الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتفقين يخدعون الله وهو خدعهم} [النساء: 142]. والحرب خدعة. فالخدع في موطنه محمود، ودليل علن أن المخادع كان أعظم من مخادعه، ذكروا أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أراد أن يبارزه رجل يسمى: عمرو بن ودّ والمبارزة مشهورة عند القتال يعني: إذا التقى الصفان؛ صف المسلمين وصف الكفار قد تطلب المبارزة أحياناً، فيطلب كل من الصفين من الآخر أن ينتخب رجلاً يقاتل خصمه وفيه فائدة وهي: أنه إذا قُتل أحد الرجلين، صار في ذلك كسر لقلوب أصحابه وتقوية لقلوب الآخرين، فطلب المبارزة عمرو بن ودّ وكان رجلاً شجاعاً، فخرج إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما أقبل عمرو صرخ علي قائلاً: ما خرجت لأبارز رجلين! هذا ذكاء فالتفت عمرو بن ودّ ظن أنه تبعه أخد، ولما التفت قضى عليه عليٌ بضربه حتى أبان رأسه عن جسده، هذا خداع لكنه محمود. لأنه في محله. هذا الرجل الذي خرج، خرج ليقتل علياً لكن عليَّا قتله بهذه الخديعة، فالخديعة في موضعها صفة محمودة لكنها في موضع الائتمان مذمومة وفيها وعيد.
قال: «ولا بخيل» هذا أيضاً فيه هذا الوعيد وسبق لنا بيان البخل وأن البخل كله مذموم، «سيئ الملكة» كذلك سيئ المعاملة لا يدخل الجنة، ولكن هذا أيضاً ليس على إطلاقه لأن سوء المعاملة جائز إذا قابل به من أساء إليه؛ الدليل قوله تعالى:{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194]. {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل: 126]. فالذي أساء معاملتك فلا حرج عليك أن تسيء معاملته.
تحريم التجسس:
1447 -
وعن ابن عباس رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تسمع حديث قوم وهم له كارهون؛ صب في أذنيه الآنك يوم القيامة، يعني: الرصاص» . أخرجه البخاري.
هذا وعيد شديد - والعياذ بالله - على من قام بهذا العمل «تسمّع حديث قوم» «تسمّع» أي: صار يسارقهم السمع بمعنى: ينصت وهم يظنون أنه لا يسمع لكنه يتصيد ماذا يقولون، وقوله:«حديث قوم» المراد بقوم هنا الذين يتسارون فيما بينهم، أما الذين يجهرون فهؤلاء لم يحتاطوا لأنفسهم فلا حرج على من سمع كلامهم وهؤلاء الذين يجهرون لا يقال: لا تستمع كلامهم أو لا تستمع، ولكن يقال استمع.
لكن هؤلاء القوم يسرون فجعل ذلك يتصنت عليهم من أجل أن يأخذ ما عندهم، وقوله:{وهم له كارهون} الجملة في موضع نصب على الحال من قوم حديث قوم يعني: والحال أنهم
له كارهون، ولولا الواو لقلنا: إن الجملة صفة لقوم لأنها نكرة "صب في أذنيه"، هذه جواب "من" من الصاب؟ الصاب من أمرهم الله تعالى أن يصبوا ذلك عليه، وقد قال الله تعالى. {خذوه فاتلوه إلى سواء الجحيم (47) ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم} [الدخان: 47، 48] وقوله:{الآنك} يعني: الرصاص، ولا يكون صباً للرصاص إلا إذا كان مذاباً وعليه فالمراد: الرصاص المذاب.
في هذا الحديث فوائد: منها: تحريم التسمع إلى قوم يكرهون أن يسمعهم أحد سواء تصنت عن طريق مكبر الصوت - لأنه توجد أشياء تكبر الصوت ويسمع الصوت من بعيد - أو من طريق الباب كأن يجلس إلى الباب يتسمع، أو يجلس قريباً منهم يتظاهر انه يقرأ يأخذ مثلاً كتاباً أو القران الكريم ويحرك شفتيه علن أنه يقرأ، فإذا رأوه يقرا ربما يأمنون ويقولون: هذا لاه عنّا وليس له حاجة بنا.
ومن ذلك أيضاً أن يضع مسجلاً - بل قد يكون أبلغ لأن هناك مسجلات صغيرة علن قدر علبة الكبريت يضعها - في أماكن جلوسهم المعتاد وهم لا يعلمون، فيه أيضاً مسجلات غريبة تأتمر بأمرك إذا أمرتها، لها ذبذبات خاصة أن تكلم حولها أحد سجلت، وإن لم يكن كلام لم تسجل، فيجعل مثل هذا عندهم حتى يسترق السمع.
والمهم أن طرق التسمُّع كثيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم أطلق ولم يقل: من تسمع كذا، فيكون عاماً بكل سمع.
ومن فوائد الحديث: أن التسمّع بحديث قوم يكرهونه من كبائر الذنوب، وجهه الوعيد الشديد أنه يصب في أذنيه الآنك يوم القيامة، وهل يستثنى من ذلك شيء؟ ، نعم، يستثنى من ذلك التسمع إلى العدو، فإن التسمع إلى العدو جائز، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل الجواسيس (العيون) ترى ماذا يصنع العدو، فيكون الحديث ليس على عمومه، بل هو مخصوص بما إذا تسمع إلى العدو بالتحرز من خداعه ومكره.
ومن فوائد الحديث: أنه لو تسمع إلى حديث قوم وهم يسرون بذلك فلا شيء عليه؛ لأنه زادهم سروراً، فلو فرضنا أن قوماً يتناجون بينهم في مسائل علمية دينية وإنسان يتسمع لهم ليستفيد ثم يخبرهم بعد ذلك انه استفاد منهم فهذا لا بأس به.
ومن فوائد الحديث: أن الجزاء من جنس العمل، وجهه أنه لما كان التسمع بالأذن كان العذاب علي الأذن، ولهذا نظائر، مر علينا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أصحابه لا يسبغون الوضوء وأنهم اخلوا به في بعض الأعضاء فنادى بأعلى صوته، "ويل للأعقاب من النار"، فجعل العذاب على الأعقاب لأنها هي التي حصل بها المخالفة، وكذلك قال:"ما أسفل من الكعبين ففي النار" فجعل
العقوبة ما كانت فيه المخالفة، هنا العقوبة على ما كانت فيه المخالفة، هل يقاس على التسمع النظر؟ الظاهر نعم، فلو أن إنساناً كان بعيداً عن قوم وفي يده منظار فجعل يوجهه عليهم من أجل أن يراهم، وهم طبعاً يكرهون أن، يراهم أحد، قد يكون الإنسان مع زوجته لا يحب أن يطلع عليه أحل فهذا أيضا مثله، لكن لا أجزم أن عينيه تكحل بالرصاص يوم القيامة. لأن العذاب لا يمكن القياس فيه، أما الحكم فنعم لا شك أن هذا محرم وأنه من كبائر الذنوب.
وهل مثل ذلك أن يلتقط صورتهم وهم جلوس؟ نعم وهذا أيضا قد يكون من باب أولى. لأن الصورة تحفظ وتنشر فيكون البلاء والفتنة أعظم وأكبر، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يلتقط صورة أحد إلا بإذنه، حتى لو كان يعرف أن هذا الرجل يقول بجواز التقاط للصور فإنه لا يجوز أن يلتقطه إلا بأذنه، لاسيما إذا كان يعلم أنه يكره أن تلتقط صورته.
ومن فوائد الحديث: كما عدل الله هز وجل وأنه - جل وعلا - يؤاخذ المذنب بحسب ذنبه، ظاهر الحديث أن مجرد التسمع تحصل به هذه العقوبة وان لم يكشف سره فهل هذا صحيح؟ نعم صحيح فان افشي السر كان أعظم وأشد.
1448 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس» أخرجه البزار بإسناد حسن.
المؤلف رحمه الله وجزاه الله خيراً ينقب عن الأحاديث من أى كتاب، البزار ليس مسنده كمسند الأئمة المشهورين، لكن جاء بهذا الحديث «طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس» «طوبى» قيل: انه اسم لشجرة في الجنة، وقيل: أنه طوي فغلى من الطيب، أي: الخصلة الطوبي، أي الطيبة لمن فعل كذا وكذا، وهذا الأخير أعم من الأول، وهو أقرب.
والمعنى: أن من شغله عيبه عن عيوب الناس فهذا هو الذي نال الطيب، والمعنى صحيح هل أنت سالم من العيوب؟ لا الدليل:«كل بني أدم خطاء وخير الخطائين التوابون» لا أحد يسلم من العيوب، بل من ادعى أنه سالم من العيوب فهو معيب بدعواه هذه، فهل من العقل والحكمة أن، تشتغل بعيوب الناس وتقول: ماذا قال فلان أو غير ذلك مما نهي عنه؟ نهي عن قيل وقال - أو الأولى أن تشتغل بعيوب نفسك؟
الثاني أول، اشتغل بعيوب نفسك وستجد عيوباً كثيرة، ثم ان عيوب النفس أيضا هل تشتغل بها وتيأس من رحمة الله وتستحسر ولا تحاول أن تنزع عنها أم أن المراد بالاشتغال بعيوب النفس محاولة التخلي عنها؟ الثاني يعني: أنك إذا نظرت الى عيوبك لا تنظر إليها نظر