الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة: حكم التسمية عند الذبح:
من فوائد الحديث: وجوب ذكر اسم الله على الصيد، وقد اختلف العلماء- رحمهم الله في ذلك- أي: في هذا الأمر-هل هو للوجوب أو للاستحباب؟ والقائلين بالوجوب اختلفوا هل هو شرط لحل الصيد أم لا؟ فمن العلماء من قال: إن التسمية على الصيد سنة وليست بواجبة، وهذا القول ضعيف؛ لأنه يخالف ما جاءت به السنة، بل يخالف ما جاء به القرآن، أما مخالفته لما جاءت به السنة فإنه مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم:"ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل"، فاشترط لحل الأكل شرطين: الأول: انهار الدم، والثاني: ذكر اسم الله عليه، وأما القرآن فلأن الله تعالى قال:"ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم الله" -أضعف؛ لأن هذا الحديث لم يصح عن النبي صلى الله عليه.
حكم ما أكل منه كلب الصيد:
وقوله: "فإن أمسك عليك" أخذ منه العلماء أنه يشترط ألا يأكل منه شيئًا، وقوله:"فأدركته حيًا فاذبحه" ظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون حيًا حياة مستقرة أو يكون حيًا كحياة المذبوح، ولكن هذا الظاهر غير مراد؛ لأن المراد: إذا أدركته حيًا حياة مستقرة، أما إذا أدركته وفيه حركة مذبوح، فالقتل هنا قتل الكلب، فإذا كان قتل الكلب فإنه يحل، لو أن الصيد جاء وقد قطعت أحشاؤه أو قطعت أوداجه فإنه قد يتحرك لكن هذه حركة مذبوح لا يؤثر فيكون قوله صلى الله عليه وسلم:"أدركته حيًا"؛ أي: حياة مستقرة، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكل. اشترط النبي صلى الله عليه وسلم ألا يأكل منه ووجه الشرط ظاهر لأنه إذا أكل منه فإنما أمسك على نفسه فلا يحل.
حكم اشتراك كلبين في الصيد:
يقول: "وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره وقد قتل فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتله"، هذا أيضًا يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا أدركت مع كلبك كلبًا غيره فلا تأكل
…
الخ"، فنكون هنا قد شككنا في الحل؛ أي: فيما يحل به الصيد فإذا شككنا فيما يحل به الصيد لم يحل، ظاهر
الحديث العموم، لكنه يقيد بما إذا الكلب الثاني لم يرسله صاحبه ويسم عليه، فإن الكلب الثني قد أرسله صاحبه وسمى عليه فإن الصيد يحل؛ لأنه صيد بكلب معلم مرسل من قبل صاحبه، لكن يبقى النظر لمن يكون هذا الصيد لصاحب الكلب البيض أو لصاحب الكلب الأحمر؟ لا ندري من السابق، هل نقول: يقرع بينهما أو يقسم بينهما؟ الظاهر أن أقرب الاحتمالات أن يقسم بينهما، لو أننا نعلم أنه قتله كلب واحد لقلنا بالقرعة؛ لأن هذا الكلب لواحد منهما غير متعين، فيقول: يقرع بينهما، ولكنا لا ندري هل اشترك الكلبان في الصيد أو انفراده به أحدهما، فأقرب الأقوال أن يقسم بينهما، فإن أبيا قالوا: لا، ما نقسم، قلنا: يبقى الصيد حتى تصطلحا؛ لأنه لا مرجح لحد على الآخر. وقوله: "فإنك لا تدري أيهما قتله"، هذا التعليل يدل على أنه إذا علم أن كلبه هو الذي قتله حل، لو كان ينظر من بعيد بالمنظار ورأى كلبه قتله وجاء مقبلاً به كلب الآخر فإنه يحل، ووجه حله: أن
…
الحكم إذا علل صار تابعًا للعلة؛ إذا وجدت وجد الحكم، وإذا انتفت انتفى الحكم. "وإن رميت بسهمك" هذا النوع الثاني من آلة الصيد؛ لأن النوع الأول: الجارحة، النوع الثاني: الآلة، يقول: "إن رميت بسهمك فاذكر اسم الله متى؟ أعند الرمي أم عند إعداد السهم؟ الجواب: الأول عند إرسال السهم لا عند إعداده، وعلى هذا فنقول في عهدنا الآن: لو أن الإنسان عندما يخرج ليصيد عبأ البندقية بالرصاص وعند التعبئة سمى ولما رأى الصيد لم يسم عند إرسال السهم فهل يحل؟ لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذكر اسم الله عليه إذا أرسل السهم كما أن الإنسان لو حد السكين ليذبح البهيمة وسمى عند حدها ولكنه لم يسم عند الذبح فإنها لا تحل.
وقوله: "وإن رميت بسهمك" ظاهرة العموم؛ أي: لو قدر أن السهم كان من العظام فإنه يحل، فهل نأخذ بهذا العموم؟ الجواب: لا؛ النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا إلا السن والظفر، فإن غاب عنك يوماً فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت"، وهذه من نعمة الله وتيسيره إذا رميت الصيد وهر سواء كان طائرًا أم زاحفًا هرب ثم وجدته بعد ذلك ولم تجد فيه إلا اثر السهم فكل مع احتمال أن يكون هذا الصيد قد مات عطشًا أو جوعًا، ولكن يحال الحكم على الظاهر وهو السهم الذي أصابه فيحل. "وإن وجدته غريقًا في الماء فلا تأكل"، وانتبه لقوله:"غريقًا في الماء فلا تأكل"، ولم يقل: إن وجدته في الماء؛ لأنني قد أجده في الماء حيًا يتحرك حركة المذبوح ثم يموت، أو أجده في الماء وأعلم أن الماء لا أثر له في قتله لكون الجرح موحيًا، يعني: مصيبًا إصابة قاتلة، كأن يصيبه في قلبه أو ما أشبه ذلك فإنه يحل؛ لأنني وجدته وليس غريقًا في الماء بل الماء لا أثر له في قتله، كلام النبي صلى الله عليه وسلم محكم: كل الفرق بين قول: وإن وجدته في الماء، وقوله:"وإن وجدته غريقًا في الماء فلا تأكل" هذا معنى الحديث.
أما فوائده فكثيرة منها: أن الله سبحانه وتعالى لم يضيق أسباب الرزق، ولم يغلق أبوابه بل الأبواب مفتوحة، فكل طريق يوصل على الرزق فهو حلال، إلا إذا قام الدليل على تحريمه سواء كان صيدًا أو حرثًا في الأرض أو بيعًا أو شراء أو غير ذلك، دليل هذا أن الشارع جعل من جملة أسباب التملك الصيد.
ومن فوائد الحديث: التوسعة على الأمة، فإن الصيود -كما نعلم- ليست سهلة، يعني: لا تمسك باليد ولا بالمطاردة، فيسر الله سبحانه وتعالى الأسباب لاقتناصها وجعل لها آلة تحيط بها، وهي الكلاب والسهام، ولكن قد يقع التسهيل لاقتناص الصيود امتحانًا مثل قوله تعالى:{يأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب} [المائدة: 94]. وذلك أن الله تعالى أرسل الصيود على الصحابة وهم محرمون حتى كانت أيديهم تناله ورماحهم، اليد تنال ما على الأرض، كالأرانب والظباء والرماح، وتنال ما يطير الرمح يقذفه الإنسان بيده، وليس من العادة أن الإنسان يقتنص الصيد الطائر بالرمح لكن الله تعالى ابتلى الصحابة ليعلم الله من يخافه بالغيب فعلم الله عز وجل أن هؤلاء الصحابة الأخيار يخافونه بالغيب، ولم ينقل عن أي واحد أنه أخذ الصيد الزاحف الذي يناله باليد أو الطائر الذي يناله بالرمح، وهذا مما يدل على كمال هذه الأمة ولله الحمد، فإن بني إسرائيل ابتلاهم الله تعالى بالحيتان يوم
السبت وقد حرم عليهم صيدها، فماذا صنعوا؟ احتالوا كما هو معروف، لكن هذه الأمة -ولله الحمد- لم يخطر ببالهم هذه الحيلة.
ومن فوائد الحديث: جواز الصيد بالكلاب لقوله: "إذا أرسلت كلبك"، وكما سمعنا في المناقشة أنه يشمل ما إذا أرسل كلب غيره، وتقيد الكلب بإضافته إلى المرسل من باب الغالب فلا يكون مخرجاً لما سواه، فهل يلحق بالكلب ما سواه مما يصاد به؟ الجواب: نعم لكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الكلب؛ لأن غالب ما يصاد به في عهده هو الكلاب فإذا وجد غير الكلاب كالفهود وغيرها مما لا نعلمه ويعلمه متعهدو الصيد فإنه يحل، وهذا الحديث بالنسبة للآية أخص من الآية، والآية أعم، وهذا شيء قليل الوجود، الغالب أن النصوص النبوية تكون أعم، لكن في هذه الحال صار النص القرآني أعم من السنة لقوله تعالى:{وما علمتم من الجوارح مكلبين} [المائدة: 4]. فالجوارح عام يشمل الكلاب وغيرها، لكن قلت لكم: إن تقييد السنة ذلك بالكلاب بمعنى أن ذلك هو الغالب.
ومن فوائد الحديث: وجوب ذكر اسم الله تعالى على الكلب إذا أرسل لقوله: "فاذكر اسم الله عليه" وهل المراد: ذكر هذا اللفظ بعينه أو ذكر كل اسم يختص به الله؟ يعني: هل يجب أن تقول: باسم الله، أو يجوز أن تقول: باسم الرحمن، باسم الواحد القهار؟ الظاهر: الثاني أن المراد بذلك الثاني، وأنه إذا ذكر الإنسان أي اسم يختص بالله جائز، لكن من باب الاحتياط نقول: الأولى أن تقول: باسم الله.
ومن فوائد الحديث: تيسير الشريعة؛ حيث كانت التسمية عند إصابة الصيد بل عند إرسال الجارحة السهم أو الكلب.
ومن فوائد الحديث: وجوب تذكية الصيد إذا أدركه حيًا؛ لقوله: "فأدركته حيًا فاذبحه". فإذا قال قائل: لماذا؟ قلنا: لأن الإنسان الآن قادر على ذبحه فهو كالذي قدر عليه من قبل، فإن قيل: ما الفرق بين الذبح والصيد؟ قلنا: الصيد يحل بجرح في أي موضع من بدنه، والذبح لا يكون إلا في الحلق واللبة.
ومن فوائد الحديث: أنه يشترط فيما صاده الكلب ألا يأكل منه لقوله: صلى الله عليه وسلم: "فإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله"، فإن مفهومه أنه إن أكل فلا تأكل.
ومن فوائد الحديث: أنه لا يشترط إنهار الدم فيما صاده الكلب؛ لقوله: "قد قتل"، ولم يشترط أن ينهر الدم، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء؛ فمنهم من أخذ بذلك وقال: إنه إذا جاء بالكلب وقد قتله ولو خنقًا فإنه يحل لقوله: "قد قتل"، ولم يشترط إنهار الدم، ولم يقل: قد
ذبحه، ولم يقل: قد نحره مثلاً، وهي عندي محل توقف؛ لأنه تعارض فيها عموم هذا الحديث، وعموم قوله:"ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل"، ويرجح الثاني -أنه لابد من إنهار الدم- أن عدم إنهار الدم وموت الحيوان ودمه فيه ضرر على الإنسان، والشارع ينهى عن كل ما فيه ضرر، فالظاهر أنه لا يحل إلا ما جرحه، إذا جرحه في أي موضع من بدنه فهو حلال.
ومن فوائد الحديث: أننا إذا شككنا في شرط الحل فإنه لا يحل لقوله: "وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره وقد قتل فلا تأكل"؛ لأننا الآن تيقنا أن هذا الصيد قد مات إما بفعل الكلب المرسل أو بفعل الكلب المهمل أو بهما جميعًا، وشككنا في شرط الحل، والأصل عدم الحل، وليس هذا معارضًا لقولنا: إن الأصل في الحيوان الحل؛ لأن الحل في الحيوان يشترط لحله أن يذكي ذكاة شرعية.
ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى قاعدة معروفة عند العلماء وهي أنه إذا اجتمع مبيح وحاذر نغلب جانب الحذر، فهذا الذي قتل ونحن لا نعلم اشترك فيه الكلبان أو انفراد به أحدهما حصل فيه هذا الشيء اجتمع فيه مبيح وحاذر فغلب جانب الحذر.
ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنك لا تدري أيهما قتله"، وهكذا ينبغي للمفتي أن يذكر ما يقتنع به المستفتي؛ لأنه إذا ذكر للمستفتي ما يقتنع به أخذ الفتيا بقلب مطمئن واستراح لها، ويمكن ذلك فتح باب للمناقشة، حتى لو كنت تعلم أنه مقتنع بما تقول وإن لم تعلل أو تلل، فالأحسن أن تعلل أو تدلل ما لم تخش بذلك اشتباهًا أو التباسًا؛ لأنه ربما لو لم يعلل للعامي يحصل ف ذلك التباس، العامي قل له: هذا حرام، هذا حلال، ودعه يذهب، لكن لو تقول: هذا حلال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، وإذا كان في حديث آخر ظاهرة التعارض مع ما استدللت به قلت: ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، ووجه الجمع بينهما: أن بينهما عموم وخصوص من وجه فيقدم هذا من جهة
…
الخ، العامي يقول: ما هذا؟ لكن حسب الحال إذا كان عاميًا الأحسن أن نقول: حلالاً أو حرامًا، حتى لو كان في المسالة خلاف إن ترجح لك أحد القولين قل له ما ترجح عندك، وإذا لم يترجح عندك أحد القولين قل: هذا فيه خلاف، لو قال: أعطني الراجح، فهذه مشكلة يكون الإنسان في حيرة، فمثل هذا إذا كنت في بلد فيه من هو أعلم منك قل له: أسأل غيري وتسلم منه.
ومن فوائد الحديث: أننا إذا علمنا بعد اشتراك الكلبين في الصيد أن الذي قتله هو صيد المرسل فهو حلال لقوله: "فإنك لا تدري أيهما قتله".
ومن فوائد الحديث: أن الشك في شرط الحل مؤثر في الحل، بمعنى: أن الإنسان إذا شك هل وجد شرط الحل أم لا؟ فإنه يكون حرامًا لقوله: "فإنك لا تدري أيهما قتله".
ومن فوائده أيضًا: أنه إذا علم أن أحد الكلبين قتله ثبت الحكم، فإن علم أنه كلبه فهو حلال وإن علم أنه الكلب الآخر فهو حرام.
ومن فوائد الحديث: جواز الرمي بالسهام؛ لقوله: "إذا رميت بسهمك
…
الخ"، ووجه الجواز: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله سببًا للحل، يتفرع على هذه الفائدة أنه ينبغي للإنسان أن يتعلم كيف يرمي ما دام الرمي مصدرًا للرزق فإن طلب الرزق مأمور به، وما توقف عليه المأمور به كان مأمورًا به على أن الأمر بتعلم الرماية له جهة أخرى وهي الجهاد في سبيل الله، ولهذا أباح الشرع فيه العوض والمراهنة، مع أن المغالبة بالرهان في غير ذلك لا يجوز إذ لا تجوز إلا في النصل والحافر والخف.
ومن فوائد الحديث: أن محل الذكر عند إرسال السهم وليس عند إصلاح السهم ولا عند إصابة السهم، إنما هو عند الإرسال، أما كونه لا يكون عند إصلاح السهم؛ فلأن المدة تطول بين إصلاح السهم وبين رميه. وثانيًا: أنه لا يدري هل يرمي هذا السهم على صيد أو على عدو أراده أو على سبع أو كلب أو ما أشبه ذلك، وأما كونه لا يجب عند الإصابة، فلأن هذا من الأمور الشاقة أو المتعذرة، لهذا وضع الشرع -والحمد لله- عن هذه الأمة هذه المشقة.
ومن فوائد الحديث: أنه إذا الصيد الذي أصابه السهم ثم وجده ولم يجد إلا أثر سهمه كان حلالاً حتى لو فرض أنه بقي ساعة أو ساعتين بعد إصابة السهم ثم مات فإنه حلال، بينما لو أدركه الإنسان عند إصابة السهم حيًا حياة مستقرة فإنه يجب عليه أن يذكيه، لكن هنا لما غاب صار تذكيته متعذرة، ولهذا سمح فيه حتى لو غلب على الظن أنه سيبقى نصف يوم في هذا الجرح ولم يجد فيه إلا أثر السهم فهو حلال، وهذا من باب التخفيف على الأمة؛ لأنه في هذه الحال عاجز عن تذكيته، والمعجوز عن تذكيته حكمه حكم الصيد.
ومن فوائد الحديث: أنه يشترط لما غاب عن الرامي ألا يجد فيه أثرًا إلا أثر سهمه لقوله: "فلم تجد فيه إلا أثر سهمك".
ومن فوائده: أنه إذا وجد فيه أثرًا سوى سهمه فإنه لا يحل، ولكن هل هذا على الإطلاق أو فيه تفصيل؟ ينبغي أن يقال: فيه تفصيل؛ وذلك لعلمنا بالعلة في عدم الحل وهي أننا لا
ندري أمات بسهمه أم بما أصابه من غيره؟ وبناء على ذلك إذا علمنا أن الذي أماته سهمه، وأن السهم الآخر إنما أصابه في رجل أو في جناح أو غير ذلك فهنا مقتضي الأدلة السابقة واللاحقة أنه حلال، وعلى هذا فيكون المفهوم لا عموم له، وهذه قاعدة مقيدة وهي أن المفهوم لا يتناول جميع الصور فيما عدا المنطوق، بل قد يكون في بعض الصور تفصيل وهذا كثير منها مثلاً: حديث ركانة حين طلق زوجته ثلاثًا في مجلس واحد، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم:"أفي مجلس واحد؟ " قال: نعم، قال:"هي واحدة"، قال: طلقتها ثلاثًا يا رسول الله، قال:"قد علمت فإنها واحدة". قال شيخ الإسلام: وإنما قال: "في مجلس واحد"؛ لأنه إذا كان في مجالس فربما يكون راجعها بعد الطلقة الأولى ثم طلقها صارت ثانية، فإن راجعها من الثانية ثم طلقها الثالثة صارت ثالثة فبانت منه، يقول رحمه الله: فالمفهوم هنا لا عموم له؛ لأنه لو طلقها في غير هذا المجلس ففيه تفصيل أيضًا هذا نقول: إذا وجد فيه أثرًا غير أثر سهمه فيه تفصيل، فماذا نقول إن وجد فيه أثرًا غير أثر سهمه؟ فإن كان الأثر الثاني مميتًا فالصيد حرام؛ لأننا لا ندري أيهما قتله، وربما يغلب على ظننا أنه قتله غير سهمه إذا كان سهمه خفيفًا، وإن علمنا أن الذي أصابه تمامًا هو سهمه بحيث ضربه في قلبه وذاك في جناحه أو رجله فالحكم لسهمه فيكون حلالاً.
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان إذا غاب عنه الصيد فهو مخير، إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل؛ ولهذا قال:"كل إن شئت". قد يقول قائل: هذا كقول القائل: السماء فوقنا والأرض تحتنا. نقول: لا، هي لها فائدة قوله:"إن شئت"؛ لأنه إذا تركه عافته نفسه فلا يقال: إن هذا من باب إضاعة المال، وأنه لا يحل له أن يدع الأكل، بل نقول: له أن يدع الأكل؛ لأن الرسول قال: "إن شئت"، ربما يكون هذا الصيد كبيرًا يساوي مائتين ريال أو أكثر فتكره نفسه حين غاب عنه، فنقول: الحمد لله لقد خيرت الرسول صلى الله عليه وسلم، قال:"إن شئت"، بينما لو كانت نفسه لا تعافه لكان تركه إضاعة للمال ولا نصيده في ذلك. ومن فوائد الحديث: أنه إذا وجد الصيد غريقًا في الماء فلا يأكل، ولماذا؟ علله النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر، قال:"فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك"، ولهذا قال غريقًا، ما قال: إن وجده