الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الجماعة
تلزم الرجال للصلوات الخمس، لا شرطٌ، وله فعلها في بيته (1).
وتستحب صلاة أهل الثغر في مسجدٍ واحدٍ.
والأفضل لغيرهم: في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره (2)، ثم ما كان أكثر جماعةً، ثم المسجد العتيق (3).
وأبعد أولى من أقرب (4).
ويحرم أن يؤم في مسجدٍ قبل إمامه الراتب إلا بإذنه أو عذره.
(1) الصحيح: أنه يجب أن تكون في المسجد، وأنه لو أقيمت في غير المسجد فإنه لا يحصل بإقامتها سقوط الإثم؛ بل هم آثمون وإن كان القول الراجح أنها تصح.
(2)
لكن ينبغي أن يقيد هذا بشرطٍ، وهو أن لا يكون المسجد قريبًا من المسجد الأكثر جماعةً؛ فقد يقال: إن الأفضل أن يجتمع المسلمون في مسجدٍ واحدٍ، وأن هذا أولى من التفرق.
(3)
عللوا بأن الطاعة فيه أقدم
…
، وتفضيل المكان بتقدم الطاعة فيه يحتاج إلى دليلٍ بينٍ، وليس هناك دليلٌ بينٌ على هذه المسألة.
(4)
في النفس من هذا شيءٌ، والصواب أن يقال: إن الأفضل أن تصلي فيما حولك من
المساجد؛ لأن هذا سببٌ لعمارته؛ إلا أن يمتاز أحد المساجد بخاصيةٍ فيه فيقدم
…
والحاصل: أن الأفضل أن تصلي في مسجد الحي الذي أنت فيه - سواءٌ كان أكثر جماعةً أو أقل -
…
، ثم يليه الأكثر جماعةً، ثم يليه الأبعد، ثم يليه العتيق.
ومن صلى ثم أقيم فرضٌ: سن أن يعيدها إلا المغرب (1).
ولا تكره إعادة الجماعة (2) في غير مسجدي مكة والمدينة (3).
وإذا أقيمت (4) الصلاة فلا صلاة (5) إلا المكتوبة، فإن كان في نافلةٍ
(1) القول الصحيح في هذه المسألة: أنه يعيد المغرب.
(2)
مراده بنفي الكراهة: دفع قول من يقول بالكراهة، وعلى هذا: فلا ينافي القول بالاستحباب؛ بل بالوجوب؛ لأن صلاة الجماعة واجبةٌ
…
وهذه المسألة لها ثلاث صورٍ:
الصورة الأولى: أن يكون إعادة الجماعة أمرًا راتبًا
…
؛ فهذا لا شك أنه مكروهٌ إن لم نقل: إنه محرمٌ؛ لأنه بدعةٌ؛ لم يكن معروفًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
…
الصورة الثانية: أن يكون أمرًا عارضًا؛ فهذا هو محل الخلاف:
فمن العلماء من قال: لا تعاد الجماعة؛ بل يصلون فرادى.
ومنهم من قال: بل تعاد، وهذا القول هو الصحيح
…
الصورة الثالثة: أن يكون المسجد مسجد سوقٍ أو مسجد طريق سياراتٍ - أو ما أشبه ذلك -
…
؛ فلا تكره إعادة الجماعة فيه
…
؛ لأن هذا المسجد معد لجماعاتٍ متفرقةٍ؛ ليس له إمامٌ راتبٌ يجتمع الناس عليه.
(3)
القول الثاني: أن إعادة الجماعة لا تكره في المسجدين
…
، هذا هو الصحيح - إذا لم يكن عادةً -.
(4)
المراد بالإقامة: الشروع فيها؛ لأن الإنسان إذا ابتدأ النافلة في هذا الوقت سوف يتأخر عن صلاة الجماعة.
(5)
الذي يظهر
…
أن المراد به ابتداؤها، وأنه يحرم على الإنسان أن يبتدئ نافلةً بعد إقامة الصلاة - أي: بعد الشروع فيها -؛ لأن الوقت تعين لمتابعة الإمام.
أتمها (1)؛ إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها (2).
ومن كبر قبل سلام إمامه: لحق الجماعة (3).
وإن لحقه راكعًا: دخل معه في الركعة، وأجزأته التحريمة (4).
ولا قراءة على مأمومٍ (5)، ويستحب: في إسرار إمامه وسكوته (6)، وإذا لم يسمعه لبعدٍ لا لطرشٍ.
ويستفتح ويستعيذ فيما يجهر فيه إمامه (7).
(1) لكن يتمها خفيفةً من أجل المبادرة إلى الدخول في الفريضة.
(2)
الذي نرى في هذه المسألة: أنك إن كنت في الركعة الثانية فأتمها خفيفةً، وإن كنت في الركعة الأولى فاقطعها.
(3)
القول الثاني [في المسألة]: أنه لا يدرك الجماعة إلا بإدراك ركعةٍ كاملةٍ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
(4)
القول الثاني في المسألة: أنه يجب أن يكبر للركوع.
(5)
القول الراجح في هذه المسألة: وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة السرية والجهرية، ولا تسقط إلا إذا أدرك الإمام راكعًا، أو أدركه قائمًا ولم يدرك أن يكمل الفاتحة حتى ركع الإمام؛ ففي هذه الحال تسقط عنه.
(6)
سبق أن قراءة الفاتحة على المأموم ركنٌ لا بد منه، فيقرؤها ولو كان الإمام يقرأ.
(7)
ظاهر كلامه رحمه الله: أنه يفعل ذلك وإن كان يسمع قراءة الإمام
…
، ولكن هذا القول فيه نظرٌ ظاهرٌ
…
، والصواب في هذه المسألة: أنه لا يستفتح ولا يستعيذ فيما يجهر فيه الإمام، وعلى هذا: فإذا دخلت مع إمامٍ وقد انتهى من قراءة الفاتحة، وهو يقرأ السورة التي بعد
الفاتحة فإنه يسقط عنك الاستفتاح، وتقرأ الفاتحة - على القول الراجح -، وتتعوذ؛ لأن التعوذ تابعٌ للقراءة.
ومن ركع أو سجد قبل إمامه: فعليه أن يرفع ليأتي به بعده (1)، فإن لم يفعل عمدًا: بطلت، وإن ركع ورفع قبل ركوع إمامه عالمًا عمدًا: بطلت، وإن كان جاهلًا أو ناسيًا: بطلت الركعة فقط، وإن ركع ورفع قبل ركوعه ثم سجد قبل رفعه: بطلت - إلا الجاهل والناسي -، ويصلي تلك الركعة قضاءً (2).
ويسن للإمام: التخفيف مع الإتمام (3)، وتطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية، ويستحب انتظار داخلٍ (4) ما لم يشق على مأمومٍ (5).
(1) القول الثاني في المسألة: أنه إذا ركع أو سجد قبل إمامه عامدًا؛ فصلاته باطلةٌ؛ سواءٌ رجع فأتى به بعد الإمام أم لا
…
، وهذا القول هو الصحيح.
(2)
الصحيح: أنه متى سبق إمامه عالمًا ذاكرًا؛ فصلاته باطلةٌ بكل أقسام السبق.
وإن كان جاهلًا أو ناسيًا فصلاته صحيحةٌ؛ إلا أن يزول عذره قبل أن يدركه الإمام فإنه يلزمه الرجوع ليأتي بما سبق فيه بعد إمامه، فإن لم يفعل عالمًا ذاكرًا بطلت صلاته وإلا فلا.
(3)
لكن إذا نظرنا في الأدلة تبين لنا أن التخفيف الموافق للسنة في حق الإمام واجبٌ.
(4)
الانتظار يشمل ثلاثة أشياء:
- انتظارٌ قبل الدخول في الصلاة
…
، فهذا ليس بسنةٍ؛ بل السنة تقديم الصلاة التي يسن تقديمها، أما ما يسن تأخيره من الصلوات - وهي العشاء -؛ فهنا يراعي الداخلين.
- وانتظارٌ في الركوع - ولا سيما في آخر ركعةٍ -
…
؛ فهنا يكون للقول باستحباب الانتظار وجهٌ، ولا سيما إذا كانت الركعة هي الأخيرة؛ من أجل أن يدرك الجماعة.
- وانتظارٌ فيما لا تدرك فيه الركعة - مثل السجود -، [فإن كان فيه فائدةٌ فالانتظار حسنٌ، وإن كان ما ليس فيه فائدةٌ فلا يستحب الانتظار].
(5)
هذا قيد المسألة
…
، وهو: أنه إذا شق على مأمومٍ فإنه لا ينتظر.
وإذا استأذنت المرأة إلى المسجد: كره منعها (1)، وبيتها خيرٌ لها (2).
فصلٌ
الأولى بالإمامة: الأقرأ العالم فقه صلاته (3)، ثم الأفقه، ثم الأسن، ثم الأشرف (4)، ثم الأقدم هجرةً (5)، ثم الأتقى (6)، ثم من قرع.
(1) قال بعض العلماء: يحرم على الولي أن يمنع المرأة إذا أرادت الذهاب إلى المسجد لتصلي مع المسلمين، وهذا القول هو الصحيح
…
، ولكن إذا تغير الزمان فينبغي للإنسان أن يقنع أهله بعدم الخروج حتى لا يخرجوا، ويسلم هو من ارتكاب النهي الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم.
(2)
يستثنى من ذلك: الخروج لصلاة العيد؛ فإن الخروج لصلاة العيد للنساء سنةٌ.
(3)
[أفادنا المؤلف أنه] لو وجد أقرأ ولكن لا يعلم فقه الصلاة - فلا يعرف من أحكام الصلاة إلا ما يعرفه عامة الناس من القراءة والركوع والسجود -؛ فهو أولى من العالم فقه صلاته.
وذهب بعض العلماء إلى خلاف ما يفيده كلام المؤلف، وهو أنه إذا اجتمع أقرأ وقارئٌ فقيهٌ قدم القارئ الفقيه على الأقرإ غير الأفقه
…
، وهذا هو القول الراجح.
(4)
الصحيح: إسقاط هذه المرتبة - أعني: الأشرفية -، وأنه لا تأثير لها في باب إمامة الصلاة.
(5)
هذا الترتيب ضعيفٌ؛ لمخالفته قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سلمًا» أي: إسلامًا، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأقدم هجرةً في المرتبة الثالثة.
(6)
الصحيح: ما دل عليه الحديث الصحيح، وهي خمسٌ: الأقرأ، فالأعلم بالسنة، فالأقدم هجرةً، فالأقدم إسلامًا، فالأكبر سنا.
أما التقوى فهي صفةٌ يجب أن تراعى - بلا شك - في كل هؤلاء.
وساكن البيت وإمام المسجد أحق إلا من ذي سلطانٍ.
وحر، وحاضرٌ، ومقيمٌ، وبصيرٌ، ومختونٌ، ومن له ثيابٌ: أولى من ضدهم.
ولا تصح خلف:
- فاسقٍ (1) - ككافرٍ -.
- ولا امرأةٍ وخنثى للرجال.
- ولا صبي لبالغٍ (2).
- ولا أخرس (3).
- ولا عاجزٍ عن ركوعٍ أو سجودٍ أو قعودٍ أو قيامٍ (4) إلا إمام الحي المرجو زوال علته (5).
(1) القول الثاني: أن الصلاة تصح خلف الفاسق ولو كان ظاهر الفسق
…
وهذا القول لا يسع الناس اليوم إلا هو؛ لأننا لو طبقنا القول الأول على الناس ما وجدنا إمامًا يصلح للإمامة إلا نادرًا
…
إذن: القول الراجح: صحة الصلاة خلف الفاسق.
(2)
القول الثاني: أن صلاة البالغ خلف الصبي صحيحةٌ.
(3)
القول الراجح: أن إمامة الأخرس تصح بمثله وبمن ليس بأخرس
…
، لكن مع ذلك لا ينبغي أن يكون إمامًا.
(4)
الصحيح: أننا نصلي خلف العاجز عن القيام والركوع والسجود والقعود، وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الصحيح.
(5)
المؤلف اشترط شرطين لصلاة المأمومين القادرين على القيام خلف الإمام العاجز عنه: الشرط الأول: أن يكون إمام الحي.
الشرط الثاني: أن تكون علته مرجوة الزوال.
ومن المعلوم أن القاعدة الأصولية: أن ما ورد عن الشارع مطلقًا فإنه لا يجوز إدخال أي قيدٍ من القيود عليه إلا بدليلٍ
…
وعلى هذا: يتبين ضعف [الشرطين الأول والثاني]، ونقول: إذا صلى الإمام قاعدًا فنصلي قعودًا؛ سواءٌ كان إمام الحي أم غيره، [وكذلك] نصلي قعودًا خلف الإمام العاجز عن القيام؛ سواءٌ كان ممن يرجى زوال علته أو ممن لا يرجى زوال علته.
ويصلون وراءه جلوسًا ندبًا (1)، فإن ابتدأ بهم قائمًا ثم اعتل فجلس: أتموا خلفه قيامًا - وجوبًا -.
وتصح خلف من به سلس البول بمثله (2).
ولا تصح خلف محدثٍ ولا متنجسٍ يعلم ذلك، فإن جهل هو والمأموم حتى انقضت: صحت لمأمومٍ وحده (3).
(1) ذهب بعض العلماء إلى أن الصلاة خلفه يجب أن تكون قعودًا
…
وهذا القول هو الصحيح، أن الإمام إذا صلى قاعدًا وجب على المأمومين أن يصلوا قعودًا، فإن صلوا قيامًا فصلاتهم باطلةٌ
…
، [لكن] إن صلى بهم قائمًا ثم أصابته علةٌ فجلس فإنهم يصلون قيامًا.
(2)
القول الصحيح في هذا: أن إمامة من به سلس البول صحيحةٌ بمثله وبصحيحٍ سليمٍ.
(3)
هاتان مسألتان:
المسألة الأولى: الصلاة خلف المحدث
…
؛ فالصحيح في هذه المسألة: أن صلاة المأمومين صحيحةٌ بكل حالٍ؛ إلا من علم أن الإمام محدثٌ.
المسألة الثانية: الصلاة خلف المتنجس، وقد جعل المؤلف رحمه الله حكمها كحكم الصلاة خلف المحدث
…
، والقول الصحيح في هذه المسألة: أنه إذا جهل الإمام النجاسة هو والمأموم حتى انقضت الصلاة فصلاتهم صحيحةٌ جميعًا
…
ومن هنا يتضح الفرق بين هذه والتي قبلها - على القول الراجح -: أنه إذا جهل المصلي بالحدث أعاد الصلاة، ولا يعيد الصلاة إن كان جاهلًا بالنجاسة.
والفرق بينهما: أن الوضوء من الحدث من باب فعل المأمور، واجتناب النجاسة من باب ترك المحظور، فإذا فعله جاهلًا فلا يلحقه حكمه.
ولا إمامة الأمي - وهو: من لا يحسن الفاتحة، أو يدغم فيها ما لا يدغم، أو يبدل حرفًا، أو يلحن فيها لحنًا يحيل المعنى إلا بمثله - (1)، وإن قدر على إصلاحه لم تصح صلاته (2).
وتكره إمامة:
- اللحان.
- والفأفاء.
- والتمتام.
- ومن لا يفصح ببعض الحروف.
(1) القول الثاني - وهو روايةٌ عن أحمد -: أنه يصح أن يكون الأمي إمامًا للقارئ، لكن ينبغي أن نتجنبها؛ لأن فيها شيئًا من المخالفة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» ومراعاةً للخلاف.
(2)
الصحيح: أنها تصح إمامته في هذه الحال.
- وأن يؤم أجنبيةً فأكثر لا رجل معهن (1).
- أو قومًا أكثرهم يكرهه بحق (2).
وتصح إمامة: ولد الزنا، والجندي - إذا سلم دينهما -، ومن يؤدي الصلاة بمن يقضيها - وعكسه -، لا مفترضٍ بمتنفلٍ (3)، ولا من يصلي الظهر بمن يصلي العصر - أو غيرها - (4).
(1) أما إذا كانت أجنبيةً وحدها فإن الاقتصار على الكراهة فيه نظرٌ ظاهرٌ إذا استلزم الخلوة
…
[ولهذا] نقول: إذا خلا بها فإنه يحرم عليه أن يؤمها؛ لأن ما أفضى إلى المحرم فهو محرمٌ
…
أما
…
أن يؤم امرأتين؛ فهذا - أيضًا - فيه نظرٌ من جهة الكراهة
…
، والصحيح: أن ذلك لا يكره، وأنه إذا أم امرأتين فأكثر فالخلوة قد زالت، ولا يكره ذلك إلا إذا خاف الفتنة، فإن خاف الفتنة فإنه حرامٌ؛ لأن ما كان ذريعةً للحرام فهو حرامٌ.
(2)
ظاهر الحديث: الكراهة مطلقًا، وهذا أصح؛ لأن الغرض من صلاة الجماعة هو الائتلاف والاجتماع، وإذا كان هذا هو الغرض فمن المعلوم أنه لا ائتلاف ولا اجتماع إلى شخصٍ مكروهٍ عندهم، وينبغي له إذا كانوا يكرهونه بغير حق أن يعظهم ويذكرهم ويتألفهم ويصلي بهم بحسب ما جاء في السنة، وإذا علم الله من نيته صدق نية التأليف بينهم يسر الله له ذلك.
(3)
القول الثاني في المسألة: أن صلاة المفترض خلف المتنفل صحيحةٌ
…
، وقد نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله نفسه، فقال:«إذا دخل والإمام في صلاة التراويح وصلى معه العشاء فلا بأس بذلك» .
وهذا نص الإمام؛ فالقول الراجح - بلا شك - هو هذا، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الذي تؤيده الأدلة.
(4)
القول الثاني: أنه يصح أن يأتم من يصلي الظهر بمن يصلي العصر، ومن يصلي
العصر بمن يصلي الظهر، ولا بأس بهذا وعلى هذا القول: إذا صلى صلاةً أكثر من صلاة الإمام فلا إشكال في المسألة.
مثاله: لو صلى العشاء خلف من يصلي المغرب؛ فهنا نقول: صل مع الإمام، وإذا سلم فقم وائت بركعةٍ.
وإذا صلى وراء إمامٍ وصلاته أقل من صلاة الإمام
…
؛ فإنه يلزمه إذا قام الإمام إلى الرابعة أن يجلس ولا يقوم
…
، وهو مخيرٌ [بين أن] ينوي الانفراد ويسلم أو ينتظر الإمام
…
، لكننا نستحب له أن ينوي الانفراد ويسلم إذا كان يمكنه أن يدرك ما بقي من صلاة العشاء مع الإمام؛ من أجل أن يدرك صلاة الجماعة في العشاء.
فصلٌ
يقف المأمومون خلف الإمام، ويصح معه عن يمينه أو جانبيه.
لا:
- قدامه (1).
- ولا عن يساره فقط (2).
(1) أي:
…
إن وقفوا قدامه فصلاتهم باطلةٌ
…
، وقال بعض أهل العلم: إن الصلاة لا تبطل.
وتوسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إنه إذا دعت الضرورة إلى ذلك صحت صلاة المأموم قدام الإمام، وإلا فلا.
والضرورة تدعو إلى ذلك في أيام الجمعة، أو في أيام الحج في المساجد العادية؛ فإن الأسواق تمتلئ ويصلي الناس أمام الإمام.
وهذا القول وسطٌ بين القولين، وغالبًا ما يكون القول الوسط هو الراجح؛ لأنه يأخذ بدليل هؤلاء ودليل هؤلاء.
(2)
أكثر أهل العلم يقولون بصحة الصلاة عن يسار الإمام مع خلو يمينه، وأن كون المأموم الواحد عن يمين الإمام إنما هو على سبيل الأفضلية لا على سبيل الوجوب، واختار هذا
القول شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله
…
وهذا القول قولٌ جيدٌ جدا، وهو أرجح من القول ببطلان صلاته عن يساره مع خلو يمينه.
- ولا الفذ خلفه (1).
- أو خلف الصف (2)؛ إلا أن يكون امرأةً (3).
وإمامة النساء تقف في صفهن.
ويليه: الرجال، ثم الصبيان (4)، ثم النساء (5) - كجنائزهم -.
(1) أما الإمام ففيه تفصيلٌ: إن بقي على نية الإمامة لم تصح صلاته؛ لأنه نوى الإمامة وليس معه أحدٌ، وإن نوى الانفراد فصلاته صحيحةٌ.
(2)
قال بعض العلماء: في ذلك تفصيلٌ؛ فإن كان لعذرٍ صحت الصلاة، وإن لم يكن لعذرٍ لم تصح الصلاة
…
وهذا القول وسطٌ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي.
وهو الصواب.
(3)
ظاهر كلام المؤلف: أنه لا فرق بين أن تكون المرأة تصلي مع جماعة رجالٍ أو مع جماعة نساءٍ، ولكن هذا الظاهر ليس بمراده؛ بل إن المرأة مع جماعة النساء كالرجل مع جماعة الرجال؛ أي: لا يصح أن تقف خلف إمامتها ولا خلف صف نساءٍ
…
، ولا تصح صلاتها منفردةً خلف الصف ولا خلف إمامة النساء.
(4)
لا شك أن مكان الصبيان خلف الرجال أولى، لكن إذا كان يحصل به تشويشٌ وإفسادٌ للصلاة على البالغين وعليهم أنفسهم؛ فإن مراعاة ذلك أولى من مراعاة فضل المكان.
(5)
[هذا الترتيب] إنما هو في ابتداء الأمر؛ أما إذا سبق المفضول إلى المكان الفاضل بأن جاء الصبي مبكرًا وتقدم وصار في الصف الأول؛ فإن القول الراجح الذي اختاره بعض أهل العلم
…
أنه لا يقام المفضول من مكانه
…
؛ فإن من سبق إليه يكون أحق به.
ومن لم يقف معه إلا كافرٌ (1)، أو امرأةٌ (2)، أو من علم حدثه أحدهما (3)، أو صبي في فرضٍ (4): ففذ.
ومن وجد فرجةً دخلها، وإلا عن يمين الإمام (5)، فإن لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه (6)، فإن صلى فذا ركعةً لم تصح (7).
(1) على القول الذي رجحنا؛ نقول: إنه إذا كان الصف تاما فصلاته صحيحةٌ؛ لأن صلاة الفذ خلف الصف مع تمامه صحيحةٌ، أما إذا لم يكن تاما وقد علم بكفره فصلاته باطلةٌ.
(2)
فإن وقفت امرأةٌ مع رجلين، فهل تصح صلاتهما وصلاتها؟ الجواب: نعم، الصلاة صحيحةٌ، ولا سيما مع الضرورة كما يحدث ذلك في أيام مواسم الحج في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولكن في هذه الحال إذا أحسست بشيءٍ من قرب المرأة منك وجب عليك الانفصال
…
؛ حذرًا من الفتنة.
(3)
الصحيح في هذه المسألة: أن الثاني الذي ليس بمحدثٍ: صلاته صحيحةٌ إذا كان لا يعلم بحدث صاحبه؛ لأنه معذورٌ بالجهل، لكن لو علم أن صاحبه محدثٌ فهو فذ.
(4)
القول الراجح في هذه المسألة: أن من وقف معه صبي فليس فذا - لا في الفريضة ولا في النفل -، وصلاته صحيحةٌ.
(5)
هذا فيه نظرٌ
…
؛ لأن يمين الإمام موقفٌ للمأموم الواحد
…
فإذا قلنا بأنه لا يقف عن يمين الإمام، فماذا يعمل؟
فالجواب: أنه يصلي خلف الصف وحده، وأن صلاته صحيحةٌ - على القول الراجح -.
(6)
القول الصحيح: أنه يصلي خلف الصف منفردًا متابعًا للإمام.
(7)
الصحيح في هذه المسألة - والتي بعدها -: أنه إذا كان لعذرٍ فصلاته صحيحةٌ مطلقًا، والعذر: تمام الصف.
وإن ركع فذا ثم دخل في الصف أو وقف معه آخر قبل سجود الإمام: صحت.
فصلٌ
يصح اقتداء المأموم بالإمام في المسجد وإن لم يره، ولا من وراءه إذا سمع التكبير، وكذا خارجه إن رأى الإمام أو المأمومين (1).
وتصح خلف إمامٍ عالٍ عنهم.
ويكره:
- إذا كان العلو ذراعًا فأكثر (2) - كإمامته في الطاق (3) -.
(1) ظاهر كلامه: أنه لا يشترط اتصال الصفوف فيما إذا كان المأموم خارج المسجد
…
والصواب في هذه المسألة: أنه لا بد في اقتداء من كان خارج المسجد من اتصال الصفوف، فإن لم تكن متصلةً فإن الصلاة لا تصح
…
أما اشتراط الرؤية ففيه نظرٌ؛ فما دام يسمع التكبير والصفوف متصلةً فالاقتداء صحيحٌ.
وعلى هذا: إذا امتلأ المسجد واتصلت الصفوف وصلى الناس بالأسواق وعلى عتبة الدكاكين فلا بأس به.
(2)
القول الثاني: أنه لا يكره علو الإمام مطلقًا؛ لأن الحديث الذي استدل به الأصحاب رحمهم الله ضعيفٌ، والضعيف لا تقوم به الحجة.
وقيد بعض العلماء هذه المسألة بما إذا كان الإمام غير منفردٍ بمكانه.
وهذا لا شك أنه قولٌ وجيهٌ؛ لأنه إن انفرد الإمام بمكانٍ والمأموم بمكانٍ آخر؛ فأين صلاة الجماعة والاجتماع؟!
(3)
إذا كان [دخول الإمام في الطاق] لحاجةٍ؛ مثل: أن تكون الجماعة كثيرةً واحتاج الإمام إلى أن يتقدم حتى يكون في الطاق [أي المحراب] فإنه لا بأس به.
أما إذا كان الإمام في باب الطاق ولم يدخل فيه ولم يتغيب عن الناس، وكان محل سجوده في الطاق فلا بأس به.
- وتطوعه موضع المكتوبة إلا من حاجةٍ.
- وإطالة قعوده بعد الصلاة مستقبل القبلة.
فإن كان ثم نساءٌ لبث قليلًا لينصرفن.
ويكره وقوفهم بين السواري إذا قطعن الصفوف (1).
فصلٌ
ويعذر بترك جمعةٍ وجماعةٍ: مريضٌ، ومدافع أحد الأخبثين (2)، ومن بحضرة طعامٍ محتاجٍ إليه (3)، وخائفٌ من ضياع ماله أو فواته أو ضررٍ فيه، أو موت قريبه، أو على نفسه من ضررٍ أو سلطانٍ (4)، أو ملازمة غريمٍ ولا شيء معه، أو من فوات
(1) متى صارت السواري على حد يكره الوقوف بينها فإن ذلك مشروطٌ بعدم الحاجة، فإن احتيج إلى ذلك بأن كانت الجماعة كثيرةً والمسجد ضيقًا فإن ذلك لا بأس به من أجل الحاجة؛ لأن وقوفهم بين السواري في المسجد خيرٌ من وقوفهم خارج المسجد.
(2)
ويلحق بهما: الريح؛ لأن بعض الناس يكون عنده غازاتٌ تنفخ بطنه وتشق عليه جدا، وقد يكون أشق عليه من احتباس البول والغائط.
(3)
لكن بشرط أن يكون متمكنًا من تناول [الطعام]
…
، ولا بد - أيضًا - من قيدٍ آخر؛ وهو أن لا يجعل ذلك عادةً؛ بحيث لا يقدم العشاء إلا إذا قاربت إقامة الصلاة.
(4)
أما إذا كان السلطان يأخذه بحق فليس له أن يتخلف عن الجماعة ولا الجمعة.
رفقةٍ، أو غلبة نعاسٍ، أو أذًى بمطرٍ أو وحلٍ، وبريحٍ باردةٍ شديدةٍ في ليلةٍ مظلمةٍ (1).
(1) هذا الشرط [أي الليلة المظلمة] ليس عليه دليلٌ
…
، ولأنه لا أثر للظلمة أو النور في هذا الأمر؛ فالظلمة لا تزيد من برودة الجو، والصحو لا يزيد من سخونة الجو في الليل.