الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقول: وعليكم، وقال:«إن اليهود يقولون: السام عليكم» ، فإذا سلموا فقولوا وعليكم، قال بعض العلماء: وهذا يدل على أنه إذا سلموا بسلام صريح قالوا: السلام عليكم فلا حرج أن تقول: وعليكم السلام.
ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز أن نتفسح لمن قابلنا من اليهود والنصارى بل نجعل الضيق عليهم؛ لقوله: «فاضطروهم إلى أضيقه» وغير النصارى من باب أولى، وهل يجوز لنا أن نضيق عليهم، بمعنى: أن نزحمهم حتى نلجئهم إلى الجدار؟
الجواب لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده اليهود في المدينة ولم ينقل أنهم إذا لاقوا اليهودي رصوه على الجدار ولا تليق هذه المعاملة بالمسلم، لكن المهم لا نكرمهم بالتفسح لهم.
تشميت العاطس:
1388 -
وعنه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل له: يهديكم الله، ويصلح بالكم» . أخرجه البخاري.
"العطاس": معروف، قال أهل العلم: العطاس ريح تتخلل البدن من نعمة الله على العبد أن يخرجها، فمن ثم صار يحمد الله هذا من وجه، من وجه آخر أن العطاس دليل على النشاط بخلاف التثاؤب، فالعطاس دليل على النشاط وهو إخراج ريح محتبسة بقاؤها يضر بالبدن فناسب أن يقول الإنسان: الحمد لله والحمد معناه: وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم ولو مرة واحدة فإذا وصفت أحدًا بصفة كمال مع محبتك وتعظيمك له فإن هذا حمد فإن كرر الصوف - وصف الكمال - صار ثناء وبدل لهذا قوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال مالك يوم الدين قال: مجدني عبدي» ، ففرق الله تعالى بين الحمد والثناء وإذا كان حمدًا بلا محبة ولا تعظيم ولكنه استجداء واستعطاف فهذا لا يسمى حمدًا وإنما يسمى مدحًا، وفي هذا دليل على عمق اللغة العربية فالحروف واحدة مدح حمد لكن بتقديم بعضها على بعض يختلف المعنى، وقوله الحمد لله "اللام" هنا هل هي للاستحقاق أو للاختصاص أو لهما جميعًا؟
لهما جميعًا فالحمد الكامل المطلق مستحق لله والحمد الكامل المطلق لا يكون إلا لله، فاللام إذن تحمل معنيين الاختصاص والاستحقاق، وليقل له أخوه: يرحمك الله، من أخوه؟
المسلم: إذن فالعاطس مسلم، فإذا عطس المسلم وقال: الحمد لله، فليقل له أخوه: يرحمك الله، يرحمك الله هذه جملة صيغتها صيغة الخبر، لكنها بمعنى: الطلب، أي: بمعنى الدعاء فقولك يرحمك الله، مثل قول: اللهم ارحمه، وقوله:"يرحمك الله" الرحمة بها حصول المطلوب وزوال المكروه، فإن قرنت بالمغفرة صار بها حصول المطلوب، وبالمغفرة زوال المكروه؛ لأن المغفرة في مقابل الذنب، "فإذا قال له: يرحمك الله فليقل له" أي: العاطس يقول لأخيه: "يهديكم الله ويصلح بالكم"، قوله: "يهديكم" أيضًا خبر بمعنى: الطلب، والهداية هنا تشمل الهدايتين: هداية الدلالة، وهداية التوفيق، فإذا قلت لأخيك: يهديكم الله، أي: يرشدكم بالعلم ويوفقكم للعمل ويصلح بالكم، أي يصلح شأنكم، أي: أمروكم، وهو عام لأمور الدين وأمور الدنيا، وبالتأمل لما أمامنا نجد أن المجيب أجاب بأحسن أو بأكثر مما دعي له به، حيث قيل له: يهديكم الله ويصلح بالكم.
من فوائد الحديث: أولاً: مشروعية الحمد لله عند العطاس؛ لقوله: "فليقل" واللام هنا للأمر وهل هذا واجب أو سنة؟
جمهور العلماء على أنه سنة وقال بعض أهل العلم: إنه واجب لأنه في مقابل نعمة من الله عليك ولأن الإنسان إذا لم يحمد عوقب بحرمانه من الدعاء أي: أنه إذا لم يحمد الله فلا تقل له: يرحمك الله، وهذا يدل على وجوب قول الحمد لله؛ لأنه لا تعزيز إلا على ترك واجب، والقول بالوجوب قوي لكن يشكل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا عطس أحدكم وحمد الله فشمته» كما مر علينا في أول حديث، فهذا يقال: إن ظاهر قوله وحمد الله يدل على أن العاطس قد وسع له أن يحمد الله وألا يحمد الله.
ومن فوائد الحديث: أن العطاس من نعم الله عز وجل ولهذا شرع الحمد عليه كما شرع الحمد على الأكل قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة ويحمده عليها» ، فإن قال قائل: وهل مثل ذلك الجشاء؟
فالجواب: لا، مع أن الجشاء خروج ريح، لكنه لا يشرع له الحمد، وذلك لأن الجشاء كان موجودًا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يشرع للأمة أن يحمدوا الله عنده والقاعدة الشرعية أن كل شيء وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ فيه سنة فتركه أي: ترك الكلام عليه هو السنة وعلى هذا فالسنة ألا تحمد عند التجشي خلافًا لكثير من العامة، فإن كثيرًا من العامة إذا تجشأ قال: الحمد لله، نعم، لو فرض أن هذا التجشي على خلاف العادة بأن يكون الإنسان قد
احتبس تجشيه لمرض أصابه، ثم تجشأ يومًا من الأيام فهذا يعتبر تجدد نعمة، وإذا كان تجدد نعمة فإن النعم يشرع الحمد لها أما التجشأ العادي فلا يشرع الحمد فيه.
ومن فوائد الحديث: أنه لا يشمت غير المسلم؛ لقوله: "فليقل له أخوه" وكان اليهود يتعاطسون عند الرسول صلى الله عليه وسلم لأجل أن يقول لهم: يرحمكم الله، ولكنه لا يقول لهم ذلك. إذن ماذا نقول لو أن الكافر عطس فحمد الله؟
ندعو له بالهداية فنقول: هداك الله.
ومن فوائد الحديث: أنه يجب على من سمعه يقول: الحمد الله أن يشتمه فيقول: يرحمك الله.
وجه الدلالة من الحديث: أن هذا مكافأة على معروف ما هو المعروف؟
كونه دعا لك بالرحمة، هذا يدل على أن الدعاء له بالرحمة واجب، وذلك مكافأة له على حمده لله عز وجل، فيؤخذ منه فائدة أخرى وهي أن من قام بشيء من العبادة، فإنه ينبغي أن يشجع عليه بكل وسيلة.
ومن فوائد الحديث: أنه يجب على من سمعه يحمد الله أن يقول له: يرحمك الله، وقد يقال: إنه فرض كفاية؛ لأن قوله: "فليقل له أخوه" إذا قال واحد من الناس. فقد قال له أخوه لكن هنا حديث يقول كان حقًا على كل من سمعه أن يقول له: يرحمك الله، ومن ثم قال بعض العلماء: إن تشميت العاطس فرض عين.
ومن فوائد الحديث: أن العاطس يجيب بما قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يهديكم الله ويصلح بالكم وهل الواجب أن يقول الكلمتين أو تكفي إحداهما؟
ظاهر الحديث أن الواجب أن يقول الكلمتين: يهديكم الله ويصلح بالكم. في هذا الحديث لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا حول ما يفعل العاطس لكن ورد حديث أنه ينبغي أن يضع يديه على وجهه؛ لئلا يرى، وبغض العلماء ذكر ما هو أعم فقال: ينبغي أن يغطي وجهه لأنه ربما خرج من أنفه شيء مستقذر تقزز النفوس منه.