الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة
من أكل، أو شرب (1)، أو استعط، أو احتقن (2)، أو اكتحل بما يصل إلى حلقه (3)، أو أدخل إلى جوفه شيئًا من أي موضعٍ كان (4) - غير
(1) يلحق بالأكل والشرب ما كان بمعناهما؛ كالإبر المغذية التي تغني عن الأكل والشرب.
(2)
الاحتقان: هو إدخال الأدوية عن طريق الدبر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا فطر بالحقنة
…
، [وهو] القول الراجح.
(3)
ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الكحل لا يفطر ولو وصل طعم الكحل إلى الحلق، وقال: إن هذا لا يسمى أكلًا وشربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب، ولا يحصل به ما يحصل بالأكل والشرب، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثٌ صريحٌ يدل على أن الكحل مفطرٌ.
وما ذهب إليه رحمه الله هو الصحيح.
وبناءً على هذا: لو أنه قطر في عينه وهو صائمٌ، فوجد الطعم في حلقه فإنه لا يفطر بذلك، أما إذا وصل طعمها إلى الفم وابتلعها فقد صار أكلًا وشربًا.
(4)
[على كلام المؤلف]: فلو أن الإنسان أدخل منظارًا إلى المعدة حتى وصل إليها فإنه يكون بذلك مفطرًا.
والصحيح: أنه لا يفطر إلا أن يكون في هذا المنظار دهنٌ - أو نحوه - يصل إلى المعدة بواسطة هذا المنظار
…
ولو أن الإنسان كان له فتحةٌ في بطنه وأدخل إلى بطنه شيئًا عن طريق هذه الفتحة؛ فعلى المذهب: يفطر بذلك
…
والصحيح: أنه لا يفطر بذلك إلا أن تجعل هذه الفتحة بدلًا عن الفم بحيث يدخل الطعام والشراب منها لانسداد المريء أو تقرحه - ونحو ذلك -، فيكون ما أدخل منها مفطرًا كما لو أدخل من الفم، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
إحليله (1) -، أو استقاء، أو استمنى، أو باشر فأمنى، أو أمذى (2)، أو كرر النظر فأنزل (3)، أو حجم، أو احتجم وظهر دمٌ (4)؛ عامدًا ذاكرًا لصومه: فسد.
(1) القول الراجح - كما سبق -: أن المفطر هو الأكل والشرب، وما أدخل من طريق الإحليل فإنه لا يسمى أكلًا ولا شربًا، وإذا كانت الحقنة - وهي التي تدخل عن طريق الدبر - لا تفطر على القول الراجح؛ فما دخل عن طريق الإحليل من باب أولى.
(2)
الصحيح: القول الثاني: أنه لا يفطر.
(3)
[حكم الاستمرار في النظر بنظرةٍ واحدةٍ كحكم التكرار في النظر]؛ بل قد يكون أقوى منه في استجلاب الشهوة والإنزال.
وأما التفكير - بأن فكر حتى أنزل - فلا يفسد صومه
…
؛ إلا إن حصل معه عملٌ يحصل به الإنزال؛ كعبثٍ بذكره - ونحوه -.
(4)
هذه المسألة اختلف عليها العلماء كثيرًا، وهي من مفردات الإمام أحمد؛ فأكثر أهل العلم يرون أن الحجامة لا تفطر، ويستدلون بالآثار والنظر
…
واستدل القائلون بالإفطار بحديث شداد بن أوسٍ - وغيره - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» .
وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم
…
، ومن العلماء من صححه؛ كالإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية - وغيرهما من الحفاظ -، وعلى هذا يكون الحديث حجةً.
فإذا كان حجةً وقلنا: إنه يفطر بالحجامة الحاجم والمحجوم، فما الحكمة؟
…
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن إفطار الصائم بالحجامة له حكمةٌ: أما المحجوم فالحكمة هو أنه إذا خرج منه هذا الدم أصاب بدنه الضعف الذي يحتاج معه إلى غذاءٍ لترتد عليه قوته؛ لأنه لو بقي إلى آخر النهار على هذا الضعف فربما يؤثر على صحته في المستقبل؛ فكان من الحكمة أن يكون مفطرًا، وعلى هذا: فالحجامة للصائم لا تجوز في الصيام الواجب إلا عند الضرورة .... ، وأما إذا كان الصوم نفلًا فلا بأس بها؛ لأن الصائم نفلًا له أن يخرج من صومه بدون عذرٍ، لكنه يكره لغير غرضٍ صحيحٍ.
أما الحكمة بالنسبة للحاجم؛ فيقول شيخ الإسلام رحمه الله: إن الحاجم عادةً يمص قارورة الحجامة، وإذا مصها فإنه سوف يصعد الدم إلى فمه، وربما من شدة الشفط ينزل الدم إلى بطنه من حيث لا يشعر، وهذا يكون شربًا للدم، فيكون بذلك مفطرًا، ويقول: هذا هو الغالب، ولا عبرة بالنادر
…
والذي يظهر لي - والعلم عند الله -: أن ما ذهب إليه شيخ الإسلام أولى؛ فإذا حجم بطريقٍ غير مباشرٍ ولا يحتاج إلى مص فلا معنى للقول بالفطر؛ لأن الأحكام الشرعية ينظر فيها إلى العلل الشرعية.
لا: ناسيًا، أو مكرهًا (1)، أو طار إلى حلقه ذبابٌ أو غبارٌ، أو فكر فأنزل، أو احتلم، أو أصبح في فيه طعامٌ فلفظه، أو اغتسل، أو تمضمض، أو استنثر، أو زاد على الثلاث، أو بالغ فدخل الماء حلقه: لم يفسد.
ومن أكل شاكا في طلوع الفجر: صح صومه (2)، لا: إن أكل شاكا في غروب
(1) مقتضى كلام المؤلف: أنه لا يشترط أن يكون عالمًا؛ لأنه لم يذكر إلا شرطين: العمد والذكر، فإن كان جاهلًا فإنه يفطر.
والصحيح: اشتراط العلم؛ لدلالة الكتاب والسنة عليه؛ فتكون شروط المفطرات ثلاثةً: العلم، والذكر، والعمد.
(2)
حتى لو تبين له بعد ذلك أن الفجر قد طلع؛ فصومه صحيحٌ؛ بناءً على العذر بالجهل في الحال.
وأما على المذهب: فإذا تبين أن أكله كان بعد طلوع الفجر فعليه القضاء بناءً على أنه لا يعذر بالجهل، والصواب: أنه لا قضاء عليه ولو تبين له أنه بعد الصبح؛ لأنه كان جاهلًا.
الشمس (1)، أو معتقدًا أنه ليلٌ فبان نهارًا (2).
فصلٌ
ومن جامع في نهار رمضان في قبلٍ أو دبرٍ: فعليه القضاء، والكفارة (3).
وإن جامع دون الفرج فأنزل، أو كانت المرأة معذورةً (4)، أو جامع من نوى الصوم في سفره: أفطر، ولا كفارة.
(1) إن علمنا أن أكله كان بعد الغروب؛ فلا قضاء عليه.
(2)
القول الراجح: أنه لا قضاء عليه.
(3)
ذهب بعض العلماء إلى أن من أفسد صومه عامدًا بدون عذرٍ فلا قضاء عليه، وليس عدم القضاء تخفيفًا، لكنه لا ينفعه القضاء.
وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
…
ونقول - على هذا الرأي -: تكون المفطرات نافعةً فيما إذا جاز الفطر لعذرٍ، أما إذا كان لغير عذرٍ فإن هذه المفطرات تفسد صومه ولا يلزمه القضاء، لكن جمهور أهل العلم على أنه يلزمه القضاء ولو تعمد الفطر، بخلاف الرجل الذي لم يصم ذلك اليوم أصلًا وتركه متعمدًا؛ فإن الراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام من أنه لا ينفعه القضاء.
(4)
ظاهر قوله
…
: أنه لو كان الرجل هو المعذور فإن الكفارة لا تسقط عنه، وهذا المشهور من المذهب.
والصحيح: أن الرجل إذا كان معذورًا بجهلٍ أو نسيانٍ أو إكراهٍ؛ فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة، وأن المرأة كذلك إذا كانت معذورةً بجهلٍ أو نسيانٍ أو إكراهٍ؛ فليس عليها قضاءٌ ولا كفارةٌ.
والمذهب: أن عليها القضاء وليس عليها الكفارة.
وإن جامع في يومين، أو كرره في يومٍ ولم يكفر: فكفارةٌ واحدةٌ في الثانية وفي الأولى اثنتان.
وإن جامع ثم كفر ثم جامع في يومه: فكفارةٌ ثانيةٌ (1)، وكذا من لزمه
(1) ذكر المؤلف رحمه الله مسألتين:
المسألة الأولى: إذا جامع في يومين بأن جامع في اليوم الأول من رمضان وفي اليوم الثاني؛ فإنه يلزمه كفارتان، وإن جامع في ثلاثة أيامٍ فثلاث كفاراتٍ
…
وقيل: لا يلزمه إلا كفارةٌ واحدةٌ إذا لم يكفر عن الأول، وهو وجهٌ في مذهب الإمام أحمد، وهو مذهب أبي حنيفة
…
وهذا القول وإن كان له حظ من النظر والقوة، لكن لا تنبغي الفتيا به؛ لأنه لو أفتي به انتهك الناس حرمات الشهر كله، لكن لو رأى المفتي - الذي ترجح عنده عدم تكرر الكفارة - مصلحةً في ذلك؛ فلا بأس أن يفتي به سرا؛ كما يصنع بعض العلماء فيما يفتون به سرا - كالطلاق الثلاث -.
المسألة الثانية: إذا جامع في يومٍ واحدٍ مرتين؛ فإن كفر عن الأول لزمه كفارةٌ عن الثاني، وإن لم يكفر عن الأول أجزأه كفارةٌ واحدةٌ
…
ومذهب الأئمة الثلاثة - وهو قولٌ في المذهب -: لا يلزمه عن الثاني كفارةٌ؛ لأن يومه فسد بالجماع الأول؛ فهو في الحقيقة غير صائمٍ وإن كان يلزمه الإمساك، لكن ليس هذا الإمساك مجزئًا عن صومٍ؛ فلا تلزمه الكفارة
…
وهذا القول له وجهٌ من النظر - أيضًا -.
مثاله: رجلٌ جامع في أول النهار بعد طلوع الشمس بربع ساعةٍ، ثم كفر بعتق رقبةٍ، ثم جامع بعد الظهر؛ فعلى المذهب: يلزمه كفارةٌ ثانيةٌ؛ لأنه كفر عن الأولى، وهو الآن وإن كان ليس صائمًا صومًا شرعيا لكنه يلزمه الإمساك، وعلى القول الثاني: لا تلزمه الكفارة؛ لأن الجماع لم يرد على صومٍ صحيحٍ وإنما ورد على إمساكٍ فقط، وإذا تأملت وجدت أن القول الثاني أرجح، وأنه لا يلزمه بعد أن أفسد صومه كفارةٌ.
الإمساك إذا جامع (1).
ومن جامع وهو معافى، ثم مرض أو جن أو سافر: لم تسقط.
ولا تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان (2)، وهي عتق رقبةٍ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين (3)، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، فإن لم يجد سقطت.
(1) القول الثاني: لا يلزمه الإمساك
…
، وهذا هو القول الراجح.
(2)
نزيد شرطين آخرين: أحدهما: أن يكون الصيام أداءً، والثاني: أن يكون ممن يلزمه الصوم.
(3)
إلا لعذرٍ شرعي - كالحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، وكالعيدين وأيام التشريق -، أو حسي - كالمرض، والسفر للرجل والمرأة بشرط ألا يسافر لأجل أن يفطر، فإن سافر ليفطر انقطع التتابع -.