الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضل الدعاء بعد الأذان:
1486 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد» . أخرجه النسائي وغيره، وصححه ابن حبان وغيره.
إجماليات عجيبة من المؤلف رحمه الله أخرجه النسائي وغيره.
إذا قال قائل: غيره يدخل فيه البخاري ومسلم؟
نقول: لا يدخل البخاري ومسلم، وإن كان لفظ الغير يدخل فيه، لكن لا يدخل من حيث استعمال المحدثين واصطلاحهم؛ لأنهم لا يذكرون الأدنى مع رواية الأعلى، ولا شك أن رواية النسائي أدنى من رواية البخاري ومسلم، فلما لم يذكر البخاري ومسلم عُلم أن المراد بغيره ما كان مساوياً للنسائي أو دونه، أما أعلى فلا، وكذلك صححه ابن حبان وغيره يقتضي أيضاً أنه صححه الأئمة كالإمام أحمد والبخاري وغيرهما، فيقال في ذلك مثل ما قيل في الأول، يقال: غيره ممن يساوي ابن حبان في التصحيح أو دونه.
على كل حال نقول: "الدعاء" مبتدأ، و"لا يرد" خبره، و"بين الأذان والإقامة" معروف، وذلك أنه من حين يفرغ المؤذن يشرع الإنسان في الدعاء يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل له الوسيلة ثم يدعو بما شاء، ومن ذلك إذا قام يصلي فإنه يدعو.
فمن فوائد الحديث: أن للدعاء زمناً يكون فيه أقرب للإجابة، وذلك بين الأذان والإقامة.
ومن فوائده: من الأزمنة التي يكون فيها الدعاء أقرب للإجابة: الثلث الأخير، لما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول:«من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» ، ومن ذلك أيضاً عند لقاء العدو، فإن الدعاء مستجاب قال الله تعالى:{يأيها الذين ءامنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون} [الأنفال: 45]. ولعل من الذكر الدعاء، وكذلك أيضاً الدعاء عند الإفطار للصائم، وهناك أيضاً أمكنة أو أحوال يكون الدعاء فيها أقرب إلى الإجابة كما سبق في أول الترجمة.
استحباب رفع اليدين في الدعاء:
1487 -
وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً» . أخرجه الأربعة إلا النسائي، وصححه الحاكم.
"إن ربكم" الخطاب للصحابة رضي الله عنهم، وخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة شامل لمن بعدهم، وليس غريباً أن يخاطب أول الأمة، ويراد جميع الأمة بل إن الله أحياناً يخاطب آخر الأمة بما كان لأولها، بنو إسرائيل يخاطبهم الله تعالى دائماً بأمر كان فعله أسلافهم.
"إن ربكم حيي كريم""حيي" غير حي؛ لأن "حي" من الحياة، وحيي من الحياء؛ أي: أنه -جل وعلا- موصوف بالحياء، "كريم" أي: ذو عطاء كثير، "يستحي من عبده" هذا من أمثلة حيائه -جل وعلا- يستحي من عبده، والمراد بعبده هنا العبودية الخاصة وهي عبودية الشرع إذن، وإنما قلنا: عبودية الشرع؛ لأن العبودية نوعان: عبودية الكون وهي عامة لكل من في السموات والأرض، قال الله تعالى:{إن كل من في السموات والأرض إلا ءاتى الرحمن عبداً} [مريم: 93]. وعبودية خاصة وهي عبودية الشرع؛ أي: التي يتعبد لله تعالى بشرعه، وهذه العبودية الخاصة هي التي يمدح عليها الإنسان ويثاب عليها ويعاقب بتركها.
"إذا رفع يديه إلى الله"، "يديه" يعني: عند الدعاء، ولم يذكر هنا كيفية الرفع، فيجوز أن ترفع على كل صفة إلا أن العلماء رحمهم الله قالوا: ينبغي أن يرفع يديه إلى صدره وأن يضم بعضهم إلى بعض هكذا، إلا عند الابتهال والمبالغة في الدعاء فإنه يرفع يديه حتى يبدو بياض إبطيه كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل، ويزداد في المبالغة في الدعاء في الاستسقاء، فإن الرسول دعا ورفع حتى كانت ظهور يديه إلى السماء من شدة الرفع.
وقوله: "أن يردهما صفراً"، الصفر: هو الخالي الذي ليس فيه شيء، وهذا يعني أنه لابد أن يعطيه الله شيئاً حسب ما تقتضيه الحكمة.
في هذا الحديث فوائد: أولاً: إثبات ربوبية الله عز وجل، وهذا شيء لا يحتاج إلى إقامة الدليل، قال الله تعالى:{رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سمياً} [مريم: 65]. من قوله: "إن ربكم".
ومنها: إثبات صفة الحياء لله لقوله: "إن ربكم حيي"، والذي وصفه بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس به، ويأتي قوم محدَثون محدِثون فيقولون: إن الله لا يوصف بالحياء؛ لأن الحياء: انكسار يعتري الإنسان عند فعل ما يكون به الخجل، وهذا لا يليق بالله، نقول: هذا الحياء الذي ذكرتموه حياء المخلوق، أما حياء الله فليس انكساراً، ولكن لكرمه يستحي أن يرد هذا الداعي وليس كحيائنا، بل هذا الحياء كسائر الصفات {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]. لا أدري ماذا يجيبون ربهم يوم القيامة إذا سألهم، هل يمكنهم أن يقولوا: يا رب، لا نثبت لك الحياء؛ لأن الحياء لا يليق بك، والله لو أجابوا بهذا الجواب لم ينفعهم؛ ولهذا كان واجباً على كل مؤمن أن يثبت لله ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات وما أثبته له رسوله.
ومن فوائد الحديث: إثبات الكرم لله لقوله: "كريم"، والكريم كثير العطاء والخيرات.
بقي أن يقال في هذا الحديث: إثبات اسمين، نحن ذكرنا إثبات الحياء، وإثبات الكرم، ولعلنا قصرنا فيه بعض الشيء نقول: إثبات اسمين من أسماء الله وهو أنه حيي وأنه كريم، وهما يتضمنان: صفتين الحياء والكرم.
ومن فوائد الحديث: أن حياء الله تعالى قد يحدث عند مقتضيه من قوله: "يستحي من عبده إذا رفع يديه"، فهذا حياء مقيد حصل بعد رفع العبد يده إلى الله، فيكون الحياء إذن من الصفات [الفعلية].
ومن فوائد الحديث: أنه كلما أظهر الإنسان الافتقار إلى الله والتعبد له كان أرجى وأقرب إلى الإجابة لقوله: "من عبده"، والعبد وإن كان ظاهره اسماً جامداً لكنه في الواقع مشتق من العبودية، وعلى هذا فإذا كان الاستحياء من الداعي بوصفه عبداً فقد علق الحكم بوصف، ومن القواعد أن الحكم إذا علق بوصف ازداد قوة بقوة ذلك الوصف، هذه قاعدة مفيدة للطالب، وأنا دائماً أكرر عليكم أن الاعتناء بالقواعد هو العلم، أما المسائل فيشترك فيها العامي وطالب العلم.
ومن فوائد الحديث: استحباب رفع اليدين في الدعاء تحرياً للإجابة لقوله: "إذا رفع يديه".
ومن فوائده: أن رفع اليد الواحدة يختلف فيه الحكم، فإن كان اقتصاره على رفع يد واحدة تكبراً فهذا لا خير فيها، ولن يجاب له، لكن لا أعتقد أن داعياً يرفع يده الواحدة تكبراً، لكن نقولها من باب تتميم التقسيم، وإذا رفع الواحدة لعذر كما لو كانت إحدى اليدين شلاء أو اشتغل بها بشغل لابد منه فلا بأس؛ ولهذا لما سقطت زمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة أمسكه بيدٍ وهو رافع اليد الأخرى.
ومن فوائد الحديث: إطلاق رفع اليدين، وقد سمعتم في الشرح أن الفقهاء قالوا: ينبغي أن تكون مبسوطة إلى حذاء الصدر، ولكن قلنا: ما لم يكن الدعاء ابتهالاً إلى الله فهنا يكرر الدعاء ويرفع أكثر.
ومن فوائد الحديث: أن الإشارة بالفعل لما في القلب أمر مشروع وارد؛ لأن الإنسان إذا قال: اللهم أعطني كذا وكذا وهو لم يرفع يده هو لا شك أنه يسأل الله، لكن إذا رفع يديه كالمستجدي صار أبلغ في ارتفاع القلب إلى الله عز وجل.
ومن فوائد الحديث: أن الأصل في الدعاء هو رفع اليدين هذا هو الأصل، لكننا ذكرنا ما لم ترد السنة بعدم الرفع تصريحاً أو ظاهراً، فإذا كان ظاهراً لسنة أو صريح السنة أن لا رفع فلا ترفع الأيدي، لكن إذا لم يكن هذا هو الظاهر فإن الأفضل أن يرفع الإنسان يديه إلى الله عز وجل.