الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
من خيارات التروي خيار الرؤية
المبحث الأول
تعريف خيار الرؤية
تعريف خيار الرؤية:
سبق لنا تعريف الخيار في أول الباب
أما لفظ (خيار الرؤية) فهو من المركب الإضافي، والرؤية، مصدر للفعل رأى يرى ومعناه لغة: النظر بالعين وبالقلب.
أما خيار الرؤية اصطلاحا: فهو حق يثبت به للمتملك الفسخ أو الإمضاء عند رؤية محل العقد المعين الذي عقد عليه ولم يره
(1)
.
فعلم من هذا أن الخيار هو في شراء شيء معين غائب لم يسبق له رؤية.
وقولنا: في شراء شيء معين: المقصود به ما ينعقد العقد على عينه، لا على مثله، أو على وصفه وهو مقابل للدين.
فالمبيع الغائب تارة يتعلق بشيء موصوف في الذمة، فيكون من قبيل بيع السلم، حالًا كان أو مؤجلًا، وهذا لا يحق للمشتري أن يفسخ العقد بخيار الرؤية بحجة أن البائع أعطاه شيئًا لم يكن مطابقًا للموصوف؛ لأن المبيع لم يتعين في عين ذلك الشيء المدفوع، وإنما تعلق بذمة البائع، ولم يتعلق بشيء معين، فيبقى العقد قائمًا، ويلزم البائع بدفع سلعة مطابقة للصفة المتفق عليها.
(1)
الموسوعة الكويتية (20/ 64).
وتارة يكون المبيع الغائب متعلقًا بشيء معين، فلا يقال له بأنه سلم، ولكن يقال له: غائب، وهذا الغائب: إما أن يكون قد شاهده البائع، ولم يمض على الرؤية وقت يخشى عليه من التغير، فهذا غير مقصود في هذا الباب.
وإما أن يكون المبيع المعين موصوفًا لم يره المشتري، وإنما وصف له، وهذا هو المقصود في هذا البحث.
ومن هنا يتبين علاقة هذا الخيار بالخلاف في بيع السلعة المعينة الغائبة التي لم يسبق لها رؤية، فالقول بخيار الرؤية إيجابًا ونفيًا مرتبط كل الارتباط بجواز بيع الغائب المعين صحة وفسادًا.
فالذين منعوا بيع الشيء المعين إذا كان غائبًا لا يثبتون خيار الرؤية، والذين أجازوه لم يمنعوا من ثبوت هذا الخيار كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
والمراد بالرؤية في قولنا: خيار الرؤية، العلم بالمبيع، فإذا حصل له العلم بالمبيع سواء كان ذلك عن طريق الرؤية مما يدرك بالرؤية، أو كان ذلك عن طريق الحواس مما يدرك بالحواس، كالشم، واللمس، والذوق وإن لم يره بعينه، فإذا حصل له العلم بالمبيع بأحد حواسه لم يثبت له خيار عند رؤيته
(1)
، وقد تكلمنا فيما سبق في شراء الأعمى، ورجحنا صحة شرائه، لكونه قد يحصل له العلم بالمبيع بدون رؤية.
كما أن الغائب يشمل ما كان غائبًا عن مجلس العقد، أو حاضرًا فيه لكنه مستور.
(1)
البحر الرائق (6/ 28)، الدر المختار (4/ 600)، وجاء في مجلة الأحكام الشرعية، مادة (331): الأعمى يسقط خياره بلمس الأشياء التي تعرف باللمس، وشم المشمومات، وذوق المذوقات، يعني: أنه إذا لمس، وشم، وذاق هذه الأشياء، ثم اشتراها، كان شراؤه صحيحًا لازمًا».
وخرج بقولنا: (لم يسبق له رؤية) ما لو رأى بعضه، وكانت رؤية بعضه تدل على رؤية الباقي كما لو كان مثليًا، فإنه لا يثبت له خيار، لأن العلم به يحصل برؤية بعضه، فإن كان ما رآه لا يفيد العلم بحال الباقي كما لو كان المبيع من أعيان مختلفة فله الخيار؛ لأن المقصود لم يحصل برؤية ما رأى، فكأنه لم ير شيئًا أصلًا
(1)
.
وأكثر المذاهب تفصيلًا لهذا الخيار هو مذهب الحنفية، وبالتالي سوف نسوق أحكام هذا الخيار من خلال تفريعات الحنفية، باعتبار أنهم أكثر المذاهب تفصيلًا لهذا الخيار، وتبيانًا له.
وجعلنا هذا النوع من الخيار قسمًا من خيار الرؤية باعتبار أن هذا الخيار يثبت بحكم الشرع، فحقيقته عند الحنفية لمطلق التروي، لا لتحاشي الضرر، أو الخلف في الوصف، غايته: أن ينظر المشتري أيصلح له أم لا؟
(2)
.
* * *
(1)
المرجع السابق (5/ 293).
(2)
انظر الموسوعة الكويتية (20/ 76) و (39/ 268).