الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم النذر:
1316 -
وعن ابن عمر رضي الله عنها، عن النِّبيِّ صلى الله عليه وسلم:{أنَّه نهى عن النَّذر وقال: إنَّه لا يأتي بخير وإنَّما يستخرج به من البخيل} . متَّفق عليه
قوله: "نهى عن النذر" النذر هو: أن يلتزم الإنسان بالشيء سواء بلفظ النذر أو لفظ العهد أو غير ذلك؛ ولهذا قيل في معناه إلزام المكلف نفسه طاعة غير واجبة، هذا هو النذر الذي يجب الوفاء به، والنذر بالمعنى العام إلزام المكلف نفسه شيئًا يقوم به فعلاً أو تركًا، وهذا الحديث يقول "نهى عن النذر" والأصل في النهي: التحريم، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم وقال: إن النذر لا يجوز، سواء كان مطلقًا أو معلقًا، وسواء كان على مباح أو على غيره، مثال النذر المطلق: أن يقول الله علىّ نذر أن أصوم ثلاثة أيام هذا نذر مطلق لم يقيد بشيء.
مثال النذر المعلق أن يقول: لله عليّ نذر أن أصوم ثلاثة أيام أن شفى الله مريضي هذا نذر معلق ومن ذلك ما ذكره الله في الآية {ومنهم من عاهد الله لئن اتانا من فضله لنصّدَّقنَّ ولنكونن من الصالحين} [التوبة: 75]. هذا ندر معلق على إغناء الله إياهم، والنذر-نذر غير العبادة- مثل أن يقول لله عليّ نذر أن ألبس الثوب الفلاني، لله عليّ نذر أن أركب السيارة الفلانية، هذا نذر فعل الطاعة، وسيأتي تقسيم النذر أن شاء الله.
قلنا: إن النذر هو إلزام المكلف نفسه شيئًا وعلم من قول العلماء: أنه لا يلزم من لم يبلغ، وأن من لم يبلغ لو نذر لم نلزمه بنذره؛ لأنه ليس أهلاًَ للوجوب، كل العبادات عليه غير واجبة إلا الزكاة لأنها حق مالي والنفقات أيضًا لأنها حق للمخلوق فهو إلزام المكلف نفسه شيئًا ولا نقول: طاعة لأن النذر قد يكون طاعة وقد يكون غير طاعة وقد قسّم أهل العلم- رحمهم الله النذر إلى خمسة أقسام نذر طاعة، ونذر معصية، ونذر مباح، ونذر يمين، ونذر لم يسم، ولكل قسم منها حكم.
أولاً: نذر الطاعة: بأن يقول لله علي نذر أن أصوم غدًا يوم الاثنين هذا نذر طاعة؛ لأن الصوم من العبادة وتخصيصه بيوم الاثنين عبادة أخرى فيلزمه أن يصوم يوم الاثنين، ونذر الطاعة تارة يكون معلقًا بشرط وتارة يكون مطلقًا، المعلق بشرط مثل ما حكي الله عن المنافقين {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدَّقن ولنكوننَّ من الصالحين (75) فلما
اتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون} [التوبة: 75 - 76]. ويقع هذا كثيرًا، كثير من الناس إذا أيس من مريضه قال: لله علي نذر إن شفى الله مريضي لأتصدقنَّ بألف ريال، أو لأصومنَّ شهرًا، أو لأصلين عشرين ركعة مثلاً.
هذا نذر معلق، متى وجد الشرط لزم المشروط، إذن يجب الوفاء بنذر الطاعة سواء كان معلقًا أو مطلقًا، يعني: غير معلق، دليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه"، ولم يذكر سوى الطاعة ولابد من ذلك، ولو خالف الإنسان فلم يطع الله لكان على خطر عظيم، والخطر العظيم هو قوله تعالى:{فأعقابهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} [التوبة: 77]. وهذا خطر عظيم، نفاق إلى الموت، لأنهم أخلفوا الله ما وعدوه وكذبوا فقال: لنتصدقنَّ ولنكوننَّ من الصالحين، ولم يحصل شيء من ذلك.
الثاني: ضد ذلك وهو نذر المعصية مثل أن يقول: لله علىّ نذر ليشربنَّ الخمر، هذا نذر معصية، حرام، فلا يجوز الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من نذر أن يعصي الله فلا يعصه"، ولأن الوفاء به مضادة لله عز وجل ومحادة له، كيف ينهاك الله عنه وأنت تتقرب إليه بفعله؟ هذا مستحيل عقلاً، ولكن هل يلزمه كفارة يمين؟ في هذا خلاف بين العلماء، وسيأتي الكلام عليه في شرح الحديث الآتي.
الثالث: نذر مباح، مثل أن يقول: لله عليّ نذر لألبسن هذا الثوب الليلة، هذا مباح؛ لأنه إن شاء لبسه وإن شاء لم يلبسه، إن لبسه لم يأثم وإن تركه لم يأثم هذا نذر مباح فما حكمه؟ قال العلماء: يخير بين فعله وكفارة اليمين يعني: أن شاء فعله ولبس الثوب الذي نذر أن يلبسه هذه الليلة وإن شاء لم يلبسه ولكن عليه كفارة يمين؛ لأن هذا النذر في حكم اليمين إذ إنه إنما نذر لإلزام نفسه كالحالف فيلزمه كفارة يمين ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الكفارة في النذر الذي لم يسم فالمسمي الذي خولف من باب أولى.
الرابع: نذر اليمين، يعني: النذر الذي قصد به معنى اليمين، مثل: أن يقول: إن كلمت فلانًا فلله عليّ نذر أن أصوم شهرين، هذا بمنزلة قوله: والله لا أكلم فلانًا؛ لأن هذا النذر ليس له
قصد أن يتعبد لله بصيام شهرين، لكن قصده أن يلزم نفسه بألا يلكم فلانًا ورأى أن صيام الشهرين ثقيل على النفس فربط نذره بذلك، هذا قال العلماء: إنه يخير بين كفارة اليمين وبين فعل المنذور وهذا غير القسم الذي قبله، لأن القسم الذي قبله؛ نذر أن يفعل شيئًا وهذا نذر نذرًا معلقًا علي فعل شيء فهو نذر يمين، فيقال لهذا الناذر أنت الآن بالخيار إن شئت كلِّم زيدًا وإذا كلمت زيدًا فإن شئت كفر كفارة يمين، وإن شئت صم شهرين كما نذرت، وهذا يسميه العلماء نذر اللجاج والغضب؛ لأن الذي يحمل عليه غالبًا هو الغضب والملاجة.
الخامس: النذر الذي لم يسم بأن يقول: لله عليّ نذر فقط ولا يتكلم بشيء فهذا حكمه حكم اليمين يعني: تلزمه كفارة يمين كما جاءت به السنة. هذه أقسام النذر.
أما حكم النذر فلنقرأ حديث ابن عمر (الذي معنا) قال: "نهى عن النذر" وقال: "إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل"، قوله:"نهى عن النذر" أي: بجميع أقسامه، كل الأقسام الخمسة منهي عنها، حتى نذر الطاعة منهي عنه، وأما من قال من العلماء- رحمهم الله وعفا عنهم-: ينبغي أن ينذر كل نافلة لتنقلب فريضة، فهذا قول مخالف للنص أولاً: أن الله قال: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجنَّ قل لَاّ تقسموا} [النور: 53]. افعلوا العبادة من ذات أنفسكم بدون إكراه وبدون إجبار.
ثانيًا: كيف نقول: أن النذر هنا سنه والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنه، لكن أكثر ما يؤتي الناس كما قال الإمام أحمد من القياس الفاسد أو التأويل، هذا قياس فاسد؛ لأنه كيف يقال للشخص: إذا أردت أن تصلي راتبه الظهر، قل: لله عليّ نذر أن أصلي راتبه الظهر، من أجل أن يجب عليه الوفاء بها فيثاب ثواب الواجب؟ نقول: سبحان الله، الله عز وجل يقول:"لا تقسموا طاعة معروفة" يعني: عليكم طاعة معروفة بدون يمين وبدون إلزام للنفس، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، وربنا سبحانه وتعالى يقول:{فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النساء: 59]. ولولا هؤلاء العلماء الذين نقل عنهم ذلك لولا أننا نثق بأنهم مجتهدون لا يريدون إلا الحق لكن فضل الله يؤتيه من يشاء، لقلنا: إنهم آثمون بهذا القول، لكن الحمد لله المجتهد من أمة محمد أن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر والخطأ مغفور.
يقول: نهى عن النذر، ثم علل النهي فقال: إنه لا يأتي بخير؛ لأن بعض الناس ينذر
لحصول خير أو اندفاع شر، مثل من قال: إنه نذر إن تزوج فلانة ليصومن سنة كاملة، مسكين هذا أيام عرسه يصوم سنة كاملة! ! هذا من الخطأ لكنه نذر لحصول خير مطلوب أما لزوال مكروه فهذا كثير، فمن الناس يكون عنده المريض آيسًا منه، ثم يقول: إن شفا الله مريضي فلله عليّ كذل وكذا فيشفي الله مريضه، وهل شفى الله مريضه من أجل نذره؟ أبدًا النذر لا يرد قضاءّ ولا يورد قضاءّ كما أنه لا يأتي بخير، كثيرًا ما يوجد بعض الناس اللآن مسكينًا ضعيفًا في الدراسة وأيس من النجاح يقول: لله عليّ نذر إن نجحت أن أصوم شهرين أو ثلاثة أشهر، ثم إذا نجح جاء إلى عتبة كل يسأل يتخلص مشكلة، نقول: يا أخي إذا أراد الله أمرًا، فإن النذر لا يأتي به والرسول صلى الله عليه وسلم قال:"إنه لا يأتي بخير".
وإنما قال ذلك لأنه كما قلت لكم: كثير من الناذرين ينذر لحصول مطلوب، أو زوال مكروه، فيقول الرسول: النذر لا يأتي بشيء، الذي يأتي بالخير ويصرف الشر هو الله عز وجل حتى لو فرض أنه صادف أن شفي من مرضه حين نذر نقول عن هذا الشفاء: إنه حصل عند النذر لا بالنذر؛ لماذا لا نقول بالنذر؟ لأن الرسول يقول: لا يأتي بخير ولم يفصل، فإذا قدِّر أنه شفي عند النذر قلنا: هذا حصل عنده لا به كما يقوم المشرك يدعو الصنم لحصول مطلوب أو زوال مكروه ثم يحصل مطلوبة أو يزول مكروهه ويقول: هذا من الصنم، نقول: غلط هذا ليس من الصنم، ولكن حصل الشيء عند دعائك إليه؛ لأن الله يقول:{ومن أضل ممَّن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلي يوم القيامة وهم عم دعائهم غافلون (5) وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} [الأحقاف: 5، 6]. ويقول عز وجل: {إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم} [فاطر: 14]. كيف يأتي الصنم لداعيه؟ هذا غير ممكن، فإذا قدر أنه حصل الشيء فنقول: هذا حصل عنده لا به، ولا يقال: إن هذا رأي الأشعرية الذين ينكرون تأثير الأسباب لمسبباتها؛ لأننا نقول: نحن اعتمدنا على أدلة من القرآن والسُّنة.
إذن النذر لا يأتي بخير لا يرفع مكروهًا، ولا يجلب محبوبًا، وإنما قال:"لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل"؛ لأن البخيل لا ينفق، لكنه إذا اضطر إلى الإنفاق حينئذ ينذر ويقول: إن شفى الله مريض أو شفاني من المرضي لأتصدقنِّ بمائة ألف ريال هنا استخرجت الدراهم من البخيل بالنذر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لولا هذا ما نذر، وربما أيضًا إذا حصل
مطلوبه، ربما لا يوفى أيضًا؟ ربما تغلبه نفسه الشحيحة ولا يوفي، وحينئذ يصدق عليه قول الله عز وجل:{فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} [التوبة: 76].
من فوائد الحديث: أولاً: النهي عن النذر، وهل النهي هنا للكراهة أو للتحريم؟ أكثر العلماء يقولون: إنه للكراهة، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية مال إلى التحريم، وهو الذي مشى عليه صاحب سبل السلام أنه للتحريم، والقول بأنه للتحريم قول قوي.
فإن قال قائل: كيف تقولون: إنه للتحريم والله تعالى مدح الموفين بالنذر فقال: {يوفون بالنذر ويخافون يومًا كان شره مستطيرًا} [الإنسان: 7]. وإذا كانت النتيجة ممدوحة كان السبب ممدوحًا؟ نقول: هذا غلط أولاً: الآية الكريمة هل المراد بقوله: {يوفون بالنذر} أي: بما نذروه على أنفسهم وكلفوا به أنفسهم أو المراد العبادات الواجبة؟
فيها قولان: والآية محتملة؛ لأن العبادة الواجبة تسمى نذرًا كما قال الله تعالى في الحجاج: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم} مع أنهم ما نذورا {وليطوفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29].
وما دامت الآية محتملة فمع الاحتمال يسقط الاستدلال وحينئذٍ نقول الآية لا تعارض الحديث والمراد بقوله: {يوفون بالنذر} أي: بما نذروه على أنفسه وعاهدوا به الله عز وجل وهو أن يسمعوا ويطيعوا لأمر الله هذا هو المراد، وليس المراد النذر الخاص الذي هو إلزام المكلف نفسه شيئًا.
ومن فوائد الحديث: أن النذر لا يرد قضاء، لا يجلب خيرًا ولا يدفع شرًا لقوله:"إنه لا يأتي بخير".
فإن قال قائل: ومن أين لكم أنه لا يدفع الشر؟ قلنا: إن دفع الشر خير فيكون عامًا، لا يأتي بخير لا في جلب منفعة ولا في دفع مضرة، ثم إن الغالب أن الذين ينذرون يريدون حصول الخير.
ومن فوائد الحديث: ذمَّ البخل، لقوله:"وإنما يستخرج به من البخيل" ولا شك أن البخل