الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذن يجوز اتخاذ الكلب واقتناؤه لهذه الأغراض الثلاث، فهل يقاس عليها ما هو أولى منها؟ الجواب: نعم؛ وذلك لأن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين متماثلين، ولا تجمع بين متفرقين، ونحن لا نعلم أن هناك علة توجب التفريق بين اتخاذ الكلاب لهذه الأغراض الثلاثة أو لما يشبهها هو أولى منها، وبناء على ذلك لو كان الإنسان ساكنًا في محل ناء بعيدًا عن العمران واتخذ كلبًا لحماية أهله ولحماية نفسه فهو من باب أولى يجوز له ذلك. اتخاذ الكلاب لاستخدامها في الاطلاع على السراق ونحوه هل يجوز؟ نعم يجوز؛ لأن هذه حاجة، وهذه الحاجة مصلحة عامة أبلغ من المصلحة الخاصة؛ ولكن هل يحكم بشهادتها؟ الكلاب البوليسية الآن معروفة فهل يؤخذ بشهادتها إذا أمسكت إنسانًا على أنه متهم بالسرقة؟ لا يؤخذ بشهادتها، ولكن هي قرينة، فيؤخذ المتهم حتى يتبين أمره. فإذا قال قائل: أنتم قلتم: إن اقتناء الكلاب حرام، وهذه المسائل الثلاث ليست ضرورة، والقاعدة الشرعية: أن الحرام لا يباح إلا للضرورة لقول الله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه {[الأنعام: 119]. أفلا يمكن أن نجعل إباحة اقتنائها لهذه الأغراض الثلاثة دليلاً على أنه ليس بحرام على أن اقتناءها ليس بحرام؛ لأن الحرام لا تجيزه المصلحة والحاجة لا يجيزه إلا الضرورة؟ قد يقال: إن هذا من رحمة الله عز وجل أن أباح هذه الأشياء من أجل الحاجة أو المصلحة ويكون هذا مستثنى من القاعدة بأن الاقتناء مكروه مع قوله: "انتقص من أجره كل يوم قيراط" بعيد جدًا، والاعتراض الذي أوردناه قريب جدًا أن الأصل في المحرم إلا يباح إلا للضرورة، لكن نقول: لما عمت البلوى بهذه الأغراض رخص فيها الشارع مع أنه أحيانًا قد تكون هذه الأشياء ضرورة كالماشي؛ لأن تسلط السباع على الماشية وإتلافها يضطر الإنسان إلى أن يدافع، والصيد أيضًا ربما يكون ضرورة، قد يكون الإنسان ليس له كسب يعيش به وأهله غلا الصيد، وكذلك يقال في الزرع.
حل صيد الكلب المعلم:
1282 -
وعن بن حاتم رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه، فإن أمسك عليك فأدركته حيًا فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يؤكل منه فكله، وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره وقد قتل فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله، وإن رميت سهمك فاذكر اسم الله تعالى، فإن غاب عنك يومًا، فلم تجد فيه إلا أثر سهمك، فكل إن شئت، وإن وجدته غريقًا في الماء، فلا تأكل". متفق عليه، وهذا لفظ مسلم. بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الآلة التي يكون بها قتل الصيد، وبين أنها نوعان: جارحة، وآلة
الجارحة قال فيها: "إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه"، وقوله:"كلبك" المراد به: الكلب المعلم؛ لأن الكلب قد يعلم وقد لا يعلم، وبماذا يحصل التعليم؟ يحصل تعليم الكلب بكونه يسترسل إذا أرسل، وينزجر إذا زجر، وإذا أمسك لم يأكل، يعني شروطه ثلاثة: الأول: أن يسترسل إذا أرسل، بمعنى: أن صاحبه إذا رأى الصيد استرسل، أما إذا كان لا يسترسل إذا أرسل بمعنى: أنه إذا كان جائعًا استرسل، وإن كان غير جائع سكت" وقال: الراحة زين فهذا ليس بمعلم.
الثاني: أن ينزجر إذا زجر، وتحت هذا شيئان: الأول: أن يتوقف إذا زجر ليوقف بعد أن ينطلق، والثاني: إذا استرسل بنفسه ثم إذا زجرته انطلق لأكثر، هذا أيضًا من التعليم، فإن كان لا ينزجر إذا زجر فإنه ليس بمعلم، لو أنك رأيت الصيد وأشليته به، ثم بعد أن انطلق زجرته ولكنه لم ينزجر ما زال مندفعًا حتى أمسكه؛ فهذا ليس بمعلم؛ لأنه كونه يعصيك إذا زجرته وذهب يقتل الصيد يدل على أنه إنما قتل لنفسه.
الشرط الثالث: إذا أمسك لم يأكل، فإن أكل إذا أمسك فليس بمعلم، ولماذا؟ لأنه إذا أكل دل هذا على أنه إنما أمسك على نفسه، الشرط أن يكون أمسك على صاحبه لقوله تعالى:{فكلوا مما أمسكن عليكم} [المائدة: 4]. فإذا أكل معناه أمسك لنفسه، وظاهر هذا أنه لا فرق بين أن يكون جائعًا فيأكل للضرورة أو غير جائع فلا يأكل، وهو كذلك؛ لأنه إذا كان غير جائع لم يأكل فقد ترك الأكل لا لأنه أمسك على صاحبه ولكنه شبعان لا يريد، وسيأتي -إن شاء الله- ذكر هذه المسالة. يقول:""فاذكروا اسم الله عليه"، متى؟ عند إرساله، ولو تأخر صيده لو أرسلته عند طلوع الشمس وجعل يطارد الصيد ولم يتمكن منه إلا عند الزوال كانت التسمية مجزئة وصحيحة مع أنه طال الفصل بينه وبين قتل الصيد، هكذا أمر الرسول أن يذكر اسم الله إذا أرسله. كيف يذكر اسم الله عليه؟ يقول إذا أرسله: باسم الله، ويطلق الكلب فمتى صاد الصيد ولو تأخر فإنه حلال. فإن قال قائل: ألستم تقولون: إن التسمية على الذبيحة لا تجزئ إلا إذا كانت عند تحريك السكين للذبح؟ فالجواب: بلى، نقول بهذا، ولم نقل ذلك في الصيد للمشقة، فكان إرسال الآلة سواء كانت جارحة أو غير جارحة كان إرسالها بمنزلة تحريك الذابح يده للذبح.