الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فوائده: أن الإنسان لا يعتمد على الأشياء المادية الحسية كما قلنا في الصدقة، فإن العافي قد يظن في نفسه أو يتخيل أن هذا ذل له.
ومن فوائده: أن الله سبحانه يعز الإنسان الذي يعفو عن إخوانه لله، فمن عفا؛ عفا الله عنه، وإذا عفا الله عن العبد فهذا سبب لعزته.
ومن فوائد الحديث: الحث على التواضع لله، وذكرنا أن له معنيين.
ومن فوائده: مراعاة الإخلاص، وأن الإخلاص له أثر كبير في حصول الثواب لقوله:«من تواضع لله رفعه الله عز وجل» .
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان كلنا ازداد طاعة لله وانقياد لأمر ازداد رفعة ولهذا قال الله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11].
ومن فوائد الحديث: أن الأمر كله لله وأن من رفعه الله فل خافض له ومن وضعه فلا رافع له لقوله: «إلا رفعه الله» .
من أسباب دخول الجنة:
1468 -
وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، أفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» أخرجه الترمذي وصححه.
صدر قوله: «يا أيها الناس» إشارة إلى الاعتناء بما سيقول؛ لأن النداء يستلزم التنبيه، فكأنه يقول: انتبه، وهذا كثير في اللغة العربية، استمع إلى قول الله تعالى:{يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له} [الحج: 72]. هنا قال الرسول: «يا أيها الناس» إشارة إلى أهمية ما يريد أن يخاطب به الناس.
«أفشوا السلام» أي: انشروه وأكثروا منه، وإفشاء السلام له معنيان: المعنى الأول: الإكثار منه؛ أن يسلم الإنسان على كل من لقيه عرفه أم لم يعرفه، وسلام المعرفة فيه نقص في الإخلاص؛ يعني: الذي لا يسلم إلا على من عرف هذا إخلاصه ناقص، بل المخلص هو الذي يسلم على من عرف ومن لم يعرف، النوع الثاني: من إفشاء السلام: إظهاره باللفظ؛ بمعنى: أن تسلم سلاماً يسمعه من تسلم عليه، لا تسلم سلاماً لا يسمعه من في جنبك، بل سلم سلاماً يسمعه المسلم عليه وهل الأفضل أن يكون بصوت أكثر مما يسمع أو بصوت بقدر ما يسمع؟ الظاهر الأول، إلا إذا كان رفعاً خارجاً عن الأدب، فهنا لا ينبغي بعض الناس إذا دخل المجلس.
رفع صوته رفعاً خارجاً عن الأدب! هذا لا يجوز، ولا ينبغي أيضًا الإخفاء، واستثنى العلماء من الصورة الثانية -وهي رفع الصوت بالسلام- ما إذا سلم على قوم بينهم أناس نيام مثل: أن تدخل على حجرة فيها أناس مستيقظون وأناس نائمون فهنا لا ترفع صوتك سلم بقدر ما يسمع اليقظان ولا يوقظ النائم، وهذا من حسن الخلق وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، إذا دل على قوم فيهم نيام فإنه يرفع صوته رفعاً يسمعه اليقظان ولا يحس به النائم، ويستثنى من قوله:«أفشوا السلام» وهو لفظ مطلق، فـ"أفشوا السلام" مطلق وكذا كل الأفعال لا تكون للعموم إنما هي تكون للإطلاق إذا لم تقيد، وهذا مما يفرق بين الأسماء والأفعال، الأسماء تكون للعموم لكن الأفعال لا تكون للعموم وإنما تكون للإطلاق فقوله:"أفشوا" هذا مطلق لكنه مقيد بما إذا كان المسلم عليه أهلاً للسلام عليه فأما إذا كان كافراً فلا تفشي السلام عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام» ، وهل يدخل فيه الرد؟ أما الابتداء فظاهر، وأما الرد فيحتمل أن يكون داخلاً فيه وحينئذٍ نقول يؤمر الراد بأن يرفع صوته بحيث يسمعه المسلم.
الثاني: قال: «صلوا الأرحام» الأرحام جمع رحم وهم القرابات، قال أهل العلم: والقرابة من الجد الرابع فما دونه، والنصوص لصلة الأرحام لم تعين صلة معينة، وعلى هذا فيرجع فيه إلى العرف كما قيل في القواعد:
(وكل ما أتى ولم يحدد
…
بالشرع كالحرز فبالعرف أحدد)
لم يبين كيف تكون الصلة، وعلى هذا فيرجع فيها إلى العرف، وإذا رجعنا فيها إلى العرف صارت تختلف باختلاف القرابة، فصلة الأقرب أوكد من صلة الأبعد، ثانياً: للحاجة، فصلة المحتاج أوكد من صلة المستغني، ثالثاً: بالحال النفسية، بعض القرابات لا يهمه أن تصله في الشهر مرة أو في السنة مرة، وبعض القرابات يريد أن تصله كل أسبوع، ولهذا إذا فقدك في أسبوع قال: لماذا لم تزرني؟ فهو أذن يختلف باختلاف ما يتعلق بالنفوس، فعليه يقول: كلما كان هناك صلة حسب الاختلاف الذي ذكرنا فهو داخل في قوله: «صلوا الأرحام» ، وهل من الأرحام الأصهار؟ لا، الأصهار يعني: أقارب الزوج أو الزوجة، ليسوا من الأرحام إلا أن يكونوا من بني العم فحينئذٍ يكونون من الأرحام.
قال: «وأطعموا الطعام» يعني: من يحتاج إليه، فيشمل هذا إطعام الجائع، وإطعام من تجب
عليك نفقته، وإطعام المساكين في الكفارات ونحوها، فهو عام شامل لإطعام الطعام الواجب، وإطعام الطعام المستحب، وقوله:«الطعام» هل المراد بالطعام: الشراب، أو ما يؤكل؟ يشمل هذا وهذا؛ لأن ما يُشرب يسمى طعاماً، قال الله تعالى:{فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني} [البقرة: 249]. ولأن الشراب له طعم، لكن الأكل والشرب يختلفان، فالشرب يون في المائعات، والأكل في الجامدات.
وقوله: «وصلوا بالليل والناس نيام» يشمل الفريضة والنافلة، فمن الفريضة صلاة العشاء ولاسيما إذا أخرت عن أول الوقت، وصلاة الفجر أيضًا؛ ولهذا كانت هاتان الصلاتان أثل الصلوات على المنفقين؛ لأنهم ينامون ولا يقومون لهما، وقوله:«والناس نيام» من المراد بالناس؟ المراد بهم: الذين لا يصلون، سواء كانوا من المسلمين أو كانوا من الكافرين لأنه يوجد بعض المسلمين لا يصلون الصبح إلا إذا قام ولو بعد طلوع الشمس، وكذلك في العشاء ينامون عنها.
وقوله: «تدخلوا الجنة بسلام» «تدخلوا» أين النون؟ حذفت للجزم لأنها جواب الأمر، فقوله:"أفشوا" أمر، وما عطف عليه فهو أمر، فيكون "تدخلوا" جواباً للأمر، وجواب الأمر يكون مجزوماً، وهل هو مجزوم بصيغة الأمر أم بشرط مقدر؟ بعض النحويين يقول: إنه مجزوم بشرط مقدر، والتقدير: إن تفعلوا تدخلوا، وبعضهم يقول: إنه مجزوم بنفس الفعل فعل الطلب، والخلاف قريب من اللفظ؛ لأنهم متفقون على أن الفعل إذا وقع جواباً للطلب فهو مجزوم، وقوله:"الجنة" يعني: جنة الخلد التي وعد المتقون، وقوله:"بسلام" يحتمل أن يكون المعنى: أن تدخلوا الجنة أنتم سالمون ويحتمل أن يكون معنى بسلام: أنه يسلم عليكم، فتكون الباء للمصاحبة؛ لأن الملائكة يدخلون عليهم من كل باب ويقولون: سلام عليكم بما صبرتم، وإذا كان اللفظ يحتمل معنيين لا منافاة بينهما فيحمل عليهما جميعاً، فهم يدخلون الجنة سالمين من كل سوء ومن كل عيب، حاضراً ومستقبلاً، وهم أيضاً يدخلون الجنة الملائكة يتلقونهم بالسلام.
في هذا الحديث فوائد منها: إثبات الأسباب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر إفشاء السلام، وصلة الأرحام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل، أربعة أسباب لدخول الجنة، فيكون في هذا إثبات الأسباب، وهو أمر معلوم بالشرع ومعلوم بالفطرة والحس ولا أحد ينكره، وقد اختلف الناس في الأسباب، فمنهم من أنكرها مطلقاً، ومنهم من أثبتها مطلقاً ومنهم من أثبتها وجعلها تابعة لمشيئة الله وهذا الأخير هو الحق، أما من أنكر الأسباب فإن قوله منافٍ للشرع وللفطرة وللحس، ولا حجة له إلا شبهة يلقيها الشيطان في قلبه يقول لو أنا أثبتنا أن الأسباب تؤثر لأثبتنا
خالقاً مع الله لو قلنا: إنك لو ضربت الزجاجة بالحجر انكسر من الحجر لكان في ذلك إثبات خالق مع الله، وهذا لا صحة له؛ لأني أقول: انكسرت الزجاجة بالحجر بإذن الله وإرادة الله، لو وضعت شيئاً في النار يحترق بالنار، لكن ما الذي جعل النار تحرقه؟ هو الله عز وجل، ولهذا لما وضع إبراهيم فيها قال الله تعالى:{كوني برداً وسلاماً على إبراهيم} [الأنبياء: 69]. فكانت برداً وسلاماً، ولم تؤثر فيه شيئاً إذن القول بعدم إثبات الأسباب لكونها تؤدي إلى إثبات خالق مع الله قول مخالف للشرع والفطرة والحس، أما الذين يقولون: إن الأسباب مؤثرة بنفسها ولابد فهؤلاء أيضًا أخطئوا، هؤلاء هم الذين أثبتوا مع الله خالقاً ونقول: إن هذا الدعوى يبطلها الواقع؛ فإن النار تحرق بلا شي ومع ذلك نجا منها إبراهيم بإرادة الله سبحانه وتعالى، فالصواب: أن الأسباب ثابتة وأنها مؤثرة، لكن بما أودع الله فيها من القوة المؤثرة.
ومن فوائد الحديث: الحث على إفشاء السلام، وجه ذلك: أن إفشاء السلام من أسباب دخول الجنة.
ومن فوائد الحديث: الحث على صلة الأرحام، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعلها من أسباب دخول الجنة
إفشاء السلام واجب أو سنة؟ سنة ما لم يكن هجراً، فإن كان هجراً فإنه لا يزيد على ثلاثة أيام، صلة الأرحام واجبة -فرض عين- على الإنسان لأن الله تعالى توعد من لم يصل الرحم فقال تعالى:{فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم (22) أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} [محمد 22 - 23]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قاطع» ؛ يعني: قاطع رحم، فصلة الأرحام إذن واجبة، وتعتبر فرض عين.
ومن فوائد الحديث: الحث على إطعام الطعام؛ لأن الرسول جعله من أسباب دخول الجنة ثم هل هو واجب أو لا؟ نقول: يكون أحياناً واجباً سنة، فيكون واجباً في إطعام الجائع إذا وجدت جائعاً إن لم تطعمه هلك وجب عليك إطعامه، ثم اختلف العلماء في هذه الحال إذا لم تطعمه فهلك هل تضمنه أم لا؟ فقال بعض العلماء: إنك تضمنه؛ لأنك تركت
واجباً أوجبه الله عليك فكنت معتدياً، والمعتدي ضامن لظلمه، وهذا كما قال الله تعالى:{ما على المحسنين من سبيل} [التوبة: 91]. فيكون معنى الآية: على المسيئين سبيل، والقول الثاني: أنه لا يضمنه؛ لأنه لم يهلك بسببه بخلاف ما لو أخذ طعامه منه حتى هلك فهنا رجل وجد مع شخص طعاماً فأخذه منه فجاع صاحب الطعام وهلك فهنا يضمن؛ لأنه تسبب في قتله، ومن الإطعام الواجب إذا كان يتوقف عليه إكرام الضيف فهنا إطعام الضيف واجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» ، ومن الإطعام الواجب: إطعام الإنسان من تجب عليه نفقته من زوجة أو قريب، ومن الإطعام الواجب: الإطعام في الكفارات عشرة مساكين، تسعة مساكين، ستين مسكيناً، والباقي-يعني: ما عدا الواجب-فهو سنة، ولا يدخل في ذلك الإطعام الذي يكون إسرافاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يأمر بما لا يحبه الله عز وجل.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي لمن أطعم الطعام أن ينوي بذلك امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأن بعض الناس قد يطعم الطعام لأنه كريم، والكريم يحب الكرم، فينبغي أن يلاحظ أنه يطعم الطعام امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون بذلك حائزاً على العبادة وعلى الخلق الحسن.
ومن فوائد الحديث: فضيلة قيام الإنسان بالعبادة على حين غفلة الناس لقوله: «صلوا بالليل والناس نيام» ؛ لأن جملة "والناس نيام" هذه حال.
ومن فوائد الحديث أنه من المعلوم أن الليل محل النوم لقوله: "والناس نيام"، وهذا هو الموافق للفطرة، ولما خلق الله عز وجل من اختلاف الزمان، ولكن مع الأسف أن الناس في عصرنا هذا -ولاسيما من قريب- جعلوا ليلهم نهاراً ونهارهم ليلاً، حتى الصبيان الصغار الذين كانوا ينامون من حين صلاة المغرب صاروا الآن يبقون إلى الفجر ما ناموا، ثم إذا جاء النهار ناموا، وهذا خلاف ما تقتضيه حكمة الله عز وجل، حيث جعل الليل لباساً والنوم سباتاً.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للمتكلم إذا أراد أن يتكلم في أمر مهم أن يذكر ما يوجب الانتباه لقوله: «يا أيها الناس» .
ومن فوائد الحديث: جواز السجع في الكلام، فإننا إذا تأملنا الجمل وجدناها سجعاً "السلام"، "الأرحام"، "الطعام"، "نيام"، "سلام"، وقد جاء ذلك أيضًا في أحاديث أخرى مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم:«قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق» ، ولا شك أن السجع يزين الكلام ويرغب في الاستماع إليه، لكن بشرط ألا يكون متكلفاً، وضابط السجع المتكلف أن يعذب الإنسان الألفاظ ويأتي بألفاظ غريبة صعبة الفهم، أو بألفاظ يحصل بها مع ما إلى جانبها من الكلمات تناقض فهنا لا ينبغي السجع، أما إذا جاء عفواً بمقتضى الطبيعة هذا طيب لاشك ولذلك إذا قرأ الإنسان في كتاب البصرة لابن الجوزي رحمه الله يجد لذة، لأن الله أعطاه قدرة