الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
خيار المجلس في حال اختلف مكان المتعاقدين
الفرع الأول
في البيع بالهاتف ونحوه
[ن-45] قد يعقد البيع مع اختلاف مكان المتعاقدين كما في حال البيع عن طريق الهاتف، أو عن طريق الكتابة والرسالة، وسوف نتكلم أولًا على حكم الفقهاء في البيع بالهاتف، فإذا صح البيع تكلمنا في ثبوت خيار المجلس؛ لأن المسألة الثانية فرع عن المسألة الأولى.
البيع عن طريق الهاتف أصبح يمارس اليوم على نطاق واسع في محيط التعامل بين المشتغلين بأمور التجارة، ولذا يجب بسط الكلام فيه، خاصة أن الفقهاء قديمًا لم يتعرضوا لحكمه لعدم وجود الهاتف في عصرهم، ولكن يوجد من عموم كلامهم ما يستدل به على حكم البيع بالهاتف.
فقد صرح الحنفية والشافعية أن المتعاقدين لا يشترط فيهما قرب المكان ولا رؤية بعضهما البعض في صحة العقد.
فهذا ابن نجيم في البحر الرائق يصحح البيع، ولو كان بين البائع والمشتري نهر عظيم تجري فيه السفن، ثم قال:«وقد تقرر رأي في أمثال هذه الصورة على أنه إن كان البعد بحال يوجب التباس ما يقول كل واحد منهما لصاحبه يمنع، وإلا فلا، فعلى هذا الستر بينهما الذي لا يمنع الفهم والسماع لا يمنع»
(1)
.
(1)
البحر الرائق (5/ 294).
وجاء في الفتاوى الهندية: «والبعد إن كان بحال يوجب الالتباس بقول كل واحد منهما يمنع، وإلا فلا»
(1)
.
جاء في المجموع: «لو تناديا، وهما متباعدان، وتبايعا صح البيع»
(2)
.
(3)
.
ويقول الأستاذ علي الخفيف: «إذا استعملا التليفون بالتعاقد كانا كحاضرين، فيدوم مجلس العقد ما دامت محادثتهما في شأنه، فإذا انتقلا منه إلى حديث في موضوع آخر انتهى مجلس العقد، وبطل بذلك الإيجاب»
(4)
.
وقد تبين لنا في بحث ألفاظ الإيجاب والقبول أن الشرع يعتبر الرضا هو الأساس في صحة العقود؛ لهذا أجاز الفقهاء التعاقد بالرسالة والكتابة وبالإشارة والمعاطاة، بل أجاز البيع بكل ما يدل على الرضا عرفًا، فكل ما عده الناس بيعًا فهو بيع، ومنه البيع عن طريق الهاتف.
يقول الحطاب: «واحتج المالكية بما تقدم من أن الأفعال، وإن انتفت منها الدلالة الوضعية، ففيها دلالة عرفية، وهي كافية، إذ المقصود من التجارة إنما
(1)
الفتاوى الهندية (3/ 6).
(2)
المجموع (9/ 214).
(3)
مجلة القانون والاقتصاد، السنة الرابعة، العدد الخامس (ص: 656).
(4)
أحكام المعاملات الشرعية، حاشية (ص: 192).