الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحال الثانية: بعد صدور الإيجاب وقبل صدور القبول
.
إذا انتهت مرحلة المفاوضات، وعرض صاحب السلعة إيجابًا جازمًا، ولم يصدر القبول من المشتري فما حكم رجوع البائع والمشتري عن البيع؟
أما المشتري فله خيار القبول بالإجماع، كما إذا قال البائع: بعتك هذا البيت بكذا وكذا، فالمشتري بالخيار بين القبول وبين الرد، ما دام العاقدان في مجلس العقد، ولم يتفرقا بأبدانهما، ولم يتشاغلا عن العقد بما يبطله.
قال الماوردي: «خيار المشتري بعد بذل البائع وقبل قبوله معلوم بالإجماع، إذ لو سقط خياره ببذل البائع لوجبت البياعات جبرًا بغير اختيار
…
ولأفضى الأمر فيها إلى ضرر وفساد»
(1)
.
[م-441] وأما البائع فهل له أن يرجع عن إيجابه قبل صدور القبول من الطرف الآخر؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة:
فقيل: للموجب حق الرجوع عن إيجابه قبل أن يتصل به القبول، وهذا مذهب الجمهور
(2)
.
(1)
الحاوي الكبير (5/ 33).
(2)
جاء في مجلة الأحكام العدلية (مادة: 184): «لو رجع أحد المتبايعين عن البيع بعد الإيجاب، وقبل القبول بطل الإيجاب، فلو قبل الآخر بعد ذلك في المجلس لا ينعقد البيع. مثلًا لو قال البائع: بعت هذا المتاع بكذا، وقبل أن يقول المشتري: قبلت: رجع البائع، ثم قبل المشتري بعد ذلك لا ينعقد البيع» . اهـ
ويقول في بدائع الصنائع (5/ 134): «صفة الإيجاب والقبول: فهو أن أحدهما لا يكون لازمًا قبل وجود الآخر
…
» وانظر العناية شرح الهداية (6/ 253)، الفتاوى الهندية (3/ 8).
وقال النووي في المجموع (9/ 199): «إذا وجد أحد شقي العقد من أحدهما اشترط إصراره عليه حتى يوجد الشق الآخر» .
وإذا كان الشافعية والحنابلة يقولون بخيار المجلس كما سيأتي إن شاء الله تحرير الخلاف فيه، فإن هذا يعني جواز رجوع الموجب عن إيجابه حتى بعد صدور القبول من الطرف الآخر، فمن باب أولى أن يصح رجوعه قبل اتصال القبول به.
وقد اعتمد القانون الأردني على قول الجمهور، فقد نصت المادة (96) مدني بقولها:«المتعاقدان بالخيار بعد الإيجاب إلى آخر المجلس، فلو رجع الموجب بعد الإيجاب، وقبل القبول أو صدر من أحد المتعاقدين قول أو فعل يدل على الإعراض يبطل الإيجاب، ولا عبرة بالقبول الواقع بعد ذلك» . وانظر مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني. د أنور سلطان (ص:56).
وفي نظرية العقد للسنهوري ذكر في حاشية (1/ 244): «وفي القانون الإنجليزي: يجوز للموجب أن يعدل عن إيجابه قبل اقتران القبول به، حتى لو كان قد حدد مدة للقبول، وضرب بولوك لذلك مثلًا: رجل عرض على آخر في الصباح أن يبيعه سلعة، وانتظره إلى الساعة الرابعة بعد الظهر ليبت في الشراء، ففي هذه الحالة يجوز للموجب أن يعدل عن إيجابه، ويبيع السلعة لآخر حتى قبل حلول الموعد المضروب، ما دام الطرف الآخر لم يقبل الصفقة» .
بل اعتبر بعضهم لو صدر القبول مع الرجوع في وقت واحد، اعتبر الرجوع، وبطل الإيجاب.
قال ابن الهمام: «لو صادف رد البائع قبول المشتري بطل»
(1)
.
وقيل: إذا صدر إيجاب بات فليس له حق الرجوع، والإيجاب البات هو ما صدر بصيغة الماضي، أو صدر بغير الماضي وكان هناك قرينة أنه أراد البيع
(2)
،
(1)
شرح فتح القدير (6/ 254).
(2)
ذكر المالكية مثالًا للقرينة الدالة على أنه أراد البيع كما لو كان في الكلام تردد، فجاء في حاشية الدسوقي (3/ 4):«تردد الكلام يدل على أنه غير لاعب، وذلك كأن يقول المشتري: يا فلان بعني سلعتك بعشرة، فيقول: لا، فيقول له بأحد عشر، فيقول: لا، ثم يقول البائع: أبيعكها باثني عشر، فيقول المشتري: قبلت، فيلزم البيع، ولا رجوع للبائع بعد ذلك؛ ولو حلف أنه لم يرد البيع» . اهـ
فلو أنه أراد الرجوع بعد قوله: أبيعكها باثني عشر قبل صدور القبول لم يكن له الرجوع، ولو كان بصيغة المضارع؛ لأن هناك قرينة على أنه أراد البيع.