الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحنابلة كغيرهم يمنعون الخيار في عقد الصرف؛ لأنه يشترط لصحة العقد التقابض في مجلس العقد، ومثله كل بيع يشترط فيه التقابض في مجلس العقد كبيع الربوي بمثله.
كما يمنع الحنابلة اشتراط الخيار في عقد السلم
(1)
.
واختار ابن تيمية من الحنابلة: جواز خيار الشرط في كل العقود.
قال رحمه الله: «ويثبت خيار المجلس في البيع، ويثبت خيار الشرط في كل العقود، ولو طالت المدة»
(2)
.
ولا أعلم خلافًا في منع خيار الشرط في عقد الصرف، وكذا كل بيع يكون القبض شرطًا لصحة البيع فيه كبيع المال الربوي بمثله.
هذا ملخص مذهب الحنابلة
(3)
.
الخلاصة من هذا العرض:
الأول: أن الحنفية أوسع المذاهب الفقهية في العقود التي يدخلها الخيار، فلم تقصر خيار الشرط على عقد البيع فقط، بل في كل العقود اللازمة القابلة للفسخ، بينما الجمهور ذهبوا إلى قصر الخيار على عقد البيع، والمالكية والحنابلة أخذوا البيع بمفهومه العام، فيدخل في ذلك عقد الإجارة، وقسمة
(1)
بهامش الفروع (4/ 84): «قال ابن عقيل في الفصول: «فأما السلم فحكمه حكم الصرف، لا يدخله خيار الشرط رواية واحدة، ويدخله خيار العيب رواية واحدة، وهل يدخله خيار المجلس على روايتين، كالصرف سواء؛ لأن كل واحد منها يشترط له القبض قبل التفرق» .
(2)
الفتاوى الكبرى (5/ 390)، ونقل هذا أيضًا عن ابن تيمية: ابن مفلح في الفروع (4/ 84)، الإنصاف (4/ 375).
(3)
كشاف القناع (3/ 203)، المغني (4/ 23 - 24).
التراضي، والصلح بمعنى البيع خلافًا للشافعية والذي يعتبر مذهبهم أضيق المذاهب في هذه المسألة.
الثاني: أدخل الحنفية العقود اللازمة ولو من جانب واحد كالرهن، فأثبتوا الخيار للراهن لأن العقد في حقه لازم بخلاف المرتهن؛ لأن العقد في حقه جائز، وهذا خلاف للجمهور.
الثالث: اتفق الأئمة على عدم ثبوت الخيار في عقد الصرف، واختلفوا في عقد السلم، فمنعه الجمهور خلافًا للمالكية حيث أجازوا الخيار فيه في مدة يسيرة اليومين والثلاثة بشرط عدم نقد الثمن، والصواب مع الجمهور، ويدخل في الصرف بيع ما يعتبر القبض شرطًا في صحته كبيع المال الربوي بمثله.
الرابع: انفرد المالكية في أنه لا يجوز اشتراط نقد الثمن في بيع الخيار خلافًا للجمهور
(1)
؛
لأن اشتراط النقد يجعل الثمن مترددًا بين السلفية إذا لم يتم البيع، والثمنية إذا تم البيع، وهو ممنوع للغرر بعدم معرفة ما يؤول إليه الحال، وإذا حصل النقد تطوعًا من غير شرط جاز لضعف التهمة في تردد الثمن بين السلفية والثمنية
(2)
.
(1)
جاء في البيان للعمراني (5/ 35): «لا يكره نقد الثمن في خيار المجلس، ولا في خيار الشرط، وبه قال أبو حنيفة، وقال مالك: يكره؛ لأنه يصير في معنى بيع وسلف؛ ولأنه إذا نقده الثمن، ثم تفاسخا، صار كأنه أقرضه، فيجتمع بيع وقرض» .
وقال في كشاف القناع (3/ 210): «ولا بأس بنقد الثمن، وقبض المبيع في مدة الخيار، سواء كان خيار مجلس أو شرط
…
».
(2)
يفرق المالكية بين النقد في بيع الخيار، فلا يجوز شرط النقد فيها، ويجوز النقد تطوعًا، وبين النقد في بيع الشيء الغائب على الخيار وكذا النقد في كراء الشيء بشرط الخيار، أو النقد في عقد السلم على الخيار فلا يجوز النقد في هذه الأشياء الثلاثة مطلقًا بشرط أو بدونه.
ووجه الفرق:
أن النقد في بيع الخيار: هو التردد بين السلفية والثمنية، وهي إنما تؤثر مع اشتراط النقد، والعلة في منع النقد في بيع الغائب والكراء، وعقد السلم: هو فسخ ما في الذمة في مؤخر، وهو من فسخ الدين في الدين وهذا ممنوع.
هذا ما يمكن تلخيصه من العرض السابق لأقوال الفقهاء، والذي أميل إليه أن مذهب الحنفية: هو أقوى المذاهب هنا؛ لأن الخيار إنما شرع من أجل الفسخ، في عقد لازم، فإذا كان العقد اللازم يقبل الفسخ، كان اشتراط الخيار فيه سائغًا، ولا معنى لقصره في عقد البيع، فإن هذه ظاهرية لا تليق بعقود المعاملات المبنية على التعليل، والله أعلم.
* * *