الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صفة الحج والعمرة
يسن للمحلين بمكة: الإحرام بالحج يوم التروية قبل الزوال منها (1)، ويجزئ من بقية الحرم (2).
(1) علم من كلامه: أنه لا يسن قبل طلوع الشمس إلا من مر بالميقات وكان قارنًا أو مفردًا، فمتى مر به أحرم من الميقات، لكن كلام المؤلف - هنا - في المحلين أنهم لا يتقدمون على يوم التروية؛ بل في ضحى يوم التروية.
وعلم منه - أيضًا -: أنه لا ينبغي أن يؤخر الإحرام عن الزوال؛ بل يحرم قبل الزوال؛ ليشغل الوقت في طاعة الله؛ لأنه إذا أخر الإحرام إلى وقت العصر فاته ما بين الضحى إلى العصر، ولو أخره إلى الغد - كما يفعله بعض الناس -؛ يقول:(أحرم يوم عرفة وأمشي إلى عرفة)؛ فهذا أشد حرمانًا.
والصواب: أنه يحرم من مكة؛ بل يحرم من مكانه الذي هو نازلٌ فيه، فإن كانوا في البيوت فمن البيوت، وإن كانوا في الخيام فمن الخيام.
(2)
فهم من كلامه: أنه لا يجزئ الإحرام بالحج من الحل؛ فالحرم ميقات من في مكة في الحج، والحل ميقات من في مكة في العمرة؛ فكما أنه لا يجوز أن يحرم بالعمرة من الحرم؛ فكذلك لا يجوز أن يحرم بالحج من الحل، وهذا أحد الأقوال في المسألة.
وقيل: يجوز أن يحرم من في مكة بالحج من الحل
…
، وهذا هو المشهور من المذهب، والماتن مشى في هذا على خلاف المذهب.
والراجح: أنه لا ينبغي أن يخرج من الحرم، وأن يحرم من الحرم، ولكن لو أحرم من الحل فلا بأس؛ لأنه سوف يدخل إلى الحرم.
ويبيت بمنًى، فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة، وكلها موقفٌ إلا بطن عرنة (1).
ويسن: أن يجمع بين الظهر والعصر، ويقف راكبًا عند الصخرات وجبل الرحمة، ويكثر الدعاء مما ورد (2).
ومن وقف - ولو لحظةً - من فجر يوم عرفة إلى فجر يوم النحر - وهو أهلٌ له -: صح حجه (3)، وإلا فلا.
(1) دليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل عرفة موقفٌ، وارفعوا عن بطن عرنة»
…
فالبطن هو الممنوع، والحكمة من ذلك: هل لأنه خارج عرفة، أو لأن السنة ألا ينزل الإنسان في الأودية؟
فيه احتمالٌ أنه من عرفة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ارفعوا عنه» لأنه وادٍ، ولا ينبغي للمسافر أن ينزل في الأودية، ويؤيد هذا أنه لولا أنه منها لم يقل:«ارفعوا عن بطن عرنة» ، ولكان قد عرف أن بطن عرنة خارج عرفة
…
فإن قلنا: إن الوادي منها، ولكن أمرنا بأن نرتفع عنه لأنه وادٍ فحجه صحيحٌ، وإن قلنا: إنه ليس منها فحجه غير صحيحٍ.
وهذا يحتاج إلى تحريرٍ بالغٍ؛ لأنه مهم، ينبني عليه أن الإنسان أدى فريضته أو لم يؤد فريضته، فتحريره مهم جدا.
(2)
سواءٌ وردت في هذا المكان أو وردت في مكانٍ آخر.
(3)
جمهور العلماء على أن وقت الوقوف يبدأ من الزوال فقط .... ، ولا شك أن هذا القول أحوط.
ومن وقف نهارًا ودفع قبل الغروب ولم يعد قبله: فعليه دمٌ (1)، ومن وقف ليلًا فقط: فلا.
ثم يدفع بعد الغروب إلى مزدلفة بسكينةٍ، ويسرع في الفجوة، ويجمع بها بين العشاءين، ويبيت بها (2).
وله الدفع بعد نصف الليل (3)، وقبله: فيه دمٌ؛ كوصوله إليها بعد الفجر لا قبله (4).
(1) المشهور من المذهب
…
: أن من رجع قبل أن يطلع الفجر؛ فليس عليه شيءٌ؛ لأنه رجع في وقت الوقوف.
وذهب بعض العلماء: أنه يلزمه دمٌ بمجرد الدفع قبل الغروب؛ سواءٌ رجع أم لم يرجع؛ لأنه دفعٌ منهي عنه، فحصلت المخالفة بذلك، فيلزمه الدم.
ولا شك أن هذا القول أو المذهب هو المطرد، وكلام المؤلف فيه شيءٌ من التناقض.
(2)
اختلف العلماء رحمه الله في حكم المبيت بمزدلفة:
فقال بعض العلماء: هو سنةٌ.
وقال بعض العلماء: واجبٌ يجبر بدمٍ.
وقال بعض العلماء: ركنٌ كالوقوف بعرفة.
ولكن القول الوسط أحسن الأقوال؛ [وهو]: أنه واجبٌ يجبر بدمٍ، وهو المذهب.
(3)
الصحيح: أن المعتبر غروب القمر، وإن شئت فقل: إن المعتبر البقاء في مزدلفة أكثر الليل ولكن يؤخذ من الليل المسافة ما بين الدفع من عرفة إلى وصول مزدلفة.
(4)
ظاهر حديث عروة بن مضرسٍ يقتضي أن من أدرك صلاة الفجر في أول وقتها فإنه يجزئه، ولا دم عليه.
فإذا صلى الصبح أتى المشعر الحرام، فيرقاه أو يقف عنده، ويحمد الله، ويكبره، ويقرأ:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} - الآيتين - (1)، ويدعو حتى يسفر.
فإذا بلغ محسرًا: أسرع رمية حجرٍ (2) وأخذ الحصى (3) - وعدده سبعون بين
(1) قراءة هاتين الآيتين لا أعلم فيها سنةً، لكنها مناسبةٌ؛ لأن الإنسان يذكر نفسه بما أمر الله به في كتابه.
(2)
دليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرك ناقته حين بلغ محسرًا
…
قال بعض العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم أسرع لأنهم كانوا في الجاهلية يقفون في هذا الوادي ويذكرون أمجاد آبائهم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخالفهم كما خالفهم في الخروج من عرفة وفي الخروج من مزدلفة.
ولعل هذا أقرب التعاليل
…
والظاهر: أنه لا يمكن الإسراع الآن؛ لأن الإنسان محبوسٌ بالسيارات؛ فلا يمكن أن يتقدم أو يتأخر
…
ولكن نقول: هذا شيءٌ بغير اختيار الإنسان، فينوي بقلبه أنه لو تيسر له أن يسرع لأسرع، وإذا علم الله من نيته هذا فإنه قد يثيبه على ما فاته من الأجر والثواب.
(3)
ظاهر كلام المؤلف: أنه يأخذه من وادي محسرٍ أو من بعده
…
والذي يظهر لي من السنة: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخذ الحصى من عند الجمرة.
وأما أخذه من مزدلفة فليس بمستحب، وإنما استحبه بعض المتقدمين من التابعين لأجل أن يبدأ برمي جمرة العقبة من حين أن يصل إلى منًى؛ لأن رمي جمرة العقبة هو تحية منًى، ويفعل قبل كل شيءٍ.
الحمص والبندق - (1).
فإذا وصل إلى منًى - وهي من وادي محسرٍ إلى جمرة العقبة - (2): رماها بسبع حصياتٍ متعاقباتٍ (3)؛ يرفع يده حتى يرى بياض إبطه (4)، ويكبر مع كل حصاةٍ.
ولا يجزئ الرمي بغيرها، ولا بها ثانيًا (5)، ولا يقف، ويقطع التلبية قبلها (6)، ويرمي بعد طلوع الشمس (7)، ويجزئ بعد نصف الليل (8).
(1) بناءً على أنه يتأخر لليوم الثالث من أيام التشريق، فإن لم يتأخر فأسقط من السبعين واحدةً وعشرين؛ تكن: تسعًا وأربعين.
والصحيح: أنه لا يأخذ السبعين، ولا تسعًا وأربعين، وإنما يأخذ الحصى كل يومٍ في يومه من طريقه وهو ذاهبٌ إلى الجمرة.
(2)
ظاهر كلام المؤلف - بحسب دلالة (من) -: أن الوادي منها، وليس كذلك
…
، أما جمرة العقبة فليست منها.
(3)
المقصود: أن تقع الحصاة في الحوض؛ سواءٌ ضربت العمود أم لم تضربه.
(4)
علل صاحب «الروض» هذا بأنه أعون له على الرمي.
وهذا إذا كان الإنسان بعيدًا، لكن إذا كان قريبًا فلا حاجة إلى الرفع.
(5)
القول الراجح: أن الحصاة المرمي بها مجزئةٌ.
(6)
ويقطع التلبية عند البدء في الرمي؛ لأنه إذا بدأ شرع له ذكرٌ آخر، وهو التكبير.
(7)
هذا هو الأفضل.
(8)
ظاهر كلام المؤلف: أنه يجزئ مطلقًا للقوي والضعيف والذكر والأنثى، وسبق بيان ذلك.
ثم ينحر هديًا - إن كان معه (1) -، ويحلق (2)، أو يقصر (3) من جميع شعره، وتقصر منه المرأة قدر أنملةٍ (4).
ثم قد حل له كل شيءٍ إلا النساء (5).
والحلاق والتقصير: نسكٌ، لا يلزم بتأخيره دمٌ (6)، ولا بتقديمه على الرمي والنحر.
(1) هل كلام المؤلف على ظاهره؟
بمعنى: أنه إن كان يحتاج إلى شراءٍ وطلبٍ فإنه يحلق أولًا؟ أو نقول: هذا بناءً على
الغالب؟
الثاني هو الظاهر، وأنه حتى الذي يحتاج إلى شراءٍ؛ نقول: الأفضل أن تنحر بعد الرمي ثم تحلق.
(2)
بالموسى وليس بالماكينة، حتى ولو كانت على أدنى درجةٍ؛ فإن ذلك لا يعتبر حلقًا
…
والحكمة من حلق الرأس: أنه ذل لله عز وجل لا للتنظيف.
(3)
للتخيير، ولكنه تخييرٌ بين فاضلٍ ومفضولٍ، والفاضل: الحلق.
(4)
مقدار ذلك: اثنان (سنتمتر) - تقريبًا -.
(5)
وطئًا ومباشرةً وعقدًا، وهذا هو المشهور من المذهب.
وعلى القول الثاني - وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصحيح -: أنه يجوز عقد النكاح بعد التحلل الأول، ويصح
…
(6)
الذي يظهر: أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة؛ لأنه نسكٌ
…
، لكن إن كان جاهلًا وجوب الحلق أو التقصير، ثم علم فإننا نقول: احلق أو قصر، ولا شيء عليك فيما فعلت من محظوراتٍ.
فصلٌ
ثم يفيض إلى مكة، ويطوف القارن والمفرد (1) بنية الفريضة (2) طواف الزيارة.
وأول وقته: بعد نصف ليلة النحر (3)، ويسن في يومه، وله تأخيره (4).
ثم يسعى بين الصفا والمروة - إن كان متمتعًا أو غيره، ولم يكن سعى مع طواف القدوم -.
(1) أفاد أن المتمتع لا يطوف، وليس كذلك، وإنما أراد رحمه الله بالنص على المفرد والقارن دفع ما قيل من أن المفرد والقارن يطوفان للقدوم أولًا إذا لم يكونا دخلا مكة من قبل، ثم يطوفان للزيارة
…
وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله هو الصواب؛ بل المتعين.
(2)
أفادنا المؤلف رحمه الله أن هذا طواف فرضٍ؛ لقوله: (بنية الفريضة)، وأنه لا بد من نيته وأنه فرضٌ.
وسبق الخلاف في هذه المسألة، وبينا أن الطواف والسعي والرمي - وما أشبهها - كلها تعتبر أجزاءً من عبادةٍ واحدةٍ، وأن النية في أولها كافيةٌ عن النية في بقية أجزائها؛ لأن الحج عبادةٌ مركبةٌ من هذه الأجزاء.
(3)
لكن بشرط أن يسبقه الوقوف بعرفة وبمزدلفة؛ فلو طاف بعد منتصف ليلة النحر، ثم خرج إلى عرفة ومزدلفة فإنه لا يجزئه.
(4)
المؤلف لم يقيده بزمنٍ؛ فلم يقل: له تأخيره إلى كذا
…
وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله من أن له تأخيره إلى ما لا نهاية له: ضعيفٌ.
والصواب: أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة، إلا إذا كان هناك عذرٌ
…
، أما إذا كان لغير عذرٍ فإنه لا يحل له أن يؤخره.
ثم قد حل له كل شيءٍ.
ثم يشرب من ماء زمزم (1) لما أحب، ويتضلع منه (2)، ويدعو بما ورد.
ثم يرجع، فيبيت بمنًى ثلاث ليالٍ، فيرمي الجمرة الأولى - وتلي مسجد الخيف - بسبع حصياتٍ، ويجعلها عن يساره، ويتأخر قليلًا، ويدعو طويلًا، ثم الوسطى مثلها.
ثم جمرة العقبة، ويجعلها عن يمينه، ويستبطن الوادي (3)، ولا يقف عندها.
(1) ظاهر كلامه: أنه يشرب من ماء زمزم بعد السعي، وليس مرادًا؛ بل يشرب من ماء زمزم بعد الطواف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من ماء زمزم بعد الطواف
…
وأصل الشرب من ماء زمزم سنةٌ، ولكن كونه بعد الطواف يحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا لأنه أيسر له أو أنه عليه الصلاة والسلام عطش بعد الطواف، أو ليستعد للسعي، لكن اشرب فهو خيرٌ.
(2)
قد ورد حديثٌ في ذلك، لكن فيه نظرٌ.
(3)
الصحيح: خلاف ما ذكره المؤلف.
والصحيح: أنه يرمي مستقبل القبلة في الأولى والوسطى، ويجعل الجمرة بين يديه، وما ذكره من صفاتٍ مردودٌ بأنه لا دليل عليه.
أما الثالثة فيرميها من بطن الوادي مستقبل القبلة، وتكون الكعبة عن يساره ومنًى عن يمينه
…
والمقصود: هو استقبال الجمرة؛ سواءٌ استقبلت القبلة أم لم تستقبلها، لكن في الجمرة الأولى والوسطى يمكن أن تجمع بين استقبال القبلة واستقبال الجمرة، أما في العقبة فلا يمكن أن تجمع بين استقبال القبلة واستقبال الجمرة، ولذلك فضل استقبال الجمرة.
يفعل هذا في كل يومٍ من أيام التشريق بعد الزوال (1)؛ مستقبل القبلة (2)، مرتبًا (3).
فإن رماه كله في الثالث: أجزأه، ويرتبه بنيته (4)، فإن أخره عنه، أو لم يبت بها: فعليه دمٌ (5).
ومن تعجل في يومين: خرج قبل الغروب، وإلا لزمه المبيت والرمي من
(1) أما الرمي بعد غروب الشمس فلا يجزئ - على المشهور من المذهب -
…
وذهب بعض العلماء إلى إجزاء الرمي ليلًا، وقال: إنه لا دليل على التحديد بالغروب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حدد أوله بفعله ولم يحدد آخره
…
ونرى: أنه إذا كان لا يتيسر للإنسان الرمي في النهار؛ فله أن يرمي في الليل، وإذا تيسر لكن مع الأذى والمشقة، وفي الليل يكون أيسر له وأكثر طمأنينةً؛ فإنه يرمي في الليل.
(2)
سبق القول في قوله: (مستقبل القبلة).
(3)
إذا اختل الترتيب لعذرٍ من الأعذار فإنه يسقط عن الإنسان؛ لأنه أتى بالعبادة لكن على وجهٍ غير مرتبٍ.
(4)
ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله من جواز جمع الرمي في آخر يومٍ: ضعيفٌ
…
والقول الصحيح: أنه لا يجوز أن يؤخر رمي الجمرات إلى آخر يومٍ إلا في حالٍ واحدةٍ؛ مثل أن يكون منزله بعيدًا ويصعب عليه أن يتردد كل يومٍ؛ لا سيما في أيام الحر والزحام
…
، وأما من كان قادرًا والرمي عليه سهلٌ لقربه من الجمرات أو لكونه يستطيع أن يركب السيارات حتى يقرب من الجمرات؛ فإنه يجب أن يرمي كل يومٍ في يومه.
(5)
ولو لعذرٍ، لكن إذا كان لعذرٍ يسقط عنه الإثم، وأما جبره بالدم فلا بد منه
…
وظاهر كلام المؤلف: أنه إذا أخره عن اليوم الثالث رماه وعليه دمٌ، وهذا غير مرادٍ لأنه إذا مضت الأيام انتهى وقت الرمي، فيسقط.
الغد (1)، فإذا أراد الخروج من مكة لم يخرج حتى يطوف للوداع (2)، فإن أقام أو اتجر بعده أعاده، وإن تركه غير حائضٍ (3) رجع إليه (4)، فإن شق أو لم يرجع فعليه دمٌ (5)،
(1) لو أن جماعةً حلوا الخيام وحملوا العفش وركبوا، ولكن حبسهم المسير لكثرة السيارات، فغربت عليهم الشمس قبل الخروج من منًى؛ فلهم أن يستمروا في الخروج؛ لأن هؤلاء حبسوا بغير اختيارٍ منهم.
(2)
تحريمًا
…
؛ فالصواب: أن طواف الوداع واجبٌ، وقد عكس بعض الأئمة رحمهم الله، فقال: إن طواف الوداع سنةٌ وطواف القدوم واجبٌ، مع أن السنة تدل على العكس
…
ولا يسقط طواف الوداع إلا عن الحائض والنفساء فقط.
وظاهر كلام المؤلف: أنه إذا أراد الخروج من مكة إلى أي بلدٍ كان فإنه لا يخرج حتى يطوف للوداع.
وصرح بعض الأصحاب: أنه إذا أراد الخروج من مكة إلى بلده لم يخرج حتى يطوف للوداع.
ووجه التقييد بالبلد: أنه إذا أراد الخروج إلى بلدٍ آخر فإنه لم يزل في سفرٍ، ولم يرجع
…
وهذا التقييد تقييدٌ حسنٌ.
(3)
إلا إذا طهرت [الحائض] قبل مفارقة بنيان مكة فإنه يلزمها الرجوع، أما إذا طهرت بعد مفارقة البنيان ولو بيسيرٍ ولو داخل الحرم؛ فإنه لا يلزمها أن ترجع.
(4)
ظاهره: وجوب الرجوع، قرب أم بعد، ما لم يشق، وأنه إذا رجع ولو من بعيدٍ سقط عنه الدم.
لكن المذهب: أنه إذا جاوز مسافة القصر استقر عليه الدم؛ سواء رجع أم لم يرجع، وكذلك لو وصل إلى بلده؛ فإن الدم يستقر عليه؛ سواءٌ رجع أم لم يرجع.
(5)
لكن الفرق: أنه إذا تركه للمشقة لزمه الدم ولا إثم، وإذا تركه لغير مشقةٍ لزمه الدم مع الإثم؛ لأنه تعمد ترك واجبٍ
…
ونحن نفتي الناس بالدم [في المسألة] وإن كان في النفس شيءٌ من ذلك، لكن من أجل انضباط الناس وحملهم على فعل المناسك الواجبة بإلزامهم بهذا الشيء؛ لأن العامي إذا قلت له: ليس عليك إلا أن تستغفر الله وتتوب إليه؛ سهل الأمر عليه، مع أن التوبة النصوح أمرها صعبٌ.
وإن أخر طواف الزيارة فطافه عند الخروج أجزأ عن الوداع.
ويقف غير الحائض بين الركن والباب داعيًا بما ورد، وتقف الحائض ببابه وتدعو بالدعاء (1).
وتستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه (2).
وصفة العمرة: أن يحرم بها من الميقات، أو من أدنى الحل من مكي
(1) هكذا قال، ولا دليل لما قال: إن الحائض تأتي وتقف بباب المسجد تدعو بهذا
…
وبهذا انتهى الكلام على صفة الحج والعمرة.
واعلم أن كل ما ذكرناه فإنه مبني على ما نعلمه من الأدلة، ومع هذا لو أن إنسانًا اطلع على دليلٍ يخالف ما قررناه فالواجب اتباع الدليل، لكن هذا جهد المقل - نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا -.
(2)
ظاهر كلام المؤلف رحمه الله: أن الحاج إذا انتهى من الحج يشد الرحل إلى المدينة ليزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه.
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء:
فمنهم من قال: إن شد الرحل إلى القبور لا بأس به؛ لأنه شد لعملٍ صالحٍ
…
ومنهم من قال: محرمٌ، وهو الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقرره بأدلةٍ إذا طالعها الإنسان تبين له أن ما ذهب إليه هو الحق.
ومنهم من قال: إن شد الرحال لزيارة القبور مكروهٌ.
- ونحوه - (1) لا من الحرم (2).
فإذا طاف وسعى وقصر (3): حل.
وتباح كل وقتٍ.
وتجزئ عن الفرض.
وأركان الحج: الإحرام (4)، والوقوف، وطواف الزيارة (5)، والسعي.
وواجباته: الإحرام من الميقات المعتبر له، والوقوف بعرفة إلى الغروب، والمبيت - لغير أهل السقاية والرعاية - بمنًى، ومزدلفة (6) إلى بعد نصف الليل (7)، والرمي،
(1) سبق تقرير ذلك، وبيان شبهة من قال من أهل العلم: إن المكي يحرم من مكة لعموم الحديث، وهو قوله:«حتى أهل مكة من مكة» .
(2)
فإن فعل انعقد إحرامه، ولكن يلزمه دمٌ؛ لتركه الواجب، وهو الإحرام من الحل.
(3)
أسقط المؤلف ذكر الحلق بناءً على أن مراده عمرة المتمتع.
(4)
لكن يجب أن تعرف الفرق بين من نوى أن يحج ومن نوى الدخول في الحج؛ فالثاني هو الركن، أما من نوى أن يحج فلم يحرم؛ فلا صلة له بالركن
…
والصحيح: أنه لا يشترط [مع النية لفظٌ].
(5)
ويشترط أن يقع بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة، فلا يصح أن يطوف قبل عرفة ولا مزدلفة.
(6)
يفهم منه أن أهل السقاية والرعاية يجوز لهم ترك المبيت بالمزدلفة، ولا أعلم لهذا دليلًا من السنة.
(7)
المراد: المبيت بمنًى في ليالي أيام التشريق دون المبيت في ليلة التاسع؛ فإن المبيت في منًى ليلة التاسع ليس بواجبٍ؛ بل هو سنةٌ.
والمبيت بمنًى - وإن عددناه من الواجبات - أهون من الرمي.
ولهذا يخطئ بعض الناس - فيما نرى - أنه إذا قيل له: رجلٌ لم يبت في منًى ليلةً واحدةً، قال: عليه دمٌ، وهو لو قال: عليه دمٌ إذا ترك ليلتين لكان له شيءٌ من الوجه؛ لأنه ترك جنسًا من الواجبات
…
، أما إذا ترك جزءًا منه فإيجاب الدم عليه فيه نظرٌ واضحٌ
…
[أما الدفع فعلى] القول الصحيح
…
: إنما يكون في آخر الليل - كما سبق -.
والحلاق (1)، والوداع (2).
والباقي: سننٌ.
وأركان العمرة:
- إحرامٌ.
- وطوافٌ.
- وسعيٌ.
وواجباتها: الحلاق، والإحرام من ميقاتها (3).
(1) وينوب عنه: التقصير.
(2)
الصحيح: أن [طواف الوداع] ليس من واجبات الحج؛ لأنه لو كان من واجبات الحج لوجب على المقيم والمسافر، وهو لا يجب على المقيم في مكة، وإنما يجب على من سافر.
وعلى هذا: فلا يتوجه عده في واجبات الحج؛ إذ إن واجبات الحج لا بد أن تكون واجبةً على كل من حج، لكنه واجبٌ على من أراد الخروج من مكة.
(3)
لم يذكر طواف الوداع؛ فظاهر كلامه أنه لا يجب لها طوافٌ ولا وداعٌ
…
. وعلى هذا: فيكون طواف الوداع في العمرة ليس بواجبٍ - على المشهور من مذهب الإمام أحمد -
…
وهذه المسألة فيها قولان: الأول: أنه واجبٌ، والثاني: أنه سنةٌ.
والراجح عندي: أنه واجبٌ على المعتمر أن يطوف للوداع كما هو واجبٌ على الحاج.
فمن ترك الإحرام لم ينعقد نسكه، ومن ترك ركنًا غيره أو نيته (1) لم يتم نسكه إلا به (2).
ومن ترك واجبًا فعليه دمٌ (3)، أو سنةً فلا شيء عليه.
(1)[أي]: الطواف والسعي، أما الوقوف عند الفقهاء فإنه لا يشترط له النية.
والصحيح: أن الطواف والسعي لا تشترط لهما النية.
(2)
لكن إن كان الركن يفوت - ولا يصح التمثيل إلا بالوقوف فقط - فإنه في هذه الحال يفوته الحج.
[وكذلك] لو أن المؤلف قال: (أو شرطه) لكان أعم؛ مثل: لو أنه طاف بالبيت من غير طهارةٍ - بناءً على القول باشتراط الطهارة للطواف -؛ لم يصح طوافه.
(3)
نحن نفتي بأنه يجب على من ترك واجبًا أن يذبح فديةً يوزعها على الفقراء في مكة
…
لكن إذا لم يجد دمًا؛ فالمذهب: الواجب عليه أن يصوم عشرة أيامٍ؛ ثلاثةً في الحج وسبعةً إذا رجع إلى أهله، فإن لم يتمكن من صيامها في الحج صامها في بلده.
لكن هذا القول لا دليل عليه؛ لا من أقوال الصحابة ولا من القياس، وليس هناك دليلٌ على أن من عدم الدم في ترك الواجب يجب عليه أن يصوم عشرة أيامٍ؛ لأن قياس ذلك على دم المتعة قياسٌ مع الفارق؛ فدم المتعة شكرانٌ، وأما الدم لترك الواجب فدم جبرانٍ، لذلك نرى أن القياس غير صحيحٍ.
وحينئذٍ نقول لمن ترك واجبًا: اذبح فديةً في مكة ووزعها على الفقراء بنفسك، أو وكل من تثق به من الوكلاء، فإن كنت غير قادرٍ فتوبتك تجزئ عن الصيام
…