الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الجمعة
تلزم كل ذكرٍ، حر (1)، مكلفٍ، مسلمٍ، مستوطنٍ (2) ببناءٍ اسمه واحدٌ ولو تفرق، ليس بينه وبين المسجد أكثر من فرسخٍ (3).
ولا تجب على مسافرٍ سفر قصرٍ (4) ولا على عبدٍ، وامرأةٍ، ومن حضرها منهم أجزأته ولم تنعقد به ولم يصح أن يؤم فيها (5).
(1) قال بعض العلماء: [العبد] تلزمه الجمعة
…
.
وقال بعض العلماء: إذا أذن له سيده لزمته؛ لأنه لا عذر له
…
، وهذا قولٌ وسطٌ.
(2)
إذا صلى الإنسان الجمعة وهو في السفر فصلاته باطلةٌ، وعليه أن يعيدها ظهرًا مقصورةً؛ لأن المسافر ليس من أهل الجمعة
…
، فالمسافر لا جمعة عليه، والمقيم - أيضًا - لا جمعة عليه، لكن إن أقامها مستوطنون في البلد؛ لزمته بغيره لا بنفسه.
ومعنى قولنا: (بغيره): أنه إذا أقامها من تصح منهم إقامتها لزمته تبعًا لغيره، لكن لا يحسب من العدد المشروط.
(3)
ليس هناك دليلٌ [على التقييد بالفرسخ]؛ بل هو تعليلٌ، والدليل الذي دلت عليه السنة هو سماع النداء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«هل تسمع النداء؟» ، قال: نعم، قال:«فأجب» .
(4)
لكن تجب عليه بغيره - كما سبق -، ومعنى ذلك: أنها إن أقيمت الجمعة وجبت عليه وإلا فلا.
(5)
أما العبد والمسافر فالصحيح: أنها تنعقد بهما، ويصح أن يكونا أئمةً فيها وخطباء - أيضًا -؛ لأن القول بعدم صحة ذلك لا دليل عليه.
ومن سقطت عنه لعذرٍ: وجبت عليه وانعقدت به.
ومن صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام: لم تصح (1)، وتصح ممن لا تجب عليه، والأفضل: حتى يصلي الإمام (2).
ولا يجوز لمن تلزمه: السفر في يومها بعد الزوال (3).
فصلٌ
يشترط لصحتها شروطٌ - ليس منها إذن الإمام (4) -.
أحدها: الوقت.
(1) وقيل: له أن يصلي الظهر إذا علم أنه لن يدرك الجمعة؛ لأنه في هذه الحال لا يلزمه السعي إليها؛ فلا فائدة في الانتظار.
(2)
إذا كان من لا تلزمه الجمعة ممن يرجى أن يزول عذره ويدركها فالأفضل أن ينتظر، وإذا كان ممن لا يرجى أن يزول عذره فالأفضل تقديم الصلاة في أول وقتها؛ لأن الأفضل في الصلوات تقديمها في أول الوقت إلا ما استثني بالدليل.
(3)
الأولى أن يعلق الحكم بما علقه الله به، وهو النداء إلى يوم الجمعة؛ لأنه من الجائز أن يتأخر الإمام عن الزوال ولا يأتي إلا بعد الزوال بعد ساعةٍ
…
، لذلك نقول: المعتبر: النداء
…
لكن بعض العلماء كرهه، وقال: لئلا يفوت على نفسه فضل الجمعة؛ لأن الجمعة إلى الجمعة كفارةٌ لما بينهما ما اجتنبت الكبائر.
(4)
لو قيل بالتفصيل، وهو:(أن إقامة الجمعة في البلد لا يشترط لها إذن الإمام، وأنه إذا تمت الشروط وجب إقامتها؛ سواءٌ أذن أم لم يأذن، وأما تعدد الجمعة فيشترط له إذن الإمام لئلا يتلاعب الناس في تعدد الجمع)
…
لكان له وجهٌ.
وأوله: أول وقت صلاة العيد، وآخره: آخر وقت صلاة الظهر (1).
فإن خرج وقتها قبل التحريمة: صلوا ظهرًا، وإلا فجمعةً (2).
الثاني: حضور أربعين من أهل وجوبها (3).
الثالث: أن يكونوا بقريةٍ مستوطنين (4)، وتصح فيما قارب البنيان من
(1) القول الثاني: أنها لا تصح إلا بعد الزوال، وهذا مذهب الأئمة الثلاثة.
القول الثالث: أنها تصح في الساعة السادسة قبل الزوال بساعةٍ؛ استنادًا إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «من راح في الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر» .... ، وهذا القول هو الراجح؛ أنها لا تصح في أول النهار؛ إنما تصح في السادسة.
والأفضل - على القول بأنها تصح في السادسة -: أن تكون بعد الزوال - وفاقًا لأكثر العلماء -.
(2)
الصحيح: أن جميع الإدراكات لا تكون إلا بإدراك ركعةٍ
…
وعلى هذا نقول: إن خرج وقتها قبل إدراك ركعةٍ قبل خروجه فإنهم يصلون ظهرًا.
(3)
اشتراط الأربعين لإقامة الجمعة غير صحيحٍ؛ لأن ما بني على غير صحيحٍ فليس بصحيحٍ
…
وأقرب الأقوال إلى الصواب: أنها تنعقد بثلاثةٍ، وتجب عليهم.
وعلى هذا: فإذا كانت هذه القرية فيها مئة طالبٍ وليس فيها من مواطنيها إلا ثلاثةٌ فتجب على الثلاثة بأنفسهم، وعلى الآخرين بغيرهم، وإذا كان فيها مواطنان ومئة مسافرٍ مقيمٍ فلا تجب عليهم.
(4)
شيخ الإسلام يقول: ليس في الكتاب ولا في السنة تقسيم الناس إلى مستوطنٍ ومقيمٍ ومسافرٍ، وليس فيهما إلا مسافرٌ ومستوطنٌ، والمستوطن هو المقيم.
الصحراء (1).
فإن نقصوا قبل إتمامها: استأنفوا ظهرًا (2).
ومن أدرك مع الإمام منها ركعةً أتمها جمعةً، وإن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهرًا إذا كان نوى الظهر (3).
ويشترط تقدم خطبتين؛ من شرط صحتهما:
- حمد الله، والصلاة على رسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم (4).
(1) قال بعض العلماء: لا يجوز أن تقام الجمعة إلا في البنيان، فلو خرجوا قريبًا من البنيان فإنها لا تجزئ، لكن ما ذهب إليه المؤلف هو الصحيح.
(2)
[قولٌ آخر]: أنهم إن نقصوا بعد أن أتموا الركعة الأولى أتموا جمعةً، فإذا كان النقص في الركعة الثانية فما بعد أتموا جمعةً، وإن نقصوا في الركعة الأولى استأنفوا ظهرًا ما لم يمكن إعادتها جمعةً، وهذا اختيار الموفق رحمه الله، وهذا القول هو الراجح.
(3)
القول الثاني: أنه إذا دخل معه بنية الجمعة، فتبين أنه لم يدرك ركعةً؛ فلينوها ظهرًا بعد سلام الإمام
…
، وهذا القول هو الصحيح.
(4)
الدليل على اشتراط حمد الله - تعالى -:
- قول النبي عليه الصلاة والسلام: «كل أمرٍ لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع»
…
- حديث جابرٍ في «صحيح مسلمٍ» : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب حمد الله وأثنى عليه».
وهذا استدلالٌ قد يعارض؛ لأنه مجرد فعلٍ، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، لكن لا شك أنه أفضل وأحسن.
وليس هناك دليلٌ صحيحٌ يدل على اشتراط الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة.
- وقراءة آيةٍ (1).
- والوصية بتقوى الله عز وجل (2).
- وحضور العدد المشترط (3).
ولا يشترط لهما: الطهارة، ولا أن يتولاهما من يتولى الصلاة.
ومن سننهما: أن يخطب على منبرٍ أو موضعٍ عالٍ، ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم، ثم يجلس إلى فراغ الأذان، ويجلس بين الخطبتين، ويخطب قائمًا، ويعتمد على سيفٍ أو قوسٍ أو عصا (4)، ويقصد تلقاء وجهه، ويقصر الخطبة، ويدعو
(1) الدليل على اشتراط قراءة الآية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة ب- (ق والقرآن المجيد) يخطب بها.
ولكن ليس هذا بدليلٍ؛ لأن الفعل المجرد لا يدل الوجوب.
ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا تشترط لصحة الخطبة قراءة شيءٍ من القرآن متى تضمنت الموعظة المؤثرة في إصلاح القلوب وبيان الأحكام الشرعية، وهذه هي الرواية الثانية عن أحمد رحمه الله.
(2)
فإن أتى بمعنى التقوى دون لفظها فيجزئ.
(3)
الصحيح: أن تقدير العدد بأربعين ليس بصوابٍ - كما سبق -، لكننا إذا قلنا: يشترط حضور ثلاثةٍ؛ صار لا بد من حضور الثلاثة.
(4)
استدلوا بحديثٍ يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحته نظرٌ.
وعلى تقدير صحته: قال ابن القيم: إنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد اتخاذه المنبر أنه اعتمد على شيءٍ.
ووجه ذلك: أن الاعتماد إنما يكون عند الحاجة، فإن احتاج الخطيب إلى اعتمادٍ - مثل أن يكون ضعيفًا يحتاج إلى أن يعتمد على عصًا - فهذا سنةٌ؛ لأن ذلك يعينه على القيام الذي هو سنةٌ، وما أعان على سنةٍ فهو سنةٌ، أما إذا لم يكن هناك حاجةٌ فلا حاجة إلى حمل العصا.
للمسلمين (1).
فصلٌ
والجمعة ركعتان؛ يسن أن يقرأ جهرًا في الأولى ب- (الجمعة)، وفي الثانية ب- (المنافقين)(2).
وتحرم إقامتها في أكثر من موضعٍ من البلد إلا لحاجةٍ، فإن فعلوا فالصحيحة ما باشرها الإمام أو أذن فيها، فإن استوتا في إذنٍ أو عدمه فالثانية باطلةٌ (3)، وإن وقعتا معًا (4) أو جهلت الأولى بطلتا.
(1) روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للمؤمنين في كل جمعةٍ.
فإن صح هذا الحديث فهو أصلٌ في الموضوع، وحينئذٍ لنا أن نقول: إن الدعاء سنةٌ، أما إذا لم يصح فنقول: إن الدعاء جائزٌ، وحينئذٍ لا يتخذ سنةً راتبةً يواظب عليه؛ لأنه إذا اتخذ سنةً راتبةً يواظب عليه فهم الناس أنه سنةٌ، وكل شيءٍ يوجب أن يفهم الناس منه خلاف حقيقة الواقع فإنه ينبغي تجنبه.
(2)
وله أن يقرأ ب- (سبح) و (الغاشية)؛ ثبت ذلك - أيضًا - في «صحيح مسلمٍ» .
(3)
قال بعض العلماء: المعتبر السبق زمنًا؛ فالتي قد أنشئت أولًا فالحكم لها؛ لأن الثانية هي التي حدثت على الأولى
…
، وهذا القول هو الصحيح.
(4)
[سبق البيان أن المعتبر السبق زمنًا؛ فالتي أنشئت أولًا فالحكم لها؛ لأن الثانية هي التي حدثت على الأولى].
وأقل السنة بعد الجمعة: ركعتان، وأكثرها: ست (1).
ويسن أن:
- يغتسل (2) - وتقدم -.
- ويتنظف.
- ويتطيب.
- ويلبس أحسن ثيابه (3).
- ويبكر إليها ماشيًا (4).
(1) الأولى للإنسان - فيما أظنه راجحًا - أن يصلي أحيانًا أربعًا، وأحيانًا ركعتين.
أما الست فإن حديث ابن عمر يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعلها، لكن الذي في «الصحيحين» أنه كان يصلي ركعتين.
ويمكن أن يستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في بيته ركعتين، وأمر من صلى الجمعة أن يصلي بعدها أربعًا، فهذه ست ركعاتٍ: أربعٌ بقوله وركعتان بفعله، وفيه تأملٌ
…
وعلم من قول المؤلف: (أقل السنة بعد الجمعة: ركعتان) أنه ليس للجمعة سنةٌ قبلها، وهو كذلك، فيصلي ما يشاء بغير قصدٍ؛ فيصلي ركعتين أو ما شاء الله، لكن إذا دخل الإمام أمسك.
(2)
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الاغتسال واجبٌ
…
، وهذا القول هو الصحيح.
(3)
لكن بشرط ألا يؤدي ذلك به إلى الإسراف والفخر والخيلاء.
(4)
لكن لو كان منزله بعيدًا، أو كان ضعيفًا أو مريضًا، واحتاج إلى الركوب؛ فكونه يرفق بنفسه أولى من أن يشق عليها.
- ويدنو من الإمام.
- ويقرأ سورة الكهف في يومها.
- ويكثر الدعاء.
- ويكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يتخطى رقاب الناس (1) إلا أن يكون إمامًا (2) أو إلى فرجةٍ (3).
وحرم أن يقيم غيره فيجلس مكانه (4)؛ إلا من قدم صاحبًا له فجلس في موضعٍ يحفظه له (5).
(1) النفي يحتمل أنه للكراهة، ويحتمل أنه للتحريم، وهذه المسألة خلافيةٌ؛ فالمشهور من المذهب أن تخطي الرقاب مكروهٌ، والصحيح: أن تخطي الرقاب حرامٌ في الخطبة - وغيرها -.
(2)
لكن بشرط أن لا يمكن الوصول إلى مكانه إلا بالتخطي، فإن كان يمكن الوصول إلى مكانه بلا تخط - بأن كان في مقدم المسجد بابٌ يدخل منه الإمام -؛ فإنه كغيره في التخطي.
(3)
الذي أرى: أنه لا يتخطى حتى ولو إلى فرجةٍ
…
؛ فالأولى الأخذ بالعموم
…
، لكن لو تخطى برفقٍ واستأذن ممن يتخطاه إلى هذه الفرجة فأرجو أن لا يكون في ذلك بأسٌ.
(4)
هذا قيدٌ أغلبي
…
، ومع ذلك: لو أقام غيره لا ليجلس في مكانه، فقال:(قم عن هذا) ولم يجلس فيه؛ كان حرامًا
…
والمذهب: أنه يجوز أن يقيم الصغير ويجلس مكانه، ولكن الصحيح أنه لا يجوز أن يقيم الصغير.
(5)
ظاهر كلام المؤلف أن هذا العمل جائزٌ؛ أي: يجوز لشخصٍ أن ينيب غيره ليجلس في مكانٍ فاضلٍ، ويبقى هذا المنيب حتى يفرغ من حاجاته، ثم يتقدم إلى المسجد، وفي هذا نظرٌ.
وحرم رفع مصلى مفروشٍ ما لم تحضر الصلاة (1).
ومن قام من موضعه لعارضٍ لحقه ثم عاد إليه قريبًا: فهو أحق به (2).
ومن دخل والإمام يخطب: لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما.
ولا يجوز الكلام والإمام يخطب إلا له أو لمن يكلمه لمصلحةٍ، ويجوز قبل الخطبة وبعدها.
(1) مقتضى كلام المؤلف أنه يجوز أن يضع المصلى ويحجز المكان
…
، ولكن الصحيح في هذه المسألة أن الحجز والخروج من المسجد لا يجوز، وأن للإنسان أن يرفع المصلى المفروش.
(2)
ظاهر كلام المؤلف أنه لو تأخر طويلًا فليس أحق به، فلغيره أن يجلس فيه.
وقال بعض العلماء: بل هو أحق، ولو عاد بعد مدةٍ طويلةٍ إذا كان العذر باقيًا، وهذا القول أصح.