الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن قال قائل: هذا الحديث يعارضه الواقع؛ لأن الواقع أن هناك ملكات من النساء ورئيسات ووزيرات من النساء فما الجواب؟
الجواب من وجهين: أما الملكات فإنهن ملكات بلا ملك ليس لهن تدبير وإنما هو شيء ورثوه كابرا عن كابر وسموها ملكة وهي مسكينة لا تملك شيئا، هذا هو الواقع، وأما أن تكون رئيسة وزراء؛ فلأن لديها وزراء هم الذين يديرون في الواقع.
ثم يقال: لو فرضنا جدلا أنها تدير لكونها رئيسة لوزراء فإنهم لو تخلوا عنها وولوا أحدا من الرجال لكانوا أشد فلاحا.
إن قدر أنهم يفلحون يكونون بتولية الرجال أشد فلاحا؛ لأننا نحن نؤمن بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نؤمن بما يقولون: إنه واقع؛ لأن هذا الواقع عليه احتمالات وإيرادات فلا يصح أن يعارض كلاما محكما صدر من أصدق الخلق عليه الصلاة والسلام
أتى المؤلف بهذا الحديث في باب القضاء لنستفيد منه أنه لا يصح أن تتولى المرأة القضاء؛ لأننا لو وليناها القضاء لكنا ولينا أمرنا امرأة، فلا يجوز أن تتولى القضاء.
فإن قال قائل: لو حكمها نساء فيما بينهن، مثلا: تنازعت امرأتان وقالتا: الحكم بيننا فلانة، وذهبوا إليها وحكمت أينفذ حكمها؟ لا؛ لأنها غير صالحة للقضاء، والعلماء يقولون: ولو حكم اثنان رجلا صالحا للقضاء فلا ينفذ حكمه، لو أنها تعرف مسألة من باب الصلح وأصلحت فيصح؛ وذلك أن لأن الصلح عن تراض وليس شيئا لازما، فإذا أصلحت بين امرأتين فلا بأس ونقول: جزاها الله خيرا على إصلاحها بين المرأتين.
وهل يصح أن تكون مديرة على مدرسة؟ فيه تفصيل إن كانت المدرسة مدرسة نساء فلا بأس، وفلاح هذه المدرسة بقدر مديرتهم، وإن كانت على رجال فلا يصح؛ لأن عموم "أمرهم" يشمل الأمر العام والخاص.
التحذير من احتجاب الوالي عن حاجة المسلمين:
1337 -
وعن أبي مريم الأزدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب عن حاجتهم وفقيرهم؛ احتجب الله دون حاجته» . أخرجه أبو داود، والترمذي.
قوله: "من ولاه شيئاً من أمور المسلمين"، "شيئا" نكرة في سياق الشرط فتكون عامة، فيشمل الشيء الكبير والشيء الصغير، "فاحتجب عن حاجتهم" يعني: فلم يقضها، سواء احتجب
عن الأنظار أو لم يحتجب، ولكن منع لأن كلا احتجاب سواء احتجب عن الأنظار بأن جعل بينهم وبين الناس بابا، أو احتجب بالمنع، بأن كان جالسا على كرسيه لكن يمنع الناس أن يقربوا إليه فهذا محتجب في الواقع؛ لأنه لا يصل الناس إليه بحاجتهم.
وقوله: "عن حاجتهم" أي: حاجة المسلمين سواء كانوا أغنياء أم فقراء، وأما قوله و "فقيرهم" أي: فيما يحتاج إليه الفقير، وإنما نص عليه؛ لأن من الولاة من يحتجب عن الفقراء ولا يحتجب عن الأغنياء، كما هو عادة بني إسرائيل، فإنهم يقدمون الأغنياء والشرفاء، حتى إنهم لا يقيمون عليهم الحدود، وأما الفقراء ومن لا وجاهة له فيقام عليه الحد، العقوبة أن الله يحتجب دون حاجته فلا ييسر أمره ولا يقضي حاجته.
ففي هذا الحديث: وعيد على من احتجب عن حاجة المسلمين وفقرائهم وأمورهم إذا كان الله تعالى قد ولاه عليهم؛ لأن الله إذا ولاه عليهم، فهذا عهد وميثاق من الله أن يقوم بحاجتهم، ولولا أنه أهل لذلك لما ولاه على هذا، ولكن إذا احتجب لم يكن أهلا.
ففي هذا الحديث فوائده أولا: أن الإنسان مدبر لا يستقل بأمره، لقوله:«من ولاه الله» ، ففيه رد على القدرية الذين يقولون: إن الإنسان مستقل بعمله ولا علاقة لله به، ولا يعلم الله من عمل العبد إلا ما أظهره فقط أما ما لم يظهر فلا شأن لله فيه، ولكن هذا الحديث يرد عليهم.
ومن فوائد الحديث: وجوب بروز الإنسان للمسلمين لقضاء حوائجهم إذا كان وليا عليهم، ودليل الوجوب الوعيد على الاحتجاب.
ولكن لو قال قائل: هل هذا الحديث يشمل كل وقت، بمعنى: لو جاء الناس إليه وهو في فراشة في ليلة باردة وقد أخذه الدفء ثم قرعوا عليه الباب وقالوا: اخرج؟ لا؛ لأنه لأنه يقال هنا: لم يحتجب عن حاجتهم؛ لأن الله يقول: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286]. ولكن يجب أن يكون للولي، أوقات معلومة تكون مناسبة للناس يراجعونه فيها ثم بعد ذلك يحتجب لقضاء حاجاته أو يحتجب للاستعانة على قضاء حاجتهم؛ لأنه لو يبقى لا ينام ولا يأكل هلك ولم يقض حاجتهم.
ومن فوائد الحديث: أن الجزاء من جنس العمل؛ لأنه لما احتجب عن المسلمين احتجب الله دون حاجته.
ومن فوائده: التخصيص بعد التعميم، ولكن هذا لا يكون إلا لسبب، هنا التخصيص بعد التعميم في قوله:"عن حاجتهم عموما وفقيرهم خصوصا"، وإنما نص عليه؛ لأن من الولاة من لا يحتجب عن الأغنياء ويحتجب عن الفقراء.
المهم: أن لدينا قاعدة: لا يمكن أن ينص على خاص بعد عام إلا وهناك مزيد عناية