الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه توعد عليه بالنار، يتفرع من هذه الفائدة: أنه يجب على الإنسان حماية ماله من التخوض فيه وهذا بمعنى النهي عن إضاعة المال.
ومن فوائده: أنه يحرم على الإنسان أن يكتسب المال إلا من وجه حلال بحق بناء على ما قلنا التخوض يكون سابقاً ولاحقاً وهو كذلك، فالواجب على الإنسان أن يحتاط احتياطاً تاماً فيما يكتسبه من المال وألا يأخذ كل ما هب ودب بل يتقي الشبهات.
ومن فوائد الحديث: إضافة ما بأيدينا إلى ربنا عز وجل لقوله: "من مال الله".
فإذا قال قائل: أليست الأموال لنا؟
فالجواب: بلى، أضافها الله عز وجل إلينا:{ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً} [النساء: 5]. {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} ، لكن إضافتها إلينا إضافة تصرف لا إضافة خلق وإيجاد، يعني: الذي أوجدها وخلقها هو الله عز وجل، ثم إن تصرفنا فيه مقيد بما أذن الله فيه فليس لنا أن نعمل كما شئنا، إذن وجه الإضافة ظاهر أن الله هو الذي خلقها وهو الذي رزقنا إياها وهو الذي شرع لنا أن نتصرف فيها كما شاء.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان إذا ذكر الحكم أن يذكر العلة لاطمئنان النفس لقوله: بغير حق.
ومن فوائد الحديث: إثبات النار وإثبات يوم القيامة لقوله: "فلهم النار يوم القيامة".
حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:
1433 -
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه سبحانه وتعالى قال: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا". أخرجه مسلم.
اقتصر المؤلف رحمه الله على الشاهد منه، وهنا نبحث هل يجوز للراوي أن يختصر الحديث؟ وأما الراوي الناقل كالمصنف نقله من الاصل -صحيح مسلم- وصحيح مسلم موجود لمن أراد الرجوع إليه، لكن إنسان يروي الحديث عن شيخه يريد أن ينقله للأمة فهذا لابد أن يتمه لكن يجوز حذف شيء منه بشرط ألا يتعلق به ما قبله فإن تعلق به ما قبله فالحذف حرام ومع قولنا بأنه يجوز حذف الحديث فإن الأولى عدم الحذف حتى لو طال الحديث لو كان صفحة أو صفحتين. في هذا الحديث يقول: فيما يرويه عن ربه، من الذي يرويه؟ الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه هذا منتهى السند وهو الله عز وجل، وهذا الحديث الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه يقول: قال الله تعالى، مثل حديث زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ذات يوم صلاة الصبح في الحديبية
على إثر سماء كان في الليل فقال: هل تدرون ما قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"أصبح من عبادي مؤمن وكافر" نسمي هذا الحديث من رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه ويسمى عند العلماء حديثاً قدسياً، وهو في مرتبة بين الحديث النبوي والقرآن الكريم وفيه أي: في الحديث القدسي فيه الصحيح وفيه الحسن وفيه الضعيف وفيه الموضوع، أما القرآن فكله صحيح متواتر ليس فيه كلمة ولا حرف إلا وهو متواتر، وهذا من الفروق العظيمة بين الحديث القدسي والقرآن الكريم، يقول جل وعلا:"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي" حرمت: أي منعت الظلم على نفسي ولله تعالى أن يحرم على نفسه ما شاء وله أن يوجب على نفسه ما شاء فقد حرم الله على نفسه أشياء وأوجب على نفسه أشياء قال الله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم} [الأنعام: 54]. قال: "كتب على نفسه الرحمة" وهنا نقول: هل هناك شيء واجب على الله؟
نعم، لكن هو الذي أوجبه على نفسه إذا أوجب على نفسه شيئاً نقول هو ربنا عز وجل يفعل ما يشاء فعلى الله واجبات أوجبها على نفسه، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
(ما للعباد عليه حق واجب
…
هو أوجب الأجر العظيم الشان)
(كلا ولا عملٌ لديه ضائعٌ
…
إن كان بالإخلاص والإحسان)
يعني: لا يمكن أن يضيع عند الله عمل إطلاقاً بهذين الشرطين إن كان بالإخلاص، والإحسان يعني المتابعة، المهم، أن الله يوجب على نفسه ما شاء، ويحرم على نفسه ما شاء، ولهذا قال:"حرمت الظلم على نفسي"، والظلم يدور على شيئين: إما عُدوان، وإما نقص حق، فمن سطا على مالك وأخذه فهذا من العدوان، ومن جحد حقك فهذا من النقص، فالرب عز وجل لا يمكن أن ينقص إنساناً حسنة عملها أبداً، ولا يمكن أن يضيف إليه عقوبة سيئة لم يعملها قال الله تعالى:{ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً} [طه: 112]. "وجعلته بينكم محرماً" هذا الشاهد بينكم أي: بين الناس محرماً حتى بين المسلمين والكافرين نعم الظلم حرام، ألسنا نقول للكافر: إما أن تسلم وإلا قاتلناك أو تبذل الجزية أليس هذا ظلماً؟
لا، لأننا نفعل ذلك لحق الله لا لحقنا أما فيما بيننا وبينهم من الحقوق فلا نظلمهم، ولهذا يجب أن توفي بعقد البيع بينك وبينه، وبعقد الإجارة بينك وبينه وبحق الشفعة إلى هذا الحد على رأي بعض العلماء الذي يقول: إن حق الشفعة حق ملك لا مالك، فيقول: إنه لو كان شريكك كافراً، وبعت نصيبك على مسلم فللكافر أن يأخذه بالشفعة؛ لأن هذا حق ملك لا مالك، والشاهد أن الظلم محرم بين العباد حتى بين المسلم والكافر.
فإذا وأورد علينا الكافر فقال: أنتم ظلمتوني، أنا حر في الدين حرية الأديان فهل نقول: دعوه يكون يهودياً نصرانياً ليس لكم شأن ماذا نقول؟
هذا حق لله لازم علينا وعليك نحن ما ظلمناك في حقك الخاص إنما عاملناك بما أمرنا الله به وهو ربك وهذا ليس بظلم، "فلا تظالموا" تأكيد لقوله:"وجعلته بينكم محرماً"، فقال:"لا تظالموا" أي: لا يظلم بعضكم بعضاً حتى الأب مع ابنه، هذا هو الأصل يعني: فإذا كان أنت ومالك لأبيك وأخذ أبوك من مالك ما لا ترضى بأخذه فليس هذا بظلم لأنه أخذه بأمر الله فوجب عليه هو أيضاً أن يستسلم لأمر الله عز وجل المهم أن الظلم حرام بين العباد حتى بين الأب وابنه والأم وولدها.
في هذا الحديث فوائد: منها: رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن الله فيكون النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للحديث القدسي كرجل من الإسناد بالنسبة للحديث النبوي.
ومن فوائد الحديث: إثبات الكلام لله عز وجل أن الله يتكلم لقوله: إن الله قال "يا عبادي"، وكلام الله تعالى صفة من صفاته يتكلم -جل وعلا- حقيقة لا مجازاً وكلامه صفة من صفاته وهل هو من الصفات اللازمة كالعلم والقدرة أو من الصفات اللازم أصلها دون آحادها؟
الثاني لأن الله يتكلم كما قال أهل السنة يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء يتكلم كلاماً حقيقياً مسموعاً بحرف وصوت ليس كلام الله هو المعنى القائم بالنفس، من قال: إن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه فإنه لم يثبت كلام الله وإنما أثبت علم الله، والعجب أن مذهب الأشاعرة في هذا الباب مذهب غير معقول حيث يقولون: إن الله يتكلم وكلامه هو المعنى القائم بنفسه فإذا قيل لهم: هل سمعه جبريل من الله؟ قالوا: هذا صوت خلقه الله في الجو فسمعه جبريل، وقالت المعتزلة: كلام الله مخلوق لكنه صفة من صفاته فأي فرق بين المذهبين؟
لا فرق، ولهذا قال بعض المحققين: الواقع أنه لا فرق بيننا وبين المعتزلة فكلنا متفقون على أن ما بين أيدينا من المصحف مخلوق كلنا متفقون على أن ما سمعه جبريل من الله مخلوق، نقول: هذا قول باطل أعني: القول بأن كلام الله هو المعني القائم بنفسه فإذا قيل لهم: هل سمعه جبريل من الله؟ قالوا: هذا صوت خلقه الله في الجو فسمعه جبريل، وقالت المعتزلة: كلام الله مخلوق لكنه صفة من صفاته فأي فرق بين المذهبين؟
لا فرق، ولهذا قال بعض المحققين: الواقع أنه لا فرق بيننا وبين المعتزلة فكلنا متفقون على أن ما بين أيدينا من المصحف مخلوق كلنا متفقون على أن ما سمعه جبريل من اله مخلوق، نقول: هذا قول باطل أعني: القول بأن كلام الله هو المعني القائم بنفسه وأن ما سمعه جبريل عليه السلام أو موسى عليه الصلاة والسلام أو محمد صلى الله عليه وسلم فإنه مخلوق للتعبير عما في نفس الله، إذن فيه إثبات كلام الله عز وجل وكلام الله إذا أردنا أن نقوله على سبيل الإجمال صفة من صفاته يتعلق بمشيئته متى شاء تكلم ويتكلم بما شاء وكيف شاء.
ومن فوائد الحديث: إثبات أن جميع الخلق عباد الله لقوله: "يا عبادي" ولا شك أن الأمر كذلك {إن كل ما في السماوات والأرض إلا ءاتى الرحمن عبداً} [مريم: 93]، كل شيء، {ألم تر أن
الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب} [الحج: 18]. كلها تسجد لله عز وجل تعبداً له {تسبح له السماوات والأرض ومن فيهن وإن من شيءٍ} يعني: ما من شيء {إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [الإسراء: 44]. كل الخلق عباد لله عز وجل، لكنه يخاطب من هو مكلف ومن تحمل الأمانة وهو الإنسان وكذلك الجن هم مخاطبون بالشريعة كالإنس.
ومن فوائد الحديث: أن الظلم في حق الله تعالى ممكن لكن الكمال عدله حرمه على نفسه وجهه أنه قال: إني حرمت الظلم على نفسي ولو كان من الأمور المستحيلة لم يتمدح الله به أن حرمه على نفسه وهذه مسألة مهمة يجب أن نعرف الفرق بين هذا وبين ما قالته الجهمية من أن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يظلم، الظلم عنده المحال لذاته نحن نقول: بإمكان الله تعالى أن يهدر حسنة عملها الإنسان ولا يثيبه عليها وبإمكانه أن يضع عليه وزراً دون أن يعمل سيئة، هذا ممكن لكن لكمال عدله صار ممتنعاً عليه عز وجل، لأنه كامل العدل، أرأيت مثلاً عليه -والله المثل الأعلى- رجل ملك يأخذ من أموال الناس ظلماً بغير حق ثم من الله عليه بالتوبة فترك ذلك يحمد أو لا يحمد؟
يحمد، الرب عز وجل يحمد حيث حرم الظلم على نفسه ولو كان غير ممكن ما كان هناك حمد وثناء على الله تعالى بذلك.
ومن فوائد الحديث: أن لله تعالى أن يحرم على نفسه ما شاء، أما نحن فلا نحرم على الله فإن قال قائل: هل أنتم تجيزون الظلم على الله عز وجل أو تمنعونه؟
قلنا: نمنعه بمقتضى الرحمة والحكمة لكن نظراً إلى أننا نمنعه بمقتضى صفاته التي اتصف بها أما من حيث العموم فإنه لا شك أنه يمكنه أن يظلم لكنه حرمه على نفسه لكمال عدله وحكمته ورحمته.
ومن فوائد الحديث: إثبات النفس لله عز وجل وهذا ثابت لله أثبته هو عز وجل فقال تعالى: {ويحذركم الله نفسه} وكذلك أنبياؤه أثبتت ذلك فقال عيسى عليه الصلاة والسلام: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} [المائدة: 116]. وهنا وصف الله نفسه بذلك فقال: "حرمت الظلم على نفسي" فهل النفس شيء زائد على الذات أو هي الذات؟
الجواب: هي الذات، "على نفسي" أي: علي "يحذركم الله نفسه" أي: يحذركم الله ذاته، "تعلم ما في نفسي" أي: ما في ذاتي "ولا أعلم ما في نفسك" وليس هو صفة زائدة على الذات بل هو بمعنى الذات تماماً وهذا هو مقتضى اللغة العربية ولا يمنعه الشرع.
ومن فوائد الحديث: تحريم التظالم بين الناس؛ لقوله: "وجعلته بينكم محرماً".