المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأطعمة

-

- ‌تحريم كل ذي ناب من السباع:

- ‌تحريم كل ذي مخلب من الطير:

- ‌حكم أكل الحمر الأهلية والخيل:

- ‌حكم أكل الجراد:

- ‌حكم أكل الأرنب:

- ‌حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد:

- ‌حكم أكل الضبع:

- ‌حكم أكل القنفذ:

- ‌النهي عن أكل الجلالة:

- ‌حل الحمار الوحشي والخيل:

- ‌حل أكل الضب:

- ‌حكم الضفدع:

- ‌خلاصة كتاب الأطعمة، وخلاصته تدور على أمور:

- ‌1 - باب الصيد والذبائح

- ‌اقتناء الكلب:

- ‌حل صيد الكلب المعلم:

- ‌فائدة: حكم التسمية عند الذبح:

- ‌حكم ما أكل منه كلب الصيد:

- ‌حكم اشتراك كلبين في الصيد:

- ‌صيد المعارض:

- ‌تنبيه:

- ‌الصيد بالسهم وحكمه:

- ‌التسمية على ما لم يسم عليه عند الذبح:

- ‌فائدة: حكم اللحوم المستوردة من بلاد الكفار:

- ‌النهي عن الحذف:

- ‌النهي عن اتخاذ ذي الروح غرضاً:

- ‌حكم ذبح الحجر وذبح المرأة الحائض:

- ‌فائدة في ذبح ملك الغير وحله:

- ‌شروط الذبح:

- ‌النهي عن قتل الدواب صبراً:

- ‌وجوب إحسان القتلة:

- ‌ذكاة الجنين ذكاة أمة:

- ‌حكم نسيان التسمية عند الذبح:

- ‌2 - باب الأضاحي

- ‌شروط الأضحية:

- ‌صفة ذبح النبي صلى الله عليه وسلم للأضحية:

- ‌حكم الأضحية:

- ‌وقت الأضحية

- ‌عيوب الأضحية:

- ‌حكم ذبح المسنة:

- ‌لا يعطي الجزار من الأضحية:

- ‌إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌العقيقة عن الغلام والجارية:

- ‌ارتهان الغلام بعقيقة:

- ‌وقت العقيقة والحلق:

- ‌مسألة السقط وأحكامه:

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌تعريف الأيمان:

- ‌كراهة الإكثار من اليمين:

- ‌فائدة: قرن اليمين بقول: «إن شاء الله»:

- ‌شروط وجوب الكفارة:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌اعتبارنية المستحلف في اليمين:

- ‌من حلف فرأى الحنث خيرا كفر عن يمينه:

- ‌الحنث في اليمين على خمسة أقسام:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌تحقيق القول في تعليق الحلف بالمشيئة:

- ‌نية الاستثناء لا تغني في اليمين إلا بالتلفظ به:

- ‌لفظ يمين الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌حكم الحلف بصفة من صفاته تعالى:

- ‌اليمين الغموس من كبائر الذنوب:

- ‌لغو اليمين:

- ‌أسماء الله الحسنى:

- ‌الدعاء بخير لصانع المعروف:

- ‌حكم النذر:

- ‌كفارة النذر:

- ‌حكم نذر المعصية وما لا يطاق:

- ‌وفاء نذر الميت:

- ‌حكم نذر المكان المعين:

- ‌حكم الانتقال عن النذر إلى ما هو أفضل منه:

- ‌الوفاء بالنذر بعد الإسلام:

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌معنى القضاء والفرق بين القاضي والمفتي:

- ‌تولي القضاء فرض كفاية:

- ‌صفة القاضي الصالح:

- ‌وجوب الحذر من تولي القضاء:

- ‌تبعات الإمارة:

- ‌حكم الحاكم أو القاضي أو المفتي المجتهد:

- ‌النهي عن الحكم حال الغضب:

- ‌لا يقضي القاضي حتى يسمع قول الخصمين:

- ‌حكم الحاكم لا يحل للمحكوم له إذا كان باطلاً:

- ‌حكم القاضي بعلمه وضوابطه:

- ‌الاهتمام بإقامة العدل:

- ‌خطر القضاء وكبر مسئوليته:

- ‌حكم ولاية المرأة أمور المسلمين العامة:

- ‌التحذير من احتجاب الوالي عن حاجة المسلمين:

- ‌الرشوة والهدية للقاضي:

- ‌تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس:

- ‌1 - باب الشهادات

- ‌خير الشهود الذي يشهد قبل أن يسأل:

- ‌خير القرون الثلاثة الأولى:

- ‌حكم شهادة الخائن والعدو والقانع:

- ‌لا تقبل شهادة البدوي على صاحبه قرية:

- ‌العبرة في عدالة الشاهد بما يظهر:

- ‌شهادة الزور:

- ‌الشهادة على ما استيقن وبالاستفاضة:

- ‌القضاء باليمين والشاهد:

- ‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌القرعة بين الخصوم في اليمين:

- ‌غضب الله على من أخذ مال غيره بغير حق:

- ‌الحكم بحسب البينة:

- ‌تغليظ اليمين بالزمان أو المكان:

- ‌الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم:

- ‌اليد المرجحة للشهادة الموافقة لها:

- ‌رد اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه:

- ‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

- ‌كتاب العتق

- ‌تعريف العتق وبيان بعض أحكامه:

- ‌الترغيب في العتق:

- ‌عتق الأنثى:

- ‌عتق الأغلى أفضل من عتق الأدنى:

- ‌حكم من أعتق نصيبه من عبد:

- ‌السعاية:

- ‌حكم من ملك والديه أو ذا رحم محرم:

- ‌حكم التبرع في المرض:

- ‌تعليق العتق:

- ‌الولاء لمن أعتق:

- ‌بيع الولاء وهبته:

- ‌ باب المدبر، والمكاتب، وأم الولد

- ‌المكاتب عبد ما لم يفيا بما كُوتِبَ عليه:

- ‌ المكاتب كالحر إذا ملك ما كوتب عليه:

- ‌دية المكاتب:

- ‌تركة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌عتق أم الولد بوفاة سيدها:

- ‌كتاب الجامع

- ‌1 - باب الأدب

- ‌معنى الأدب الإسلامي وأنواعه:

- ‌أنواع الأدب:

- ‌اختلاف الأديب باختلاف الأمم:

- ‌حقوق المسلم على أخيه:

- ‌إلقاء السلام ورده:

- ‌حكم إجابة الدعوة والنصيحة للمسلم:

- ‌آداب العطاس والتشميت:

- ‌عيادة المريض:

- ‌آداب اتباع الجنائز:

- ‌وسيلة عدم ازدراء نعمة الله:

- ‌البر والإثم وضوابطهما:

- ‌لا يتناجى اثنان دون الثالث:

- ‌آداب المجلس وأحكامها:

- ‌لعق الأصابع والصحفة:

- ‌آداب السلام وأحكامه:

- ‌سلام الواحد على الجماعة والعكس:

- ‌حكم السلام على أهل الكتاب:

- ‌تشميت العاطس:

- ‌حكم الشرب قائمًا:

- ‌استحباب التيامن في التنعل:

- ‌النهي عن المشي في نعل واحد:

- ‌حكم إسبال الثياب:

- ‌النهي عن الأكل والشرب بالشمال:

- ‌النهي عن الإسراف في كل شيء:

- ‌2 - باب البر والصلة

- ‌البركة في العمر والرزق بصلة الرحم:

- ‌النهي عن قطع الرحم:

- ‌النهي عن عقوق الوالدين:

- ‌التشديد في إضاعة المال:

- ‌بر الوالدين وضوابطه:

- ‌حقوق الجار:

- ‌أعظم الذنوب عند الله:

- ‌من الكبائر سب الرجل أبا الرجل:

- ‌بماذا يزول التهاجر بين الأخوين

- ‌كل معروف صدقة:

- ‌الإحسان إلى الجار ولو بالقليل:

- ‌الترغيب في التفريج عن المسلم والتيسير عليه:

- ‌الدال على الخير كفاعله:

- ‌المكافأة على المعروف:

- ‌3 - باب الزهد والورع

- ‌الحلال والحرام والمشتبهات:

- ‌مبحث حديث الحلال والحرام من جامع العلوم والحكم:

- ‌التحذير من حب الدنيا:

- ‌كن في الدنيا كالغريب:

- ‌الترغيب في المتشبه بالصالحين:

- ‌حفظ الله بحفظ حدوده:

- ‌كيف يكون العبد محبوباً عند الناس

- ‌كيف يكون العبد محبوباً من الله

- ‌من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه:

- ‌النهي عن الإسراف في الأكل:

- ‌التوبة فضلها وشروطها:

- ‌فضل الصمت وقلة الكلام:

- ‌4 - باب الترهيب من مساوئ الأخلاق

- ‌النهي عن الحسد:

- ‌تعريف الحسد وأقسامه:

- ‌ذم الغضب:

- ‌النهي عن الظلم والشح:

- ‌تعريف الظلم لغة وشرعاً:

- ‌الرياء:

- ‌تعريف الرياء لغة وشرعاً:

- ‌خصال النفاق:

- ‌النهي عن السباب:

- ‌التحذير من سوء الظن:

- ‌التحذير من الغش للرعية:

- ‌أمر الوالي بالرفق برعيته:

- ‌النهي عن الغضب:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌النهي عن التخوض في أموال الناس بالباطل:

- ‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

- ‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

- ‌النهي عن أسباب البغض بين المسلمين:

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء:

- ‌المزاح بين المسلمين وضوابطه:

- ‌الفرق بين المجادلة والمماراة:

- ‌ذم البخل وسوء الخلق:

- ‌النهي عن مضارة المسلم:

- ‌المسلم ليس بذيئاً ولا فاحشاً ولا لعاناً:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌النميمية:

- ‌كفُّ الغضب:

- ‌ذم الخداع والبخل:

- ‌تحريم التجسس:

- ‌التحذير من الكبر:

- ‌ذم العجلة:

- ‌الشؤم سوء الخلق:

- ‌التحذير من كثرة اللعن:

- ‌النهي أن يغير المسلم أخاه:

- ‌التحذير من الكذب لإضحاك الناس:

- ‌كفارة الغيبة:

- ‌5 - باب الترغيب في مكارم الأخلاق

- ‌الترغيب في الصدق:

- ‌حقوق الطريق:

- ‌الترغيب في الفقه:

- ‌الترغيب في حسن الخلق:

- ‌الترغيب في الحياء:

- ‌الترغيب في التواضع:

- ‌الترغيب في الصدقة:

- ‌من أسباب دخول الجنة:

- ‌النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم:

- ‌كيف تكون النصيحة لكتاب الله

- ‌النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون

- ‌النصح للولاة وللعلماء:

- ‌أعظم نصيحة النصح للعلماء:

- ‌النصح للعامة كيف يكون

- ‌الترغيب في تقوى الله:

- ‌حسن الخلق:

- ‌المؤمن مرآة أخيه:

- ‌مخالطة الناس والصبر على أذاهم:

- ‌الدعاء بحسن الخلق:

- ‌6 - باب الذكر والدعاء

- ‌حقيقة الذكر وأنواعه:

- ‌حقيقة الدعاء وشروط الاستجابة:

- ‌آداب الدعاء:

- ‌فضل المداومة على ذكر الله:

- ‌فضل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ومعناها:

- ‌الفرق بين القدرة والقوة:

- ‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

- ‌الباقيات الصالحات:

- ‌فضل لا حول ولا قوة إلا بالله:

- ‌الدعاء هو العبادة:

- ‌فضل الدعاء بعد الأذان:

- ‌استحباب رفع اليدين في الدعاء:

- ‌حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

- ‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌سيد الاستغفار ومعناه:

- ‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

- ‌الاستعاذة من سخط الله:

- ‌الاستعاذة من غلبة الدين والعدو وشماتة الأعداء:

- ‌معنى الصمد:

- ‌دعاء الصباح والمساء:

- ‌الدعاء بالحسنة في الدنيا والآخرة:

- ‌من صيغ الاستغفار:

- ‌الدعاء بخير الدارين:

- ‌ينبغي للمؤمن أن يسأل العلم النافع:

- ‌من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

أنه توعد عليه بالنار، يتفرع من هذه الفائدة: أنه يجب على الإنسان حماية ماله من التخوض فيه وهذا بمعنى النهي عن إضاعة المال.

ومن فوائده: أنه يحرم على الإنسان أن يكتسب المال إلا من وجه حلال بحق بناء على ما قلنا التخوض يكون سابقاً ولاحقاً وهو كذلك، فالواجب على الإنسان أن يحتاط احتياطاً تاماً فيما يكتسبه من المال وألا يأخذ كل ما هب ودب بل يتقي الشبهات.

ومن فوائد الحديث: إضافة ما بأيدينا إلى ربنا عز وجل لقوله: "من مال الله".

فإذا قال قائل: أليست الأموال لنا؟

فالجواب: بلى، أضافها الله عز وجل إلينا:{ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً} [النساء: 5]. {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} ، لكن إضافتها إلينا إضافة تصرف لا إضافة خلق وإيجاد، يعني: الذي أوجدها وخلقها هو الله عز وجل، ثم إن تصرفنا فيه مقيد بما أذن الله فيه فليس لنا أن نعمل كما شئنا، إذن وجه الإضافة ظاهر أن الله هو الذي خلقها وهو الذي رزقنا إياها وهو الذي شرع لنا أن نتصرف فيها كما شاء.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان إذا ذكر الحكم أن يذكر العلة لاطمئنان النفس لقوله: بغير حق.

ومن فوائد الحديث: إثبات النار وإثبات يوم القيامة لقوله: "فلهم النار يوم القيامة".

‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

1433 -

وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه سبحانه وتعالى قال: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا". أخرجه مسلم.

اقتصر المؤلف رحمه الله على الشاهد منه، وهنا نبحث هل يجوز للراوي أن يختصر الحديث؟ وأما الراوي الناقل كالمصنف نقله من الاصل -صحيح مسلم- وصحيح مسلم موجود لمن أراد الرجوع إليه، لكن إنسان يروي الحديث عن شيخه يريد أن ينقله للأمة فهذا لابد أن يتمه لكن يجوز حذف شيء منه بشرط ألا يتعلق به ما قبله فإن تعلق به ما قبله فالحذف حرام ومع قولنا بأنه يجوز حذف الحديث فإن الأولى عدم الحذف حتى لو طال الحديث لو كان صفحة أو صفحتين. في هذا الحديث يقول: فيما يرويه عن ربه، من الذي يرويه؟ الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه هذا منتهى السند وهو الله عز وجل، وهذا الحديث الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه يقول: قال الله تعالى، مثل حديث زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ذات يوم صلاة الصبح في الحديبية

ص: 374

على إثر سماء كان في الليل فقال: هل تدرون ما قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"أصبح من عبادي مؤمن وكافر" نسمي هذا الحديث من رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه ويسمى عند العلماء حديثاً قدسياً، وهو في مرتبة بين الحديث النبوي والقرآن الكريم وفيه أي: في الحديث القدسي فيه الصحيح وفيه الحسن وفيه الضعيف وفيه الموضوع، أما القرآن فكله صحيح متواتر ليس فيه كلمة ولا حرف إلا وهو متواتر، وهذا من الفروق العظيمة بين الحديث القدسي والقرآن الكريم، يقول جل وعلا:"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي" حرمت: أي منعت الظلم على نفسي ولله تعالى أن يحرم على نفسه ما شاء وله أن يوجب على نفسه ما شاء فقد حرم الله على نفسه أشياء وأوجب على نفسه أشياء قال الله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم} [الأنعام: 54]. قال: "كتب على نفسه الرحمة" وهنا نقول: هل هناك شيء واجب على الله؟

نعم، لكن هو الذي أوجبه على نفسه إذا أوجب على نفسه شيئاً نقول هو ربنا عز وجل يفعل ما يشاء فعلى الله واجبات أوجبها على نفسه، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في النونية:

(ما للعباد عليه حق واجب

هو أوجب الأجر العظيم الشان)

(كلا ولا عملٌ لديه ضائعٌ

إن كان بالإخلاص والإحسان)

يعني: لا يمكن أن يضيع عند الله عمل إطلاقاً بهذين الشرطين إن كان بالإخلاص، والإحسان يعني المتابعة، المهم، أن الله يوجب على نفسه ما شاء، ويحرم على نفسه ما شاء، ولهذا قال:"حرمت الظلم على نفسي"، والظلم يدور على شيئين: إما عُدوان، وإما نقص حق، فمن سطا على مالك وأخذه فهذا من العدوان، ومن جحد حقك فهذا من النقص، فالرب عز وجل لا يمكن أن ينقص إنساناً حسنة عملها أبداً، ولا يمكن أن يضيف إليه عقوبة سيئة لم يعملها قال الله تعالى:{ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً} [طه: 112]. "وجعلته بينكم محرماً" هذا الشاهد بينكم أي: بين الناس محرماً حتى بين المسلمين والكافرين نعم الظلم حرام، ألسنا نقول للكافر: إما أن تسلم وإلا قاتلناك أو تبذل الجزية أليس هذا ظلماً؟

لا، لأننا نفعل ذلك لحق الله لا لحقنا أما فيما بيننا وبينهم من الحقوق فلا نظلمهم، ولهذا يجب أن توفي بعقد البيع بينك وبينه، وبعقد الإجارة بينك وبينه وبحق الشفعة إلى هذا الحد على رأي بعض العلماء الذي يقول: إن حق الشفعة حق ملك لا مالك، فيقول: إنه لو كان شريكك كافراً، وبعت نصيبك على مسلم فللكافر أن يأخذه بالشفعة؛ لأن هذا حق ملك لا مالك، والشاهد أن الظلم محرم بين العباد حتى بين المسلم والكافر.

ص: 375

فإذا وأورد علينا الكافر فقال: أنتم ظلمتوني، أنا حر في الدين حرية الأديان فهل نقول: دعوه يكون يهودياً نصرانياً ليس لكم شأن ماذا نقول؟

هذا حق لله لازم علينا وعليك نحن ما ظلمناك في حقك الخاص إنما عاملناك بما أمرنا الله به وهو ربك وهذا ليس بظلم، "فلا تظالموا" تأكيد لقوله:"وجعلته بينكم محرماً"، فقال:"لا تظالموا" أي: لا يظلم بعضكم بعضاً حتى الأب مع ابنه، هذا هو الأصل يعني: فإذا كان أنت ومالك لأبيك وأخذ أبوك من مالك ما لا ترضى بأخذه فليس هذا بظلم لأنه أخذه بأمر الله فوجب عليه هو أيضاً أن يستسلم لأمر الله عز وجل المهم أن الظلم حرام بين العباد حتى بين الأب وابنه والأم وولدها.

في هذا الحديث فوائد: منها: رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن الله فيكون النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للحديث القدسي كرجل من الإسناد بالنسبة للحديث النبوي.

ومن فوائد الحديث: إثبات الكلام لله عز وجل أن الله يتكلم لقوله: إن الله قال "يا عبادي"، وكلام الله تعالى صفة من صفاته يتكلم -جل وعلا- حقيقة لا مجازاً وكلامه صفة من صفاته وهل هو من الصفات اللازمة كالعلم والقدرة أو من الصفات اللازم أصلها دون آحادها؟

الثاني لأن الله يتكلم كما قال أهل السنة يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء يتكلم كلاماً حقيقياً مسموعاً بحرف وصوت ليس كلام الله هو المعنى القائم بالنفس، من قال: إن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه فإنه لم يثبت كلام الله وإنما أثبت علم الله، والعجب أن مذهب الأشاعرة في هذا الباب مذهب غير معقول حيث يقولون: إن الله يتكلم وكلامه هو المعنى القائم بنفسه فإذا قيل لهم: هل سمعه جبريل من الله؟ قالوا: هذا صوت خلقه الله في الجو فسمعه جبريل، وقالت المعتزلة: كلام الله مخلوق لكنه صفة من صفاته فأي فرق بين المذهبين؟

لا فرق، ولهذا قال بعض المحققين: الواقع أنه لا فرق بيننا وبين المعتزلة فكلنا متفقون على أن ما بين أيدينا من المصحف مخلوق كلنا متفقون على أن ما سمعه جبريل من الله مخلوق، نقول: هذا قول باطل أعني: القول بأن كلام الله هو المعني القائم بنفسه فإذا قيل لهم: هل سمعه جبريل من الله؟ قالوا: هذا صوت خلقه الله في الجو فسمعه جبريل، وقالت المعتزلة: كلام الله مخلوق لكنه صفة من صفاته فأي فرق بين المذهبين؟

لا فرق، ولهذا قال بعض المحققين: الواقع أنه لا فرق بيننا وبين المعتزلة فكلنا متفقون على أن ما بين أيدينا من المصحف مخلوق كلنا متفقون على أن ما سمعه جبريل من اله مخلوق، نقول: هذا قول باطل أعني: القول بأن كلام الله هو المعني القائم بنفسه وأن ما سمعه جبريل عليه السلام أو موسى عليه الصلاة والسلام أو محمد صلى الله عليه وسلم فإنه مخلوق للتعبير عما في نفس الله، إذن فيه إثبات كلام الله عز وجل وكلام الله إذا أردنا أن نقوله على سبيل الإجمال صفة من صفاته يتعلق بمشيئته متى شاء تكلم ويتكلم بما شاء وكيف شاء.

ومن فوائد الحديث: إثبات أن جميع الخلق عباد الله لقوله: "يا عبادي" ولا شك أن الأمر كذلك {إن كل ما في السماوات والأرض إلا ءاتى الرحمن عبداً} [مريم: 93]، كل شيء، {ألم تر أن

ص: 376

الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب} [الحج: 18]. كلها تسجد لله عز وجل تعبداً له {تسبح له السماوات والأرض ومن فيهن وإن من شيءٍ} يعني: ما من شيء {إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [الإسراء: 44]. كل الخلق عباد لله عز وجل، لكنه يخاطب من هو مكلف ومن تحمل الأمانة وهو الإنسان وكذلك الجن هم مخاطبون بالشريعة كالإنس.

ومن فوائد الحديث: أن الظلم في حق الله تعالى ممكن لكن الكمال عدله حرمه على نفسه وجهه أنه قال: إني حرمت الظلم على نفسي ولو كان من الأمور المستحيلة لم يتمدح الله به أن حرمه على نفسه وهذه مسألة مهمة يجب أن نعرف الفرق بين هذا وبين ما قالته الجهمية من أن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يظلم، الظلم عنده المحال لذاته نحن نقول: بإمكان الله تعالى أن يهدر حسنة عملها الإنسان ولا يثيبه عليها وبإمكانه أن يضع عليه وزراً دون أن يعمل سيئة، هذا ممكن لكن لكمال عدله صار ممتنعاً عليه عز وجل، لأنه كامل العدل، أرأيت مثلاً عليه -والله المثل الأعلى- رجل ملك يأخذ من أموال الناس ظلماً بغير حق ثم من الله عليه بالتوبة فترك ذلك يحمد أو لا يحمد؟

يحمد، الرب عز وجل يحمد حيث حرم الظلم على نفسه ولو كان غير ممكن ما كان هناك حمد وثناء على الله تعالى بذلك.

ومن فوائد الحديث: أن لله تعالى أن يحرم على نفسه ما شاء، أما نحن فلا نحرم على الله فإن قال قائل: هل أنتم تجيزون الظلم على الله عز وجل أو تمنعونه؟

قلنا: نمنعه بمقتضى الرحمة والحكمة لكن نظراً إلى أننا نمنعه بمقتضى صفاته التي اتصف بها أما من حيث العموم فإنه لا شك أنه يمكنه أن يظلم لكنه حرمه على نفسه لكمال عدله وحكمته ورحمته.

ومن فوائد الحديث: إثبات النفس لله عز وجل وهذا ثابت لله أثبته هو عز وجل فقال تعالى: {ويحذركم الله نفسه} وكذلك أنبياؤه أثبتت ذلك فقال عيسى عليه الصلاة والسلام: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} [المائدة: 116]. وهنا وصف الله نفسه بذلك فقال: "حرمت الظلم على نفسي" فهل النفس شيء زائد على الذات أو هي الذات؟

الجواب: هي الذات، "على نفسي" أي: علي "يحذركم الله نفسه" أي: يحذركم الله ذاته، "تعلم ما في نفسي" أي: ما في ذاتي "ولا أعلم ما في نفسك" وليس هو صفة زائدة على الذات بل هو بمعنى الذات تماماً وهذا هو مقتضى اللغة العربية ولا يمنعه الشرع.

ومن فوائد الحديث: تحريم التظالم بين الناس؛ لقوله: "وجعلته بينكم محرماً".

ص: 377