الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا قال الزوج لزوجته: طلقتك بكذا، فقالت: قبلت. فقد بانت المرأة منه، وتفرقا بهذا القول، وإن لم يتفرقا بالأبدان.
وقال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:4].
ويقال: تشاور القوم في كذا فافترقوا عن كذا يراد به الاجتماع على قول والرضى به وإن كانوا مجتمعين في المجلس.
وعلى التسليم بأن المراد بالفرقة بالأبدان، فإن المراد بالخيار هنا خيار القبول، وذلك إذا قال البائع للمشتري: بعتك هذا بكذا، فالمشتري بالخيار في قبول ذلك ما لم يفارق صاحبه بالبدن، فإذا فارق صاحبه بالبدن سقط خياره في القبول، وتفسير الفرقة بهذا له أصل في الشرع متفق عليه، وهي الفرقة في عقد الصرف، فهي فرقة بالبدن باتفاق الفقهاء، فإذا تفرق العاقدان في عقد الصرف بالأبدان قبل القبض بطل العقد، فكذا الفرقة في مسألتنا إذا حصلت بالبدن قبل القبول بطل الإيجاب، وعلى ذلك لا دلالة في حديث ابن عمر رضي الله عنه على خيار المجلس.
ويناقش هذا القول من وجوه:
أولًا: حمل التفرق على الأقوال، وليس على الأبدان من قبيل المجاز، ولا يتحول إلى المجاز إلا عند تعذر حمله على الحقيقة.
(1)
.
ثانيًا: لا يقبل أن يكون اتفاق الإيجاب والقبول، وتطابقهما من قبيل التفرق، بل ذلك من قبيل التوافق والاتفاق.
(1)
فتح الباري (4/ 331).
ثالثًا: لو سلمنا أن حديث ابن عمر يحتمل أن يكون التفرق بالأقوال، ويحتمل أن يكون التفرق بالأبدان، فإن الإجماع منعقد على أن المراد أحدهما لا هما معًا، وقد قام دليل على أن المراد بالتفرق هو تفرق الأبدان بعد انعقاد البيع، وهو فعل ابن عمر، وهو راوي الحديث، وفهم أبي برزة، وهو صاحبي جليل، وهما أعلم بمعنى الحديث من غيرهما، بل إن ابن عمر لما حمله على التفرق بالأبدان نسب ذلك إلى السنة.
قال الحافظ: «ابن عمر حَمَلَه على التفرق بالأبدان، وكذلك أبو برزة الأسلمي، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة»
(1)
.
رابعًا: كيف يفسر التفرق بالأقوال، والحديث قد رواه الشيخان من طريق الليث، عن نافع، عن ابن عمر:
بلفظ: «إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعًا
…
»
(2)
.
فقوله: (إذا تبايع الرجلان): دليل على أن هذا كان بعد انعقاد البيع، وليس قبله، وأن العاقدين يملكان الرجوع عن العقد بعد انعقاد البيع، وقبل التفرق.
وقوله: (وكانا جميعًا) توكيد لقوله: ما لم يتفرقا، وهو ظاهر بأن المراد بالتفرق هو التفرق بالأبدان، وليس بالأقوال.
خامسًا: أن الاحتجاج بعقد الصرف دليل عليكم، وليس لكم، فإن الفرقة في عقد الصرف تبطل العقد بعد تمام العقد، وقبل القبض، وأنتم حملتم الفرقة قبل إتمام العقد.
(1)
فتح الباري (4/ 330).
(2)
صحيح البخاري (2112)، ومسلم (1531).