الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مما يتعلق باتباع الجنازة أن متبع الجنازة له أجر، ان شهدها حتى يصلي عليها فله قيراط، وإن شهدها حتّى تُدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان يا رسول الله؟ قال: «مثل الجبلين العظيمين أصغرها مثل أحد» . إذا كان مع الجنازة منكر مثل أن يكون المشيعون لها يصطحبون ما يسمونه بالموسيقى الحزينة وما أشبه ذلك، إذا كان معه موسيقى حزينة ولا يمكن أن تغيره فلا تتبعه؛ لأن كل شيء فيه منكر لا يمكنك تغييره، فإن حضوره حرام عليك.
ومما يتعلق باتباع الجنازة أنه ينبغي لمن يتبع الجنازة أن يكون مفكرا في مآله متعظا بما يشاهد، فهذا الرجل الذي [هو] اليوم محمول على الأكتاف، كان بالأمس هو يحمل الناس على كتفه، وهذا الرجل الذي كان أمس يمشي على ظهر الأرض هو الآن سوف يدفن في باطن الأرض، وهل أنت بعيد من ذلك؟
لا تدري لعله تمضي سويعات فيفعل بك ما فعل به، فينبغي لتابع الجنازة أن يفكر في أمره ومآله، خلافا لبعض الناس الذينَ إذا اتبعوا جنازة صاروا يقهقهون ويتكلمون في أمور الدنيا، ويقولون: ماذا بعت اليوم، وماذا اشتريت، وماذا أكلت، وماذا شربت، ما أحسن هذا الثوب وغير ذلك هذا غلط، المقام لا يقتضي هذا ولكل مقام مقال.
وسيلة عدم ازدراء نعمة الله:
1380 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم» . متفق عليه.
انظروا: الأمر هنا للإرشاد، وقوله:«انظروا» هل المراد: النظر بالعين يعني: بالبصر أو بالبصيرة؟
الثاني، النظر بالبصيرة، وقوله «إلى من هو أسفل منكم» يعني: بنعمة الله عليه، سواء كانت النعمة دينية أو دنيوية، لا تنظر لمن فوقك، بل انظر إلى من هو دونك، وعللها الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:«فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم» ، ونعمة الله تشمل نعم الدين ونعم الدنيا، وهذا من الإرشاد الحكيم؛ لأنه لاشك أن الله تعالى جعل الناس متفاوتين {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بعْضَهُمْ عَلَى بعْضٍ} [الإسراء: 21]. متفاوتين في المال، في العقل، في القوة، في الولد، في كل شيء، حتّى في الصورة الخلقية الناس يتفاوتون.
ويقال: إنه لا يمكن أن تجد اثنين متساويين في كل شيء حَتّى وإن تقاربوا في الشبه جدا فلابد أن يكون بينهم تفاوت، فإذا كانوا متفاوتين فمنهم العالي ومنهم النازل، وأنت لا تنظر إلى
العالي؛ لأنك إذا نظرت إلى العالي احتقرت نعمة الله عليك، بل انظر إلى من دونك، ولنفرض مثلاً أن نظرك ضعيف لا يتجاوز عشرين مترا، ويوجد من نظره لا يتجاوز عشرة أمتار، ويوجد من نظره يتجاوز مائة متر، الذي فوقك الآن هو الذي يتجاوز مائة متر ودونك عشرة أمتار وأنت بينهما، إن نظرت إلى الأعلى ستقول: الله ما رزقني، مثل هذا وأعطاني أقل فتزدري نعمة الله عليك في هذا البصر، إذا نظرت للثاني قلت الحمد لله، أعطاني الله خيرا منه فعرفت قدر نعمة الله عليك وشكرته على ذلك، في العلم رأيت شخصا عنده حافظة قوية وذاكرة قوية وفهم قوي، وإنسان تُحفظه اليوم سطرا واحدا وقبل أن يبرد مجلسه من سخونته إذا قام منه وجدته ناسيا وأنت يبقى العلم معك لمدة ساعتين أو ثلاثة أو أربع أو خمس ساعات، إن نظرت إلى الذي يبقى الحفظ معه شهرين أو سنتين قلت: ما عندي شيء، وإن نظرت للثاني قلت: الحمد لله عندي خير متين يتبين لك نعمة الله؟
إذا نظرت إلى من دونك في الأخلاق كذلك وجدت إنسانا في غاية ما يكون الأخلاق، صدره منشرح، وجهه طليق كلامه طيب، دائم البشر دائم التبسم، وآخر - أعوذ بالله- وجه عبوس قمطرير لا يريد أحد يتكلم وأنت بالوسط تنظر إلى من؟
إلى الأسفل، لو وجدت إنسانا كثير العبادة من صلاة وصدقة وصوم وبر الوالدين وصلة رحم، وإنسانا دون ذلك أي: مهمل وأنت بينهما تنظر إلى من؟ تنظر إلى الأسفل؛ لأن نعمة الله فى الدين أقوى وأشدُ فضلاً من نعمة الدنيا تقول: الحمد لله الذي هداني أنا في خير، لكن هذا لا يمنعك أن تستبق الخيرات لا تقول: قف مكانك، بل اسع في الخير، لكن من حيث النعمة لا تنظر إلى من هُوَ أعلى منك؛ لأنك إن نظرت إلى من هو أعلى منك تقول ما أنعم الله على، وأما تفريق بعض العلماء بين أمور الدين والدنيا ففيه نظرا؛ لأن الحديث عام والإنسان يغبط الشخص الذي أعطاه الله تعالى قوة في الدين وفعلاً للخيرات وتركا للمنكرات من إنسان دون ذلك ولا يرى أن الله أنعم عليه كما أنعم على الآخر العالم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى هذه النظرية بالإضافة إلى نعمة الله علينا ليس بالإضافة إلى فعلنا، حَتّى فى أمور الدُّنيا، إذا رأيت إنسانا أنعم الله عليه بخلق طيب وإنسانًا بالعكس ألا يجدر بك أن تكون مثل الأول، حَتَّى الإنسان الذي أنعم الله عليه بالمال ربما يقول: أنا أسعى لطلب المال لعل الله يوفقني كما وفق الآخر، على كل حال إذا كان المقصود النظر إلى ما أنعم الله به من مال وبنين وعلم وعمل وعبادة بالنظر إلى إضافته إلى الله فانظر إلى من هُوَ أسفل مطلقا حَتَّى تعرف قدر نعمة الله عليك بأن الله فضلك على من دونك، لكن لو نظرت إلى الأعلى فلابد أن تزدري النعمة وتنتقصها وتقول: الله ما أعطانى شيئا الله، من على هذا بالمال والعبادة وأنا محروم، لكن هذا لا يمنع أن نقول: استبق الخبرات، انظر إلى فعلك أنت مقصر.