بأن يقول الإنسان: هذا عني وعن أهل بيتي ويدخل في ذلك الأحياء