الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القتل متقاتلين، وإن لم يقع منهما قتل بعد وكما قيل لولد إبراهيم عليه السلام المأمور بذبحه: الذبيح؛ لقربه من الذبح، وإن لم يذبح ; وقال تعالى:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:2] والمعنى فيه مقاربة البلوغ ألا ترى أنه قال في آية أخرى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة:231] وأراد به حقيقة البلوغ، فجائز على هذا أن يسمى المتساومان متبايعين إذا قصدا إيقاع العقد على النحو الذي بينا والذي لا يختل على أحد أنهما بعد وقوع البيع منهما لا يسميان متبايعين على الحقيقة كسائر الأفعال إذا انقضت زال عن فاعليها الأسماء المشتقة لها من أفعالهم إلا في أسماء المدح والذم على ما بينا في صدر هذا الكتاب ; وإنما يقال كانا متبايعين وكانا متقايلين وكانا متضاربين
(1)
.
ويجاب عن هذا من وجوه:
منها: أن هذا الحمل قد يقبل في رواية: (المتبايعان بالخيار)، ولكنه لا يرد على رواية:(إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار)، وهذا اللفظ قد اتفق في تخريجه الشيخان من طريق الليث، عن نافع، عن ابن عمر
(2)
.
ومنها: أن إطلاق البائعين على العاقدين بعد صدور الإيجاب والقبول حقيقة لغة وشرعًا، وإطلاق ذلك على العاقدين قبل صدور الإيجاب والقبول مجاز، عكس ما يقوله نفاة خيار المجلس. دليل ذلك من حيث اللغة: أن البائع والبيع مشتق من الفعل، والأسماء المشتقة من الأفعال لا تطلق على مسمياتها إلا بعد
(1)
انظر أحكام القرآن للجصاص (2/ 254)، شرح معاني الآثار للطحاوي (4/ 14)، تبيين الحقائق للزيلعي (4/ 3).
(2)
صحيح البخاري (2112)، ومسلم (1531).
وجود الفعل، كالقاتل، والزاني، والسارق، فإنها لا تتناول المسمى إلا بعد وجود القتل والسرقة والزنا، فكذلك البيع لا يطلق عليه اسم البائع إلا بعد وجود البيع منه، والبيع يوجد بعد إتمام العقد بالإيجاب والقبول، لا قبله.
وأما دليله من حيث الشرع، فإنه لو قال شخص لعبده: إذا بعتك فأنت حر، فإنه لا يعتق عليه بالمساومة، بل إذا تم العقد عتق عليه
(1)
.
ومنها: أن حمل لفظ المتبايعين على المتساومين من قبيل المجاز، ولا يتحول إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا الحمل يجعل تقدير الحديث: أن المتساومين بالخيار إن شاءا عقدا البيع، وإن شاءا لم يعقداه، وهذا تحصيل الحاصل؛ لأن كل واحد يعرف ذلك، فيصان كلام الشارع عن مثل هذا الحمل
(2)
.
[م-444] وأما تفسير مالك بالنهي عن البيع على بيع أخيه بأن المراد به النهي عن السوم على سومه، فهو أمر قد اختلف فيه العلماء.
قال في الفواكه الدواني: «اختلف الناس
…
فمنهم من فهم أن السوم والبيع شيء واحد، وهو الزيادة في الثمن على عطاء الغير.
ومنهم من فهم أنهما شيئان، فالسوم الزيادة في الثمن، والبيع متعلق بالمثمن: الذي هو السلعة .. »
(3)
.
ومن التأويل قولهم: إن المراد بالتفرق بالحديث التفرق بالأقوال، لا التفرق بالأبدان لقوله تعالى:{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ} [النساء:130]
(1)
انظر الحاوي للماوردي (5/ 35)، المجموع للنووي (9/ 222).
(2)
انظر فتح الباري (4/ 331).
(3)
الفواكه الدواني (2/ 108).