الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استحباب التيامن في التنعل:
1390 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا نزع فليبدأ بالشمال، ولتكن اليمنى أولهما تنعل، وآخرهما تنزع» . أخرجه مسلم إلى قوله: «بالشمال» وأخرج باقيه مالك والترمذي وأبو داود.
هذا من الآداب الشرعية في اللباس «إذا انتعل أحدكم» أي: لبس نعله "فليبدأ باليمين""وإذا نزع فليبدأ باليسار"، والحكمة من ذلك أن الأصل هو البداءة باليمين إلا فيما هو نقص لها، فليبدأ باليسار، ولهذا أخذ العلماء من هذا قاعدة، فقالوا: تقدم اليسرى للأذى واليمنى لما سواه وقلنا: يقدم اليمين لما في ذلك من إكرامها بتقديمها باللباس تؤخر عند الخلع لما في ذلك أيضًا من إكرامها بإبقاء اللباس عليها، ويبدأ بالشمال من أجل تعريتها من اللباس قبل أن تتعرى اليمين وقوله صلى الله عليه وسلم:«ولتكن اليمنى أولهما تنعل» قد يقول قائل: هل هذه الجملة مؤكدة لما سبق أو تفيد معنى آخر؟
والجواب: أن نأخذ بقاعدة معروفة، وهي إذا دار الكلام بين أن يكون توكيدًا أو تأسيسًا فالأصل أنه تأسيس؛ لأن التوكيد لا يفيد معنى جديدًا إذ هو المعنى الأول، لكنه مؤكدًا أما التأسيس فيفيد معنى جديدًا؛ إذن نقول: ولتكن اليمنى أولهما في النعل آخرهما تنزع فيه فائدة غير الأول وهو أنه يشير إلى أنه يلبس اليمنى لبسًا كاملا حتى وإن احتاجت إلى علاج كالربط ونحوه، فإن بعض النعال تحتاج إلى ربط لها سيور تربط بها، وإلا تسقط من الرجل، فإذا قدر أن هذه النعال تحتاج إلى عقد وربط نقول: لا تلبس اليسرى حتى تربط اليمنى، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائمًا أرأيتم لما؟
لأن النعال في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم غالبها تحتاج إلى ربط، فإذا كان قائمًا انتعل قائمًا وأرد وأن يربطها إذا رفع رجله ربما يسقط على قفاه وإن خفض رأسه فكذلك أيضًا يكون على وجه غير مستطاع لذلك نهى عليه الصلاة والسلام أن ينتعل الرجل قائمًا أما مثل نعالنا اليوم التي لا تحتاج إلى المعالجة فليس فيه نهي، المهم أن قوله:«ولتكن اليمنى أولهما تنعل وأخراهما تنزع» فيه معنى جديد غير الأول وهو: أنك لا تلبس اليسرى حتى (تلبس) اليمنى نهائيًا ثم البس اليسرى، إن احتاجت إلى عمل، قلنا: كمل العمل مثل ذلك الجوارب مثلاً لا تلبس جورب اليسرى حتى تكمل جورب اليمنى بأن تشده حتى يصل إلى منتهاه في الساق ولا يكفي أن تلبسه حتى تغطي القدم.
ففي الحديث فوائد: أولاً: شمول الشريعة الإسلامية، حتى علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته كل شيء، وقد شهد الأعداء بذلك، قال رجل من المشركين لسلمان الفارسي: علمكم نبيكم حتى الخراءة قال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول وأن تستنجي باليمين وأن تستنجي بأقل من ثلاثة أحجار وأن تستنجي برجيع أو عظم، انظر إلى المشرك يقول: علمكم كل شيء وصدقه سلمان.
ومن فوائد الحديث: تكريم اليمين بالتقديم، وانظر إلى الحكم الشرعي كيف وافق الحكم القدري فجعل الله تعالى اليمنى أقوى من اليسرى، هذا في غالب الناس وإن كان يوجد بعض الناس تكون يسراه أقوى، لكن هذا نادر بالنسبة للأكثر، فقدم الله اليمين قدرا وقدمها شرعًا.
ومن فوائد الحديث: جواز ترك النعل لقوله: "إذا انتعل" ولكن هذه الفائدة فيها شيء من الخلفاء وقد تكون غير مقبولة؛ لأن قوله: إذا انتعل لا يدل على أن النعل واجب أو غير واجب إنما هو إذا فعل هذا الشيء، فهل الأفضل أن ينتعل الإنسان دائمًا أو الأفضل أن يحتفي دائمًا أو الأفضل أن يفعل ما هو الأرفق أو الأفضل أن يفعل هذا مرة وهذا مرة؟
الرابع والثاني يعني: مثلاً ينبغي للإنسان أن يحتفي أحيانًا، وينتعل أحيانًا لما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كثرة الإرفاه، ويأمرهم بالاحتفاء أحيانًا، لكن أيضًا يلاحظ الأرفق لو قال الإنسان: أحتفي وأمامه أرض بها شوك فيها حجر حاد، هل نقول: الأفضل أن تحتفي هنا؟
لا، لأن لنفسك عليك حقًا والله عز وجل يقول:{ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم} [النساء: 147]. فلا تعذب نفسك، لا تقل: والله أنا متعود على الخشونة وتمشي على أرض كلها شوك ما تخرج إلا وقدمك كلها مملوءة بالشوك، هذا غلط، لكن إذا كان لا يوجد ضرر، فالأفضل أن تحتفي أحيانًا وتنتعل أحيانًا.
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان ينبغي له إحكام الشيء؛ لقوله: "أولهما تنعل" لأن معنى "تنعل" تصلح حتى تكون نعلاً مستقيمًا، وهذا شامل لكل اللباس، كل اللباس ينبغي للإنسان أن يتقنه إذا تلبس به، وهل من إتقانه أن يزر الإنسان إزراره؟
نعم، هذا من الإتقان، ولكن قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ذات يوم قد فتح إزاره، فهل نقول: إن هذا من السنة؟ الجواب: لا.
ظن بعض الناس أن هذا من السنة وصار يرى من التقرب إلى الله عز وجل والتعبد له أن يفك إزاره، ولكن هذا من سوء الفهم، وهذا من أكبر ما يكون ضررًا على الإنسان، يعني: أن يسوء فهمه للنصوص، فمثلاً هل من المعقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم يصنع أزارير لا يزرها؟
لأن الرسول ما وضع أزارير في قميصه إلا ليزرها وإلا فما الفائدة؟ فإذا رآه أحد في يوم من الأيام أنه فك إزراره فيغلب على الظن جدًا أن ذلك لسبب إما أن يكون من شدة الحرارة أو لحرارة في صورة يحتاج إلى ترويح وتبريد أو لنسيان، أو لغير ذلك من الاحتمالات الكثيرة وإذا وجد احتمال واحد سقط الاستدلال، فكيف إذا وجد احتمالات كثيرة، ونحن يغلب على ظننا أن الرسول وضع أزارير لمجرد النظر أن ينظر أن له أزارير بل يشدها، ولكن كما قلنا: إن بعض الناس يفهم النصوص على وجه ليس بصواب، إذن نقول: ينبغي للإنسان أن يتقن ما يلبس. من أين أخذناه؟
من قوله: "تنعل" يعني معناه أنها تنعل تمامًا هل يقاس على النعال ما سواها في مسألة البداءة باليمين عند اللبس وباليسار عند الخلع؟
الجواب نعم؛ لأن القياس هنا ظاهر جلي، البدء باليمين إكرامًا لها، وعند الخلع باليسار إكرامًا لليمين لتكون هي الآخرة في إزالة اللباس عنها مثل: ذلك، إذن لو أراد الإنسان أن يلبس القميص فبأي الأكمام يبدأ؟
باليمين وإذا أراد خلعه فليبدأ باليسار، والسؤال أهمس به في كل أذن واحد منكم هل أنت تفعل هذا؟
على كل حال الشيطان ينسي الإنسان كثيرًا، لكن من الآن - إن شاء الله - تفطن لهذا، إذا أردت أن تلبس ابدأ باليمين وإذا أردت أن تخلع اخلع اليسار، أنا أشاهد كثيرًا من الناس الآن عندما يريد أن يخلع نعليه لا يبالي يخلع اليمين يخلع اليسار، فكن منتبهًا عندما تريد خلع النعل ابدأ بالشمال وعندما تريد أن تلبس فابدأ باليمين، لكن هنا سؤال وهو إذا كان الإنسان يريد أن ينتقل من نعل إلى نعل، يعني: يريد أن يخلع نعل الوضوء ويلبس النعل الذي يخرج به إلى السوق، ماذا يصنع؟
هل نقول: ابدأ بالخلع باليسار حينئذ يدخل اليسار في النعل الأخرى قبل اليمين أو نقول بالعكس؟
إذا قلنا: ابدأ باليمين أخلع اليمين أولاً من أجل أن تلبسها أولاً في النعل الأخرى صار الآن فعل خلاف السنة لتحصيل السنة، لكن إذا قلنا: اخلع اليسرى أولاً فعل سنة مقصودة بذاتها ثم يكون عدم فعلة للسنة الثانية من أجل العجز فيبدأ أولاً بالسنة الأولى، وهي خلع الشمال ثم إن تيسر له أن يبدأ باليمين في لبس النعل الثانية كذلك، وإلا سقط عنه للعجز.