الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى أن من تعلق بشيء تعلقاً تاماً صار له مثل العبد، ولذلك نجد العشاق يفخرون بأن يوصفوا بأنهم عبيد لمن عشقوهم، كما قال الشاعر:
(لا تدعني إلا بيا عبدها
…
فإنه أشرف أسمائي)
لماذا؟ لأنه يتلذذ بكونه رقيقاً لها -والعياذ بالله-. ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يكون رضاه فيما يرضي الله وسخطه فيما يسخط الله، لا أن يكون ذلك تبعاً للدنيا؛ لأن الدنيا فانية. إذن فالحديث هنا من باب الزهد والورع معاً؛ لأن ترك ما يضر ورع، وترك ما لا ينفع زهد.
كن في الدنيا كالغريب:
1411 -
وعن ابن عمر رضي الله عنها قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال:«كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» .
-وكان ابن عمر رضي الله عنها يقول: «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك» . أخرجه البخاري. «المنكب» : طرف الكتف، ولكل إنسان منكبان، أخذ بمنكبيه من أجل أن ينتبه لما يلقي إليه فقال:«كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» ، أوصاه بهذه الوصية أن يكون في الدنيا كالغريب، الغريب: هو من أقام في غير وطنه، ومعلوم أن من أقام في غير وطنه لا تتم له الراحة، بل هو في قلق، لأنه يخرج إلى المسجد لا يرى أحداً يعرفه لأنه غريب، أو عابر سبيل وهذا أشد، عابر السبيل ليس له إقامة فهكذا تكون في الدنيا، وهو إشارة إلى أن الإنسان ينبغي أن يبتعد عن أهل الدنيا وأن يكون بينهم كالغريب أو كرجل عابر سبيل لا يريد المكث، ومما يذكر عن الشافعي:
(ومن يذق الدنيا فإني طعمتها
…
وسيق إلينا عذبها وعذابها)
(فلم أراها إلا غروراً وباطلاً
…
كما لاح في ظهر الفلاة سرابها)
(فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها
…
وإن تجتذبها نازعتك كلابها)
وهذا الأخير محط الشاهد، وهو حق، ألا ترى أنك إن اجتنبت الدنيا اجتنبك الناس، وليس
بينك وبينهم علاقة، وإن تجتذبها هل ستأتيك سهلة؟ لا، يقول: نازعتك كلا بها! فوصية النبي صلى الله عليه وسلم -في الحديث السابق- من أحسن الوصايا. فمن فوائد الحديث: حرص النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل ما فيه تأكيد الخبر، والالتفات إليه إما بالقول وإما بالفعل، ففي حديث النعمان بن بشير استعمل القول «ألا» ، وأما هنا فقد استعمل الفعل، والنبي صلى الله عليه وسلم يستعمل ما يحصل به الانتباه إما يمثل بهذا وإما بأن يمسك بيدي الرجل بين كفيه، كما فعل مع عبد الله بن مسعود حين علمه التشهد، أمسك بيده ووضعها بين كفيه، وجعل يعلمه، فإذا استعلمت الأساليب التي توجب أن يرعى الإنسان انتباهك فإن هذا من الهدي النبوي. ومن فوائد الحديث: ألا يركن إلى الدنيا وألا يتخذها محل إقامة، لقوله:«كن في الدنيا كأنك غريب» ، يعني: قلقاً لست مستأنساً أو عابر سبيل. ومن فوائد الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا أن نجتنب الدنيا كلها وإنما أمر أن نكون منها بمنزلة الغريب الذي لا يأكل إلا ما اضطر إليه أو عابر سبيل، وهكذا ينبغي لنا ألا نجعل الدنيا أكبر همنا؛ لأننا إذا جعلناها أكبر همنا فإنها تفوتنا هي والأخرى، وإن جعلناها عوناً على الطاعة صارت هي لنا والأخرى أيضا، ولقد سمعت كلاماً لبعض العلماء يقول: اجعل المال لك كالحمار الذي تركبه، أو كالخلاء الذي تقضي فيه حاجتك، يعني: معناه لا يهمك منها إلا ما تقضي به حاجتك فقط. قال: وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، أخذه من وصية النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح: يعني أعمل عمل الجاد الذي يستحضر أن أجله قد حضر؛ ليكون مستعداً غاية الاستعداد، لا تقل: أفعل هذا غداً ربما لا تدرك غداً، وفي الصباح لا تؤخر إلى المساء؛ لأنك ربما لا تدرك المساء، وهذا أمر مشاهد، فالإنسان الحازم هو الذي ينتهز الفرص ويأخذ بالجد، ويقول:«خذ من صحتك لمرضك» كلمة حكمية، الإنسان الصحيح يسهل عليه العمل، وصدره منشرح، ونفسه طيبة، والمريض بالعكس، يصعب عليه العمل؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين:«صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطيع فعلى جنب» ، وكذلك أيضاً تضيق نفسك، ولا ينشرح صدرك ولا ينبسط؛ ولهذا تجد أحياناً أن لو أصابك مرض تود ألا يكلمك أحد من الناس، ولو أقرب الناس إليك، فخذ من الصحة للمرض حتى إذا أتاك المرض تكون قد سبق أن أخذت بحظ وافر من العمل الصالح في حال الصحة، قال:«ومن حياتك لموتك» ، الإنسان ما دام حياً فإنه يمكن أن يعمل،