الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثاني:
الشرط المتقدم على العقد بمنزلة المقارن له.
وهذا هو مذهب المالكية
(1)
، ومذهب أهل الحديث كالإمام أحمد وغيره
(2)
، وهو قول في مذهب الشافعي
(3)
، وصححه ابن تيمية من الحنابلة
(4)
، وتابعه عليه ابن القيم، ونسبه قولًا للجمهور
(5)
.
القول الثالث:
التفريق بين الشرط المتقدم الرافع لمقصود العقد، وبين الزائد علاه أو المقيد
(1)
يرى المالكية أن بيع الخيار إن شرط فيه البائع على المشتري أن ينقد الثمن فإنه يفسد البيع، وسيأتي الكلام على هذه المسألة بخصوصها إن شاء الله تعالى، ونقل الحطاب في مواهب الجليل (4/ 417) عن التوضيح ما نصه:«إذا تواطئا على النقد قبل عقد البيع، ولم يشترطاه في عقد البيع فذلك بمنزلة المشروط، وهو واضح، بل لو فهم ذلك من غير تصريح به، فالظاهر أنه كالشرط، فتأمله» . اهـ فانظر كيف جعل الحطاب أنه لو فهم ذلك من غير تصريح قبل العقد، فهو بمنزلة المشروط في العقد.
وقال ابن تيمية رحمه الله، قال في الفتاوى الكبرى (4/ 108): «الشرط المتقدم على العقد بمنزلة المقارن له في ظاهر مذهب فقهاء الحديث أحمد وغيره، ومذهب أهل المدينة وغيره
…
».
وقال في مجموع الفتاوى حين تكلم عن بطلان نكاح المحلل (20/ 378): «وهذا موافق لأصول أهل المدينة، فإن من أصولهم: أن القصود في العقود معتبرة، كما يجعلون الشرط المتقدم كالشرط المقارن، ويجعلون الشرط العرفي كالشرط اللفظي» .
(2)
الفتاوى الكبرى (4/ 108)، الإنصاف (8/ 154)،.
(3)
قال الزركشي في المنثور (1/ 412): «التواطؤ قبل العقد ليس بمنزلة المشروط فيه على الأصح» . فقوله: على الأصح يقابله القول المرجوح، وهو أن العقد المتقدم كالمقارن.
(4)
قال مجموع الفتاوى (32/ 108): «وإذا اشترط الأجل قبل العقد فهو كالشرط المقارن في أصح قولي العلماء» . وانظر القواعد النورانية (ص: 221).
(5)
إعلام الموقعين (3/ 77).
له، فإن كان رافعًا كان الشرط المتقدم مؤثرًا، كما لو تواطأ العاقدان على كون العقد تلجئة، أو تحليلًا فإن العقد يبطل.
وإن لم يكن رافعًا بل كان مقيدًا له أو زائدًا عليه، كاشتراط كون المهر أقل أو أكثر من المسمى، فاشتراط الخيار لا يؤثر، وهذا قول طائفة من أصحاب أحمد، كالقاضي أبي يعلى
(1)
.
إذا علم هذا نأتي إلى مسألتنا بخصوصها:
[م-499] فإذا اشترط العاقد الخيار قبل الجلوس لإبرام العقد، ثم وقع بينهما العقد مطلقًا من غير اشتراط الخيار، فهل يثبت الخيار؟
في ذلك خلاف بين أهل العلم:
القول الأول:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يلزم الوفاء به.
وهذا مذهب الحنفية والشافعية، واختاره بعض المالكية، وبعض الحنابلة.
قال ابن نجيم: «لو قال: جعلتك بالخيار في البيع الذي نعقده، ثم اشترى مطلقًا لم يثبت كما في التتارخانية»
(2)
.
وجاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: «اشتراط الخيار بعد العقد، وهذا لا حكم له، فإذا قال شخص لآخر: خيرتك في البيع الذي سنعقده، ثم وقع بينهما العقد مطلقًا أي بغير اشتراط الخيار فلا يثبت بذلك خيار»
(3)
.
(1)
مجموع الفتاوى (32/ 166)، القواعد النورانية (ص: 221)، شرح الزركشي (5/ 142).
(2)
البحر الرائق (6/ 3).
(3)
درر الحكام شرح مجلة الحكام (1/ 291).
ومثله عند الشافعية، قال النووي في المجموع:«الشرط المقارن للعقد يلحقه فإن كان شرطًا صحيحًا لزم الوفاء به وإن كان فاسدًا أفسد العقد، وأما الشرط السابق فلا يلحق العقد ولا يؤثر فيه فلا يلزم الوفاء به ولا يفسد العقد به إن كان شرطًا فاسدًا؛ لأن ما قبل العقد لغو هكذا نص عليه، وقطع به الأصحاب»
(1)
.
وقال ابن مفلح في المبدع: «الثاني: خيار الشرط، وهو أن يشترطاه في العقد، وظاهره لو اتفقا قبله لم يلزم الوفاء به»
(2)
.
وقال في مطالب أولي النهى: «خيار شرط: وهو أن يشترطاه في العقد، أو بعده زمن الخيارين»
(3)
.
ومفهومه أنه لو اشترطه قبل العقد لم يصح؛ لأنه لم يذكر إلا وقتين لصحة اشتراطه: اشتراطه في صلب العقد، أو بعده في زمن الخيارين، ولم يذكر اشتراط الخيار قبل العقد بما يفيد أنه لا يلزم لو اشترطه قبل العقد.
وقال المرداوي وهو يتكلم عن الشروط في البيع: «ومحل هذه الشروط أن تقع مقارنة للعقد»
(4)
.
وشرط الخيار هو شرط في البيع، لأنه لا يثبت إلا باشتراط المتعاقدين أو أحدهما.
وقال في مواهب الجليل: «إما أن يكون موجب الخيار مصاحبًا للعقد، أو متقدمًا عليه.
(1)
المجموع (9/ 461).
(2)
المبدع شرح المقنع (4/ 67).
(3)
مطالب أولي النهى (3/ 88).
(4)
الإنصاف (4/ 354).
والأول: هو التروي (يعني: خيار الشرط). والثاني: خيار النقيصة (يعني: خيار العيب وخيار الاستحقاق)»
(1)
.
فجعل موجب خيار الشرط مصاحبًا للعقد، ويفهم منه: أنه لا يصح قبله، ولا بعده.
وقال في منح الجليل: «إنما يثبت الخيار في إمضاء البيع ورده لأحد المتعاقدين، أو لهما، أو لغيرهما بشرط في عقد البيع»
(2)
.
فنص على أن الشرط يكون في عقد البيع، أي لا قبله، ولا بعده.
وقال ابن عبد البر: «من لم يشترط الخيار في عقد صفقته لم يجب له»
(3)
.
ومفهومه: أنه لو اشترطه قبل عقد صفقته أو بعده لم يجب له، بل لا بد أن يشترط الخيار في عقد الصفقة.
إذا عرفنا هذا القول، فما هو دليله على أنه لا يجوز أن يتقدم الخيار على العقد:
قالوا: «لا يصح اشتراط الخيار قبل إجراء العقد، إذ الخيار كالصفة للعقد، فلا يذكر قبل الموصوف»
(4)
.
(ح-430) وروى البخاري من طريق الزهري، عن سالم بن عبد الله،
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ابتاع نخلًا بعد أن تؤبر،
(1)
مواهب الجليل (4/ 409).
(2)
منح الجليل (5/ 112).
(3)
الكافي لابن عبد البر (ص: 343).
(4)
انظر الموسوعة الكويتية (20/ 80).