الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات: 9، 10]. وهذا صريح فسمى الله تعالى الطائفتين المقتتلتين إخوة للطائفة التي تصلح بينهما فدل هذا على أن القتال كفر لا يخرج عن الملة، ولهذا لم يقل: قتاله كفر قال: كفر أي: من خصال كفر؛ لأنه لا يمكن أن يحمل السلاح على المسلم إلا من كان كافراً.
فإن قال قائل: فما تقولون في قتله؟
قلنا: كذلك القتل أشد من القتال ومع ذلك لا يخرج به الإنسان من الإيمان، لقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عُفي له من أخيه شيء} [البقرة: 178]. فجعل الله المقتول أخاً للقاتل وهذا يدل على أنه لا يخرج بذلك من الإيمان، ذكرنا الآن أن القتل أشد من القتال، وأن القتال أهون، لأن القتال يجوز فيما لا يجوز فيه القتل، ذكر العلماء رحمهم الله أنه لو اتفق أهل بلد على ترك الأذان أو على ترك صلاة العيد فإنهم يقاتلون ولكنهم لا يقتلون، ولو امتنعوا عن الزكاة فإنهم يقاتلون ولكن لا يقتلون، ولو بغوا على الإمام وخرجوا عليه فإنهم يقاتلون ولكن لا يقتلون، بمعنى: أننا نقاتلهم حتى نكف شرهم ولكن لا نقتلهم، الكفار إذا قتلناهم ثم صارت لنا الغلبة عليهم فلنا أن نقتل مقاتلتهم لكن هؤلاء الذين يقاتلون من المسلمين لا يجوز أن نقتلهم إذا قدرنا عليهم، بل ولا يجوز أن نلحق من ولى منهم وأدبر، ولا يجوز أن نجهز على جريحهم؛ لأنهم معصومون وقتالنا إياهم قتال مدافعة ليس قتالاً نريد منهم شيئاً آخر سوى المدافعة.
ومن فوائد الحديث: تحريم سب المسلم وتحريم قتاله، والقتال أعظم، إذا كان كذلك فإن الفائدة المنهجية في هذا الحديث أن يتجنب بعضنا سب بعض سواء كانت المقابلة وجهاً لوجه، وهذا سب، أو في غيبته وهذا غيبة فكلاهما حرام كبيرة من كبائر الذنوب، وإذا كان كذلك فإنه لا يحل لنا أن يسب بعضنا بعضاً لا في مقابلة ولا في غيبة، ولاسيما إذا كانوا طلبة علم، فإن الواجب على أهل العلم في هذه الأمور أكثر من الواجب على غيرهم، وإذا كنا نقول لعامة الناس: إن الغيبة من كبائر الذنوب فإننا نقول لطلبة العلم الذين يغتاب بعضهم بعضاً: إنها من كبائر الذنوب وزيادة.
التحذير من سوء الظن:
1427 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث". متفق عليه.
"إياكم والظن": هذا من باب التحذير، والظن: هو اعتقاد شيء ليس له أصل، أن تظن في نفسك شيئاً لا أصل له وهو حديث النفس، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الظن أكذب الحديث" وظاهر الحديث العموم أنه يجب علينا أن نحذر الظن، لكن الآية الكريمة بينت أنه لا يجب علينا أن نحذر جميع الظن حيث قال الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم} [الحجرات: 12]. وعلى هذا فتكون هذا الآية مقيدة الحديث بأن المراد: الظن الذي يكون إثماً، أما الظن الذي ليس بإثم فلا يجب علينا أن نتجنبه، والظن الذي ليس بإثم وهو أن نقوي القرينة جداً جداً حتى كأن الإنسان يشاهد الشيء ويتيقنه، فهذا لا يحرم لأن هذا أمر يفرضه الواقع، الأمر الذي يفرضه الواقع يشق التحرز منه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
ومن فوائد الحديث: التحذير من الظن والمراد: الظن الذي ليس عليه قرائن فأما ما عليه قرائن فإنه لا يحرم، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: يحرم ظن السوء في مسلم ظاهره العدالة قيدوا ذلك أما إذا كان ظاهره خلاف العدالة فلا بأس أن تظن به ما يليق بحاله.
ومن فوائد الحديث: أن حديث النفس يطلق عليه الحديث لقوله: "فإن الظن أكذب الحديث" وهو كذلك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم" وهذا الحديث من أعظم الحديث -الذي سقته الآن- استشهاداً لحديث الباب، ما أكثر الأحاديث التي تحدثنا به أنفسنا فيما يتعلق بالله أو يتعلق بعباد الله أو يتعلق بخاصة النفس! أحاديث كثيرة لكنها-والحمد لله- لا أثر لها لأنها مما عفي عنه، يأتي الشيطان إلى بني آدم ويحدثهم في ذات الله عز وجل بما لا يليق بالله فهل يأثم؟
لا يأثم ما لم يركن إلى هذا الحديث ويصدق به، فإن ركن إليه وصدق به حكم عليه بما يقتضيه ذلك، وأما إذا كان مجرد طارئ على النفس ولكنه دافعه أو أعرض عنه فإنه لا (يأثم به).
ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك لأنه لما ذكر الحكم، ذكر العلة. ذكر العلة يقتضي تنشيط النفس على قبول الحكم، لأن الإنسان يطمئن إلى ما يعرف علته أكثر مما يطمئن إلى ما لا يعرف علته، وإن كان تمام العبودية لا يكون إلا إذا استسلم الإنسان لما يعلم علته وما لا يعلمه، لكن لا شك أنه إذا ذكرت العلة، ازداد الإنسان طمأنينة ولا حرج على الإنسان أن يزداد طمأنينة فيما يكون فيه ذلك فها هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال لله تعالى:{رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة: 260].