الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجنائز
تسن: عيادة المريض (1)، وتذكيره التوبة، والوصية (2).
وإذا نزل به: سن تعاهد بل حلقه بماءٍ أو شرابٍ، وتندى شفتاه بقطنةٍ، وتلقينه:(لا إله إلا الله) مرةً - ولم يزد على ثلاثٍ إلا أن يتكلم بعده فيعيد تلقينه برفقٍ -، ويقرأ عنده (يس)(3)، ويوجهه إلى القبلة.
(1) قوله: (تسن): ظاهره أنه سنةٌ في حق جميع الناس، ولكن ليس على إطلاقه؛ فإن عيادة المريض إذا تعينت برا أو صلة رحمٍ صارت واجبةً؛ لا من أجل المرض، ولكن من أجل القرابة
…
أما من لا يعد ترك عيادته عقوقًا أو قطيعةً فإن المؤلف يقول: إنه سنةٌ.
وقال بعض العلماء: إنه واجبٌ كفائي؛ أي: يجب على المسلمين أن يعودوا مرضاهم، وهذا هو الصحيح.
(2)
ظاهر كلام المؤلف: يدل على أنه يذكر بذلك؛ سواءٌ كان المرض مخوفًا أو غير مخوفٍ، وسواءٌ كان المريض يرتاع بذلك أو لا
…
وقال بعض العلماء: لا يذكره بذلك إلا إذا كان مرضه مخوفًا.
وفصل بعضهم، فقال: أما التوبة فيذكره بها مطلقًا ولو كان المرض غير مخوفٍ
…
، والوصية لا يذكره بها إلا إذا كان المرض مخوفًا.
والذي يظهر لي: أنه يذكره مطلقًا ما لم يخف عليه، وذلك لأن التوبة مشروعةٌ في كل وقتٍ، والوصية كذلك.
(3)
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا على موتاكم يس» ، هذا الحديث مختلفٌ فيه، وفيه مقالٌ، ومن كان عنده هذا الحديث حسنًا أخذ به.
فإذا مات: سن: تغميضه (1)، وشد لحييه، وتليين مفاصله، وخلع ثيابه، وستره بثوبٍ، ووضع حديدةٍ على بطنه (2)، ووضعه على سرير غسله متوجهًا (3) منحدرًا نحو رجليه، وإسراع تجهيزه - إن مات غير فجأةٍ (4) -، وإنفاذ وصيته.
(1) وينبغي عند التغميض: أن يدعو بما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة، فيقول:«اللهم اغفر لفلانٍ، وارفع درجته في المهديين، وافسح له في قبره، ونور له فيه، واخلفه في عقبه»
…
فيكون - هنا - سنةٌ فعليةٌ وسنةٌ قوليةٌ، الفعلية: تغميض العينين، والقولية: هي هذا الدعاء.
(2)
استدلوا على هذا بأثرٍ فيه نظرٌ، وبنظرٍ فيه علةٌ.
أما الأثر؛ فذكروا عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنه قال: «ضعوا على بطنه شيئًا من حديدٍ» .
وهذا الأثر فيه نظرٌ، ولا أظنه يثبت عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، والذي يظهر لي من حال الصحابة أنهم لا يفعلون ذلك.
وأما النظر الذي فيه علةٌ فإنهم قالوا: لئلا تنتفخ بطنه
…
ولكن هل هذا يمنع الانتفاخ؟ لا أظنه يمنع؛ لأن الانتفاخ إذا حصل لا يغني وضع الحديدة شيئًا
…
وفي عصرنا الآن نستغني عن هذا، وهو أن يوضع في الثلاجة إذا احتيج إلى تأخير دفنه، وإذا وضع في الثلاجة فإنه لا ينتفخ.
(3)
أي: إلى القبلة؛ لأن هذا أفضل، ولا أعلم في هذا دليلًا من السنة.
(4)
لاحتمال أن تكون غشيةً لا موتًا
…
وهذا الذي ذكره العلماء رحمهم الله قبل أن يتقدم الطب، أما الآن فإنه يمكن أن يحكم عليه أنه مات بسرعةٍ لأن لديهم وسائل قويةً تدل على موت المريض، لكن إذا لم يكن هناك وسائل فإن الواجب الانتظار إلى أن نتيقن موته.
ويجب: الإسراع في قضاء دينه.
فصلٌ
غسل الميت، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه: فرض كفايةٍ.
وأولى الناس بغسله: وصيه، ثم أبوه، ثم جده، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته (1)، ثم ذوو أرحامه.
وأنثى: وصيتها، ثم القربى فالقربى من نسائها.
ولكل من الزوجين غسل صاحبه، وكذا سيدٌ مع سريته (2).
ولرجلٍ وامرأةٍ غسل من له دون سبع سنين فقط.
وإن مات رجلٌ بين نسوةٍ - أو عكسه -: يممت كخنثى مشكلٍ (3).
(1) قوله: (ثم أبوه، ثم جده، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته): هنا قدموا ولاية الأصول على ولاية الفروع
…
ومن المعلوم أن مثل هذا الترتيب إنما نحتاج إليه عند المشاحة، فأما عند عدم المشاحة - كما هو الواقع في عصرنا اليوم -؛ فإنه يتولى غسله من يتولى غسل عامة الناس، وهذا هو المعمول به الآن.
(2)
ولو لم تكن سريته؛ فلو قدر أنها مملوكةٌ لكن لم يتسرها - أي: لم يجامعها - ثم مات؛ فلها أن تغسله وله أن يغسلها.
(3)
قال بعض العلماء: إن من تعذر غسله لا ييمم
…
أما على القول بأنه ييمم فإنه يضرب رجلٌ أو امرأةٌ التراب بيديه، ويمسح بهما وجه الميت وكفيه.
ويحرم أن يغسل مسلمٌ كافرًا، أو يدفنه؛ بل يوارى لعدمٍ.
وإذا أخذ في غسله: ستر عورته، وجرده، وستره عن العيون.
ويكره لغير معينٍ في غسله حضوره.
ثم يرفع رأسه إلى قرب جلوسه، ويعصر بطنه برفقٍ، ويكثر صب الماء حينئذٍ، ثم يلف على يده خرقةً فينجيه - ولا يحل مس عورة من له سبع سنين، ويستحب أن لا يمس سائره إلا بخرقةٍ -.
ثم يوضئه - ندبًا -، ولا يدخل الماء في فيه ولا في أنفه، ويدخل أصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه، وفي منخريه فينظفهما ولا يدخلهما الماء.
ثم ينوي غسله (1)، ويسمي (2)، ويغسل برغوة السدر رأسه ولحيته فقط.
ثم يغسل شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم كله ثلاثًا يمر في كل مرةٍ يده على بطنه، فإن لم ينق بثلاثٍ زيد حتى ينقى - ولو جاوز السبع (3) -، ويجعل في الغسلة الأخيرة
(1) ظاهر كلام المؤلف: أن النية تكون بعد عمل ما سبق من الاستنجاء والتوضئة، ولكن هذا فيه نظرٌ؛ بل النية تتقدم الفعل
…
، ولعل هذه نيةٌ أخرى ينوي بها عموم الغسل؛ لأن ما سبق لا بد أن يكون بنيةٍ.
(2)
وهذا - أيضًا - فيه نظرٌ؛ لأن التسمية تكون بعد الاستنجاء قبل أن يوضئه - كما هي الحال في طهارة الحي -.
(3)
لكن ينبغي قطع الغسل على وترٍ؛ فلو نقي بأربعٍ زاد خامسةً؛ لأن هذا الذي ورد به الحديث.
كافورًا.
والماء الحار (1) والأشنان والخلال: يستعمل إذا احتيج إليه.
ويقص شاربه، ويقلم أظفاره (2)، ولا يسرح شعره، ثم ينشف بثوبٍ.
ويضفر شعرها ثلاثة قرونٍ، ويسدل وراءها.
وإن خرج منه شيءٌ بعد سبعٍ حشي بقطنٍ؛ فإن لم يستمسك فبطينٍ حر، ثم يغسل المحل ويوضأ، وإن خرج بعد تكفينه لم يعد الغسل.
ومحرمٌ ميتٌ كحي؛ يغسل بماءٍ وسدرٍ، ولا يقرب طيبًا، ولا يلبس ذكرٌ مخيطًا، ولا يغطى رأسه (3)، ولا وجه أنثى (4).
(1) لكن ليس الحار الشديد الحرارة الذي يؤثر على الجلد برخاوةٍ بالغةٍ.
(2)
أما الشارب والأظفار فتؤخذ إذا طالت، فإذا كانت عاديةً، أو كان الميت أخذها عن قربٍ فإنها لا تؤخذ؛ بل تبقى على ما هي عليه.
وأما الإبط فكذلك؛ إن كثر فإنه يؤخذ، وإلا يبقى على ما هو عليه.
وأما العانة إذا طالت وكثرت فإنها تؤخذ.
وقال بعض العلماء: إنها لا تؤخذ؛ لما في ذلك من كشف العورة
…
ولكن الأولى أن تؤخذ إذا كانت كثيرةً، وكشف العورة - هنا - للحاجة.
(3)
لكن لا بأس أن يظلل بشمسيةٍ أو شبهها - كما يفعل بالمحرم الحي -، أما التغطية باللف عليه فهذا لا يجوز، وأما وجهه فإنه يغطى.
(4)
هذا إن لم يمر بها حول رجالٍ أجانب، فإن مر بها حول رجالٍ أجانب فإن وجهها يستر كما لو كانت حيةً، وأما رأسها فيغطى.
ولا يغسل شهيدٌ (1) ومقتولٌ ظلمًا (2)؛ إلا أن يكون جنبًا (3)، ويدفن في ثيابه بعد نزع السلاح والجلود عنه، وإن سلبها كفن بغيرها، ولا يصلى عليه.
وإن سقط عن دابته، أو وجد ميتًا ولا أثر به، أو حمل فأكل (4)، أو طال بقاؤه - عرفًا - (5): غسل وصلي عليه.
والسقط إذا بلغ أربعة أشهرٍ: غسل وصلي عليه.
ومن تعذر غسله: يمم (6).
وعلى الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسنًا (7).
(1) النفي يحتمل الكراهة ويحتمل التحريم
…
، والصحيح: أنه حرامٌ.
(2)
الصحيح: أن المقتول ظلمًا يغسل كغيره من الناس.
(3)
ظاهر الأخبار: أنه لا فرق بين الجنب وغيره.
(4)
الأقرب: أنه إذا أكل - سواءٌ حمل أم لم يحمل - فإن أكله دليلٌ على أن فيه حياةً مستقرةً، فيغسل ويكفن.
(5)
الذي يترجح عندي: أنه إذا بقي متأثرًا كتأثر المحتضر أنه لا يغسل، أما إذا بقي متألمًا لكن بقي معه عقله فإنه يغسل ويصلى عليه.
(6)
قيل: بأنه لا ييمم إذا تعذر غسله؛ لأن هذه ليست طهارة حدثٍ، وإنما هي طهارة تنظيفٍ
…
وهذا هو الراجح، وهذا أقرب إلى الصواب من القول بتيميمه.
(7)
قال العلماء: إذا كان صاحب بدعةٍ، وداعيةً إلى بدعته، ورآه على وجهٍ مكروهٍ؛ فإنه ينبغي أن يبين ذلك حتى يحذر الناس من دعوته إلى البدعة.
وهذا القول - لا شك - قولٌ جيدٌ وحسنٌ.
فصلٌ
يجب تكفينه في ماله (1)، مقدمًا على دينٍ وغيره.
فإن لم يكن له مالٌ فعلى من تلزمه نفقته، إلا الزوج لا يلزمه كفن امرأته (2).
ويستحب تكفين رجلٍ في ثلاث لفائف بيضٍ؛ تجمر، ثم تبسط بعضها فوق بعضٍ، ويجعل الحنوط فيما بينها، ثم يوضع عليها مستلقيًا، ويجعل منه في قطنٍ بين أليتيه، ويشد فوقها خرقةٌ مشقوقة الطرف كالتبان تجمع أليتيه ومثانته، ويجعل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده (3)، وإن طيب كله فحسنٌ (4).
(1) لكن لو فرض أن هناك جهةً مسؤولةً ملتزمةً بذلك؛ فلا حرج أن نكفنه منها؛ إلا إذا أوصى الميت بعدم ذلك؛ بأن قال: (كفنوني في مالي)؛ فإنه لا يجوز أن نكفنه من الأكفان العامة؛ سواءٌ كانت من جهةٍ حكوميةٍ أو من جهةٍ خاصةٍ.
(2)
القول الثاني: أنه يلزمه أن يكفن امرأته
…
وهذا القول أرجح، ومحل النزاع إذا كان موسرًا، فإن لم يوجد من تلزمه النفقة أو وجد وكان فقيرًا ففي بيت المال، فإن لم يوجد بيت مالٍ منتظمٌ فعلى من علم بحاله من المسلمين؛ لأنه فرض كفايةٍ.
(3)
كل هذا على سبيل الاستحباب من العلماء؛ أي: وضع الحنوط في هذه الأماكن، أما الحنوط - من حيث أصله - فقد جاءت به السنة.
(4)
لكن ينبغي أن يطيب بطيبٍ ليس حارا؛ لأن الحار ربما يمزق البدن؛ بل يكون باردًا.
وهذا لم يعرف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن فعله بعض الصحابة.
ثم يرد طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن، ويرد طرفها الآخر من فوقه، ثم الثانية، ثم الثالثة كذلك، ويجعل أكثر الفاضل عند رأسه، ثم يعقدها، وتحل في القبر.
وإن كفن في قميصٍ ومئزرٍ ولفافةٍ: جاز.
وتكفن المرأة في خمسة أثوابٍ: إزارٍ، وخمارٍ، وقميصٍ، ولفافتين (1).
والواجب: ثوبٌ يستر جميعه.
فصلٌ
السنة: أن يقوم الإمام عند صدره وعند وسطها (2)، ويكبر أربعًا يقرأ في الأولى - بعد التعوذ - الفاتحة (3)، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية - كالتشهد - (4)،
(1) قد جاء في هذا حديثٌ مرفوعٌ؛ إلا أن في إسناده نظرًا؛ لأن فيه راويًا مجهولًا، ولهذا قال بعض العلماء: إن المرأة تكفن فيما يكفن به الرجل؛ أي: في ثلاثة أثوابٍ يلف بعضها على بعضٍ.
وهذا القول - إذا لم يصح الحديث - هو الأصح
…
وعلى هذا نقول: إن ثبت الحديث بتكفين المرأة في هذه الأثواب الخمسة فهو كذلك، وإن لم يثبت فالأصل تساوي الرجال والنساء في جميع الأحكام إلا ما دل عليه الدليل.
(2)
الصحيح: أنه يقف عند رأس الرجل، لا عند صدره؛ لأن السنة ثبتت بذلك، وعند وسطها؛ أي: وسط المرأة.
(3)
علم من كلامه أنه لا استفتاح فيها
…
وقال بعض أهل العلم: بل يستفتح؛ لأنها صلاةٌ.
(4)
إن اقتصر على قوله: (اللهم صل على محمدٍ) كفى كما يكفي ذلك في التشهد.
ويدعو في الثالثة (1) فيقول:
(اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيءٍ قديرٌ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته منا فتوفه عليهما (2)، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا (3) كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وزوجًا خيرًا من زوجه (4)، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار، وافسح له في قبره، ونور له فيه).
وإن كان صغيرًا قال (5): (اللهم اجعله ذخرًا لوالديه، وفرطًا، وأجرًا، وشفيعًا مجابًا، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم).
(1) أي: في التكبيرة الثالثة يدعو بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم إن كان يعرفه، فإن لم يكن يعرفه فبأي دعاءٍ جاز، إلا أنه يخلص الدعاء للميت؛ أي: يخصه بالدعاء.
(2)
قوله: (اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته منا فتوفه عليهما): هذه الصيغة لم ترد، والوارد:«اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته فتوفه على الإيمان» .
(3)
الوارد في الحديث: «ونقه من الخطايا» .
(4)
في الحديث: زيادة «وأهلًا خيرٌ من أهله» ، لكن حذفها المؤلف رحمه الله.
(5)
لم يثبت [هذا الدعاء] بهذه الصيغة للصغير، ولكن ورد أنه يصلى عليه ويدعى له ويدعى لوالديه، ولكن العلماء رحمهم الله استحسنوا هذا الدعاء.
ويقف بعد الرابعة قليلًا (1)، ويسلم واحدةً عن يمينه (2)، ويرفع يديه مع كل تكبيرةٍ.
وواجبها: قيامٌ، وتكبيراتٌ أربعٌ، والفاتحة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (3)، ودعوةٌ للميت، والسلام.
(1) قوله: (يقف قليلًا): ظاهره أنه لا يدعو، وهو أحد الأقوال في المسألة.
واختار بعض الأصحاب رحمهم الله أنه يدعو بقوله: (اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله).
وقال بعضهم: يدعو بقوله: (ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار)
…
والقول بأنه يدعو بما تيسر أولى من السكوت؛ لأن الصلاة عبادةٌ ليس فيها سكوتٌ أبدًا إلا لسببٍ.
(2)
إن سلم تلقاء وجهه فلا بأس، لكن على اليمين أفضل.
وظاهر كلام المؤلف: أنه لا يسن الزيادة على تسليمةٍ واحدةٍ - وهو المذهب -.
والصحيح: أنه لا بأس أن يسلم مرةً ثانيةً؛ لورود ذلك في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
وهو مبني على القول بركنية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات، أما إذا قلنا بأنها ليست ركنًا في الصلوات فهي هنا ليست بركنٍ، لكن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام لها شأنٌ؛ لأن الفاتحة ثناءٌ على الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم صلاةٌ عليه، والثالثة دعاءٌ؛ فينبغي للداعي أن يقدم بين يديه الثناء على الله، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم يبين هنا كيفيته، ولكنه بين فيما سبق أنه كالتشهد.
ويكفي أن يقول: اللهم صل على محمدٍ.
ومن فاته شيءٌ من التكبير: قضاه على صفته (1).
ومن فاتته الصلاة عليه: صلى على القبر، وعلى غائبٍ (2) بالنية إلى شهرٍ (3).
ولا يصلي الإمام على الغال، ولا على قاتل نفسه (4).
(1) أحوال المسبوق في صلاة الجنازة ثلاث حالاتٍ:
الأولى: أن يمكنه قضاء ما فات قبل أن تحمل الجنازة فهنا يقضي، ولا إشكال فيه
…
الثانية: أن يخشى من رفعها، فيتابع التكبير وإن لم يدع إلا دعاءً قليلًا للميت.
الثالثة: أن يسلم مع الإمام، ويسقط عنه ما بقي من التكبير
…
ومع هذا؛ فليس هناك نص صريحٌ في الموضوع؛ أعني: سلامه مع الإمام أو متابعته التكبير بدون دعاءٍ، لكنه اجتهادٌ من أهل العلم رحمهم الله.
(2)
هذه المسألة اختلف فيها العلماء على أقوالٍ ثلاثةٍ:
القول الأول: أنه يصلى على كل غائبٍ ولو صلى عليه آلاف الناس
…
القول الثاني: أنه يصلى على الغائب إذا كان فيه غناءٌ للمسلمين؛ أي: منفعةٌ؛ كعالمٍ نفع الناس بعلمه، وتاجرٍ نفع الناس بماله، ومجاهدٍ نفع الناس بجهاده - وما أشبه ذلك -
…
وهذا قولٌ وسطٌ اختاره كثيرٌ من علمائنا المعاصرين وغير المعاصرين.
القول الثالث: لا يصلى على الغائب إلا على من لم يصل عليه، حتى وإن كان كبيرًا في علمه أو ماله أو جاهه - أو غير ذلك -، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
(3)
الصحيح: أنه يصلى على الغائب ولو بعد شهرٍ، ونصلي على القبر - أيضًا - ولو بعد شهرٍ، إلا أن بعض العلماء قيده بقيدٍ حسنٍ؛ قال: بشرط أن يكون هذا المدفون مات في زمنٍ يكون فيه هذا المصلي أهلًا للصلاة.
(4)
وما ساوى هاتين المعصيتين ورأى الإمام المصلحة في عدم الصلاة عليه؛ فإنه لا
يصلي عليه.
ولا بأس بالصلاة عليه في المسجد.
فصلٌ
يسن التربيع في حمله (1)، ويباح بين العمودين (2).
ويسن: الإسراع بها (3)، وكون المشاة أمامها (4) والركبان خلفها (5).
ويكره جلوس تابعها حتى توضع.
ويسجى قبر امرأةٍ فقط.
واللحد أفضل من الشق.
ويقول مدخله (6): (بسم الله، وعلى ملة رسول الله)، ويضعه في لحده على
(1) قال بعض العلماء: بل يحمله بين العمودين.
(2)
وقال بعض العلماء: يسن أن يحمل بين العمودين.
والذي يظهر لي في هذا: أن الأمر واسعٌ، وأنه ينبغي أن يفعل ما هو أسهل.
(3)
قال الفقهاء مفسرين للإسراع المشروع: (بحيث لا يمشي مشيته المعتادة).
(4)
جاءت السنة - أيضًا - بتخيير الماشي بين أن يكون أمامها أو عن يمينها أو عن شمالها أو خلفها؛ بحسب ما يتيسر.
(5)
أما السيارات فإن الأولى أن تكون أمام الجنازة؛ لأنها إذا كانت خلف الناس أزعجتهم
…
وحمل الجنازة بالسيارة لا ينبغي إلا لعذرٍ؛ كبعد المقبرة أو وجود رياحٍ أو أمطارٍ أو خوفٍ - ونحو ذلك -؛ لأن الحمل على الأعناق هو الذي جاءت به السنة، ولأنه أدعى للاتعاظ والخشوع.
(6)
لا يشترط فيمن يتولى إدخال الميتة في قبرها أن يكون من محارمها، فيجوز أن ينزلها شخصٌ ولو كان أجنبيا.
شقه الأيمن (1) مستقبل القبلة.
ويرفع القبر عن الأرض قدر شبرٍ مسنمًا (2).
ويكره: تجصيصه، والبناء (3)، والكتابة (4)، والجلوس (5)، والوطء عليه (6)، والاتكاء إليه.
ويحرم فيه دفن اثنين فأكثر إلا لضرورةٍ (7)، ويجعل بين كل اثنين حاجزٌ من
(1) ليس على سبيل الوجوب؛ بل على سبيل الأفضلية أن يكون على الشق الأيمن.
(2)
استثنى العلماء من هذه المسألة: إذا مات الإنسان في دار حربٍ؛ أي: في دار الكفار المحاربين؛ فإنه لا ينبغي أن يرفع قبره؛ بل يسوى خوفًا عليه من الأعداء أن ينبشوه ويمثلوا به - وما أشبه ذلك -.
(3)
الاقتصار على الكراهة في هاتين المسألتين فيه نظرٌ
…
؛ فالصحيح: أن تجصيصها والبناء عليها حرامٌ.
(4)
ظاهر كلام المؤلف رحمه الله: أن الكتابة مكروهةٌ ولو كانت بقدر الحاجة؛ أي حاجة بيان صاحب القبر؛ درءًا للمفسدة.
وقال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: المراد بالكتابة: ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من كتابات المدح والثناء؛ لأن هذه هي التي يكون بها المحظور، أما التي بقدر الإعلام فإنها لا تكره.
(5)
الصواب: أنه محرمٌ.
(6)
الصحيح: أنه حرامٌ.
(7)
الراجح عندي - والله أعلم -: القول الوسط، وهو الكراهة - كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، إلا إذا كان الأول قد دفن واستقر في قبره؛ فإنه أحق به، وحينئذٍ فلا يدخل عليه ثانٍ، اللهم إلا للضرورة القصوى.
ترابٍ (1).
ولا تكره القراءة على القبر (2).
وأي قربةٍ فعلها وجعل ثوابها لميتٍ مسلمٍ أو حي: نفعه ذلك (3).
وسن أن يصلح لأهل الميت طعامٌ يبعث به إليهم (4)، ويكره لهم فعله للناس.
(1) هذا ليس على سبيل الوجوب؛ بل على سبيل الأفضلية.
(2)
الصحيح: أن القراءة على القبر مكروهةٌ؛ سواءٌ كان عند الدفن أو بعد الدفن؛ لأنه لم يعمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عهد عن الخلفاء الراشدين.
(3)
إن كان ميتًا ففعل الطاعة عنه فقد يكون متوجهًا؛ لأن الميت محتاجٌ ولا يمكنه العمل، لكن إن كان حيا قادرًا على أن يقوم بهذا العمل ففي ذلك نظرٌ؛ لأنه يؤدي إلى اتكال الحي على هذا الرجل الذي تقرب إلى الله عنه، وهذا لم يعهد عن الصحابة رضي الله عنهم، ولا عن السلف الصالح؛ وإنما الذي عهد منهم هو جعل القرب للأموات، أما الأحياء فلم يعهد، اللهم إلا ما كان فريضةً كالحج؛ فإن ذلك عهد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بشرط أن يكون المحجوج عنه عاجزًا عجزًا لا يرجى زواله.
(4)
ظاهر كلام المؤلف: أن صنع الطعام لأهل الميت سنةٌ مطلقًا، ولكن السنة تدل على أنه ليس بسنةٍ مطلقًا، وإنما هو سنةٌ لمن انشغلوا عن إصلاح الطعام بما أصابهم من مصيبةٍ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«فقد أتاهم ما يشغلهم»
…
، فظاهر التعليل: أنه إذا لم يأتهم ما يشغلهم فلا يسن أن يصنع لهم.
فصلٌ
تسن زيارة القبور إلا لنساءٍ (1).
ويقول إذا زارها: (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم).
وتسن تعزية المصاب بالميت.
ويجوز البكاء على الميت (2)، ويحرم: الندب، والنياحة، وشق الثوب، ولطم الخد - ونحوه -.
(1) قوله: (إلا لنساءٍ): فليست بسنةٍ، وفي المسألة خمسة أقوالٍ: فقيل: إنه سنةٌ للنساء كالرجال، وقيل: تكره، وقيل: تباح، وقيل: تحرم، وقيل: من الكبائر
…
والصحيح: أن زيارة المرأة للقبور من كبائر الذنوب
…
ويفرق بين المرأة إذا خرجت بقصد الزيارة وإذا مرت بدون قصد الزيارة؛ فإذا مرت بالمقبرة بدون قصد الزيارة فلا حرج أن تسلم على أهل القبور وأن تدعو لهم.
وأما إذا خرجت لقصد الزيارة فهذه زائرةٌ للمقبرة، فيصدق عليها اللعن.
(2)
أما البكاء المتكلف فأخشى أن يكون من النياحة.