الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنخلص إلى ضابط يجمع كل ذلك بأن العقود التي يدخلها خيار الشرط: هي العقود اللازمة ولو من جانب واحد، والتي تقبل الفسخ بالتراضي، والتي لا يشترط في صحتها القبض في المجلس.
هذا هو الضابط عند الحنفية في العقود التي يدخلها الخيار.
القول الثاني: مذهب المالكية:
يقصر المالكية شرط الخيار (خيار التروي) في عقد البيع بأنواعه، وعندما يعرفون شرط الخيار (خيار التروي) يعرفونه من خلال عقد البيع لا غير، بما يفهم أنهم لا يرون شرط الخيار في غيره.
جاء في الفواكه الدواني: «خيار التروي: وهو كما قال ابن عرفة: بيع وقف بته أولًا على إمضاء يتوقع
…
»
(1)
.
وجاء في مواهب الجليل: «خيار التروي: وهو الذي ينصرف إليه بيع الخيار عند الإطلاق في عرف الفقهاء»
(2)
.
وجاء في الشرح الصغير: «(الخيار قسمان: ترو ونقيصة). أي خيار ترو: أي نظر وتأمل في إبرام البيع وعدمه.
وخيار نقيصة: وهو ما كان موجبه وجود نقص في المبيع من عيب أو استحقاق.
(فالأول) أي خيار التروي (بيع وقف بته): أي لزومه (على إمضاء) ممن له الخيار من مشتر أو بائع أو غيرهما (يتوقع) في المستقبل. (وإنما يكون) أي يوجد ويحصل (بشرط) من المتبايعين ولا يكون بالمجلس .. »
(3)
.
(1)
الفواكه الدواني (2/ 83).
(2)
مواهب الجليل (4/ 409).
(3)
الشرح الصغير (3/ 133 - 134).
فخلصنا من هذا أن المالكية يقصرون خيار الشرط على عقد البيع، وما كان في معناه.
فيجوز شرط الخيار عندهم في بيع التولية
(1)
، وفي قسمة التراضي
(2)
،
وفي الإجارة
(3)
.
وفرقوا بين عقد السلم والصرف، فأجازوا الخيار في عقد السلم في مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام إن لم ينقد رأس المال.
(1)
يقول العلامة خليل في مختصره (ص: 188): «وإن وليت ما اشتريت بما اشتريت جاز إن لم تلزمه وله الخيار» .
ويقول الدردير في الشرح الكبير (3/ 158)، وهو يشرح هذه العبارة:«(وإن وليت) شخصًا (ما اشتريت) من السلع (بما) أي بمثل ثمن (اشتريت) به ولم تذكر له ثمنًا ولا مثمنًا (جاز إن لم تلزمه) المبيع بأن شرطت له الخيار، أو سكت (وله الخيار) إذا رآه، وعلم الثمن .... »
(2)
جاء في التاج والإكليل (5/ 339)«قال مالك: لو اقتسما دارًا، أو رقيقًا، أو عروضًا، على أن لأحدهما الخيار أيامًا يجوز مثلها في البيع في ذلك الشيء فجائز» .
وإنما القسمة التي تلحقها الخيار هي ما كانت في حكم البيع كقسمة التراضي، وأما القسمة التي هي بمثابة إفراز الحق كقسمة القرعة فلا يدخلها خيار.
جاء في التاج والإكليل (5/ 335) قال ابن رشد: «قسمة الرقاب على ثلاثة أقسام:
قسمة مراضاة بغير تعديل، ولا تقويم، ولا خلاف أنها بيع من البيوع.
وقسمة مراضاة بعد تعديل وتقويم، الأظهر أنها بيع من البيوع.
وقسمة قرعة الأظهر أنها تمييز حق» وانظر القوانين الفقهية (ص: 187 - 188).
(3)
يطلق الكراء عند المالكية على إجارة الدواب، وقد أجاز المالكية الخيار في الكراء، بشرط ألا ينقد الثمن.
جاء في المدونة: (4/ 465)«قلت: أرأيت إن اكتريت راحلة بعينها إلى مكة، ونقدته على أني بالخيار يومًا، أو يومين؟ قال: لا يصلح ذلك في قول مالك: أن ينقد إذا كنت بالخيار في كراء أو بيع، إلا أن تشترطا الخيار ما دمتما في مجلسكما ذلك قبل أن تتفرقا» .
ومنعوا شرط الخيار في عقد الصرف.
وهذه المسألة ترجع إلى مسألة أخرى اختلف فيها المالكية مع جمهور أهل العلم، وهي: هل يجوز تأخير تسليم الثمن في عقد السلم عن مجلس العقد؟
فذهب الجمهور من الحنفية والشافعية، والحنابلة إلى أنه يشترط تسليم الثمن في مجلس العقد، وأنه لا يجوز تأخيره مطلقًا
(1)
.
وبناء عليه لا يجوز اشتراط الخيار فيه؛ لأن خيار الشرط يقتضي تأجيل الثمن، ومقتضى عقد السلم وصحته تتطلب تعجيله، وحينئذ يكون خيار الشرط منافيًا لمقتضى العقد، فيرتد هذا بالبطلان عليه.
وذهب المالكية إلى اشتراط قبض رأس مال السلم في مجلس العقد إلا أنهم أجازوا تأخيره يومين أو ثلاثة أيام، ورأوا أن هذه المدة مدة يسيرة، وهي بحكم التسليم في المجلس لقربها منه.
وسوف تأتينا هذه المسألة إن شاء الله في باب السلم.
وبناء على هذا القول فإنهم أجازوا اشتراط الخيار في عقد السلم بمقدار المدة التي يجوز تأخير تسليم الثمن فيها: يومين أو ثلاثة أيام، بشرط ألا ينقد رأس المال في مجلس العقد؛ لأن نقده، ولو كان طوعيًا يجعل العقد يتردد بين الثمنية والسلفية وبين البيع والسلف.
(1)
انظر في مذهب الحنفية: المبسوط (12/ 143)، فتح القدير (7/ 97 - 98)، الفتاوى الهندية (3/ 178)، بدائع الصنائع (5/ 178)، تحفة الفقهاء (2/ 12).
وانظر في مذهب الشافعية: الأم (3/ 136)، أسنى المطالب (1/ 51)، حاشية البيجوري (1/ 688).
وانظر في مذهب الحنابلة: شرح منتهى الإرادات (2/ 37)، كشاف القناع (3/ 204)، المبدع (4/ 68).