الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الغصب
وهو الاستيلاء على حق غيره قهرًا بغير حق - من عقارٍ ومنقولٍ -.
وإن غصب كلبًا يقتنى، أو خمر ذمي: ردهما، ولا يرد جلد ميتةٍ (1).
وإتلاف الثلاثة هدرٌ (2).
وإن استولى على حر لم يضمنه، وإن استعمله كرهًا أو حبسه (3) فعليه أجرته.
ويلزم: رد المغصوب بزيادته - وإن غرم أضعافه (4) -.
(1) القول الراجح في هذه المسألة: أنه يجب عليه أن يرد جلد الميتة؛ وذلك لإمكان معالجته حتى يصبح طاهرًا.
(2)
بالنسبة للكلب والخمر: الأمر فيهما واضحٌ؛ فليس لهما قيمةٌ شرعًا، أما بالنسبة لجلد الميتة إن كان قد دبغ فإن بيعه يجوز، وحينئذٍ يضمنه متلفه بالقيمة أو بالمثل إن كان له مثلٌ؛ لأنه إذا دبغ صار طاهرًا، فيجوز الانتفاع به في كل شيءٍ، أما قبل الدبغ فمحل نظرٍ؛ قد نقول: إنه يضمنه لأنه إذا كان يمكن تطهيره فهو كالثوب النجس، والثوب النجس يجوز بيعه، وقد نقول: إنه لا يضمنه؛ لأنه إلى الآن ليس مما يباح استعماله، وصاحبه قد يدبغه وقد لا يدبغه، فيرجع في هذا إلى نظر القاضي.
(3)
ظاهر كلامه رحمه الله أن عليه أجرته مطلقًا حتى وإن حبسه في وقتٍ لا ينتفع به
…
والصواب: أن يقيد بما إذا كان هذا الرجل يعمل، أو في وقتٍ ينتفع به.
(4)
قوله: (وإن غرم أضعافه):
…
قال بعض أهل العلم: إذا كان الضرر كثيرًا وليس لصاحبه غرضٌ صحيحٌ بعينه فإنه يعطى مثله أو قيمته؛ خصوصًا إذا علمنا أن قصد المالك المضارة بالغاصب.
وهذا القول له وجهٌ
…
، لكن لو كان هذا التضمين سبيلًا لتقليل الغصب والعدوان على الناس فالقول بالمذهب أقوى
…
، وهذا هو الراجح.
وإن بنى في الأرض أو غرس: لزمه القلع (1)، وأرش نقصها، وتسويتها، والأجرة (2).
ولو غصب جارحًا، أو عبدًا، أو فرسًا (3)، فحصل بذلك صيدًا: فلمالكه.
وإن ضرب المصوغ، ونسج الغزل، وقصر الثوب أو صبغه (4)، ونجر الخشب - ونحوه -، أو صار الحب زرعًا، أو البيضة فرخًا، والنوى غرسًا: رده وأرش نقصه، ولا شيء للغاصب، ويلزمه ضمان نقصه، وإن خصى الرقيق رده مع قيمته (5).
(1) ليس على إطلاقه؛ بل نقيده بما إذا لم يتبين أن المقصود به المضارة، فإن تبين ذلك فإنه يمنع؛ فلا ضرر ولا ضرار.
(2)
[إذا حصلت الأجرة ببناء الغاصب وبأرض المالك]
…
؛ فهنا لو قال قائلٌ: (بأن لكل من الغاصب والمالك قسطه من الأجرة) لكان جيدًا.
(3)
الراجح في مسألة الفرس: أن الصيد للغاصب؛ لأنه هو الذي باشر الصيد، لكن عليه أجرة الفرس، وربما تكون أجرة الفرس أكثر من قيمة الصيد.
(4)
ينبغي أن يقال [هنا]: للغاصب قيمة صبغه، لكن لو نقص الثوب بالصبغ بأن حوله إلى صبغٍ تنقص به القيمة فعلى الغاصب ضمان النقص.
(5)
قال بعض أهل العلم: إن الجناية على العبد تقوم بما نقص، وبناءً على هذا الرأي نقول: ما دام العبد زاد بالخصاء فإن الغاصب لا يضمن شيئًا.
وسيأتي - إن شاء الله - في القصاص أن القول الراجح أن الجناية على العبد كالجناية على البهيمة؛ تقدر بما نقص.
وما نقص بسعرٍ لم يضمن (1)، ولا بمرضٍ عاد ببرئه، وإن عاد بتعليم صنعةٍ ضمن النقص.
وإن تعلم أو سمن فزادت قيمته ثم نسي أو هزل فنقصت: ضمن الزيادة كما لو عادت من غير جنس الأول، ومن جنسها: لا يضمن إلا أكثرهما.
فصلٌ
وإن خلط بما لا يتميز - كزيتٍ أو حنطةٍ بمثلهما - (2)، أو صبغ الثوب، أو لت سويقًا بدهنٍ - أو عكسه -، ولم تنقص القيمة ولم تزد: فهما شريكان بقدر ماليهما فيه، وإن نقصت القيمة: ضمنها، وإن زادت قيمة أحدهما: فلصاحبه.
ولا يجبر من أبى قلع الصبغ، ولو قلع غرس المشتري أو بناؤه لاستحقاق الأرض: رجع على بائعها بالغرامة (3).
وإن أطعمه لعالمٍ بغصبه: فالضمان عليه، وعكسه بعكسه.
وإن أطعمه لمالكه، أو رهنه، أو أودعه، أو آجره إياه: لم يبرأ إلا أن يعلم، ويبرأ بإعارته (4).
(1) القول الصحيح: أنه إذا نقص السعر فإن الغاصب يضمن النقص.
(2)
المذهب: يلزمه مثل المغصوب من غير المشترك، فيقال:(اشتر مثل الذي غصبت)
…
وما ذهب إليه الأصحاب أقرب إلى الصواب مما ذهب إليه المؤلف.
(3)
ولو علم المشتري أن الأرض مغصوبةٌ
…
؛ لا يرجع؛ لأنه دخل على بصيرةٍ.
(4)
هذا مبني على أن المستعير ضامنٌ بكل حالٍ؛ سواءٌ فرط أو تعدى، أو لم يتعد ولم يفرط.
وقد سبق أن القول الراجح أن المستعير كغيره ممن يكون المال تحت يده بإذنٍ من المالك أو إذنٍ من الشارع، وأن يد المستعير يد أمانةٍ، وعلى هذا: لو تلف تحت يد مالكه في إعارةٍ فالضمان على الغاصب، إلا أن يعلم المالك أنه ملكه فيبرأ به، فإن تعدى أو فرط ضمن وإلا فلا.
وما تلف أو تغيب من مغصوبٍ مثلي: غرم مثله إذن، وإلا فقيمته يوم تعذر (1)، ويضمن غير المثلي بقيمته يوم تلفه، وإن تخمر عصيرٌ فالمثل، فإن انقلب خلا دفعه ومعه نقص قيمته عصيرًا.
فصلٌ
وتصرفات الغاصب الحكمية باطلةٌ (2).
والقول في قيمة التالف أو قدره أو صفته: قوله (3)، وفي رده وعدم عيبه: قول ربه.
وإن جهل ربه: تصدق به عنه مضمونًا.
ومن أتلف محترمًا، أو فتح قفصًا، أو بابًا، أو حل وكاءً أو رباطًا أو قيدًا، فذهب ما فيه، أو أتلف شيئًا - ونحوه -: ضمنه.
(1) ولو قيل: إن عليه الضمان بالقيمة وقت الاستيفاء منه لكان له وجهٌ.
(2)
تصرفات الغاصب صحيحةٌ، أما إن أجازها المالك فهذا أمرٌ واضحٌ مثل الشمس، وأما إذا لم يجزها؛ فالصحيح - أيضًا - صحتها، لكن إذا كان عين مال المالك باقيًا؛ فله أن يسترده ويقول: هذا عين مالي أريده، وأنت أيها المشتري اذهب إلى الغاصب.
(3)
لكن كل من قلنا: القول قوله - وهو يتعلق بحقوق الآدميين - فإنه لا بد من اليمين.
وإن ربط (1) دابةً بطريقٍ ضيقٍ فعثر به إنسانٌ: ضمن (2)؛ كالكلب العقور لمن دخل بيته بإذنه، أو عقره خارج منزله.
وما أتلفت البهيمة من الزرع (3) ليلًا ضمنه صاحبها، وعكسه النهار؛ إلا أن ترسل بقرب ما تتلفه عادةً.
(1) ظاهر كلامه رحمه الله: أنه لو أوقفها بلا ربطٍ فلا ضمان عليه
…
، ولكن في هذا الظاهر نظرٌ، والصواب: أن إيقافها كربطها.
(2)
ظاهر كلام المؤلف: أنه لو ربطها بطريقٍ واسعٍ فلا ضمان عليه، وهذا متجهٌ إذا لم يربطها في طريق المارة، فإن ربطها في طريق المارة فهو كما لو ربطها في طريقٍ ضيقٍ؛ [أي] عليه الضمان.
(3)
يفهم منه أن غير الزرع ليس هذا حكمه؛ فثمر النخل والتين والبرتقال - وغيرها -
…
، وكذلك الأطعمة من حبوبٍ وغيرها ليس هذا حكمها؛ لأن المؤلف خصه بالزرع
…
وهذه المسألة فيها
…
أقوالٌ؛ [منها]: أن جميع ما أتلفت من زرعٍ وثمارٍ وأموالٍ: حكمها حكم ما أتلفت من الزرع، وهذا هو المذهب
…
وهذا القول أصح
…
والمذهب - أيضًا -: التفريق بين المفرط في حفظ البهيمة وغير المفرط؛ يعني: أن الإنسان في الليل إذا حفظ البهيمة إما برباطٍ أو قيدٍ أو شبكٍ أو سورٍ، ثم انطلقت مع تمام التحفظ فإنه لا ضمان على صاحبها؛ لأن الرجل لم يفرط، والعادة جرت أن الناس يحفظون مواشيهم ثم ينامون، فإذا انطلقت بأن عضت القيد حتى انقطع - مثلًا - أو تسورت الجدار الذي لا تتسور مثله البهائم فلا ضمان.
وهذا في الحقيقة قد يقال: إنه قولٌ لا بأس به؛ لأن الإنسان لم يفرط ولم يتعد.
وإن كانت بيد راكبٍ أو قائدٍ أو سائقٍ: ضمن جنايتها بمقدمها لا بمؤخرها (1)، وباقي جنايتها هدرٌ (2)؛ كقتل الصائل عليه (3)، وكسر مزمارٍ (4)، وصليبٍ (5)،
(1) هذا [الكلام] في النفس منه شيءٌ؛ لأن البعير إذا رأت طعامًا؛ تنقض عليه انقضاض الطير على اللحم وتأكل هذا الطعام، فهل نقول في هذه الحال: على صاحبها الضمان؟
ظاهر كلام المؤلف: أن عليه الضمان، ولكن في النفس من هذا شيءٌ؛ لأن صاحبها في هذه الحال لا يتمكن منها.
فلهذا ينبغي أن يقال: إذا كانت بيد راكبٍ أو قائدٍ أو سائقٍ وأتلفت شيئًا بناءً على تفريطه أو تعديه فعليه الضمان، وأما إذا كان بغير تعد ولا تفريطٍ فلدينا قاعدةٌ أسسها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي:«العجماء جبارٌ» .
فينبغي أن نجعل مناط الحكم في هذا - أي فيما يتعلق بالبهائم من الجنايات - هو التعدي أو التفريط، فإذا كان متعديًا أو مفرطًا فعليه الضمان وإلا فلا.
(2)
[أي]: كل جنايتها هدرٌ ما عدا ما استثني، وما استثني - كما تبين - مبني على التعدي أو التفريط، فإن لم يكن تعد ولا تفريطٌ فلا ضمان على صاحبها.
(3)
لكن يجب أن يدافعه بالأسهل فالأسهل، فإذا اندفع بالتهديد فلا يضربه، وإذا اندفع بالضرب الخفيف فلا يضربه ضربًا شديدًا، وإذا اندفع بالضرب الشديد فلا يقتله، وإذا لم يندفع إلا بالقتل فله قتله.
(4)
لكن إتلافه يضمن؛ لأن إتلافه غير كسره؛ لأن كسره يمنع من استعماله في المحرم، ولكن تبقى مادة هذا المزمار ينتفع بها في إيقاد نارٍ إذا كان من خشبٍ أو صنع قدورٍ وأوانٍ إذا كان من حديدٍ.
(5)
لكن لو أتلفه ضمن.
وهل يضمنه بقيمته صليبًا أو بقيمته مكسرًا؟ يضمنه بقيمته مكسرًا؛ لأنه ليس له قيمةٌ شرعًا.
وآنية ذهبٍ وفضةٍ (1)، وآنية خمرٍ غير محترمةٍ (2).
(1)[هذا القول] بناءً على أن آنية الذهب والفضة يحرم استعمالها واتخاذها.
وهذه المسألة فيها خلافٌ، وظاهر السنة: أن المحرم الأكل والشرب بها فقط دون بقية الاستعمالات ودون اتخاذها زينةً
…
[ولهذا] لا يجوز كسر آنية الذهب والفضة إلا لمن يستعملها في الأكل والشرب؛ لأن الأصل في جواز كسر آنية الذهب والفضة وعدم ضمانها بالإتلاف أنها محرمة الاستعمال.
وعلى القول بجواز اتخاذها فإنه يضمنها إذا كسرها؛ لأنه حال بين صاحبها وبين أمرٍ مباحٍ له.
(2)
قال بعض العلماء: إنه إذا كسر آنية خمرٍ فهو ضامنٌ؛ لأن الآنية محترمةٌ، ويمكن إتلاف الخمر دون إتلافها، إلا إذا لم يمكن إتلاف الخمر إلا بإتلافها
…
، وهذا هو الصحيح؛ لأن الأصل في مال المسلم أنه محترمٌ
…
[أما] قول المؤلف: (غير محترمةٍ)؛ فهذه صفةٌ ل-: (خمرٍ) وليست صفةً ل-: (آنية)
…