الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس
من أقيد بأحدٍ في النفس: أقيد به في الطرف والجراح، ومن لا فلا.
ولا يجب إلا بما يوجب القود في النفس.
وهو نوعان:
- أحدهما: في الطرف؛ فتؤخذ: العين، والأنف، والأذن، والسن، والجفن، والشفة، واليد، والرجل، والإصبع، والكف، والمرفق، والذكر، والخصية، والألية، والشفر، كل واحدٍ من ذلك بمثله.
وللقصاص في الطرف شروطٌ:
الأول: الأمن من الحيف بأن يكون القطع من مفصلٍ، أو له حد ينتهي إليه، كمارن الأنف، وهو ما لان منه (1).
(1)[على كلام المؤلف]: لو أن أحدًا قطع شخصًا من الحد اللين اقتص منه لأنه يمكن الاستيفاء منه، ولو أن رجلًا قطع يد رجلٍ من مفصل اليد تمامًا فإنه يقتص منه، ولو قطعه من نصف الذراع فلا يقتص منه؛ لأن القطع ليس من مفصلٍ
…
ويحتمل أن نقول: يقتص من المفصل الذي دونه ويؤخذ منه أرش الزائد
…
، وهذا إذا لم يمكن القصاص من مكان القطع، فإن أمكن القصاص من مكان القطع اقتص منه
…
، بل لو قال المجني عليه:(أنا أتنازل؛ فهو قطع يدي من نصف الذراع، وأنا أقطعها من ثلث الذراع، وأتنازل عن الزائد) فما المانع؟! فعندنا ثلاثة احتمالاتٍ على خلاف كلام المؤلف:
الأول: أن يقتص من المفصل الذي دون القطع، ويأخذ أرش الزائد.
الثاني: أن يقتص من مكان القطع إن أمكن.
الثالث: أن يقتص من دون محل القطع وفوق المفصل، ويسقط المجني عليه الزائد
…
الثاني: المماثلة في الاسم والموضع؛ فلا تؤخذ يمينٌ بيسارٍ، ولا يسارٌ بيمينٍ، ولا خنصرٌ ببنصرٍ، ولا أصلي بزائدٍ، ولا عكسه، ولو تراضيا لم يجز.
الثالث: استواؤهما في الصحة والكمال (1)؛ فلا تؤخذ صحيحةٌ بشلاء (2)، ولا كاملة الأصابع بناقصةٍ (3)، ولا عينٌ صحيحةٌ بقائمةٍ (4)، ويؤخذ عكسه (5) ولا
(1) قول المؤلف ليس بدقيقٍ، والتعبير الدقيق أن يقول:(أن لا يكون طرف الجاني أكمل من طرف المجني عليه).
(2)
هذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، ومنهم المذاهب الأربعة، وحكاه بعضهم إجماعًا
…
وقال داود الظاهري رحمه الله: إنها تؤخذ اليد السليمة بالشلاء
…
والمسألة تحتاج إلى بحثٍ؛ لأن دليل داود قوي جدا.
(3)
هذه المسألة أضعف من المسألة السابقة؛ وذلك لأن أصابع اليد الناقصة فيها منفعةٌ - كالحركة والإحساس -
…
؛ فالقول بأنه يقتص من كاملة الأصابع بالناقصة أقوى من الأول؛ لأن الشلل تعطل المنفعة بالكلية، أما هذا فإنه نقصٌ.
(4)
لعل هذا الحكم يختلف في هذا الزمن؛ لأن العين القائمة يمكن أن تجرى لها جراحةٌ ويركب لها قرنيةٌ وتصبح صحيحةً، أما إذا كان الخلل في أعصاب العين فالغالب أنه لا تنفعه العملية، وهذا إذا قاله الأطباء، فإن كانت منفعة العين قليلةً فإنه يقتص لها، فتؤخذ عين الرجل القوي النظر بعين الأعمش ما دام أن فيها منفعةً.
(5)
لكن بشرط رضا من له الحق.
أرش.
فصلٌ
النوع الثاني: الجراح، فيقتص في كل جرحٍ ينتهي إلى عظمٍ؛ كالموضحة، وجرح العضد، والساق، والفخذ، والقدم.
ولا يقتص في غير ذلك من الشجاج والجروح غير كسر سن، إلا أن يكون أعظم من الموضحة؛ كالهاشمة، والمنقلة، والمأمومة؛ فله أن يقتص موضحةً، وله أرش الزائد (1).
وإذا قطع جماعةٌ طرفًا، أو جرحوا جرحًا يوجب القود: فعليهم القود (2).
وسراية الجناية: مضمونةٌ في النفس فما دونها، وسراية القود: مهدورةٌ.
ولا يقتص (3) من عضوٍ وجرحٍ قبل برئه، كما لا تطلب له ديةٌ.
(1) الصحيح: أنه يقتص من كل جرحٍ.
(2)
لم يذكر [المؤلف] حكم ما إذا تمالؤوا عليه، والصحيح: أنهم لو تمالؤوا عليه فكما لو تشاركوا فيه.
ومعنى: (تمالؤوا عليه)؛ أي: اتفقوا عليه؛ بأن قالوا: (نريد قطع يد فلانٍ)؛ فقال أحدهم: (اجلس أنت في مكان كذا، وأنت الآخر اجلس في مكان كذا، حتى إذا أقبل أحدٌ تخبرونني)، واتفقوا على ذلك فقد تشاركوا في الإثم
…
، فإذا اختار المجني عليه الدية فعليهم ديةٌ واحدةٌ لذلك الطرف أو الجرح.
(3)
لم يبين رحمه الله هل هذا حرامٌ أو مكروهٌ
…
، والمشهور من المذهب أنه حرامٌ
…
ودليل ذلك: حديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده: أن رجلًا طعن رجلًا بقرنٍ في ركبته، فجاء المطعون وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتص منه، ولكنه نهاه، فألح عليه، فاقتص منه، ثم جاء الرجل المجني عليه بعد مدةٍ، فقال: يا رسول الله، عرجت - أي إن الجناية سرت -، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«قد نهيتك فعصيتني، فأبعدك الله وبطل عرجك» ، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من جرحٍ حتى يبرأ صاحبه.
والقول الثاني: أن النهي للكراهة والإرشاد
…
، وهذا أحد قولي الشافعي أنه يجوز أن يقتص قبل البرء، واستدل لقوله بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقاد الرجل، ولو كان حرامًا ما أقاده.
ولكننا نقول: في نفس الحديث: «ثم نهى رسول الله أن يقتص من جرحٍ حتى يبرأ» .