الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك؟ قال: والله لا آكل لحم هذا الحمل-وهو الجذع من الضأن- عين ثم أن الحمل كبر صار سنيا أو رباعيا وأكل منه فهل يحنث؟ يحنث؛ لأنه عين، قال: هذا الشيء إلا إذا أراد ما دام حملا فعلى نيته، لكن نقول: لو لم يوجد نية فنرجع إلى التعيين، كذلك لو قال: والله لا ألبس هذا الثوب وجعله سراويل وكان حين حلف عليه قميصا فهل يحنث أم لا؟ يحنث بناء على التعيين فإن لم يوجد تعيين وإنما علق اليمين بالمعاني لا بالأعيان ولم يوجد نية ولا سبب رجعنا إلى ما يتناوله اللفظ؛ يعني: إلى معنى اللفظ، وحينئذ ننظر ما معنى هذا اللفظ وما حقيقة هذا اللفظ؟ والحقائق ثلاثة: شرعية ولغوية وعرفية، أول ما نرجع إليه النية ثم السبب ثم التعيين، فإذا لم يحصل شيء من ذلك رجعنا إلى مدلول اللفظ فنرجع إلى الحقائق الثلاث: الشرعية واللغوية والعرفية، وحينئذ تجدون الألفاظ منها ما تتفق فيه الحقائق الثلاث كالسماء، السماء: لغة وشرعا وعرفا معناها واحد، لكن المشكل إذا اختلفت الحقائق فإلى أي الحقائق نرجع؟ مثلا: إذا قال رجل: والله لا أصلي، ثم قام وصلى قلنا: كفر، قال: لماذا؟ الصلاة في اللغة: الدعاء وهذه الصلاة الشرعية، نقول: أنت هل نويت الدعاء، إن كنت نويت الدعاء؟ فأنت ونيتك ولا تجادله، لكن إذا قال: ليس عندي نية فتحملها على المعنى الشرعي؛ لأن هذا هو المعروف عند المسلمين، رجل آخر قال: والله لأبيعن اليوم وأعقد عقد بيع ثم ذهب وباع خمرا، حتى غربت الشمس ما رأينا الرجل قد باع شيئا قلنا: كفر، فقال: قد بعت خمرا وهو بيع بمقتضى اللغة العربية فهل نطيعه بأنه بيع بمقتضى اللغة العربية؟ نعم، ولكنك مسلم فنحمل البيع الذي حلفت عليه على الشرعي وبيع الخمر ليس شرعيا، فلا يعتبر، ونلزمه بالكفارة، لكن لو قال: أردت (عنبا) يرجع إلى نيته، بقي عندنا الحقيقة الشرعية والعرفية، إذا تعارضت اللغوية والعرفية فإنه يحمل على اللغة العرفية، يعني: كلام الناس على أعرافهم، مثل لو قال: والله لأذبحن الآن شاة فأخذ تيسا فذبحه هل يحنث؟ قال: الشاة في اللغة تطلق على الذكر والأنثى من الضان والمعز، ماذا تقول؟ لكن العرف أن الشاة هي: الأنثى من الضان ولا نقبل كلامه إلا إذا قال: نعم، نويت الحقيقة اللغوية، فعلى ما نوى.
من حلف فرأى الحنث خيرا كفر عن يمينه:
1309 -
وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيرا منها؛ فكفر عن يمينك، وائت الذي هو خير» . متفق عليه.
قوله: «وإذا حلفت» الواو هنا حرف عطف، فأين المعطوف عليه؟ المعطوف عليه حذفه
المؤلف؛ لأنه لا شاهد فيه للباب، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة:«لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها» ، هذا هو المحذوف، بمعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن طلب الإمارة، وأخبر أن من طلبها فأعطيها وكل إليها، وإن جاءته من غير مسألة أعين عليها، وأيهما أحسن؟ الثاني: أحسن أي: أن يعان عليها؛ ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يتعرض للإمارة، العافية خير والسلامة أسلم، اللهم إلا إذا كان القائم عليها ليس أهلا لها، فحينئذ لك أن تسألها كقول يوسف-عليه الصلاة والسلام:{اجعلنى على خزائن الأرض إلى حفيظ عليم} [يوسف: 55]. وهذه وإن لم تكن إمارة سلطة لكنها إمارة وزارة مالية؛ لأنه قال: {اجعلنى على خزائن الأرض} ، ثم بعد ذلك ترقى حتى صار ملك مصر، أما الولاية فلا بأس أن يسألها من هو أهل لها كقول عثمان بن أبي العاص للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، قال:«أنت إمامهم» ، ولكن يجب على الآمر المسئول ألا يجيب السائل إذا لم يكن أهلا مطلقا، سواء في الإمارة أو الولاية، وكلامنا هنا فيمن طلب الإمارة أو الولاية، لا فيمن أعطى الإمارة أو الولاية؛ لأن من أعطى الإمارة أو الولاية يجب عليه أن يختار من هو أقوم في العمل من غيره فإن ولى من هو دونه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، إذا ولى أحد على أمر وفيه من هو خير منه فهذا خيانة، لكن كلامنا على الطالب فصار طلب الإمارة منهيا عنه، طلب الولاية لا بأس به إذا كان أهلا لذلك، أو إذا لم يكن القائم على ذلك أهلا؛ كقصة يوسف؛ لأن يوسف لم يسأل الولاية-ولاية السلطة- التي هي الإمارة، وإنما قال:{اجعلني على خزائن الأرض} ، أما الموضوع المناسب للحديث لهذا الباب فهو قوله صلى الله عليه وسلم:«وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر» ، المراد باليمين هنا: ليست اليمين التي ينعقد بها الحلف، ولكن اليمين التي حلف عليها، فالمعنى: إذا حلفت على شيء لأن اليمين حقيقة هي صيغة القسم، ولا يستقيم الكلام إذا قلت: حلفت على قسم، ولكن المعنى: إذا حلفت على شيء فرأيت غيرها خيرا منها، رأيت رؤية قلبية أو بصرية؟ الظاهر أنها قلبية؛ لأنها أعم، «غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وئت الذي هو خير» فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفر عن يمينه ويأت الذي هو خير، وهذا اللفظ بدأ فيه بالتكفير قال:«كفر عن يمينك وائت الذي هو خير» ، والواو هنا لا تستلزم الترتيب، وإن كانت تقتضيه؛ لأن أصل دلالة الواو على الترتيب ليست لزومية، وإنما على الترتيب بحسب الأدلة.