الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
في مدة خيار الشرط
[م-493] اتفق عامة الفقهاء القائلين بجواز اشتراط الخيار في عقد البيع بأن المدة لابد أن تكون معلومة
(1)
، واختلفوا في مقدارها على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
الحد الأقصى الذي يجوز اشتراطه هو ثلاثة أيام فأقل، وهذا مذهب الحنفية
(2)
، والشافعية
(3)
.
القول الثاني:
ليس له قدر محدود في نفسه، وإنما يتقدر بقدر الحاجة، ولا يجوز الزيادة على قدر الحاجة، وهي تختلف باختلاف المبيع، والغرض من الخيار.
فهو في الدار الشهر ونحوه، وفي الرقيق: الخمسة أيام والجمعة، وما أشبه ذلك.
وفي الدابة: اليوم وما أشبهه، ولا بأس أن يشترط السير عليها البريد والبريدين ما لم يتباعد ذلك.
والفرق بينها وبين الرقيق: أنها لا تميز، فتكتم أخلاقها وأحوالها.
(1)
ذكر ابن مفلح في الفروع عن الإمام أحمد أنه يجوز شرط الخيار مطلقًا، وتبقى إلى قطعها، انظر الفروع (4/ 83).
(2)
تبيين الحقائق (4/ 14)، المبسوط (13/ 38)، بدائع الصنائع (5/ 174)، الجوهرة النيرة (1/ 191)، فتح القدير (6/ 298 - 299).
(3)
المجموع (9/ 223 - 224)، المنثور في القواعد (1/ 385)، أسنى المطالب (2/ 50).
وفي الثوب: اليومان والثلاثة.
كما أن المدة تختلف باختلاف الغرض من الخيار: فهناك فرق بين شرط الخيار لاختبار السلعة، وبين شرط الخيار لغرض المشورة، أو للتعرف على حقيقة الثمن غلاء ورخصًا.
ولو شرط في الخيار مدة زائدة عن قدر الحاجة بكثير فسد العقد
(1)
.
(1)
المنتقى للباجي (5/ 56)، إدرار الشروق على أنواء الفروق (3/ 282)، التاج والإكليل (6/ 302 - 303)، مواهب الجليل (4/ 411 - 412)، الخرشي (5/ 109 - 110)، الفواكه الدواني (2/ 84)، القوانين الفقهية (ص: 180).
وخلاصة المذهب المالكي أنهم يذهبون إلى تحديد المدة، فليست إرادة المتعاقدين مطلقة في تحديد المدة، ولكن بشيء من المرونة، فهم يختلفون عن الحنفية والشافعية الذين يجعلون الحد واحدًا في كل السلع، وعلى اختلاف الأغراض، فهم يقولون بالتحديد، ولكن ليس للسلع حد واحد، بل ذلك يحد بقدر الحاجة، وهو يختلف من سلعة إلى أخرى.
ويفسد العقد باشتراط مشاورة بعيدة، أو مدة زائدة عن قدر الحاجة.
هذا ملخص مذهب المالكية، فهو قول وسط بين مذهب الحنفية والشافعية الذين يجعلون الأجل فيه ثلاثة أيام كحد أعلى في كل السلع، وبين مذهب الحنابلة الذين يطلقون الحرية للمتعاقدين في تحديد مدة الخيار.
يقول الحطاب في مواهب الجليل (4/ 412): «ما ذكره المصنف من تحديد مدة الخيار وما بعدها هو المعروف وقال في اللباب: ومدته غير محدودة على المشهور حكاه عياض وفي المدونة: هي ما في الدار شهر يريد في سائر الرباع وفي الرقيق الخمسة الأيام والجمعة وشبه ذلك والدابة تركب اليوم ونحوه ولا بأس إذا كان الخيار للاختبار وإن كان للمشورة فيكون الأمد مقدار ما يشاور فيه انتهى. وكلام القاضي عياض في التنبيهات لأنه لا يقتضي ما ذكره عنه ونصه: وليس لأمده عندنا حد وقدر لا بد منه إلا بحكم السلعة التي تحتاج الخيار من تقص يجب عليها، وسؤال، واستشارة، واختبار، ولكل سلعة في الاختبار حالة بخلاف غيرها، عليه جرى تقدير أئمتنا ومشايخنا في أمد الخيار لعدم المشورة والرأي فيستوي أمد الخيار في ذلك بقرب ذلك وتساوي السلع فيه، ولعل قوله في اللباب: ومدته غير محدودة معناه: أنه ليس لها حد واحد كما يقول الشافعي
…
وأبو حنيفة: إنه ثلاثة أيام في جميع الأشياء والله أعلم ويؤيده قول ابن بشير ومذهبنا أنه ليس محدودًا بزمن مؤقت بل يختلف باختلاف المبيع فيطول إن احتيج إلى الطول ويقصر إذا أغنى في ذلك القصر».