الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الكبائر سب الرجل أبا الرجل:
1401 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من الكبائر: شتم الرجل والديه. قيل: وهل يسب الرجل والديه؟ قال: نعم. يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه» . متفق عليه.
"من" للتبعيض، وعلامة "من" التبعيضية: أن يحل محلها "بعض"، هنا لو قال بعض الكبائر شتم الرجل والديه لاستقام، و"من" تأتي في اللغة العربية لمعان كثيرة ليس هذا الموضع ذكرها، لكن أضرب مثلاً قوله تعالى:{ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} [الزخرف: 60]. من هنا بدلية أي: ولو نشأ لجعلنا بدلكم ولا يمكن أن تكون للتبعيض لأنه لا يريد الله عز وجل أن يبين أنه لو شاء لجعل منا ملائكة، من الكبائر الكبائر جمع كبيرة فما هي الكبيرة؟ اختلف العلماء رحمهم الله فيها؛ فمنهم من عدها، ومنهم من حدها، والمحددون أيضًا اختلفوا؛ منهم من عدها وقالوا: الكبائر كذا وكذا وعددوها، فتكون هنا معينة بالعد، ومنهم من عينها بالحد، وقال: كل ذنب رتب عليه عقوبة في الدنيا كالحد أو في الآخرة كالوعيد بالنار أو حرمان الجنة أو لعنة أو غضب أو نفي إيمان فهو كبيرة، وحد شيخ الإسلام في بعض كتبه الكبيرة بأنها ما رتب عليه عقوبة خاصة؛ يعني: أنه ليس فيه: لا تفعلوا كذا، أو حرم عليكم كذا، بل فيه عقوبة خاصة سواء لعنة أو حرمان من دخول الجنة أو غير ذلك، وهذا لا شك أنه أقرب ضابط، ومن المعلوم أن الكبائر نفسها تختلف لحديث أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أكبر الكبائر» ، فالكبائر بعضها قريب من الصغائر، وبعضها قريب من الشرك.
هنا قال: «من الكبائر شتم الرجل والديه» أي: أباه أو أمه، "قيل: وهل بسبب الرجل والديه؟ ". يعني: الصحابة تستبعد أن الرجل يشتم والديه، وهو كذلك بعيد أن الرجل يقول لأبيه أو أمه سبًا وشتمًا هذا من أبعد ما يكون، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نعم"، إلا أنه من طريق غير مباشر، قال: "نعم، يسب أبا الرجل فيسب الرجل أباه، ويسب أمه فيسب أمه"، وهذا غير مباشر، أما أن يسبه سبًا مباشرًا فهذا بعيد، لكن في وقتنا الحاضر هل يسب أباه سبًا مباشرًا؟ نعم كثير، وكذلك يسب أمه، لكن في عهد الصحابة وفي عهد شيم العرب لا يمكن أن الرجل يسب أباه أو أمه.
في هذا الحديث فوائد: منها: أن الذنوب قسمان: صغائر وكبائر.
ومنها: أن شتم الرجل أباه أو أمه من كبائر الذنوب؛ لأنه عقوق.
ومنها: مراجعة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن صدره صلى الله عليه وسلم يتسع لذلك ويرحب به، وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون صدره رحبًا في المراجعة، لكن بشرط أن يعلم حسن القصد من المراجع، أما إذا علم أنه تعنت أو إحراج فله الحق أن يغضب وله الحق أن يمنع الجواب؛ لأن الله قال للرسول صلى الله عليه وسلم:{فإن جاءوك فأحكم بينهم أو أعرض عنهم} [المائدة: 42]. لأن اليهود يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم أسئلة تعنتٍ، فخيره الله بين أن يجيبهم أو لا، وكذلك الأئمة كانوا يغضبون على من سأل سؤالاً في غير محله، ماذا صنع مالك لما سئل السؤال عن العرش، وقيل له: كيف استوى؟ أطلق برأسه حتى علاه العرق، وقال للرجل: ما أراك إلا مبتدعًا وهذا سب له بالقول، ثم أمر به أن يخرج ويطرد من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن من علمنا منه حسن القصد وأنه يسأل الفائدة أو هو مستفيد لكن يريد أن يفيد غيره من الحاضرين فليكن صدرك رحبًا، والحمد لله فإن الحق قد يكون مع أصغر القوم، وإذا كان هكذا فالواجب أن يكون صدر الإنسان رحبًا، الصحابة رضي الله عنهم يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم أشياء ليتبين لهم الأمر، قالوا: وهل يسب الرجل والديه؟ قال: نعم.
ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم وكشفه للمسال الغامضة لقوله: "يسب أبا الرجل" بين وجهه ذلك بقوله: "يسب أبا الرجل
…
الخ".
ومن فوائد الحديث: أن الجواب بـ"نعم" جواب صحيح، والجواب بـ"إي" هل يكفي؟ نعم؛ لأنه في القرآن:{ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي} [يونس: 53]. فـ"إي" هنا هي هي، ولكننا ردنا عليها هاء السكت.
ومن فوائد الحديث: أن الوسائل لها أحكام المقاصد، يؤخذ من كونه يسب أبا الرجل فيسب الرجل أباه ويسب أمه فيسب أمه.
ومنها: سد الذرائع، يعني: ما كان ذريعة لمحرم فهو محرم، ويدل على سد الذرائع قوله تعالى:{ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} [الأنعام: 108]. إذن نأخذ من هذا سد الذرائع، وقاعدة ثانية: الوسائل لها أحكام المقاصد، لكن هنا إشكال نرجوا الله تعالى أن يبين لنا وجهه، كيف يسوغ للإنسان إذا سب الرجل أبه أن يسب أبا الرجل؟ ! ولا تزر وازرة وزر أخرى.
والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هذا هل هو على سبيل الإقرار أو على سبيل بيان الواقع؟ الثاني، مثلاً: رجل جعل يسب أبا الرجل، والرجل الساب أبوه رجل صالح، فهل يليق بالذي سب أبوه أن