الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالمشروط، فالإخلال به يوجب تخيير المتضرر، وإلزام المشتري بما ليس سالمًا إلزام له بما لم يرض به، وهذا لا يجوز.
التعليل الثالث:
سلامة المبيع لها ما يقابلها من الثمن، فإذا دخل المبيع نقص في قيمته يكون البائع قد فوت على المشتري جزءًا من المبيع مع أنه قد أخذ ما يقابله باعتبار أنه قد دفعت له قيمة المبيع سليمًا، وهذا لا يجوز.
دليل من قال: إذا كان النقص يسيرًا فلا يؤثر
.
أن النقص اليسير لا ينفك عنه المبيع، ولذلك تجد المقدار اليسير يتغابن الناس فيه عادة، ولا يؤثر مثل ذلك في لزوم العقود وصحتها.
دليل من قال: العيب مؤثر مطلقًا، ولو لم ينقص من القيمة
.
يمكن أن يستدل بأن العقد المطلق يقتضي سلامة المبيع من كل العيوب، فكان وصف السلامة كالمشروط، وبعض العيوب وإن كان ليس له تأثير في الثمن إلا أنه لا يستوي عند الناس عين سالمة من العيوب مطلقًا، وعين أخرى فيها عيب لا يؤثر على ثمنها، فنفاق الأولى أسرع، وتطلع الناس لها أكمل.
الراجح:
أميل إلى الأخذ بضابط الشافعية أن العيب المؤثر ما فوت غرضًا صحيحًا لأحد العاقدين مع اعتبار نقص القيمة كأحد العيوب المؤثرة، وليس حصر ذلك فيه.
يبين ذلك أن الرجل لو اشترى بقرة، فوجدها لا تحلب، فإن كان اشتراها للحليب كان له الرد، وإن اشتراها للحم فلا يرد، وفي الحالين قد تكون القيمة سليمة من النقص.
وقد رأى بعض الفقهاء أن جار السوء عيب، وهذا لا دخل له في العين أصلًا
(1)
.
وذكر بعض الفقهاء بأن الشاة مقطوعة الأذن إن اشتراها للأضحية فله الرد، وإن اشتراها لغير الأضحية فلا، ما لم يعده الناس عيبًا.
كما ذكر بعض الفقهاء بأنه لو اشترى ثوبًا أو خفًا فوجده صغيرًا، فإن له الرد، وإن لم يكن ذلك عيبًا في عين المبيع، وإنما اعتبر فوات غرض المشتري عيبًا موجبا للرد، وإن كان لا تأثير له في الثمن.
كما أن هناك ما لا يعد عيبًا، وإن كان له تأثير في الثمن، كما في الأمة يشتريها، فيجدها ثيبًا، فليس له الرد إلا أن يشترط أن تكون بكرًا، مع أن كونها ثيبًا ينقص من قيمتها، ومع ذلك لم يعتبر عيبًا.
ومثله لو اشترى دابة، فوجدها كبيرة السن، فليس له الرد إلا أن يشترط صغرها، مع أن كبر سنها ينقص من قيمتها.
قال ابن عابدين تعليقًا على الأمثلة السابقة:: «يظهر أن قولهم في ضابط العيب ما ينقص الثمن عند التجار مبني على الغالب، وإلا فهو غير جامع وغير مانع.
أما الأول: فلأنه لا يشمل مسألة
…
الثوب والخف والقلنسوة وشاة الأضحية ; لأن ذلك وإن لم يصلح لهذا المشتري يصلح لغيره، فلا ينقص الثمن مطلقًا.
(1)
نقل في مواهب الجيل (4/ 437) عن مالك أن الدار ترد من سوء الجار، وقال ابن رشد: المحنة بالجار السوء عظيمة. وانظر الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 391)، الفروع (4/ 102).
وقال في منح الجليل (5/ 158): «وفي سوء الجار خلاف، والصواب: أنه ليس بعيب؛ لأنه ليس براجع إلى أحوالها»
وأما الثاني ; فلأنه يدخل فيه مسألة الدابة، والأمة الثيب، فإن ذلك ينقص الثمن مع أنه غير عيب فعلم أنه لا بد من تقييد الضابط بما ذكره الشافعية. والظاهر أنهم لم يقصدوا حصر العيب فيما ذكر ; لأن عبارة الهداية والكنز وما أوجب نقصان الثمن عند التجار فهو عيب فإن هذه العبارة لا تدل على أن غير ذلك لا يسمى عيبًا فاغتنم هذا التحرير»
(1)
.
* * *
(1)
حاشية ابن عابدين (5/ 4).