الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب طريق الحكم وصفته
إذا حضر إليه خصمان قال: (أيكما المدعي؟)، فإن سكت حتى يبدأ جاز، فمن سبق بالدعوى قدمه، فإن أقر له حكم له عليه.
وإن أنكر قال للمدعي: (إن كان لك بينةٌ فأحضرها إن شئت)، فإن أحضرها سمعها (1) وحكم بها، ولا يحكم بعلمه (2).
وإن قال المدعي: (ما لي بينةٌ)، أعلمه الحاكم أن له اليمين على خصمه على صفة جوابه، فإن سأل إحلافه أحلفه وخلى سبيله، ولا يعتد بيمينه قبل مسألة المدعي (3)، وإن نكل قضى عليه، فيقول:(إن حلفت وإلا قضيت عليك)، فإن لم
(1) ظاهره: أنه يسمعها مطلقًا، ولكنه مقيدٌ بما إذا كانت البينة ذات عدلٍ، فإن كان القاضي يعلم أن هذه البينة ليست ذات عدلٍ فإنه لا يسمعها أصلًا، وإذا لم يسمعها لم يحكم بها.
(2)
ظاهر كلام المؤلف: أن القاضي لا يحكم بعلمه مطلقًا، ولكن هنا ثلاث مسائل استثناها العلماء
…
:
الأولى: عدالة الشهود وجرح الشهود
…
الثانية: ما علمه في مجلس الحكم فإنه يحكم به
…
الثالثة: إذا كان الأمر مشتهرًا واضحا بينًا؛ يستوي في علمه الخاص والعام، القاضي وغيره.
(3)
لكن إذا جرى عرف القضاة بأنه لا يحتاج إلى مسألة المدعي وحلفوه بدون مسألته فإن الطلب العرفي كالطلب اللفظي.
يحلف قضى عليه (1)، وإن حلف المنكر ثم أحضر المدعي بينةً حكم بها ولم تكن اليمين مزيلةً للحق.
فصلٌ
ولا تصح الدعوى إلا محررةً (2)، معلومة المدعى به؛ إلا ما نصححه مجهولًا
(1) ظاهر كلام المؤلف: أن اليمين لا ترد على المدعي؛ بل يحكم للمدعي بمجرد نكول المدعى عليه
…
وهذه المسألة فيها أربعة أقوالٍ:
الأول: أنه لا ترد مطلقًا، وهو المذهب.
الثاني: أنها ترد مطلقًا، وهو قولٌ آخر في المذهب.
الثالث: أنها ترد على من كان محيطًا بالشيء دون من لم يكن محيطًا به، وهذا اختيار شيخ الإسلام.
الرابع: وهو احتمال أن يقال: يرجع هذا إلى اجتهاد القاضي، فإن رأى اليمين على المدعي فعل، وإن لم ير لم يفعل
…
وهذا القول [الرابع] عندي هو الأرجح، وإن كنت لم أطلع على قائلٍ به، ولكن ما دام قولًا مفصلًا يأخذ بقول من يقول بالرد من وجهٍ، وبقول من لا يقول بالرد من وجهٍ؛ فيكون بعض قول هؤلاء وبعض قول هؤلاء.
وهو لا ينافي قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأن حقيقة الأمر أنه إذا كان المدعي يحيط بالشيء دون المدعى عليه فإنه يترجح أن نرد اليمين عليه؛ لأن هذا المنكر إنما امتنع من اليمين تورعًا، وهذا يمكنه الإحاطة، فلماذا لا نرده عليه؟!.
(2)
وقيل: تصح الدعوى غير محررةٍ، ويسمعها القاضي، ويطلب من المدعي تحريرها
…
، وهذا أصح.
كالوصية وبعبدٍ من عبيده مهرًا - ونحوه -.
وإن ادعى عقد نكاحٍ أو بيعٍ - أو غيرهما -: فلا بد من ذكر شروطه (1).
وإن ادعت امرأةٌ نكاح رجلٍ لطلب نفقةٍ أو مهرٍ - أو نحوهما -: سمعت دعواها، وإن لم تدع سوى النكاح لم تقبل (2).
وإن ادعى الإرث: ذكر سببه.
وتعتبر عدالة البينة ظاهرًا وباطنًا (3).
ومن جهلت عدالته سئل عنه، وإن علم عدالته عمل بها، وإن جرح الخصم
(1) الصحيح: أنه ليس بشرطٍ، وأنها تصح الدعوى بالعقد بدون ذكر الشروط.
(2)
لكن لو طلبت أن يلزم بالطلاق فلها ذلك من أجل أن تتخلص من هذا الأمر، وللقاضي في مثل هذا إذا علم من قرائن الأحوال أن المرأة كاذبةٌ أن يصرف النظر عن هذه الدعوى.
(3)
ولشيخ الإسلام رحمه الله رأيٌ آخر في الموضوع؛ يقول: إن العدالة الشرعية التي يشترط فيها فعل الطاعات وترك المحرمات ليست شرطًا في الشهود؛ بل من رضيه الناس في الشهادة فهو مقبول الشهادة، ويفرق بين التحمل والأداء؛ فعند التحمل: لا نشهد إلا من هو عدلٌ شرعًا وعرفًا حتى لا نقع في ورطةٍ فيما بعد، وعند الأداء: نقبل من يرضاه الناس وإن لم يكن عدلًا في دينه.
فعلى رأي شيخ الإسلام: تقبل شهادة الرجل المعروف بالغيبة
…
، وحالق اللحية
…
، ومن يأكل بالسوق في بلدٍ لم تجر العادة فيه بالأكل في السوق.
والحاصل: أن العدالة معتبرةٌ ظاهرًا وباطنًا - على المذهب - إلا في مسائل محدودةٍ كعقد النكاح والأذان، وعلى القول الثاني: العدالة معتبرةٌ ظاهرًا فقط إذا لم يكن متهمًا في ريبةٍ؛ فلا تقبل شهادته حتى يتبين زوال هذا الاتهام.
الشهود كلف البينة به (1) وأنظر له ثلاثًا إن طلبه (2)، وللمدعي ملازمته (3)، فإن لم يأت ببينةٍ حكم عليه، وإن جهل حال البينة طلب من المدعي تزكيتهم، ويكفي فيها عدلان يشهدان بعدالته.
ولا يقبل في الترجمة والتزكية والجرح والتعريف والرسالة (4) إلا قول عدلين.
ويحكم على الغائب إذا ثبت عليه الحق (5)، وإن ادعى على حاضرٍ بالبلد غائبٍ عن مجلس الحكم، وأتى ببينةٍ: لم تسمع الدعوى ولا البينة (6).
(1) إما أن يشهد عن رؤيةٍ أو سماعٍ أو مباشرةٍ أو عن استفاضةٍ.
(2)
إلا إذا رضي خصمه؛ فالحق له.
(3)
الملازمة - في الحقيقة - صعبةٌ جدا إذا كان الحق يسيرًا؛ فقد لا يلازمه، لكن إذا كان الشيء كبيرًا فإنه يلازمه؛ إما بنفسه وإما بمن يقيمه مقام نفسه.
(4)
هذه خمسة أشياء
…
، والذي اختاره شيخ الإسلام أنه يكفي فيها واحدٌ؛ لأن المقصود فيها البيان والتعريف؛ فهي خبرٌ وليست بشهادةٍ، ولهذا تصح حتى بالكتابة.
(5)
في المسألة خلافٌ
…
، والحقيقة: أن القولين كليهما له وجهة نظرٍ، والذي أرى أن يرجع إلى رأي الحاكم في هذه المسألة؛ فقد يجد الحاكم من القرائن ما يقتضي الحكم على الغائب.
(6)
إلا إذا كان مستترًا ومختفيًا
…
؛ فالمستتر في حكم الغائب؛ فتسمع الدعوى والبينة ويحكم عليه.