الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيع الحاكم (القاضي) لخلاص الديون، أو على المفلس لقضائها، وكذلك بيع الوارث لخلاص الديون، وأما البيع من أجل الاقتسام فقولان، وهذا هو المشهور من مذهب المالكية
(1)
.
القول الثالث:
يبرأ في عيب باطن في الحيوان، عاقلًا كان أو غير عاقل، وهذا أظهر الأقوال عن الشافعي
(2)
، وهو قول مالك في الموطأ
(3)
.
القول الرابع:
لا يبرأ مطلقًا إلا أن يطلع عليه المشتري، ويسميه له، ويوقفه عليه، وهو قول لمالك
(4)
، وقول للشافعي
(5)
،
(1)
قال ابن عبد البر في الكافي (ص: 349): «لا يجوز بيع البراءة في شيء من السلع المأكولة والمشروبة، ولا غيرها من العروض كلها إلا الرقيق خاصة
…
» وانظر المدونة (4/ 349)، حاشية الدسوقي (3/ 119)، مواهب الجليل (4/ 439 - 440)، القوانين الفقهية (ص: 175)، بداية المجتهد (2/ 139)، فتح العلي المالك (1/ 360 - 361)، الفواكه الدواني (2/ 86). وقال القاضي عبد الوهاب في المعونة (2/ 1066) عن هذه الرواية:«وهذه هي الرواية المعتبرة، وعليها النظر» .
(2)
الأم (6/ 194)، المهذب (1/ 288)، حاشيتا قليوبي وعميرة (2/ 248)، الإقناع للشربيني (2/ 287)، السراج الوهاج (ص: 187)، مغني المحتاج (2/ 53)، دقائق المنهاج (ص:60).
(3)
جاء في الموطأ (2/ 613)، بداية المجتهد (2/ 139).
(4)
بداية المجتهد (2/ 139)، وقال في شرح ميارة (1/ 309):«الثاني - يعني من الأقوال في بيع البراءة - أنها لا تجوز في شيء من الأشياء، ذكره القاضي عبد الوهاب» . وانظر المعونة (2/ 1066).
(5)
المهذب (1/ 288)، السراج الوهاج (ص: 187)، مغني المحتاج (2/ 53).
وهو المشهور من مذهب الحنابلة
(1)
، وبه قال ابن حزم
(2)
، وجماعة
(3)
.
فإذًا الأقوال في المسألة أربعة:
يبرأ مطلقًا، وهو مذهب الحنفية.
لا يبرأ مطلقًا، وهو المشهور من مذهب الحنابلة.
يبرأ في الحيوان والرقيق، وهو المشهور عند الشافعية.
يبرأ في الرقيق خاصة، وهو المشهور من مذهب المالكية.
وقد ذكرنا أدلة كل قول في بحث سابق في باب الشروط في البيع، فأغنى عن إعادته هنا.
وقد رجحت في هذه المسألة وبينت أن أضعف الأقوال: القول بأن البائع ينفعه شرط البراءة إذا كان المبيع حيوانًا، سواء خص ذلك بالرقيق كما هو المشهور من مذهب المالكية، أو خص ذلك بالحيوان مطلقًا، عاقلًا كان أو غير عاقل كما هو المنصوص عن الشافعي في الأم، لأن شرط البراءة إذا نفع البائع في الحيوان، فغير الحيوان مقيس عليه.
ويبقى النظر في القولين المتقابلين: القول بأنه يبرأ مطلقًا كما هو مذهب الحنفية، أو القول بأنه لا يبرأ مطلقًا كما هو المشهور من مذهب الحنابلة، وفي كلا القولين قوة، فالحنفية يرون أنه من باب الإسقاط، فالمشتري يملك حق خيار الرد بالعيب، فإذا أسقط حقه سقط، والإبراء من الحق المجهول جائز،
(1)
الكافي في فقه ابن حنبل (2/ 93)، المبدع (4/ 60)، المحرر في الفقه (1/ 326)، المغني (4/ 129)، شرح منتهى الإرادات (2/ 34)، كشاف القناع (3/ 196).
(2)
المحلى، مسألة:(1557).
(3)
انظر الاستذكار لابن عبد البر (19/ 46 - 47).
والحنابلة يرون أن بعض العيوب قد تلحق ضررًا كبيرًا في المشتري، فلو دار في خلده أن يكون به مثل هذا الجنس من العيوب، أو مثل هذا القدر ما قبل البيع، واكتشاف هذا العيب بهذا الحجم يدل على أن العلم بالمبيع لم يكن متحققًا، وهو شرط في صحة البيع، فإذا لزمته الصفقة مع قيام هذا العيب المؤثر في ثمن السلعة والذي لم يعلم به العاقدان يعرض المشتري للغبن الفاحش، والغرر الكثير، ومثل هذا يؤثر في البيع.
هذان التعليلان متقابلان، وأرى أن كلًا من التعليلين له وجه، وإن كنت أميل إلى اعتبار قول الحنابلة لأن القول بعدم لزوم البيع لن يدخل البائع في غبن؛ لأن حقه في المبيع سيعود إليه غير منقوص في الوقت الذي نكون قد جنبنا المشتري من الوقوع في الغبن والضرر، والله أعلم.
* * *
المبحث العاشر
في ثبوت خيار الرد في العيب
من اشترى سلعة معيبة لم يعلم عيبها إلى وقت القبض، ثم وقف على العيب فيها، فإما أن تكون السلعة بحالها لم يطرأ عليها زيادة ولا نقص، أو يتعذر رد السلعة على البائع لكون المشتري قد تصرف فيها.
وهل للمشتري أن يطالب بالأرش مطلقًا، سواء تعذر رد السلعة المعيبة، أو لم يتعذر، وسواء كان ذلك برضا البائع، أو لم يرض.
أو ليس له الأرش إلا برضا البائع، أو عند تعذر رد السلعة.
كل هذه المسائل منها ما هو محل اتفاق بين الفقهاء، ومنها ما هو محل خلاف بينهم، وسوف نعرض لهذه المسائل مسألة مسألة، ونبين الراجح منها إن شاء الله تعالى، نسأل الله وحده عونه وتوفيقه.
* * *