الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذن من شروط الأضحية أن تكون في الوقت وقت الذبح- ووقت الذبح من بعد الصلاة وينتهي على القول الراجح بغروب الشمس ليلة الثالث عشر، وهل يشترط أن يكون الذبح بعد خطبة الإمام؟ لا، هذا الحديث يدل على أنه ليس بشرط لقوله:«من ذبح قبل الصلاة» وهل يشترط أن يكون بعد ذبح الإمام؟ لا العبرة بالصلاة وهل يشترط أن يكون مصلياً؟ يعني: لو ترك الصلاة ولكنه يسمع أداء الصلاة وسمع الإمام يسلم، فهل يجوز أن يذبحها؟ نعم، لأن الصلاة ليس شرطاً للأضحية بمعنى: أنه يجوز أن يضحى من لا يصلي العيد.
عيوب الأضحية:
1298 -
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه: قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أربع لا تجوز في الضحايا: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها والكبيرة لا تنفي» رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان.
هذا الحديث روي على عدة أوجه منها ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل ماذا يتقى من الضحايا فأجاب «أربع» وأشار بأصابعه- صلوات الله وسلامه عليه- نحوها بالقول وبالإشارة، ولا يبعد أن يكون سئل وهو يخطب فأشار ثم نقل الراوي المقصود منه وهو بيان ما يتقى في الضحايا لكن هذا المعنى لا تجزئ أو المعنى لا تحل؟ أما ظاهر اللفظ فهي لا تحل، ويحتمل أن يكون المراد ينفي الجواز نفي الإجزاء، لكن نفي الجواز هو المطابق لظاهر الحديث والمعنى يقتضيه أيضا لأن هذه المعيبات لو تقرب بها الإنسان على أنها ضحايا صار كالمستهزئ بآيات الله وحينئذ يكون هذا حراماً ولا شك، فإذا كان في إحدى الروايات لا تجزئ صار المعنى أنها حرام، أي: يحرم التقرب إلى الله تعالى بها، لأن ما يسخطه لا يجوز أن يتقرب به الإنسان إليه- سبحانه وتعالى
وقوله: «وفي الضحايا» جمع ضيحة وهي ما يذبح أيام النحر تقرباً إلى الله تعالى سواء ذبحها في الضحى أو بعد الظهر أو بعد العصر أو في الليل.
أولاًك «العوراء البين عورها» قد يقول متزحلق: المراد بالعوراء هنا ما كانت معيبة لأن العو هو العيب، ولكننا نقول: ليس كذلك؛ لأنه ذكر أشياء بعدها كلها معيبة، فالمراد بالعور هنا: عور العين، العوراء البين عورها، لم يطلق الرسول صلى الله عليه وسلم العور بل قال: البين عورها، فبهذا يكون بيان العور؟ هل هو بالمشي أو برؤية العين؟
بالمشي؛ لأن العوراء مشيها ليس كمشي الصحيحة، تجدها تخضع لرقبتها قليلاً ليكون النظر مسلطاً على ما أمامها لأنها لا تنظر إلا من جانب واحد فإذا دققت النظر وجدت ذلك من أجل أن تنظر تماماً، أو المراد: النظر، البين عورها بالرؤية؟ بالرؤية نعم بماذا؟ قال العلماء: يكون بيان العور بواحد من أمرين: إما أن تكون العين قد نتأت، وإما أن تكون قد، انخسفت نتأت يعني: برزت: بعض الأحيان يكون العين يبرز كأنها غدة زائدة، أو انخسفت يعني: غارت.
وبناء على ذلك لو كانت لا تبصر بالعين لكن من رآها لا يرى أنها عوراء فإنها تجزئ.
الثاني: «المريضة البين مرضها» أيضا لم يطلق الرسول صلى الله عليه وسلم لئلا يشق على الأمة، لأنه قد لا تخلو شاة من مرض، لكن لابد أن تكون بينة المرض، فبماذا يبين المرض؟
أولاً: بالسخونة إذا مسكتها وجدتها حارة جدا، هذا مرض بين.
ثانياً: بالخمول وعدم المشي مع السليمات وما أشبه ذلك. ثالثا: بقلة الأكل فإن قلة الأكل يدل على المرض لاسيما في الحيوان الذي ليس له إرادة كإرادة الإنسان.
رابعاً: بما يظهر على جسدها مثل الجرب مرض بين وخطير وربما يتقعر حتى يصل إلى اللحم أو إلى العظم، فهذا من بيان المرض. كذلك قد يكون من المرض أن يكون معها خمول وكسل وتئن أنيناً غير معتاد؛ لأن الأنين يدل على أن فيها مرضاً.
فعلى كل حال: ربما تكون هناك بيانات أخرى غير ما ذكرت، فالمقصود أن يكون المرض بيناً.
الثالثة: «العرجاء البين ضلعها» العرجاء اليد أو الرجل أو بهما؟ بأحدهما أو بهما إذا كانت عرجاء باليد أو بالرجل لكن عرجها بين ليس مجرد أن تهمز إذا مشت لا، لابد أن يكون العرج بينا حده بعض العلماء بأنه لا تطيق المشي مع الصحيحة، دائماً تجدها متخلفة عن الماشية سواء كانت بعيراً أو بقراً أو غنماً متخلفة حتى لو نهرتها ما استطاعت أن تعانق الصحيحات، أما التي تهمز يسيراً ولكنها تعانق الصحيحات فهذه عرجاء ولكن ليس بينا عرجها.
الرابع: «الكبيرة التي لا تنقي» الكبيرة هي الكبيرة في السن التي لا تنقي، يعني: ليس فيها نقي والنقي هو المخ، وهذه لا يمكن أن يعلم بها إلا بعد أن تذبح ويكسر عظمها، المراد هنا: الكبيرة في أعضائها وليس مخ الرأس، وهذه لا تعرف إلا بعد الذبح، وكبر العظم إذا كان العظم ليس فيه مخ فإنها لا تجزئ ولكن هل لابد من الشرطين بمعنى أن تكون كبيرة وأنه لا مخ فيها، بمعنى: أنه لو كان ليس فيها مخ ولكنها صغيرة تجزئ أو لا؟
الظاهر أن قوله: «كبيرة» وصف طردي بمعنى: أن المدار على المخ، ويحتمل أن يقال: إنه ليس وصفاً طردياً لوجهين، أن الأصل في الأوصاف أنها أوصاف قيود لابد منها، والثاني: أن
التي لا مخ فيها وهي شابة لا تكون كالعجوز الكبيرة؛ لأن العجوز الكبيرة لحمها فاسد وليس فيها مادة قوة التي هي المخ فالظاهر لي-والله أعلم- أن التي لا مخ فيها وهي شابة لا يمنع ذلك إجزاءها.
هذه الأربع ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم محصورة بالعدد، والعدد غالباً مفهومه مخالفة؛ لأنه في الحقيقة يؤول إلى صفة لأن «أربع» هو البالغ هذا العدد، فعلى هذا يكون مفهومه مفهوم الصفة إن لم يكن أشد دلالة على الحصر، وعلى هذا فما سوى الأربع يجزئ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حصرها في مقام الخطابة، وجواباً للسؤال وهذا كله يؤيد أن الذي لا يجزئ محصور بهذا العدد وبهذه الموصوفات بهذه الصفات.
نرجع إلى الفوائد نقول في هذا الحديث: دليل على حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبلاغ الأمة حيث قام خطيباً يبين للناس ما يجزئ وما لا يجزئ في الأضحية.
ثانياً: فيه حسن التعليم وذلك بالحصر؛ لأن حصر الأشياء يوجب أن يكون الإنسان يحفظها ولا ينساها لو ذكر لك الكلام مرسلاً بدون حصر بعدد يمكن أن تنسى شيئاً من الجمل لكن إذا كان محصوراً بعدد فسوف تقول: واحداً اثنين ثلاثة، أين الرابع ثم تتذكره وتبحث عنه في الحافظة المخية، فلذلك من حسن التعليم: أن المعلم يحصر الأشياء لأنها أقرب فهما وأقوى حفظاً وأسرع للاستذكار.
ومن فوائد الحديث: أن العوراء البين عورها لا تجزئ، ولا تجوز وهو نص الحديث ومفهومه: أن العوراء التي لا يبين عورها تجزئ، ولا تجوز العمياء من باب أولى، هذا ما نعتقده ونرى أنه مقتضى اللفظ والمعنى لكن بعض العلماء- رحمهم الله وعفا عنهم- قال إن العمياء تجزئ لأنها لا تمشي قد أنملة، والعوراء لا تجزئ، قال:«لأن العمياء يعتني بها ويؤتي إليها بالعلف والماء ولا يقصر عليها قاصر فهي كالعيناء التي ترعى بعينها، وحينئذ لا يأتيها قاصر لكن هذا تعليل عليل بل ميت.»
نحن نقول: حتى العوراء أيضا يمكن أن يؤتى إليها بالرزق لكن العلة هي فقد عضو مهم في هذا الجسد الذي يتقرب به الإنسان إلى الله عز وجل فالقول بأن العلة هذا، قول ضعيف لا شك، يعني: أن العلة أنها لا تأكل أكلاً كثيراً هذا ضعيف وليس بصحيح.
ويستفاد من هذا الحديث: أن المريضة التي مرضها خفيف لا تضر يعني: لا تمنع من الإجزاء ولكن لا ينبغي للإنسان أن يأكلها أو أن يضحي بها وفيها هذا المرض حتى يعرضها على الأخصائيين البياطرة يسأل هل هذا مرض مضر أو لا؟ إن كان مضراً فلا يذبحها أصلا، لا تجزئ، وأن لم يكن بينا فإنها تجزئ.
من فوائد الحديث: أن ما أخذها الطلق فإنه لا يضحى بها حتى تضع، وذلك لأنها على خطر بما تموت، ولهذا قال العلماء- رحمهم الله إن التي أخذها الطلق يعتبر مرضها مرضا مخوفاً في باب العطايا والهبات فعلى هذا إذا كانت هذه البهيمة تتولد وأراد الإنسان أن يضحي بها نقول: انتظر حتى تلج.
كذلك أيضا المبشومة لا يضحي بها حتى تبرأ، والمبشومة هي التي انتفخ بطنها من الأكل، أحياناً تأكل الشاة تمراً ولا يناسبها فينتفخ البطن وهي على خطر في هذه الحال فلا يضحي بها حتى تبرأ، أي: حتى يخرج منها الخارج، كذلك ما لدغت الحية فإنه لا يضحي بها لأنها على خطر، وكذلك لو تدحرجت من شاهق فأغمي عليها فإنه لا يضحي بها حتى تفيق وأمثال هذا، المهم: أن يكون الشيء بينا معرضا للخطر.
ومن فوائد الحديث: أن العرجاء البين عرجها لا تجزئ فأما ذات العرج السهل فإنها تجزئ لكنه كلما كانت أكمل فهو أفضل لقول الله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92].
ومن فوائد الحديث: أن مقطوعة اليد أو الرجل لا تجزئ لأن هذا أولى من العرج، فإذا كان العرج يمنع من الإجزاء فقطع العضو، أي: اليد أو الرجل من باب أولى.
ومن فوائد الحديث: أن الزمني لا يضحى بها والزمني: التي لا تستطيع المشي إطلاقاً كالشلل أو تعكف في اليدين والرجلين كيف نعرف أنها لا تجزئ؟ من أنها أولى من العرجاء البين عرجها.
ومن فوائد الحديث: أن الكبيرة التي ليست فيها مخ لا تجزئ لقوله: «الكبيرة التي لا تنقي» فإن كان فيها مخ فإنها تجزئ ولو كانت كبيرة جداً، وإن كانت لا مخ فيها لكنها صغيرة فهل تجزئ؟ ذكرنا لكم أن الكبيرة وصف طردي لا مفهوم له وهو بيان للواقع الغالب، وعلى هذا فلو فرض أن شاة هزيلة ضعيفة ليس فيها مخ ولكنها شابة فإنها لا تجزئ لكن لو كانت الشاة ليس فيها مخ وهي شابة وذات لحم يعني لا هزيلة ولا كبيرة لكن ليس فيها مخ أو لا نسأل هل هذا ممكن؟ هذا لا يمكن لأن السمينة لابد أن يكون فيها مخ وكذلك الشابة.
لكن قالوا: إنه يمكن أن تكون سمينة فيها لحم وشحم كثير ولكن لا مخ فيها، يكون هذا إذا كانت السنة سنة جدب لا تأكل ثم أنشأ الله تعالى الربيع بسرعة وشبعت منه فإنها هنا تبني اللحم والشحم قبل أن يدخل المخ إلى أعضائها ومثل هذه نقول: إنها تجزئ لأن أصل المخ الذي في العظام ليس مقصوداً لذاته، وليس مقيداً لصورة البهيمة، لكنه دليل على اللحم والشحم والقوة والنشاط فإذا حصل مثل هذه الحال وهي نادرة فإنها تجزئ.
ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان أن يتقرب إلى الله عز وجل بما فيه عيب، ويشهد لهذا قوله تعالى:{ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة: 267] الخبيث يعني: الرديء {ولستم بأخذيه إلا أن تغمضوا فيه} [البقرة: 267] وقوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92].
وكان ابن عمر رضي الله عنها إذا أعجبه شيء عنده تصدق به لأجل أن ينال البر المذكور في هذه الآية.
وأبو طلحة رضي الله عنه كان له بستان وكان قبلة هذا البستان المسجد النبوي، وكان فيه ماء طيب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إلى هذا البستان ويشرب منه، ولا شك أن شرب النبي صلى الله عليه وسلم سيزيده غلاء في قلب أبي طلحة، فلما نزلت هذه الآية جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله إن الله أنزل {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب مالي إلى بيرحاء وإني أضعها بين يديك صدقة إلى الله ورسوله فقال: «بخ بخ ذاك مال رابح ذاك مال رابح» وصدق النبي صلى الله عليه وسلم هذا مال رابح لأن مالك مهما كان حسنا في عينك فإنك مغادره أو هو مغادرك، لكن المال الذي تخرجه لله عز وجل هو المالك الرابح لأنك تجده في يوم أنت أحوج ما تكون إليه لا درهم عندك ولا متاع ولا أهل ولا ولد، فهذا هو الذي يبقى «بخ بخ ذاك مال رابح ذاك مال رابح» ثم قال له:«أرى أن تضعها في الأقربين» فجلها أبو طلحة في بني عمه وأقاربه.
والحاصل: أن هذا الحديث يدل على أنه ينبغي للإنسان أن يتقرب إلى الله بالشيء الجيد الطيب السليم، وألا يتقرب إلى الله بما ليس كذلك، وهنا سؤال هل المعتبر هنا في العيوب ما كان عيباً في البيوع وهو ما ينقص قيمة المبيع، أو أن هذه عيوب منصوص عليها ولا عبرة بالقيمة.
الثاني لا شك، ولهذا تجد أن العوراء التي لا يبين عورها هي غير معيبة شرعاً في الأضاحي لكنها في البيع والشراء معيبة، وكذلك في العرجاء البين عرجها والمريضة البين مرضها، العرجاء التي لا يبين عرجها هذا عيب في البيع والشراء والمريضة التي لا يبين مرضها عيب في البيع والشراء، لكن لا عبرة بذلك، العبرة بالعيوب المنصوص عليها شرعاً.
نأخذ من هذا الحديث من الفوائد أيضاً: أنه يشترط في الأضاحي أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء وسبق لنا أنه يشترط أن تكون من بهيمة الأنعام فهذان شرطان.