المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التشديد في إضاعة المال: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأطعمة

-

- ‌تحريم كل ذي ناب من السباع:

- ‌تحريم كل ذي مخلب من الطير:

- ‌حكم أكل الحمر الأهلية والخيل:

- ‌حكم أكل الجراد:

- ‌حكم أكل الأرنب:

- ‌حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد:

- ‌حكم أكل الضبع:

- ‌حكم أكل القنفذ:

- ‌النهي عن أكل الجلالة:

- ‌حل الحمار الوحشي والخيل:

- ‌حل أكل الضب:

- ‌حكم الضفدع:

- ‌خلاصة كتاب الأطعمة، وخلاصته تدور على أمور:

- ‌1 - باب الصيد والذبائح

- ‌اقتناء الكلب:

- ‌حل صيد الكلب المعلم:

- ‌فائدة: حكم التسمية عند الذبح:

- ‌حكم ما أكل منه كلب الصيد:

- ‌حكم اشتراك كلبين في الصيد:

- ‌صيد المعارض:

- ‌تنبيه:

- ‌الصيد بالسهم وحكمه:

- ‌التسمية على ما لم يسم عليه عند الذبح:

- ‌فائدة: حكم اللحوم المستوردة من بلاد الكفار:

- ‌النهي عن الحذف:

- ‌النهي عن اتخاذ ذي الروح غرضاً:

- ‌حكم ذبح الحجر وذبح المرأة الحائض:

- ‌فائدة في ذبح ملك الغير وحله:

- ‌شروط الذبح:

- ‌النهي عن قتل الدواب صبراً:

- ‌وجوب إحسان القتلة:

- ‌ذكاة الجنين ذكاة أمة:

- ‌حكم نسيان التسمية عند الذبح:

- ‌2 - باب الأضاحي

- ‌شروط الأضحية:

- ‌صفة ذبح النبي صلى الله عليه وسلم للأضحية:

- ‌حكم الأضحية:

- ‌وقت الأضحية

- ‌عيوب الأضحية:

- ‌حكم ذبح المسنة:

- ‌لا يعطي الجزار من الأضحية:

- ‌إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌العقيقة عن الغلام والجارية:

- ‌ارتهان الغلام بعقيقة:

- ‌وقت العقيقة والحلق:

- ‌مسألة السقط وأحكامه:

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌تعريف الأيمان:

- ‌كراهة الإكثار من اليمين:

- ‌فائدة: قرن اليمين بقول: «إن شاء الله»:

- ‌شروط وجوب الكفارة:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌اعتبارنية المستحلف في اليمين:

- ‌من حلف فرأى الحنث خيرا كفر عن يمينه:

- ‌الحنث في اليمين على خمسة أقسام:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌تحقيق القول في تعليق الحلف بالمشيئة:

- ‌نية الاستثناء لا تغني في اليمين إلا بالتلفظ به:

- ‌لفظ يمين الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌حكم الحلف بصفة من صفاته تعالى:

- ‌اليمين الغموس من كبائر الذنوب:

- ‌لغو اليمين:

- ‌أسماء الله الحسنى:

- ‌الدعاء بخير لصانع المعروف:

- ‌حكم النذر:

- ‌كفارة النذر:

- ‌حكم نذر المعصية وما لا يطاق:

- ‌وفاء نذر الميت:

- ‌حكم نذر المكان المعين:

- ‌حكم الانتقال عن النذر إلى ما هو أفضل منه:

- ‌الوفاء بالنذر بعد الإسلام:

-

- ‌كتاب القضاء

- ‌معنى القضاء والفرق بين القاضي والمفتي:

- ‌تولي القضاء فرض كفاية:

- ‌صفة القاضي الصالح:

- ‌وجوب الحذر من تولي القضاء:

- ‌تبعات الإمارة:

- ‌حكم الحاكم أو القاضي أو المفتي المجتهد:

- ‌النهي عن الحكم حال الغضب:

- ‌لا يقضي القاضي حتى يسمع قول الخصمين:

- ‌حكم الحاكم لا يحل للمحكوم له إذا كان باطلاً:

- ‌حكم القاضي بعلمه وضوابطه:

- ‌الاهتمام بإقامة العدل:

- ‌خطر القضاء وكبر مسئوليته:

- ‌حكم ولاية المرأة أمور المسلمين العامة:

- ‌التحذير من احتجاب الوالي عن حاجة المسلمين:

- ‌الرشوة والهدية للقاضي:

- ‌تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس:

- ‌1 - باب الشهادات

- ‌خير الشهود الذي يشهد قبل أن يسأل:

- ‌خير القرون الثلاثة الأولى:

- ‌حكم شهادة الخائن والعدو والقانع:

- ‌لا تقبل شهادة البدوي على صاحبه قرية:

- ‌العبرة في عدالة الشاهد بما يظهر:

- ‌شهادة الزور:

- ‌الشهادة على ما استيقن وبالاستفاضة:

- ‌القضاء باليمين والشاهد:

- ‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌القرعة بين الخصوم في اليمين:

- ‌غضب الله على من أخذ مال غيره بغير حق:

- ‌الحكم بحسب البينة:

- ‌تغليظ اليمين بالزمان أو المكان:

- ‌الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم:

- ‌اليد المرجحة للشهادة الموافقة لها:

- ‌رد اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه:

- ‌الاعتبار بالقيافة في ثبوت النسب:

- ‌كتاب العتق

- ‌تعريف العتق وبيان بعض أحكامه:

- ‌الترغيب في العتق:

- ‌عتق الأنثى:

- ‌عتق الأغلى أفضل من عتق الأدنى:

- ‌حكم من أعتق نصيبه من عبد:

- ‌السعاية:

- ‌حكم من ملك والديه أو ذا رحم محرم:

- ‌حكم التبرع في المرض:

- ‌تعليق العتق:

- ‌الولاء لمن أعتق:

- ‌بيع الولاء وهبته:

- ‌ باب المدبر، والمكاتب، وأم الولد

- ‌المكاتب عبد ما لم يفيا بما كُوتِبَ عليه:

- ‌ المكاتب كالحر إذا ملك ما كوتب عليه:

- ‌دية المكاتب:

- ‌تركة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌عتق أم الولد بوفاة سيدها:

- ‌كتاب الجامع

- ‌1 - باب الأدب

- ‌معنى الأدب الإسلامي وأنواعه:

- ‌أنواع الأدب:

- ‌اختلاف الأديب باختلاف الأمم:

- ‌حقوق المسلم على أخيه:

- ‌إلقاء السلام ورده:

- ‌حكم إجابة الدعوة والنصيحة للمسلم:

- ‌آداب العطاس والتشميت:

- ‌عيادة المريض:

- ‌آداب اتباع الجنائز:

- ‌وسيلة عدم ازدراء نعمة الله:

- ‌البر والإثم وضوابطهما:

- ‌لا يتناجى اثنان دون الثالث:

- ‌آداب المجلس وأحكامها:

- ‌لعق الأصابع والصحفة:

- ‌آداب السلام وأحكامه:

- ‌سلام الواحد على الجماعة والعكس:

- ‌حكم السلام على أهل الكتاب:

- ‌تشميت العاطس:

- ‌حكم الشرب قائمًا:

- ‌استحباب التيامن في التنعل:

- ‌النهي عن المشي في نعل واحد:

- ‌حكم إسبال الثياب:

- ‌النهي عن الأكل والشرب بالشمال:

- ‌النهي عن الإسراف في كل شيء:

- ‌2 - باب البر والصلة

- ‌البركة في العمر والرزق بصلة الرحم:

- ‌النهي عن قطع الرحم:

- ‌النهي عن عقوق الوالدين:

- ‌التشديد في إضاعة المال:

- ‌بر الوالدين وضوابطه:

- ‌حقوق الجار:

- ‌أعظم الذنوب عند الله:

- ‌من الكبائر سب الرجل أبا الرجل:

- ‌بماذا يزول التهاجر بين الأخوين

- ‌كل معروف صدقة:

- ‌الإحسان إلى الجار ولو بالقليل:

- ‌الترغيب في التفريج عن المسلم والتيسير عليه:

- ‌الدال على الخير كفاعله:

- ‌المكافأة على المعروف:

- ‌3 - باب الزهد والورع

- ‌الحلال والحرام والمشتبهات:

- ‌مبحث حديث الحلال والحرام من جامع العلوم والحكم:

- ‌التحذير من حب الدنيا:

- ‌كن في الدنيا كالغريب:

- ‌الترغيب في المتشبه بالصالحين:

- ‌حفظ الله بحفظ حدوده:

- ‌كيف يكون العبد محبوباً عند الناس

- ‌كيف يكون العبد محبوباً من الله

- ‌من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه:

- ‌النهي عن الإسراف في الأكل:

- ‌التوبة فضلها وشروطها:

- ‌فضل الصمت وقلة الكلام:

- ‌4 - باب الترهيب من مساوئ الأخلاق

- ‌النهي عن الحسد:

- ‌تعريف الحسد وأقسامه:

- ‌ذم الغضب:

- ‌النهي عن الظلم والشح:

- ‌تعريف الظلم لغة وشرعاً:

- ‌الرياء:

- ‌تعريف الرياء لغة وشرعاً:

- ‌خصال النفاق:

- ‌النهي عن السباب:

- ‌التحذير من سوء الظن:

- ‌التحذير من الغش للرعية:

- ‌أمر الوالي بالرفق برعيته:

- ‌النهي عن الغضب:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌النهي عن التخوض في أموال الناس بالباطل:

- ‌حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده:

- ‌الغيبة وتغليظ النهي عنها:

- ‌النهي عن أسباب البغض بين المسلمين:

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء:

- ‌المزاح بين المسلمين وضوابطه:

- ‌الفرق بين المجادلة والمماراة:

- ‌ذم البخل وسوء الخلق:

- ‌النهي عن مضارة المسلم:

- ‌المسلم ليس بذيئاً ولا فاحشاً ولا لعاناً:

- ‌النهي عن سب الأموات:

- ‌النميمية:

- ‌كفُّ الغضب:

- ‌ذم الخداع والبخل:

- ‌تحريم التجسس:

- ‌التحذير من الكبر:

- ‌ذم العجلة:

- ‌الشؤم سوء الخلق:

- ‌التحذير من كثرة اللعن:

- ‌النهي أن يغير المسلم أخاه:

- ‌التحذير من الكذب لإضحاك الناس:

- ‌كفارة الغيبة:

- ‌5 - باب الترغيب في مكارم الأخلاق

- ‌الترغيب في الصدق:

- ‌حقوق الطريق:

- ‌الترغيب في الفقه:

- ‌الترغيب في حسن الخلق:

- ‌الترغيب في الحياء:

- ‌الترغيب في التواضع:

- ‌الترغيب في الصدقة:

- ‌من أسباب دخول الجنة:

- ‌النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم:

- ‌كيف تكون النصيحة لكتاب الله

- ‌النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون

- ‌النصح للولاة وللعلماء:

- ‌أعظم نصيحة النصح للعلماء:

- ‌النصح للعامة كيف يكون

- ‌الترغيب في تقوى الله:

- ‌حسن الخلق:

- ‌المؤمن مرآة أخيه:

- ‌مخالطة الناس والصبر على أذاهم:

- ‌الدعاء بحسن الخلق:

- ‌6 - باب الذكر والدعاء

- ‌حقيقة الذكر وأنواعه:

- ‌حقيقة الدعاء وشروط الاستجابة:

- ‌آداب الدعاء:

- ‌فضل المداومة على ذكر الله:

- ‌فضل "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ومعناها:

- ‌الفرق بين القدرة والقوة:

- ‌فضل "سبحان الله وبحمده" ومعناها:

- ‌الباقيات الصالحات:

- ‌فضل لا حول ولا قوة إلا بالله:

- ‌الدعاء هو العبادة:

- ‌فضل الدعاء بعد الأذان:

- ‌استحباب رفع اليدين في الدعاء:

- ‌حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:

- ‌فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌سيد الاستغفار ومعناه:

- ‌سؤال العافية في الدين والدنيا والأهل والمال:

- ‌الاستعاذة من سخط الله:

- ‌الاستعاذة من غلبة الدين والعدو وشماتة الأعداء:

- ‌معنى الصمد:

- ‌دعاء الصباح والمساء:

- ‌الدعاء بالحسنة في الدنيا والآخرة:

- ‌من صيغ الاستغفار:

- ‌الدعاء بخير الدارين:

- ‌ينبغي للمؤمن أن يسأل العلم النافع:

- ‌من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌التشديد في إضاعة المال:

العقائد فإنه أشد وأقبح، كما يوجد الآن في كتب أهل الكلام والفلاسفة؛ ولهذا قال بعضهم:[الطويل]

(نهاية إقدام العقول عقال

وأكثر سعي العالمين ضلال)

(وأرواحنا في وحشةٍ من جسومنا

وغاية دنيانا أذى ووبال)

(ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا

سوى أن جمعنا فيه قيل وقال)

هذا من كبرائهم ويقول هذا الكلام: ما استفدنا إلا قيل وقال! تأتي مثلاً كتب كثيرة كلها قال فلان، وقيل عن فلان، مع أنه يغني عنها قليل من القول.

قال: "وكثرة السؤال" يعني وكره لكم كثرة السؤال، يدخل في هذا سؤال المال وسؤال العلم كما يدخل ذلك في قوله تعالى:{وأما السائل فلا تنهر} [الضحى: 10]. فكثرة السؤال حتى فيما يحل لك لا ينبغي مكروهة، أما ما لا يحل فظاهر أنه حرام حتى وإن قل السؤال، لكن كثرة السؤال فيما يحل، كثرة السؤال في العلم أيضًا، لكن كثرة السؤال في العلم فيها تفصيل، أما إذا قصد الإنسان الاستزادة من العلم فهذا مطلوب، والحديث لا يدل على النهي عنه، وأما إذا كان المقصود بذلك الأغلوطات، وإحراج المسئول وإظهار أنه بحاثة فلا شك أنه داخل في الحديث، وأنه من أسباب الخطأ؛ لأن من كثر كلامه كثر خطؤه، ثم إن كثرة السؤال أيضًا تضجر المسئول، وتوجب أن يكون منه نفور من السائل، وهذا ضرر على الطرفين: على السائل والمسئول.

‌التشديد في إضاعة المال:

أما الثالث قال: "وإضاعة المال" وهو صرفه في غير فائدة لا دينية ولا دنيوية وذلك لأن الله تعالى جعل المال قيامًا للناس فقال تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا} [النساء: 5]. قيامًا أي: تقوم به مصالح الدين ومصالح الدنيا، فإذا أضاعه الإنسان فقد صرفه في غير ما جعله الله للناس، وكم من إنسان أغناه الله فأسرف في الإنفاق الكثير وأضاع المال، وإذا هو

ص: 280

يصبح فقيرًا معدمًا، فيتمنى أن لم يكن أنفق ولكن هيهات، إذن يحرم إضاعة المال، لكن لاحظوا أن إضاعة المال قريبة من معنى الإسراف؛ لأن الإسراف محرم فبذل المال فيه محرم، لكن الإسراف يختلف قد يعد إسرافا لشخص وغير إسراف لشخص آخر، لو أن الفقير اشترى سيارة فخمة لا يشتريها إلا أكابر الناس وأغنى الناس عد ذلك إسرافًا، ولو أن الغني اشتراها لم يعد إسرافًا كل شيء يحسبه؛ لأن الإسراف تعريفه مجاوزة الحد؛ فإذا قيل: هذا إنسان مجاوز الحد فهو مسرف، صرف المال فيما لا فائدة فيه، لكن فيه تسلية وانشراح للصدر، ولكن ليس لشيء محرمٍ والإنسان مثلاً يسأم من الأعمال الجدية، ويحب أن يرفه عن نفسه بعض الشيء هل يعد هذا إضاعة؟ الجواب: لا، صحيح أن هذا الشيء في حد ذاته ليس مقيدًا لكنه مقصود لغيره من أجل أن يذهب الإنسان عنه السآمة والملل؛ لأن النفس تمل وتتعب تحتاج إلى شيء ينشطها ومن ذلك المنتزهات حيث يخرج كثير من الناس إلى المنتزهات، ومعلوم أن الإنفاق في المنتزهات فيه زيادة إنفاق، لكن فيها راحة وتسلية للنفس وإزالة للمل فيكون هذا من المقصود لغيره، ولا يعد هذا إضاعة للمال، وإن كان هو في حد ذاته ليس مفيدًا لكنه مفيد لغيره.

في هذا الحديث فوائد: منها: أن التحليل والتحريم لله لقوله: "إن الله حرم" وإن كانت الدلالة على حصر التحريم في حق الله عز وجل ليست بذاك في هذا الحديث، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم حكى ذلك مقررًا له فيكون في هذا دليل على أن ما حرم الله فهو حرام، لكن هناك أصرح من هذا قوله تعالى:{ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب} [النحل: 116]. يتفزع على هذا مسألة أعظم منها أن التكفير والإدخال في الإسلام ليس إلى الخلق، ولكن إلى الله عز وجل فالخلق عبيد الله إذا حكم على أحد بأنه كافر فهو كافر ولو كان أباءنا أو إخواننا أو أبناءنا أو عشيرتنا، إذا لم يحكم على إنسان بأنه كافر فلن نكفره ولو عمل ما عمل، فكون الإنسان يجعل مسألة التكفير حسب العاطفة والمزاج غلط عظيم، ومسألة التكفير أعظم من مسألة التحليل والتحريم؛ لأنه متوقف عليها أحكام عظيمة تذكر في أحكام الردة، ويترتب على ذلك أيضًا أن من أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله فقد ضاد الله في أمره؛ لأن التحريم والتحليل لله وحده، فمن قال عن شيء حلال إنه حرام فهو مضاد لله ومن قال عن شيء حرام إنه حلال فهو مضاد لله عز وجل لكن ما صدر عن اجتهاد بعد البحث وطلب التدليل وأداة اجتهاده إلى شيء ما من هذا فهو معذور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر» .

ومن فوائد الحديث: تحريم عقوق الأمهات وهو من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قالوا: بلى يا رسول الله قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين» فعقوق

ص: 281

الأمهات والآباء أيضًا من أكبر الكبائر، وبرهما من أفضل الأعمال، والإنسان مع والديه له ثلاث حالات بر، وقطيعة، ولا بر ولا طيعة، أما القطيعة فهي كبائر الذنوب، وأما البر فهو من أفضل الأعمال وأما ما لا بر ولا قطيعة فهذا محرم، لكن لا يصل إلى حد الكبيرة محرم لأنه ترك للواجب الذي أمر الله بهن وهو البر والإحسان، لكن لا يصل إلى حد الكبيرة؛ لأن الكبائر إنما هي في العقوق، فصارت معاملة الإنسان لوالديه على ثلاثة أحوال بر، وعقوق ولا بر ولا عقوق، فالبر واجب وإحسان وفضل وأجر، والعقوق كبيرة من كبائر الذنوب، وإساءة، وما لا هذا ولا هذا فهو حرام، لكنه لا يصل إلى حد الكبيرة، وإنما حرم الله العقوق لما فيه من جحد النعمة وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«من صنع إليكم معروفًا فكافئوه» فأي معروف من الآدميين غير النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من معروف الوالدين؟

لا شيء؛ ولهذا قال الله تعالى: {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا} [الإسراء: 24]. والكاف هنا للتعليل يعني: لأنهما ربياني صغيرا فلا نعمة من العباد بعد إنعام النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من نعمة الوالدين على الولد، وكان من الأمثال العامية إن البر أسلاف، يعني: إذا بررت بوالديك بر بك أولادك.

ومن فوائد الحديث: تحريم وأد البنات، لقوله:"إن الله حرم"، ثم قال:"وأد البنات"، والأولاد من باب أولى، وهل وأد البنات والبنين من كبائر الذنوب؟ نعم؛ لأنها قطيعة رحم أم عقوق؟ قطيعة رحم؛ لأن العقوق خاص بالوالدين، إذن هي قطيعة رحم ولأنها قتل للنفس وقتل النفس {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها

} [النساء: 93] الآية. وبما أن التحريم لله صار قتل الولد في بعض الأحيان قربة من قربات؛ لأن التحريم والتحليل لله. وذلك في قصة إبراهيم وإسماعيل فإن الله تعالى أمر إبراهيم بأن يقتل ولده إسماعيل، وولده إسماعيل هو أول أولاده {فأما بلغ معه السعي} وتعلقت به نفسه تعلقًا شديدًا لأن أكبر ما يتعلق الإنسان بولده إذا كان قد بلغ معه السعي، الصغير لا يلتفت إليه غالبًا والكبير الذي انفصل أيضًا لا يلتفت إليه لكن الصغير الذي يذهب معه ويرجع معه تتعلق به النفس أكثر، ومع ذلك أمر بأن يذبحه {إني أرى في المنام أني أذبحك} فتأمل الآن قتل الأولاد من كبائر الذنوب، وإذا أمر الله به صار قربة وطاعة، السجود لغير الله شرك وإذا أمر الله به صار قربة وطاعة:{وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لآدم فسجدوا} [البقرة: 34].

ومن فوائد الحديث: تحريم طلب ما لا يستحقه الإنسان؛ لقوله: "هات"، وتحريم منع ما يجب من قوله:"منعًا وهات"، هذه الحال كما قلنا تدل على أن الإنسان مجبول على البخل يمنعه وعلى الشح بطلبه.

ص: 282

ومن فوائد الحديث: أن من الأساليب العربية التي توجب الانتباه أن يختلف التعبير في أشياء حكمها واحد؛ لقوله: "حرم وكره"؛ لأن ما كرهه الله فهو حرام، لكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان التعبير من عند الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الأصل وإنما قلت ذلك لأنه من الجائز أن يكون من تصرف الرواة لكن الأصل أنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم لكن الرسول عبر بهذا، وهذا من أجل أن ينتبه الإنسان، ومعلوم لنا جميعًا أن الكلام إذا كان على وتيرة واحدة فإن الإنسان المستمع لا ينسجم معه انسجامًا كثيرًا، بل المستمع يكون بارد الذهن، ولهذا بعض القراء الآن يستعملون التنبيه باختلاف الصوت، لا باختلاف التعبير، فتجده مثلاً قراءته واحدة على طريق واحد، ثم يرفع صوته أو يخفض صوتهن فيوجب لذلك الانتباه.

ومن فوائد الحديث: أن الله يكره قيل وقال؛ ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» . من كمال إيمانك ألا تقول إلا خيرًا والعجب أن من كان هذا منهجه فإنه يسلم من شرور كثيرة، ومن كثر كلامه كثر سقطه لكن من قل كلامه وكان لا يتكلم غلا بخير فهذا هو المؤمن وهذا هو السالم، لكن إذا قال قائل: إذا كنا لا نتكلم إلا بالخير لزم أن نكون دائما في سكوت ندخل محلاً مثلا السلام عليكم كيف أصبحت ثم نسكت نقول الخير نوعان: خير مقصود لذاته وخير مقصود لغيره، والأول لاشك أنه أشرف لأنه غاية والثاني دونه لكنه خير، فإذا تكلم الإنسان بكلام هو في حد ذاته لغو لكن يريد أن يدخل الأنس والسرور على الحاضرين فهذا يعتبر خيرًا؛ لأن إدخال الأنس والسرور على مجالسك من الخير لاشك، لكن إذا حصل الأول وهو الخير لذاته فهو أفضل لاشك، ومن الخير لذاته تعليم العلم، أنا أظن أن الإنسان لو قام يحدث في مجلس غير معد للحديث ربما يكون ذلك ثقيلاً على النفس، لكن من الممكن أن يذكر مسائل فقهية طريفة توجب أن ينتبه الناس وتشتد أفكارهم إليه، مثل: أن يطرح مسألة غريبة، أو يتكلم في قصة مما ورد في الأحاديث من القصص، كأن يقول الرسول قص علينا كذا وكذا قص علينا قصة ثلاثة أبرص وأعمى وأقرع، أو ثلاثة انطبقت عليهم صخرة في غار، المهم أن الإنسان اللبيب يستطيع أن يدخل العلم على الناس بلا ملل بما أعطاه الله من حكمة.

ومن فوائد الحديث: كراهة الله لكثرة السؤال، لكن هل المراد كثرة السؤال من واحد أو من متعدد؟

من واحد، فلو فرضنا أن إنسانًا عنده مائة طالب كل واحد حضر سؤالاً فتكون الأسئلة مائة، هل: نقول هذه كثيرة تكره؟

لا؛ لكن يأتي واحد يتصدر للأسئلة وكل ما أجاب المسئول عن السؤال، وإذا بالثاني على

ص: 283