الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في هذا الحديث: دليل على تفاضل الشهداء، وأن منهم الخير، ومنهم من دون ذلك.
ومن فوائده: أن الذي يشهد قبل أن يسأل هو خير الشهداء، وصورة ذلك: أن يسمع الإنسان بخصومة بين زيد وعمرو وعنده شهادة لزيد على عمرو، فلما سمع بالخصومة ذهب إلى مكان القضاء وقال: عندي شهادة لزيد على عمرو، هذا شهد قبل أن يستشهد وقبل أن يسأل فهو خير الشهداء.
ولكن سيأتي حديث ظاهرة خلاف ذلك، وهو قوله في الحديث الآتي -حديث عمران بن حصين-:"يشهدون ولا يستشهدون"، وفي رواية:"يشهدون قبل أن يستشهدوا"، وسيأتي الكلام عليها بعد أن نتكلم على حديث عمران ونذكر الأوجه في الجمع.
خير القرون الثلاثة الأولى:
1341 -
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن خيركم قرني، ثم الذين بلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن» . متفق عليه.
"إن خبركم" الخطاب للأمة عموما، وإن كان الذي أمامه هو الصحابة الموجودة في عهده، وقوله:"قرني" ما المراد بالقرن؟ ذكروا فيه أقوالا: الأول: أن القرن معتبر بالزمن واختلفوا فيه من عشر سنوات إلى مائة وعشرين سنة، يعني: بعضهم بقول القرن عشر سنوات، وبعضهم يقول: القرن مائة وعشرون سنة، ثم ما بينهم من عقود العشرات محل خلاف وهذا خلاف واسع.
في هذا الحديث: أن المراد به أهل القرن، فمتى يكون قرن الصحابة ثم التابعين ثم تابعيهم؟ يقول شيخ الإسلام: القرن معتبر بأكثر أهله، فإذا كان أكثر الموجودين من الصحابة فهذا قرن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا أقل وأكثره من التابعين فهذا قرن التابعين، وإذا كان انقرض أكثرهم وبقيت قلة مع تابعي التابعين فهذا قرن تابعي التابعين، وعلى هذا فالقرن والعصر على حد سواء وهذا أقرب، إذا خير الناس قرن الرسول، أي: الصحابة، وينقرض الفرن بموت أكثرهم، "ثم الذين يلونهم" وهو التابعون، "ثم الذين يلونهم" وهو تابعو التابعين، إذن ذكر ثلاثة قرون، "ثم يكون قوم"، "يكون" هنا تامة وعلى هذا فنعرب "قوم" على أنها فاعل، أي: يوجد.
"قوم يشهدون ولا يستشهدون"، "يشهدون" يؤدون الشهادة من غير أن يستشهدوا، وفي رواية أصرح من هذا:"يشهدون قبل أن يستشهدوا" يعني: قبل أن تطلب منهم الشهادة على خلاف في هذا المعنى.
"ويخونون ولا يؤتمنون" أي: تظهر فيهم الخيانة والغدر والخديعة، "ولا يؤتمنون"، أي: لظهور خيانتهم لا يأتمنهم الناس.
"وينذرون ولا يوفون"، "ينذرون" بمعنى: يعاهدون، وهو شامل للمعاهدة بينهم وبين الله، والمعاهدة بينهم وبين الخلق.
ولا يوفون؛ لأنهم لا يهتمون بالعهود، "ويظهر فيهم السمن"؛ وذلك لانفتاح الدنيا عليهم، وكثرة أكلهم، وترفيه أبدانهم ولا يهتمون بحياة القلوب وسمن القلوب، وإنما يهتمون بالأجسام، فتجد الواحد منهم ليس له عن إلا كم وزنه، ممكن أن يزن نفسه في اليوم والليلة مرتين إذا أراد أن ينام وإذا استيقظ هكذا سمعنا عن بعضهم، سمعنا أيضا عن بعضهم أنه يزن نفسه كل أسبوع كأنه قطعة لحم يجلب نفسه على الناس، وهذا لا داعي له، أنت ما دام الله قد عافاك فأنت صحيح، اعمل في طاعة الله، وإذا سقمت، فمن مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما.
في هذا الحديث: دليل على فضل القرن الأول وهم الصحابة، والفضل هنا باعتبار الجنس والقرن لا باعتبار كل واحد، إذ أنه قد يوجد في التابعين من هو خير من الصحابة للأمة في علمه وتعليمه وجهاده وغير ذلك، لكن في الصحابة فضل لا يمكن أن يدركه أحد وهو الصحبة هذا الفضل المطلق في الصحبة لا يناله أحد، لكن الفضل باعتبار أنواع العبادات وأفعال العباد لا شك أنه يوجد من التابعين من هو أفضل من بعض الصحابة.
وأضرب لكم مثلا: رجل جاء وافدا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وبقي معه يوما أو يومين وأخذ منه ما شاء الله من الأحكام، ثم خرج إلى إبله وإلى أهله ومات ولم ينتفع الناس به، وآخر من التابعين نفع الله به الأمة بعلمه ونقله للحديث ودعوته للحق وجهاده في سبيل الله، أيهما أفضل كم حيث أنواع الأفعال؟ الثاني أفضل، لكن الأول يمتاز عليه بالصحبة التي لا يمكن أن ينالها إلا من صحب النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: أن التابعين أفضل من تابعي التابعين، والمراد أيضا: الجنس، يعني: جنس التابعين أفضل من جنس تابعي التابعين، وليس المراد: كل فرد من هؤلاء أفضل من كل فرد من هؤلاء؛ لأن في تابعي التابعين من هو أفضل من التابعين.
والتابعون لا يتميزون بصحبة حتى نقول: إننا لا يمكن أن نفضل من بعدهم عليهم مطلقا، بل هم مثل تابعي التابعين من حيث فقد الصحبة في كل منهما، لكن في الجملة وباعتبار الجنس: التابعون أفضل من تابعي التابعين، ثم الذين يلونهم وهم تابعو التابعين، ثم بعد ذلك تتغير الأحوال، تحدث شهادة الزور والخيانات والغدر؛ ولهذا قال:"ثم يكوم قوم يشهدون ولا يستشهدون".
أيضا من فوائده: ذم من يشهد ولا يستشهد ولكن ما محط الذم هنا؟ اختلف العلماء رحمهم الله في هذا، فقيل: المعنى: أنهم يشهدون بدون أن يحملوا الشهادة، وهذا أقرب ما قيل في الحديث، بمعنى أن المراد بهم: شهداء زور، لأن هذا هو المناسب لأحوال من وصفوا من بعد، وبناء على ذلك نقول: لا معارضة بينه وبين الحديث الأول؛ لأن الحديث الأول فيمن عنده شهادة الحق ولكن أداها قبل أن يسألها، وسيأتي التفصيل في هذا أيضا، وقيل: المراد بقوله: "يشهدون ولا يستشهدون" أي: أنهم يشهدون متسرعين في الشهادة لا لغرض صحيح ولكن للتسرع، وهذا لا شك أنه ذم كما هو واضح، إنسان لم يدع للشهادة يذهب ويشهد هذا لاشك أنه تسرع يخالف ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن من التأني والتثبت.
ومن فوائد الحديث: التحذير من شهادة الزور وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذا سيقع.
ومن فوائده: أن الإخبار بالشيء لا يعني جوازه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن قوما يأتون يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف فهل إخباره بذلك إقرار أو تحذير؟ تحذير، وأخبر أن من هذه الأمة من يتبع سنن اليهود والنصارى، وهذا إخبار وليس بإقرار، بل هو تحذير، وأخبر أن الظعينة تمشي من صنعاء إلى عدن لا تخشى أحدا، وهذا أيضا إخبار لا إقرار، فلا يكون فيه دليل على جواز سفر المرأة بلا محرم.
المهم: أن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مما يخالف الحكم الشرعي فإنه لا يدل على أن الرسول أقره أو أباحه.
ومن فوائد الحديث: أنه يفسد الزمان أيضا بأن يظهر في الناس الخيانة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أنها تنزع الأمانة حتى يقال القبيلة فيهم أمين، يعني: لا يكاد تجد الأمين في القبيلة الكاملة.
ومن فوائده أيضا: أنه يتغير الزمان بنقض العهد: "ينذرون ولا يوفون"، وكل هذه الأوصاف التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم كلها مقام ذم وتحذير.
الحديث الأول حديث زيد إذا قال قائل: هل الأفضل للإنسان أن يأتي بالشهادة قبل أن يسألها؟ نقول: هذا فيه تفضيل، والتفضيل: أنه إذا كان المشهود له لا يعلم وجب عليه أن يشهد وإذا لم يسأل.
فإذا قال قائل: كيف يتصور أن المشهود له لا يعلم؟
قلنا: يتصور، لو سمع شخصا رجلا يقول لصاحبه: إن القرض الذي أعطيته لي الذي هو