الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلم من هذا الحديث قبول شهادة البدوي، وهذا أيضا مقيد -أعني: قبول الشهادة- بما إذا لم يكن بينهما عداوة كالعداوة التي تكون بين القبائل في الغالب.
ومن فوائد الحديث: قبول شهادة صاحب القرية على صاحب القرية، وهل لابد أن يكون من قريته أو لو كان من قرية مجاورة؟ الثاني.
ومن فوائد الحديث: قبول شهادة صاحب القرية على البدوي، وهذا مأخوذ من المفهوم لا تجوز شهادة البدوي على صاحب القرية، فمفهومه: أن صاحب القرية على البدوي شهادته مقبولة، لكن كما قلنا: إن هذا مقيد بما إذا لم يكن هناك تهمة، فصار المدار كله في هذه الأشياء على التهمة، بمعنى: أن يكون الشاهد يجر إلى نفسه نفعا ولو بالتشفي من عدوه أو يدفع عنها ضررا.
العبرة في عدالة الشاهد بما يظهر:
1344 -
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب فقال: «إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم» . رواه البخاري.
عمر بن الخطاب يتكلم بهذا الكلام حين ولايته بدليل قوله: "وإنما نأخذكم
…
إلخ". يقول: "إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي"، كأنه يشير رضي الله عنه إلى بعض المنافقين الذين علمهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر بهم من أخبر من أصحابه مثل حذيفة بن اليمان صاحب السر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلمه بأسماء أناس بأعيانهم من المنافقين، يقول: "يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وحي الله عز وجل، وإن الوحي قد انقطع بماذا؟ بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فمن ادعى أن الله أوحى إليه شيئا بعد موت الرسول فهو كاذب؛ لأن الوحي انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم دون ما بطن؛ لأن ما بطن علمه عند الله، ولا يمكن أن يؤخذ الإنسان به.
ففي هذا الحديث فوائد: أولا: ثبوت علم الله بمن يخالف قلبه ما ظهر من جوارحه ولهذا يخبره الله عنهم.
ومن فوائده: أن الله تعالى قد يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم عن أناس ظواهرهم تخالف بواطنهم بالوحي.
ومن فوائد الحديث: أنه لا وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الرؤيا الصادقة إذا ظهرت القرائن على صدقها فإنه يؤخذ بها، لكن بشرط أن يكون هناك قرائن، ومثلوا لذلك بعمل أبي بكر بوصية ثابت بن قياس بن شماس، ثابت بن قيس بن شماس قتل في غزوة اليمانية ومر به
أحد الجنود وأخذ درعه ووضعها بجانب العسكر ووضع عليها برمة، ورآه-أي: رأى ثابت بن قي بن شماس بعض أصحابه في المنام -فأخبره ثابت بأنه مر به أحد الجند وأخذ الدرع ووضعه تحت برمة بجانب العسكر وحوله فرس تستن وكأنه يريد أن يأخذه، فلما أصبح الرجل وذهب إلى المكان وجد الأمر كما قال، وفي هذه الرؤيا أوصاه ثابت بأمور يعهد بها إلى أبي بكر رضي الله عنه، وسبب ذلك أنه وجد قرائن تدل على صدقه، فإذا وجدت قرائن تدل على صدق الرؤيا عمل بها؛ لأن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة.
ومثله ما ذكره ابن القيم عن شيخه ابن تيمية أنه أشكل عليه بعض المسائل في الفقه والعلم، منها: أنه يقدم جنائز من أهل البدع لا تدري أمسلمون هم أم كفار؟ ! فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فأسله عن أشياء منها هذه المسألة فقال له: عليك بالشرط يا أحمد بمعنى: أن تشترط في الدعاء فتقول: اللهم إن كان مؤمنا فاغفر له وارحمه، وله شاهد من الوحي في اليقظة، الشاهد ما جاء في آية اللعان في قوله تعالى:{والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين} [النور: 7]. والمرأة تقول: {أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} [النور: 9]. فهو دعاء مقيد بشرط، وكذلك في قصة الثلاثة أبرص والأقرع والأعمى، قال الملك لهم: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت عليه، فدل هذا على جواز الاستثناء في الدعاء، إذن فإذا قدم للإنسان شخص اشتهر عنه أنه لا يصلي -ومعلوم أن ترك الصلاة كفر، وأن من ثبت عندنا أنه لا يصلي ومات على ذلك -لا نصلي عليه؛ لأنه كافر ونكفره بعينه، ولا نستوحش من هذا؛ لأننا لو استوحشنا وقلنا: نفكر الفعل دون الفاعل فهذا خطأ لم يبق أحد كافرا، نكفره بعينه ونقول: لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، فإذا قدم إليك رجل تشك فيه فلك أن تقول: اللهم إن كان مسلما فاغفر له وارحمه.
ومن فوائد هذا الأثر عن عمر: أن الواجب أخذ الناس بظواهرهم لقوله: "وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لها من أعمالكم"، ويؤيد هذا القول من أمير المؤمنين عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل المنافقين معاملة المسلمين حتى قيل له في قتلهم، قال:"لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه"، وكذلك يشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما أنا بشر ملكم، وإنكم تختصون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع» ، فنحن في هذه الدنيا لا نعامل الناس إلا على ظواهرهم، أما في الآخرة فالعمل على البواطن.