الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقائد فإنه أشد وأقبح، كما يوجد الآن في كتب أهل الكلام والفلاسفة؛ ولهذا قال بعضهم:[الطويل]
(نهاية إقدام العقول عقال
…
وأكثر سعي العالمين ضلال)
(وأرواحنا في وحشةٍ من جسومنا
…
وغاية دنيانا أذى ووبال)
(ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
…
سوى أن جمعنا فيه قيل وقال)
هذا من كبرائهم ويقول هذا الكلام: ما استفدنا إلا قيل وقال! تأتي مثلاً كتب كثيرة كلها قال فلان، وقيل عن فلان، مع أنه يغني عنها قليل من القول.
قال: "وكثرة السؤال" يعني وكره لكم كثرة السؤال، يدخل في هذا سؤال المال وسؤال العلم كما يدخل ذلك في قوله تعالى:{وأما السائل فلا تنهر} [الضحى: 10]. فكثرة السؤال حتى فيما يحل لك لا ينبغي مكروهة، أما ما لا يحل فظاهر أنه حرام حتى وإن قل السؤال، لكن كثرة السؤال فيما يحل، كثرة السؤال في العلم أيضًا، لكن كثرة السؤال في العلم فيها تفصيل، أما إذا قصد الإنسان الاستزادة من العلم فهذا مطلوب، والحديث لا يدل على النهي عنه، وأما إذا كان المقصود بذلك الأغلوطات، وإحراج المسئول وإظهار أنه بحاثة فلا شك أنه داخل في الحديث، وأنه من أسباب الخطأ؛ لأن من كثر كلامه كثر خطؤه، ثم إن كثرة السؤال أيضًا تضجر المسئول، وتوجب أن يكون منه نفور من السائل، وهذا ضرر على الطرفين: على السائل والمسئول.
التشديد في إضاعة المال:
أما الثالث قال: "وإضاعة المال" وهو صرفه في غير فائدة لا دينية ولا دنيوية وذلك لأن الله تعالى جعل المال قيامًا للناس فقال تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا} [النساء: 5]. قيامًا أي: تقوم به مصالح الدين ومصالح الدنيا، فإذا أضاعه الإنسان فقد صرفه في غير ما جعله الله للناس، وكم من إنسان أغناه الله فأسرف في الإنفاق الكثير وأضاع المال، وإذا هو
يصبح فقيرًا معدمًا، فيتمنى أن لم يكن أنفق ولكن هيهات، إذن يحرم إضاعة المال، لكن لاحظوا أن إضاعة المال قريبة من معنى الإسراف؛ لأن الإسراف محرم فبذل المال فيه محرم، لكن الإسراف يختلف قد يعد إسرافا لشخص وغير إسراف لشخص آخر، لو أن الفقير اشترى سيارة فخمة لا يشتريها إلا أكابر الناس وأغنى الناس عد ذلك إسرافًا، ولو أن الغني اشتراها لم يعد إسرافًا كل شيء يحسبه؛ لأن الإسراف تعريفه مجاوزة الحد؛ فإذا قيل: هذا إنسان مجاوز الحد فهو مسرف، صرف المال فيما لا فائدة فيه، لكن فيه تسلية وانشراح للصدر، ولكن ليس لشيء محرمٍ والإنسان مثلاً يسأم من الأعمال الجدية، ويحب أن يرفه عن نفسه بعض الشيء هل يعد هذا إضاعة؟ الجواب: لا، صحيح أن هذا الشيء في حد ذاته ليس مقيدًا لكنه مقصود لغيره من أجل أن يذهب الإنسان عنه السآمة والملل؛ لأن النفس تمل وتتعب تحتاج إلى شيء ينشطها ومن ذلك المنتزهات حيث يخرج كثير من الناس إلى المنتزهات، ومعلوم أن الإنفاق في المنتزهات فيه زيادة إنفاق، لكن فيها راحة وتسلية للنفس وإزالة للمل فيكون هذا من المقصود لغيره، ولا يعد هذا إضاعة للمال، وإن كان هو في حد ذاته ليس مفيدًا لكنه مفيد لغيره.
في هذا الحديث فوائد: منها: أن التحليل والتحريم لله لقوله: "إن الله حرم" وإن كانت الدلالة على حصر التحريم في حق الله عز وجل ليست بذاك في هذا الحديث، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم حكى ذلك مقررًا له فيكون في هذا دليل على أن ما حرم الله فهو حرام، لكن هناك أصرح من هذا قوله تعالى:{ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب} [النحل: 116]. يتفزع على هذا مسألة أعظم منها أن التكفير والإدخال في الإسلام ليس إلى الخلق، ولكن إلى الله عز وجل فالخلق عبيد الله إذا حكم على أحد بأنه كافر فهو كافر ولو كان أباءنا أو إخواننا أو أبناءنا أو عشيرتنا، إذا لم يحكم على إنسان بأنه كافر فلن نكفره ولو عمل ما عمل، فكون الإنسان يجعل مسألة التكفير حسب العاطفة والمزاج غلط عظيم، ومسألة التكفير أعظم من مسألة التحليل والتحريم؛ لأنه متوقف عليها أحكام عظيمة تذكر في أحكام الردة، ويترتب على ذلك أيضًا أن من أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله فقد ضاد الله في أمره؛ لأن التحريم والتحليل لله وحده، فمن قال عن شيء حلال إنه حرام فهو مضاد لله ومن قال عن شيء حرام إنه حلال فهو مضاد لله عز وجل لكن ما صدر عن اجتهاد بعد البحث وطلب التدليل وأداة اجتهاده إلى شيء ما من هذا فهو معذور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر» .
ومن فوائد الحديث: تحريم عقوق الأمهات وهو من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قالوا: بلى يا رسول الله قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين» فعقوق
الأمهات والآباء أيضًا من أكبر الكبائر، وبرهما من أفضل الأعمال، والإنسان مع والديه له ثلاث حالات بر، وقطيعة، ولا بر ولا طيعة، أما القطيعة فهي كبائر الذنوب، وأما البر فهو من أفضل الأعمال وأما ما لا بر ولا قطيعة فهذا محرم، لكن لا يصل إلى حد الكبيرة محرم لأنه ترك للواجب الذي أمر الله بهن وهو البر والإحسان، لكن لا يصل إلى حد الكبيرة؛ لأن الكبائر إنما هي في العقوق، فصارت معاملة الإنسان لوالديه على ثلاثة أحوال بر، وعقوق ولا بر ولا عقوق، فالبر واجب وإحسان وفضل وأجر، والعقوق كبيرة من كبائر الذنوب، وإساءة، وما لا هذا ولا هذا فهو حرام، لكنه لا يصل إلى حد الكبيرة، وإنما حرم الله العقوق لما فيه من جحد النعمة وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«من صنع إليكم معروفًا فكافئوه» فأي معروف من الآدميين غير النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من معروف الوالدين؟
لا شيء؛ ولهذا قال الله تعالى: {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا} [الإسراء: 24]. والكاف هنا للتعليل يعني: لأنهما ربياني صغيرا فلا نعمة من العباد بعد إنعام النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من نعمة الوالدين على الولد، وكان من الأمثال العامية إن البر أسلاف، يعني: إذا بررت بوالديك بر بك أولادك.
ومن فوائد الحديث: تحريم وأد البنات، لقوله:"إن الله حرم"، ثم قال:"وأد البنات"، والأولاد من باب أولى، وهل وأد البنات والبنين من كبائر الذنوب؟ نعم؛ لأنها قطيعة رحم أم عقوق؟ قطيعة رحم؛ لأن العقوق خاص بالوالدين، إذن هي قطيعة رحم ولأنها قتل للنفس وقتل النفس {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها
…
} [النساء: 93] الآية. وبما أن التحريم لله صار قتل الولد في بعض الأحيان قربة من قربات؛ لأن التحريم والتحليل لله. وذلك في قصة إبراهيم وإسماعيل فإن الله تعالى أمر إبراهيم بأن يقتل ولده إسماعيل، وولده إسماعيل هو أول أولاده {فأما بلغ معه السعي} وتعلقت به نفسه تعلقًا شديدًا لأن أكبر ما يتعلق الإنسان بولده إذا كان قد بلغ معه السعي، الصغير لا يلتفت إليه غالبًا والكبير الذي انفصل أيضًا لا يلتفت إليه لكن الصغير الذي يذهب معه ويرجع معه تتعلق به النفس أكثر، ومع ذلك أمر بأن يذبحه {إني أرى في المنام أني أذبحك} فتأمل الآن قتل الأولاد من كبائر الذنوب، وإذا أمر الله به صار قربة وطاعة، السجود لغير الله شرك وإذا أمر الله به صار قربة وطاعة:{وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لآدم فسجدوا} [البقرة: 34].
ومن فوائد الحديث: تحريم طلب ما لا يستحقه الإنسان؛ لقوله: "هات"، وتحريم منع ما يجب من قوله:"منعًا وهات"، هذه الحال كما قلنا تدل على أن الإنسان مجبول على البخل يمنعه وعلى الشح بطلبه.
ومن فوائد الحديث: أن من الأساليب العربية التي توجب الانتباه أن يختلف التعبير في أشياء حكمها واحد؛ لقوله: "حرم وكره"؛ لأن ما كرهه الله فهو حرام، لكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان التعبير من عند الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الأصل وإنما قلت ذلك لأنه من الجائز أن يكون من تصرف الرواة لكن الأصل أنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم لكن الرسول عبر بهذا، وهذا من أجل أن ينتبه الإنسان، ومعلوم لنا جميعًا أن الكلام إذا كان على وتيرة واحدة فإن الإنسان المستمع لا ينسجم معه انسجامًا كثيرًا، بل المستمع يكون بارد الذهن، ولهذا بعض القراء الآن يستعملون التنبيه باختلاف الصوت، لا باختلاف التعبير، فتجده مثلاً قراءته واحدة على طريق واحد، ثم يرفع صوته أو يخفض صوتهن فيوجب لذلك الانتباه.
ومن فوائد الحديث: أن الله يكره قيل وقال؛ ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» . من كمال إيمانك ألا تقول إلا خيرًا والعجب أن من كان هذا منهجه فإنه يسلم من شرور كثيرة، ومن كثر كلامه كثر سقطه لكن من قل كلامه وكان لا يتكلم غلا بخير فهذا هو المؤمن وهذا هو السالم، لكن إذا قال قائل: إذا كنا لا نتكلم إلا بالخير لزم أن نكون دائما في سكوت ندخل محلاً مثلا السلام عليكم كيف أصبحت ثم نسكت نقول الخير نوعان: خير مقصود لذاته وخير مقصود لغيره، والأول لاشك أنه أشرف لأنه غاية والثاني دونه لكنه خير، فإذا تكلم الإنسان بكلام هو في حد ذاته لغو لكن يريد أن يدخل الأنس والسرور على الحاضرين فهذا يعتبر خيرًا؛ لأن إدخال الأنس والسرور على مجالسك من الخير لاشك، لكن إذا حصل الأول وهو الخير لذاته فهو أفضل لاشك، ومن الخير لذاته تعليم العلم، أنا أظن أن الإنسان لو قام يحدث في مجلس غير معد للحديث ربما يكون ذلك ثقيلاً على النفس، لكن من الممكن أن يذكر مسائل فقهية طريفة توجب أن ينتبه الناس وتشتد أفكارهم إليه، مثل: أن يطرح مسألة غريبة، أو يتكلم في قصة مما ورد في الأحاديث من القصص، كأن يقول الرسول قص علينا كذا وكذا قص علينا قصة ثلاثة أبرص وأعمى وأقرع، أو ثلاثة انطبقت عليهم صخرة في غار، المهم أن الإنسان اللبيب يستطيع أن يدخل العلم على الناس بلا ملل بما أعطاه الله من حكمة.
ومن فوائد الحديث: كراهة الله لكثرة السؤال، لكن هل المراد كثرة السؤال من واحد أو من متعدد؟
من واحد، فلو فرضنا أن إنسانًا عنده مائة طالب كل واحد حضر سؤالاً فتكون الأسئلة مائة، هل: نقول هذه كثيرة تكره؟
لا؛ لكن يأتي واحد يتصدر للأسئلة وكل ما أجاب المسئول عن السؤال، وإذا بالثاني على