الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب السلم
وهو: عقدٌ على موصوفٍ في الذمة، مؤجلٍ (1) بثمنٍ مقبوضٍ بمجلس العقد.
ويصح بألفاظ: البيع، والسلم، والسلف (2)؛ بشروطٍ سبعةٍ:
أحدها: انضباط صفاته بمكيلٍ وموزونٍ ومذروعٍ.
وأما المعدود المختلف؛ كالفواكه، والبقول، والجلود (3)، والرؤوس،
والأواني المختلفة الرؤوس والأوساط - كالقماقم - (4)، والأسطال الضيقة
(1) اختلف العلماء رحمهم الله؛ فمنهم من قال: لا بد أن يكون له أجلٌ، ومنهم من قال: لا بأس أن يكون بدون أجلٍ.
والذي يظهر لي أنه يصح بدون أجلٍ، ونقول: سمه بما شئت: سلمًا أو بيعًا؛ لأن هذا ليس فيه غررٌ ولا ربًا ولا ظلمٌ
…
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إلى أجلٍ معلومٍ» يعود إلى علم الأجل، لا إلى أجلٍ مجهولٍ، وهو الراجح.
(2)
جميع العقود تنعقد بما دل عليه اللفظ عرفًا وأنها لا تتقيد بشيءٍ؛ لأن هذه الأمور لم يرد الشرع بتعيينها وتقييدها، وليست من أمور العبادة التي يتقيد الإنسان فيها باللفظ
…
، فجميع العقود تنعقد بكل ما دل عليها من قولٍ أو فعلٍ.
(3)
قال بعض الفقهاء: يصح في الجلود إذا قال - مثلًا -: جلد رباعيةٍ أو ثنيةٍ، وعين السن؛ فإن هذا لا بأس به؛ لأن الاختلاف يسيرٌ.
(4)
أما الآن فالصناعة بالآلات، فإذا قلت:(أسلمت إليك بأوانٍ من طراز كذا وكذا) فيمكن ضبطه؛ بل وأشد ضبطًا من المكيل والموزون، أما فيما سبق؛ فلما كانت الأواني تصنع باليد كان ضبطها صعبًا.
الرؤوس (1)، والجواهر، والحامل من الحيوان، وكل مغشوشٍ (2)، وما يجمع أخلاطًا غير متميزةٍ - كالغالية والمعاجين (3) -: فلا يصح السلم فيه.
ويصح في: الحيوان (4)، والثياب المنسوجة من نوعين، وما خلطه غير مقصودٍ - كالجبن وخل التمر والسكنجبين ونحوها -.
الثاني: ذكر الجنس والنوع (5)، وكل وصفٍ يختلف به الثمن ظاهرًا، وحداثته، وقدمه.
(1) أما إذا كانت الصناعة بالآلات - كما هو الموجود الآن - فإنه يمكن انضباطها ولو كانت ضيقة الرؤوس، ولهذا فالأباريق المعروفة الآن يمكن أن تحكم عليها بالدقة إذا قلت:(من نوع كذا، حجم كذا)؛ فإنها سوف تنضبط تمامًا.
(2)
هذا - أيضًا - يقال فيما سبق؛ فإنه كانت توجد فضةٌ مغشوشةٌ وذهبٌ مغشوشٌ، ولا يعلم قدر الغش، أما الآن فإن قدر الغش معلومٌ، يحكم عليه بأدق ما يكون، فيقال: هذا الذهب من عيار كذا، وهذا من عيار كذا، وهذه الفضة فيها غش ونسبته كذا، لكن إذا وجد مغشوشاتٌ أخرى لا يمكن انضباطها فلا يصح السلم فيها.
(3)
هذه المعاجين يستعملها الناس للمرضى
…
، والصحيح: أنه يصح السلم فيها؛ لأنه وإن كانت النسبة مجهولةً لكنها قليلةٌ، والغرض من ذلك: منفعتها.
(4)
لكن لا بد من ضبطه، فيقال:(ثني أو رباعٌ أو جذعٌ، سمينٌ، ضعيفٌ، متوسطٌ)، فلا بد أن يضبط بكل وصفٍ يختلف به الثمن.
(5)
الصواب: أنه لا يشترط ذكر الجنس؛ لأن ذكر النوع كافٍ.
ولا يصح شرط الأردإ والأجود (1)؛ بل جيدٌ ورديءٌ، فإن جاء بما شرط، أو أجود منه من نوعه (2) ولو قبل محله ولا ضرر في قبضه: لزمه أخذه.
الثالث: ذكر قدره بكيلٍ، أو وزنٍ، أو ذرعٍ يعلم.
وإن أسلم في المكيل وزنًا، أو في الموزون كيلًا: لم يصح (3).
الرابع: ذكر أجلٍ معلومٍ (4) له وقعٌ في الثمن (5): فلا يصح حالا، ولا إلى
(1) القول الثاني: يصح شرط الأردإ دون الأجود بأن يشترطه المسلم إليه
…
، وهذا هو القول الصحيح.
(2)
إذا لم يكن عليه ضررٌ بالمنة لزمه الأخذ وإلا لم يلزمه.
(3)
الصواب: أنه يصح أن يسلم في المكيل وزنًا وفي الموزون كيلًا؛ لأنه معلومٌ، والتساوي هنا ليس بشرطٍ؛ وإنما وجب في بيع الربوي بجنسه أن يقدر في المعيار الشرعي لأنه يشترط فيه المساواة.
(4)
هذا الذي ذكره المؤلف هو ظاهر الحديث [- «
…
إلى أجلٍ معلومٍ» -]، وقد سبق أن الصحيح: أن الحديث نص في اشتراط الأجل المعلوم؛ بمعنى: أنه إذا كان مؤجلًا فلا بد أن يكون الأجل معلومًا.
(5)
أما اشتراط أن يكون له وقعٌ في الثمن؛ فليس في الحديث ما يدل عليه؛ ففي الحديث: «إلى أجلٍ معلومٍ» ، وليس فيه قيدٌ أن يكون له وقعٌ في الثمن، ولذلك لم يشترطه كثيرٌ من الفقهاء، وقد تبين أن اشتراط أن يكون له وقعٌ في الثمن مبني على تعليلٍ
…
فمن نظر إلى الحديث قال: هذا لا دليل عليه، ومن نظر إلى العلة التي من أجلها شرع السلم قال: هذا الاشتراط لا بد منه؛ لأنه إذا كان من الصباح إلى المساء والأسعار تختلف في هذه المدة القصيرة فلا فائدة من السلم؛ فهو في الحقيقة كالذي ليس له أجلٌ.
الحصاد والجذاذ (1)، ولا إلى يومٍ (2)؛ إلا في شيءٍ يأخذه منه كل يومٍ - كخبزٍ ولحمٍ ونحوهما -.
الخامس: أن يوجد غالبًا في محله ومكان الوفاء، لا وقت العقد فإن تعذر - أو بعضه -: فله الصبر أو فسخ الكل أو البعض، ويأخذ الثمن الموجود أو عوضه.
السادس: أن يقبض الثمن تاما، معلومًا قدره ووصفه قبل التفرق (3)، وإن قبض البعض ثم افترقا: بطل فيما عداه.
وإن أسلم في جنسٍ إلى أجلين - أو عكسه -: صح إن بين كل جنسٍ وثمنه وقسط كل أجلٍ.
السابع: أن يسلم في الذمة: فلا يصح في عينٍ (4)، ويجب الوفاء موضع العقد، ويصح شرطه في غيره (5).
(1) الصحيح: أنه يصح إلى الحصاد والجذاذ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
(2)
قوله: (ولا إلى يومٍ): لأنه ليس له وقعٌ في الثمن، [وقد سبق التعليق على مسألة اشتراط أن يكون له وقعٌ في الثمن].
(3)
وعندنا قاعدةٌ، وهي: أنه يشترط في الثمن والمثمن ألا يكون بينهما ربا نسيئةٍ؛ فإن كان بينهما ربا نسيئةٍ لم يصح إسلام أحدهما في الآخر.
(4)
هذا الشرط فيه نظرٌ؛ بل إنه يصح أن يسلم في عينٍ، وتبقى هذه العين عند المسلم إليه حتى يحل أجلها
…
؛ فالأصل الصحة حتى يقوم دليلٌ على الفساد.
(5)
فإن تسامحا فالحق لهما وذهب بعض أهل العلم إلى أن المرجع في ذلك إلى العرف؛ فيجب الوفاء في المكان الذي دل العرف على وجوب الوفاء به
…
وإن عقد ببر أو بحرٍ: شرطاه (1).
ولا يصح: بيع المسلم فيه قبل قبضه (2)، ولا هبته (3)، ولا الحوالة به، ولا عليه (4)، ولا أخذ عوضه (5).
ولا يصح: الرهن، والكفيل به (6).
(1) القول الثاني في المسألة: أن يرجع في ذلك إلى العرف، والعرف: أن يسلم في بلد المسلم، وعلى هذا: فلا حاجة إلى التعيين؛ اعتمادًا على ما جرى به العرف.
(2)
يجوز بيعه على المسلم إليه، وعند شيخ الإسلام: يجوز بيعه حتى على أجنبي، لكن فيه نظرٌ
…
؛ فالتوسع غير ظاهرٍ لي جدا.
وشيخ الإسلام يجوز بيع الدين على غير من هو عليه، ولكنه يشترط القدرة على أخذه؛ لكن إن باعه على المسلم إليه فإنه يشترط ثلاثة شروطٍ:
الأول: ألا يربح؛ بأن يبيعه بسعر يومه
…
الثاني: أن يحصل التقابض قبل التفرق فيما إذا باعه بشيءٍ يجري فيه ربا النسيئة
…
الثالث: ألا يجعله ثمنًا لسلمٍ آخر
…
فالراجح: أن بيعه جائزٌ، لكن بالشروط الثلاثة المذكورة.
(3)
القول الصحيح: أنه يجوز هبة المسلم فيه؛ سواءٌ وهبته للمسلم إليه أو لآخر.
(4)
الصواب: أنه يصح؛ فيصح أن يحال به وأن يحال عليه.
(5)
إذا أخذ عوضه فلا بأس؛ لكن بالشروط الثلاثة السابقة.
(6)
الصواب: جواز أخذ الرهن والكفيل والضمين به، كلها جائزةٌ؛ لأنه ليس فيها محظورٌ ولا ربًا ولا ظلمٌ ولا غررٌ ولا جهالةٌ، وهذه عقود توثقةٍ، والأصل في العقود الحل.