الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي عشر
موانع الرد بالعيب
المانع الأول
الرضا بالعيب
[م-545] إذا تبين للمشتري بعد البيع أن السلعة معيبة، ورضي المشتري بالعيب فلا خيار له، كما لو علم بالعيب قبل الشراء، ورضي به.
ولا يكفي اطلاعه على العيب بل لا بد أن يعلم أنه عيب في السلعة، فلو اطلع على العيب ورضي به، ولم يعلم أن مثله يعتبر عيبًا فلا يعتبر اطلاعه عليه رضا.
قال في حاشية ابن عابدين:
(1)
.
والرضا بالعيب قسمان: صريح وكناية.
فالرضا الصريح: كأن يقول بعد اطلاعه على العيب رضيت به، أو أجزت البيع، أو أبرأت البائع، أو أسقطت خياري، فإذا نطق بالرضا فلا خيار له، وهذا باتفاق الفقهاء
(2)
.
(1)
حاشية ابن عابدين (5/ 34).
(2)
انظر بدائع الصنائع (5/ 282)، حاشية ابن عابدين (5/ 33 - 34)، تبيين الحقائق (4/ 35)، العناية شرح الهداية (6/ 366)، البحر الرائق (6/ 53)، حاشية الدسوقي (3/ 120)، التاج والإكليل (4/ 441)، الخرشي (5/ 139)، الفواكه الدواني (2/ 83)، الشرح الكبير (3/ 120)، روضة الطالبين (3/ 481)، حاشيتا قليوبي وعميرة (2/ 254)، المغني (4/ 109)، كشاف القناع (3/ 224).
لأن الرد حق له، فإذا أسقطه برضاه سقط.
ولأن الرد ثبت دفعًا للضرر عن المشتري، فإذا رضي بالضرر جاز البيع.
قال ابن تيمية: «إذا ظهر ما يدل على الرضا من قول أو فعل سقط خياره بالا تفاق»
(1)
.
والرضا الضمني أو الكناية:
بأن يصدر من المشتري بعد العلم بالعيب فعل يدل على الرضا به، كما لو استغل المبيع لغير ضرورة ولا تجربة
(2)
، أو عرضه للبيع.
فإن حصل مثل ذلك، فقيل: يسقط خياره، وهذا قول عامة أهل العلم
(3)
.
وقيل: لا يسقط خياره، وهو اختيار ابن حزم
(4)
.
(1)
مجموع الفتاوى (29/ 366).
(2)
أما إذا استغل المبيع للضرورة، كما لو اشترى ثوبًا، فلبسه، ثم وقف على عيبه، وهو في السوق، ولو خلعه لانكشفت عورته، أو استخدمه للتجربة بعد أن وقف على عيبه، فإن في هاتين المسألتين خلافًا في كون مثل ذلك مانعًا من الرد، وسوف نفردهما في البحث إن شاء الله تعالى، نسأل الله وحده عونه وتوفيقه.
(3)
الفتاوى الهندية (3/ 75)، بدائع الصنائع (5/ 282)، حاشية الدسوقي (3/ 21)، روضة الطالبين (3/ 481)، كشاف القناع (3/ 224)،
قال ابن قدامة في المغني (4/ 120): «فإن استغل المبيع، أو عرضه على البيع، أو تصرف فيه تصرفًا دالًا على الرضا قبل علمه بالعيب لم يسقط خياره
…
وإن فعله بعد عمله بعيبه بطل خياره في قول عامة أهل العلم».
(4)
قال ابن حزم في المحلى، مسألة (1586): «ولا يسقط ما وجب له من الرد: تصرفه بعد علمه بالعيب بالوطء، والاستخدام، والركوب، واللباس، والسكنى، ولا معاناته إزالة العيب، ولا عرضه إياه على أهل العلم بذلك العيب، ولا تعريضه ذلك الشيء للبيع
…
».
دليل الجمهور على سقوط الخيار:
الدليل الأول:
حكى الخرشي من المالكية الاتفاق على سقوط الخيار، قال رحمه الله:«وأما لبس الثوب، ووطء الأمة فهو رضا باتفاق»
(1)
.
ومع ثبوت الخلاف عن ابن حزم لا يثبت الاتفاق.
الدليل الثاني:
أن التصرف بالمبيع بعد الاطلاع على العيب دليل على رضاه به، ورغبته باستبقاء ملكه عليه، فينزل منزلة التصريح بقبوله إياه.
دليل ابن حزم على أن التصرف لا يسقط الخيار:
بأن الحق الثابت بالنص لا يسقطه إلا نص مثله، أو إجماع، وقد ثبت للمشتري حق الرد بالعيب بالنصوص الصحيحة الصريحة، فلا يسقطه إلا نص أو إجماع متيقن، ولا سبيل إلى وجودهما في هذه المسألة.
والراجح:
ما ذهب إليه الجمهور، وأن التصرف في المبيع واستعماله دليل على رضاه به معيبًا، إذ لو كان يرغب في رده لم يتصرف فيه تصرف الملاك مع كونه من مال الغير، فتصرفه في مال الغير مع رغبته في رده يعتبر من الاعتداء على مال الغير، فحماية لحق البائع اعتبر انتفاعه بمال غيره من قبيل الرضا بالعيب، وأن مثل هذا مسقط لخياره، والله أعلم.
* * *
(1)
الخرشي (5/ 139).