الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دليل من قال: المبيع للبائع والثمن للمشتري إلى حين لزوم العقد
.
الدليل الأول:
(ح-407) ما رواه الشيخان من طريق عبد الله بن دينار،
عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بيعين فلا بيع بينهما حتى يتفرقا، إلا بيع الخيار
(1)
.
وجه الاستدلال:
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا بيع بينهما حتى يتفرقا) معلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد به أنه لا عقد بينهما؛ لأن العقد قد وجد، فعلم أنه أراد: لا حكم للبيع بينهما ما لم يتفرقا.
ويجاب عن هذا الاستدلال من وجهين:
الأول: الحديث لا بد فيه من التأويل، لأن قوله (كل بيعين) أثبت أن هناك متبايعين، ولا يقال: بائعان إلا إذا كان هناك بيع، وعليه فيجب أن يكون نفي البيع بقوله:(فلا بيع بينهما حتى يتفرقا) غير المثبت في أول الحديث، وإلا كان هناك تناقض، فيكون معنى: لا بيع بينهما أي لا بيع لازم إلا بالتفرق، وإلا فإن التفرق وحده ليس عقدًا حتى يقال: إن التفرق حصل به البيع، وإنما التفرق حصل به لزوم البيع، وبينهما فرق.
الوجه الثاني:
حديث ابن عمر ورد بلفظين، فإما أن نحمل أحد اللفظين على الآخر، ونرى أن معناهما واحد، ولا نرى أن بينهما اختلافًا، أو أن نرجح بين اللفظين:
فإن حملنا أحد اللفظين على الآخر: فيكون الحديث بلفظ: (كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا) موافقًا في المعنى للفظ الحديث: (المتبايعان بالخيار حتى
(1)
صحيح مسلم (1531).
يتفرقا)، وتكون دلالتهما واحدة: فهما يدلان على أن وقوع البيع يكون بالعقد، ولزوم البيع يكون بالتفرق.
فقوله (لا بيع بينهما) أي لا بيع لازم، ليكون موافقًا في المعنى لقوله (البيعان بالخيار)
وقوله (حتى يتفرقا) قد وردت في كلا اللفظين. وهذا ما أميل إليه.
أو نرجح بين اللفظين: فنرى أن لفظ حديث ابن عمر (البيعان بالخيار حتى يتفرقا) مطابق للفظ حديث حكيم بن حزام، وأبي برزة وغيرهما، ويكون هو المحفوظ من النص المعصوم، وأن يكون لفظ الحديث (كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا) قد روي بالمعنى، وبالتالي لا يستنبط منه حكم يعارض به لفظ الجماعة. وهذا يتطلب منا أن نتتبع حديث عبد الله بن دينار، عن ابن عمر لنرى هل هناك تفرد بهذا اللفظ، أو لا؟ وهل اختلف عليه في لفظه أو لم يختلف عليه
(1)
.
(1)
حديث ابن عمر في خيار المجلس رواه عنه ثلاثة: عبد الله بن دينار، ونافع مولى ابن عمر، وسالم عن ابن عمر:
أما رواية عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، فقد اختلف عليه فيه:
فرواه عنه جماعة بلفظ: [كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا] منهم سفيان الثوري، وشعبة، وإسماعيل بن جعفر، ويزيد بن عبد الله بن الهاد. وخالفهم ابن عيينة، فرواه عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر بلفظ (البيعان بالخيار حتى يتفرقا). وإليك تفصيل ذلك:
الأول: سفيان الثوري، رواه عن عبد الله بن دينار، واختلف عليه:
فرواه عبد الرزاق كما في مصنفه (14265).
والفضل بن دكين كما في مسند أحمد (2/ 135)، وسنن البيهقي (5/ 269).
ومحمد بن يوسف كما في صحيح البخاري (2113)، ومسند أبي عوانة (4926).
ومخلد بن يزيد كما في سنن النسائي المجتبى (4477، 4478)، والكبرى (6069). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ومؤمل بن إسماعيل كما في شرح معاني الآثار للطحاوي (4/ 12)، كلهم رووه عن سفيان، عن عبد الله بن دينار به، بلفظ (كل بيعين لا بيع بينها حتى يتفرقا).
وخالفهم الحسين بن حفص، كما في طبقات المحدثين بأصبهان، قال أبو الشيخ الأصبهاني (3/ 396) حدثنا علي بن جبلة، قال: قرأ علينا الحسين بن حفص، قال: ثنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار.
عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، إلا بيع الخيار.
والخطأ إما من علي بن جبلة، أو من الحسين بن حفص، وإن كنت أرجح أن الخطأ من علي ابن جبلة حيث لم أقف على من وثقه، وحتى لو كان ثقة لم يكن لي أن أقدمه على جماعة من الأئمة الحفاظ من أصحاب الثوري المختصين بالرواية عنه، ولعله دخل عليه لفظ نافع عن ابن عمر، على لفظ عبد الله بن دينار، عن ابن عمر.
كما وقع وهم آخر، فقد رواه أبو يعلى الخليلي في الإرشاد في معرفة علماء الحديث (1/ 341) من طريق يعلى بن عبيد، حدثنا سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار.
عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار، وكل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار.
قال الخليلي: وهذا خطأ، وقع على يعلى بن عبيد، وهو ثقة متفق عليه، والصواب فيه: عبد الله ابن دينار، عن ابن عمر، هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان، عنه، عن عبد الله بن دينار». اهـ كلام الخليلي. هذا فيما يتعلق برواية الثوري.
الثاني: إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن دينار، كما في صحيح مسلم (1531)، وصحيح ابن حبان (4913)، والمجتبى للنسائي (4475)، والسنن الكبرى له (6067)، وشرح معاني الآثار للطحاوي (4/ 12)، وسنن البيهقي (5/ 269)، وتاريخ دمشق (13/ 132).
الثالث: يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن عبد الله بن دينار، كما في سنن النسائي المجتبى (4476،)، والكبرى (6068، 6071).
الرابع: شعبة، عن عبد الله بن دينار، كما في مسند الطيالسي (1882)، ومسند أحمد (2/ 51 - 52)، وسنن النسائي المجتبى (4479)، والكبرى (6070)، ومسند أبي عوانة (4924)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 12)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (13/ 131). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وررواه ابن الجعد في مسنده (1606)، قال: حدثنا ابن المقرئ، أخبرنا أبي، أخبرنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر. فجعل بدلًا من عبد الله بن دينار عمرو بن دينار، وهو وهم.
قال ابن الجعد: «وهو وهم؛ لأن الحديث حدث به شعبة، عن عبد الله بن دينار، وأحسب ابن المقرئ وهم فيه، هو أو أبوه» .
هذا كل ما وقفت عليه من طرق عبد الله بن دينار، عن ابن عمر،
وفيه اختلاف آخر على عبد الله بن دينار، فقد رواه الثوري، وشعبة، وابن الهاد، وإسماعيل ابن جعفر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، بلفظ (كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا).
وخالفهم سفيان بن عيينة، فرواه عن عبد الله بن دينار، بلفظ: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يكون بيعهما عن خيار. كما هو لفظ مالك، عن نافع عن ابن عمر.
رواه أحمد (2/ 9)، وابن أبي شيبة (7/ 288) رقم: 36157، والشافعي في مسنده (ص: 137)، ومن طريقه البيهقي كما في معرفة السنن والآثار (4/ 274 - 275).
والنسائي (4480)، وابن الجارود في المنتقى (617) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5258) من طرق عن سفيان بن عيينة به.
وهذا اللفظ تفرد به سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، وإن كان محفوظًا من رواية نافع، عن ابن عمر، فهل دخل على ابن عيينة لفظ نافع، على لفظ عبد الله بن دينار، هذا ما أميل إليه، فإن اتفاق جماعة منهم: شعبة، والثوري، وإسماعيل بن جعفر، ويزيد بن عبد الله بن الهاد على لفظ، ومخالفة سفيان بن عيينة لهؤلاء يجعل هذا دليلًا على ضبطهم، ووهم سفيان بن عيينة، والله أعلم.
إلا أن الإشكال لا يزال قائمًا، فإن حديث ابن عمر في خيار المجلس رواه عنه عبد الله ابن دينار، ونافع، وعرفنا لفظ عبد الله بن دينار، والراجح فيه، بقي علينا أن ننظر في لفظ نافع، والاختلاف عليه في لفظه، ثم ننظر السبيل إلى الجمع بين اللفظين أو الترجيح:
فرواية نافع عن ابن عمر، وردت عنه بعدة ألفاظ متقاربة، واشتمل في بعض طرقه على نص موقوف عن ابن عمر، يوضح لنا رأي ابن عمر وفقهه في هذا الحديث، وسوف أخرج اللفظ المرفوع أولًا، ثم أخرج اللفظ الموقوف، وإن كان الأثر الموقوف يأتي في بعض طرق الحديث موصولًا بالنص المرفوع. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= اللفظ الأول: [المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، إلا بيع الخيار].
وهذا اللفظ أستطيع أن أطلق عليه لفظ الجماعة، عن نافع، فأكثر من رواه عن نافع، رواه بهذا اللفظ، إما بلفظه، أو بمعناه، من ذلك:
الأول: مالك، عن نافع كما في الموطأ (2/ 671)،
ومن طريق مالك أخرجه الشافعي في مسنده ترتيب السندي (530)، وأحمد (1/ 56)، والبخاري (2111)، ومسلم في صحيحه (1531)، وأبو داود (3454)، والنسائي في المجتبى (4465)، وفي الكبرى (6057)، وأبو يعلى (5822)، وابن حبان (4916)، والدارقطني (3/ 6)، والبيهقي (5/ 268).
الثاني: يحيى بن سعيد، عن نافع، واختلف على يحيى بن سعيد في لفظه:
فرواه البخاري في صحيحه (2107) والنسائي في المجتبى (4473) والطحاوي في مشكل الآثار (5240)، والبيهقي في السنن (5/ 269) من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد، عن يحيى ابن سعيد به، بلفظ:
[إن المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرقا، أو يكون البيع خيارًا].
ومن طريق عبد الوهاب أخرجه مسلم (1531) إلا أنه لم يذكر متنًا، وقال: بنحو حديث مالك عن نافع. وقد تقدم لفظ مالك.
وأخرجه الترمذي (1245) من طريق محمد بن فضيل، عن يحيى بن سعيد بلفظ:[ ..... ما لم يتفرقا أو يختارا] فقوله (أو يختارا) هو رواية بالمعنى لقوله (إلا بيع الخيار).
ورواه ابن حبان (4912) من طريق أبي شهاب، عن يحيى بن سعيد به، بنحو لفظ البخاري إلا أنه لم يقل: أو يكون البيع خيارًا.
وخالفهم هشيم، فقد رواه النسائي (4474) والطحاوي في مشكل الآثار (5241) من طريق هشيم، عن يحيى بن سعيد، قال: حدثنا نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المتبايعان لا بيع بينهما حتى يتفرقا، إلا بيع الخيار.
ورواه يحيى بن سعيد القطان، واختلف عليه فيه:
فرواه النسائي (4466) أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى - يعني: ابن سعيد القطان - عن عبيد الله، قال: حدثني نافع به، بلفظ: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، أو يكون خيارًا. كما هو لفظ الجماعة.
وخالف في ذلك بندار، فرواه الطحاوي في مشكل الآثار (5243) من طريقه، قال: حدثنا يحيى بن سعيد به، بلفظ: كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا، أو يكون خيارًا. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وهذا اللفظ ولفظ هشيم السابق قريب من لفظ عبد الله بن دينار عن ابن عمر إلا أن قوله (إلا بيع الخيار) لم ترد في لفظ عبد الله بن دينار، وهذا يؤكد أن الحديثين معناهما واحد، فمعنى: لا بيع بينهما هو معنى: البيعان بالخيار.
وهذا ما أشار إليه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (13/ 270)، فإنه قال بعد أن روى حديث سفيان، عن عبد الله ابن دينار، عن ابن عمر، بلفظ نافع عن ابن عمر، قال:
الثالث: ابن جريج، عن نافع:
رواه مسلم (1531) عن زهير بن حرب، والنسائي في المجتبى (4468) وفي الكبرى (6060) عن علي بن ميمون.
والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5249) من طريق الشافعي، كلهم، عن سفيان بن عيينة، عن ابن جريج، قال: أملى علي نافع، سمع عبد الله بن عمر يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تبايع المتبايعان بالبيع، فكل واحد منهما بالخيار من بيعه، ما لم يتفرقا، أو يكون بيعهما عن خيار، فإذا كان بيعهما عن خيار فقد وجب البيع.
ورواه مسلم (1531) والبيهقي في السنن (5/ 269) عن ابن أبي عمر.
ورواه البيهقي (5/ 269) من طريق الحميدي، كلاهما عن سفيان به.
ورواه أبو عوانة في مستخرجه (4913) من طريق روح بن عبادة، عن ابن جريج به.
وفي هذا الطريق زاد ابن جريج عبارة تفسيرية، وهي قوله:[فإذا كان ثم خيار، فقد وجب البيع].
وقد توبع على هذه العبارة، تابعه عليها: إسماعيل بن أمية، والليث، وموسى بن عقبة.
وسيأتي تخريج ذلك إن شاء الله تعالى، فنخرج بأن هذه العبارة محفوظة، وإن لم تذكر في طريق مالك.
الرابع: عبيد الله بن عمر، عن نافع بنحو حديث مالك، عن نافع.
أخرجه أحمد (2/ 54)، والنسائي في المجتبى (4466)، وفي الكبرى (6058)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 21) وفي مشكل الآثار (5242) بلفظ:[كل بيعين فأحدهما على صاحبه بالخيار حتى يتفرقا، أو يكون خيارًا].
ورواه أبو عوانة في مستخرجه (4916) من طريق أبي أسامة، ولم يقل: إلا بيع الخيار. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الخامس: إسماعيل بن أمية، عن نافع.
أخرجه النسائي في المجتبى (4467)، وفي الكبرى (6059) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5245) بلفظ:(المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا، إلا أن يكون البيع كان عن خيار، فإن كان البيع عن خيار، فقد وجب البيع).
وقد زاد إسماعيل بن أمية، عن نافع، قوله:(فإن كان البيع عن خيار فقد وجب البيع) ولم ينفرد بها كما أشرنا في ذلك في كلام سابق.
السادس: صخر بن جويرية، عن نافع.
أخرجه أبو عوانة في مستخرجه (4913) من طريقه، بلفظ: إذا ابتاع المتبايعان، فكل واحد منهما بالخيار، ما لم يتفرقا، أو يكون بيعهما عن خيار.
السابع: موسى بن عقبة، عن نافع.
رواه ابن طهمان في مشيخته (180) بلفظ [البيعان بالخيار من بيعهما ما لم يتفرقا، أو يكون بيعهما عن خيار، فإذا كان بيعهما عن خيار فقد وجب البيع، أو يتفرقا]
الثامن: القاسم بن محمد، عن ابن عمر.
رواه الطبراني في المعجم الكبير (13101) حدثنا أبو حنيفة: محمد بن حنيفة الواسطي، حدثنا الزبير بن بكار، حدثنا أنس بن عياض، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا.
وشيخ الطبراني، قال الدارقطني عنه: ليس بالقوي. انظر تاريخ بغداد (2/ 296)، لسان الميزان (511).
لكنه قد توبع، فقد أخرجه الطبراني في الأوسط (6484) حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا الزبير بن بكار به. بلفظ (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يكون خيارًا).
ومحمد بن عيسى قال عنه ابن حجر: مقبول.
لكن ذكر الطبراني تفرد الزبير بن بكار بهذا الإسناد، فقد قال عقبه: لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد إلا أبو ضمرة (أنس بن عياض) تفرد به الزبير بن بكار.
فهذه الطرق عن نافع روت الحديث بلفظ: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، إلا بيع الخيار. إما بلفظه، أو بمعناه، زاد بعضهم: فإن كان البيع عن خيار فقد وجب البيع.
اللفظ الثاني عن نافع:
[البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر، وربما قال: أو يكون بيع خيار]. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وهذا اللفظ قريب من لفظ مالك ومن معه، فإن كان هناك الفرق فهو كونه تارة يستبدل قوله:(أو يكون بيع خيار) بكلمة أخرى، وهي:(أن يقول لصاحبه: اختر). واللفظ معناهما واحد على الصحيح. وإن كان أكثر الرواة عن نافع على قوله (أو يكون بيع خيار).
وممن روى هذا الحديث بهذا اللفظ أيوب عن نافع.
رواه البخاري في صحيحه (2109) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 12)، وفي مشكل الآثار (5246)، والبيهقي في السنن (5/ 269) من طريق حماد بن زيد.
ومن طريق حماد بن زيد رواه مسلم (1531) إلا أنه لم يذكر متنه، وقال: بنحو حديث مالك.
ورواه أحمد (2/ 73) عن عفان.
ووراه أبو داود (3455) من طريق موسى بن إسماعيل، كلاهما عن حماد بن سلمة.
ورواه أحمد (4/ 2)، والطبري في تفسيره (5/ 34) ومسلم (1531)، والنسائي في المجتبى (4470) وفي الكبرى (6062)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5247)، والبيهقي في السنن (5/ 34) من طريق ابن علية.
ولم يذكر مسلم متنه إلا أنه قال: نحو حديث مالك، عن نافع.
ورواه الطبري في تفسيره (5/ 34) من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد، كلهم عن أيوب به.
ورواه النسائي (4469) من طريق شعبة، عن أيوب به، دون قوله: وربما قال: أو يكون بيع خيار.
ورواه النسائي في الكبرى (6061) الطحاوي في شرح مشكل الآثار (5248) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن أيوب به، بلفظ:(البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما للآخر اختر).
ورواه ابن طهمان عن أيوب، في مشيخته (181) بلفظ مالك، عن نافع (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون بيع خيار).
ورواه عبد الرزاق في المصنف (14262) عن معمر، عن أيوب، دون قوله: وربما قال نافع: أو يقول أحدهما للآخر: اختر.
اللفظ الثالث:
[إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعًا، أو يخير أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا، بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع، فقد وجب البيع]. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد انفرد بهذا اللفظ الليث بن سعد رحمه الله، فقد رواه أحمد (2/ 119)، البخاري (2112)، ومسلم (1531) والنسائي في المجتبى (4474)، والبيهقي في السنن (5/ 269) عن قتيبة بن سعيد.
ورواه ابن ماجه (2181) حدثنا محمد بن رمح المصري.
ورواه ابن الجارود في المنتقى (618) وابن حبان في صحيحه (4917) والدارقطني في سننه (3/ 5)، وأبو عوانة في مستخرجه (4915) من طريق عبد الله بن وهب.
وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه (4915) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5253) من طريق شعيب بن الليث.
وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه (4915) من طريق أسد بن موسى، وأبي النضر، وأحمد ابن يونس، قال أبو عوانة: وحديثهم واحد.
كل هؤلاء رووه عن الليث، عن نافع به، بلفظ: إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعًا، أو يخير أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا، بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع، فقد وجب البيع.
ويلحظ الباحث تفرد الليث بكلمة (وكانا جميعًا) فإنها لم ترد في جميع الطرق الصحيحة عن نافع، ولم يتابع الليث إلا يعقوب بن قيس، فقد أخرجه الطبراني في الأوسط (7604) حدثنا محمد ابن حرملة القلزمي، حدثنا أحمد بن محمد بن يعقوب الداري، حدثنا سعيد بن هاشم بن صالح المخزومي، أخبرنا يعقوب بن قيس، عن نافع.
عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المتبايعان بالخيار، كل واحد منهما، ما لم يتفرقا، وكانا جميعًا، أو يخير أحدهما صاحبه، فإن خير أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك، فقد وجب البيع.
والحديث ضعيف، سعيد بن هاشم بن صالح المخزومي: قال عنه ابن عدي: مدني، ليس بمستقيم الحديث، وشيخ الطبراني لم أقف عليه.
جاء في فتح الباري (4/ 333): «قال الداودي: قول الليث في هذا الحديث: (وكان جميعًا .. الخ) ليس بمحفوظ؛ لأن مقام الليث في نافع، ليس كمقام مالك ونظرائه» . اهـ كلام الداودي، قال الحافظ متعقبًا: وهو رد لما اتفق الأئمة على ثبوته بغير مستند، وأي لوم على من روى الحديث مفسرًا لأحد محتملاته، حافظا لذلك ما لم يحفظه غيره، مع وقوع تعدد المجلس، فهو محمول على أن شيخهم حدثهم به تارة مفسرًا، وتارة مختصرًا». =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وعندي أن كلام الحافظ هو المتعقب، لأن الرواية بالتفسير يجب أن تنسب إلى الراوي،
…
ولا تنسب إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم؛ فالتفسير لكلام المعصوم صلى الله عليه وسلم فهم يدخله الخطأ، وكلام الحافظ مخالف لكلامه الذي نقلته عنه في النكت عند الكلام على زيادة الثقة والشذوذ، وقد ذكرته في المجلد الأول من أحكام الطهارة، في مقدمة الكتاب.
كما زاد الليث قوله: (وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك أحد منهما البيع فقد وجب البيع) هذه تفسير لقوله (ما لم يتفرقا)، والرواة عن نافع لا يذكرون هذا التفسير، وإنما يقتصرون على قوله (ما لم يتفرقا). وقد علمت النزاع في هذا التفسير بين مدرستي الحنفية والمالكية من جهة، وبين الشافعية والحنابلة من جهة أخرى، والذي أراه أن الباحث عندما يبحث النص الحديثي، يجب أن يكون في معزل عن فقه الحديث، لأن الفقه غير معصوم، والنص معصوم، فإن كان سائر الرواة يقولون: ما لم يتفرقا، وانفرد ثقة دونهم بتفسير هذا اللفظ، ونسبه إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم فإن الواجب أن ننظر فيه، هل انفرد بهذا، أو توبع، حتى ولو كان التفسير صحيحًا، فإننا ننسب هذا التفسير إلى الراوي أصح وأدق من أن ننسب هذا التفسير إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجميع الرواة ممن رووا هذا الحديث عن نافع لا يذكرون هذه العبارة، وربما رأينا اليوم أن التفسير صحيح، ثم قد يبدو لنا أن الصحيح خلافه، فيجب عند رواية النص أن نعزل فهمنا للنص عن لفظ النص، وإذا كان الجمهور على جواز الرواية بالمعنى بشرطه، فإننا عند البحث يجب أن نشير إلى أن هذا اللفظ مما تصرف فيه الراوي، فرواه بالمعنى من قبله، لكي يكون واضحًا جليًا للقارئ ما هو اللفظ النبوي، وما هو اللفظ الموافق له بالمعنى من قبل الراوي، والله أعلم.
وإذا عرفت ما تقدم، فقد اختلف على الليث في لفظه:
فرواه عنه من تقدم بهذا اللفظ، ومنهم قتيبة بن سعيد.
ورواه النسائي أيضًا (4471) عن قتيبة به، بمثل لفظ الجماعة: البيعان بالخيار حتى يفترقا، أو يكون بيع خيار. وربما قال نافع: أو يقول أحدهما للآخر: اختر.
فقوله (البيعان بالخيار حتى يفترقا أو يكون بيع خيار) موافق لرواية الجماعة، عن نافع.
وقوله (وربما قال نافع: أو يقول أحدهما للآخر: اختر. مطابق تمامًا لرواية أيوب عن نافع، حيث كان نافع مرة يقول كذا، ومرة يقول كذا بما رواه عنه أيوب.
وإذا كان لفظ عبد الله بن دينار، قد خالف فيه سفيان بن عيينة كل من رواه عن عبد الله =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ابن دينار، فرواه سفيان بن عيينة عن عبد الله بن دينار بلفظ نافع، عن ابن عمر، فإن هذا أيضًا قد وقع في طريق نافع، فقد رواه الربيع، عن نافع، وساق لفظ عبد الله بن دينار، عن ابن عمر.
فقد رواه الطيالسي (1860) حدثنا الربيع، عن نافع به، بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كل بيعين فلا بيع بينهما حتى يتفرقا، إلا أن يكون بيعهما بيع خيار.
وقد رأينا أن هذا اللفظ إنما هو لفظ عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، ولم يكن لفظ نافع، عن ابن عمر، فربما تداخل اللفظان على بعض الرواة، أو يكون هذا منهم ذهابًا إلى أن اللفظين معناهما واحد، كما أشرنا إليه سابقًا.
بقي أن نشير إلى أن جميع الرواة السابقين رووه عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا.
وخالفهم محمد بن إسحاق، فرواه ابن أبي شيبة في المصنف (4/ 505) من طريقه، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا، وزاد: فكان ابن عمر انصرف ليوجب البيع.
هذا ما وقفت عليه من ألفاظ الحديث عن نافع،
وقد قال الحافظ في الفتح (4/ 332): «قال بعضهم: حديث (البيعان بالخيار) جاء بألفاظ مختلفة، فهو مضطرب لا يحتج به، وتعقب بأن الجمع بين ما اختلف من ألفاظه ممكن، بغير تكلف، ولا تعسف، فلا يضره الاختلاف، وشرط المضطرب أن يتعذر الجمع بين مختلف ألفاظه، وليس هذا الحديث من ذلك» .
الطريق الثالث: طريق سالم عن ابن عمر.
رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم (4/ 332) قال أبو عبد الله: قال الليث: حدثني عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: بعت من أمير المؤمنين عثمان مالًا بالوادي بمال له بخيبر، فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته خشية أن يرادني البيع، وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا، قال عبد الله: فلما وجب بيعي وبيعه رأيت أني قد غبنته بأني سقته إلى أرض ثمود بثلاث ليال، وساقني إلى المدينة بثلاث ليال.
والحديث حسن، وسبق تخريجه، انظر (ح 460).
هذا فيما يتعلق بتخريج حديث ابن عمر المرفوع، وقد تضمن الحديث المرفوع فعلًا موقوفًا على ابن عمر، ذكره بعضهم ضمن الطرق السابقة، وأحببت أن أخرج الموقوف في معزل عن الكلام النبوي المرفوع، فهو بمنزلة التفسير من ابن عمر لكلام النبي صلى الله عليه وسلم. =