المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: أسباب نشأة الاتجاه التغريبي - النظريات العلمية الحديثة مسيرتها الفكرية وأسلوب الفكر التغريبي العربي في التعامل معها دراسة نقدية - جـ ١

[حسن الأسمري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع:

- ‌أسباب الاختيار:

- ‌أهداف الموضوع:

- ‌الدراسات السابقة حول الموضوع:

- ‌أولًا: الكتب الإسلامية التي تكون بعنوان:الدين والعلم، أو القرآن والعلم، أو الإِسلام والعلم، وما في معناها وبابها

- ‌ثانيًا: الكتب التي تناولت بعض موضوعات البحث:

- ‌ثالثًا: "منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير

- ‌رابعًا: الكتب التي تدور حول الفكر العربي المعاصر ومذاهبه:

- ‌خامسًا: الكتب المتخصصة في مشكلة البحث:

- ‌منهج البحث

- ‌خطة البحث:

- ‌التمهيد

- ‌أولًا: النظرية العلمية

- ‌ثانيًا: أسباب نشأة الاتجاه التغريبي

- ‌ثالثًا: الموقف الإسلامي من العلوم التجريبية وأمثالها

- ‌الباب الأول نشأة الانحرافات المرتبطة بحركة العلم الحديث وظهورها في العالم الإسلامي

- ‌الفصل الأول تعريف موجز بالثورة العلمية الحديثة وما ارتبط بها من نظريات مخالفة للدين وأثرها

- ‌أولًا: مصطلح أو مفهوم "الثورة العلمية

- ‌ثانيًا: ما قبل الثورة العلمية الحديثة "ممهدات الثورة العلمية

- ‌[1] التركة الأرسطية المتغلغلة في أواخر العصور الوسطى الأوروبية ومحاولتهم تجاوزها:

- ‌[2] الأمر الداخلي: أثر عصر النهضة والإصلاح الديني:

- ‌أ- عصر النهضة وحركة الإنسانيين:

- ‌ب- الإصلاح الديني:

- ‌[3] الأمر الخارجي: أثر العلم المنقول من بلاد المسلمين في ظهور الثورة العلمية:

- ‌ثالثًا: الثورة العلمية

- ‌معالم الحدث في الكتابات الفكرية

- ‌[1] البداية من علم الفلك:

- ‌أ- علم الفلك القديم:

- ‌ب - علم الفلك الجديد وشخصياته:

- ‌1 - مولد النظرية مع كوبرنيكوس:

- ‌2 - إحراق برونو يُشهر النظرية:

- ‌3 - براهي والبحث عن الأدلة:

- ‌4 - كبلر: للسعي للتوفيق واكتشاف القوانين:

- ‌ج- دور جاليليو:

- ‌1 - استعمال جاليليو للتلسكوب وآثار ذلك:

- ‌2 - صراعات جاليليو والمظهر الفكري الذي تبعها:

- ‌[2] قنطرة بيكون وديكارت والتأسيس المنهجي للثورة الفكرية والعلمية:

- ‌أ- فرانسيس بيكون:

- ‌ب- ديكارت:

- ‌[3] نيوتن وظهور أشهر ثاني نظرية في العلم الحديث:

- ‌أ- كتاب "المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية

- ‌ب- القوانين والنظرية:

- ‌ج- النقاش حول علاقة العلم بالدين:

- ‌د- أثر نيوتن في الفكر الغربي:

- ‌رابعًا: ما بعد الثورة العلمية (1) "القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي

- ‌[1] أبرز التطورات العلمية:

- ‌[2] التحول إلى العلمنة:

- ‌[3] تيارات الفكر المشهورة وعلاقتها بالعلم:

- ‌أ- التياران الموروثان "العقلاني والتجريبي

- ‌ب- الفلسفة النقدية الكانطية:

- ‌ج- الاتجاه المادي:

- ‌د- التنوير:

- ‌[4] الثورة الفرنسية العلمانية (1789 م):

- ‌خامسًا: ما بعد الثورة العلمية (2) "القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي

- ‌[1] تيارات الفكر المشهورة:

- ‌أ- اليسار الهيجلي:

- ‌ب- نقاد الدين ونصوصه الجدد:

- ‌ج- الوضعية:

- ‌[2] النشاط العلمي في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر:

- ‌[3] نظرية التطور الدارونية وأبعادها الفكرية والاجتماعية:

- ‌أ- مصطلح التطور:

- ‌ب- تشارلس داروين (1809 - 1882 م):

- ‌ج- من إشكاليات النظرية الدارونية في مفهوم العلم:

- ‌د- من النظرية إلى المذهب:

- ‌هـ - موقف الكنيسة والعلماء من النظرية:

- ‌[4] البحث عن حدود النظرية العلمية والدين:

- ‌أ- مفهوم النظرية:

- ‌ب- مع الدين وضدّه:

- ‌سادسًا: ما بعد الثورة العلمية (3) (القرن الرابع عشر الهجري/ العشرون الميلادي)

- ‌[1] المستجدات في العلوم الاجتماعية "علم الاجتماع وعلم النفس

- ‌أ- علم الاجتماع:

- ‌ب- علم النفس:

- ‌ج- العلاقة بين الدين والعلوم البشرية من جهتي الخبر والشرع:

- ‌[2] نظريتا النسبية والكوانتم وثورة جديدة في الفيزياء:

- ‌أ- تحولات في الفيزياء "أشياء صغيرة تدفع العلم نحو التواضع

- ‌ب- تجربة مايكلسون ومورلي ومولد النظرية النسبية

- ‌1 - الأثير لا يصمد أمام التجربة:

- ‌2 - من التجربة إلى النظرية النسبية:

- ‌3 - علاقة النظرية بالواقع المعاصر:

- ‌ج- اكتشاف الذرة ومولد نظرية الكم:

- ‌1 - قصة عالم الذرة:

- ‌2 - من آثار النظرية:

- ‌د- خاتمة حول الفيزياء المعاصرة:

- ‌[3] علاقة العلم بالفكر في القرن "الرابع عشر/ العشرين م

- ‌أ - طبيعة النظرية العلمية وحدودها "طبيعة المعرفة العلمية وحدودها

- ‌1 - نقاد العلم:

- ‌2 - فلسفة العلوم أو الإبستمولوجيا:

- ‌3 - الوضعية المنطقية:

- ‌4 - فلسفة العلم في الفكر العربي:

- ‌5 - نحو نظرية معرفة جديدة:

- ‌ب- انقلاب فكري ضدّ الوضعية العلموية وتيارات المعرفة المادية:

- ‌ج - عصر جديد لعلاقة العلم بالايمان في الفكر الغربي:

- ‌الفصل الثاني أسباب وجود الانحراف المصاحب للتطور العلمي الحديث

- ‌الفرق بين أسباب تقدم العلم وبين أسباب الانحراف به وأهمية بحثها

- ‌أمثلة تبين المقصود بمفهوم الانحراف بالعلم

- ‌المثال الأول: إنسان بِلتْداون:

- ‌المثال الثاني: التولد الذاتي:

- ‌ما بين الرؤية الكنسية والرؤية العلمانية للعلم وأثر ذلك في الانحراف بمسيرة العلم

- ‌الأول: دور الكنيسة في إفساد العلاقة بين الدين والعلم

- ‌دخول النصرانية للغرب واحتواء لاهوتها على معارف علمية:

- ‌العداء بين الكنيسة وطوائف اجتماعية جديدة:

- ‌تمثيل الكنيسة للموقف الديني في الصراع بين الدين والعلم وأثره:

- ‌المواقف الأربعة للكنيسة من العلم الحديث وما تضمنته من إشكالات:

- ‌حالة المعاناة من الكنيسة وظهور العلمانية:

- ‌المثال الأول: باب المعجزات:

- ‌المثال الثاني: اعتقادات النصارى حول الأرض:

- ‌الثاني: دور العلمانية في الانحراف بمسيرة العلم

- ‌التحول نحو العلمنة في أوروبا:

- ‌أ- العلاقة المشبوهة:

- ‌ب - الحل العلماني من كونه فصلًا إلى كونه رؤية:

- ‌ج - ظهور الدولة العلمانية القومية، وأثرها في الانحراف بمسيرة العلم:

- ‌د - التيار العلمي في ظل السيطرة العلمانية:

- ‌1 - أثر نشأة العلم في البيئة العلمانية:

- ‌2 - قناعة التيار العلمي بأهمية الفصل بين الدين والعلم:

- ‌3 - ظهور طائفة من العلماء الماديين والملحدين وأثرهم:

- ‌الثالث: دور الفكر المادي في انحراف العلم

- ‌أ - ما المادية

- ‌ب - التطور العلمي والتوسع في التصورات المادية:

- ‌ج - صورة العلاقة بين المادية والعلم الحديث:

- ‌مادية القرن الثامن عشر والتاسع عشر:

- ‌د - المنهجية المادية للانحراف بالعلم:

- ‌أولًا: آلية الربط للحصول على السند العلمي:

- ‌ثانيًا: آلية التعميم لاستغلال العلوم الحديثة:

- ‌ثالثًا: نماذج من انحرافات الاتجاه المادي بالعلم "الفيزياء - الأحياء - الرياضيات

- ‌1 - مفهوم القانون العلمي في الفيزياء:

- ‌2 - ظاهرة الحياة في الأحياء:

- ‌3 - إقحام المادية في الرياضيات:

- ‌هـ - التوظيف المادي للعلم من أجل إلغاء الدين:

- ‌الرابع: دور المذهب التجريبي الحسي والوضعي

- ‌الاتجاه التجريبي والعلم التجريبي -وهم التسمية وحقيقة الاتجاه:

- ‌المؤسسون للمنهج وتصورهم للعلم:

- ‌ما بين الميتافيزيقا والعلم عند الاتجاه التجريبي:

- ‌كونت والدعوة الوضعية:

- ‌الوضعية المنطقية في القرن الرابع عشر/ العشرين:

- ‌مبدأ التحقق

- ‌الخامس: دور اليهود

- ‌الأحداث الثلاثة التي مكنت لليهود في الفكر الحديث:

- ‌يهودي دون ديانة يهودية

- ‌نموذج للدور اليهودي في الانحراف بمسيرة العلم الحديث:

- ‌نموذج فرويد ونظرياته في علم النفس:

- ‌أ- من داروين إلى فرويد:

- ‌ب- فرويد وظاهرة "اليهودي الملحد

- ‌ج- علاقة فرويد باليهود واليهودية:

- ‌أولًا: العلاقة باليهود:

- ‌ثانيًا: علاقته باليهودية:

- ‌د- جماعة التحليل النفسي: جماعة علمية أم جماعة يهودية

- ‌حادثة انشقاق كارل يونغ:

- ‌هـ - النظرية العلمية -صورة للاستثمار اليهودي:

- ‌1 - علاقة الفرويدية باليهودية وكتبها المقدسة:

- ‌2 - استثمار النظرية العلمية في إنكار العقائد والقيم:

- ‌الفصل الثالث تاريخ تكون الانحرافات المصاحبة لحركة العلم الحديث في العالم الإِسلامي وتأثيرها في الفكر التغريبي العربي المعاصر

- ‌أولًا: تغير العالم ببعثة الرسول محمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌ظهور أمة الإِسلام ودورها في إنقاذ العالم:

- ‌ثانيًا: موجز لصورة العلوم في الحضارة الإِسلامية

- ‌القسم الأول: العلوم النقلية:

- ‌القسم الثاني: العلوم الحكمية:

- ‌العلوم السبعة:

- ‌خلاصة صورة التعرف الأولي علي علوم الأمم السابقة:

- ‌ثالثًا: الضعف والتخلف وانحسار مفهوم أمة العلم وظهور الدعوات الإصلاحية

- ‌1 - الانكسار في خط المسار:

- ‌2 - المخاض العسير لدخول العصر الحديث:

- ‌3 - البحث عن مخرج لأزمتي الانحراف والتخلف:

- ‌رابعًا: تجارب الولايات الإِسلامية للتحديث وطلب العلوم العصرية "المرحلة الأولى

- ‌1 - تجربة الدولة العثمانية:

- ‌2 - تجربة الهند الإِسلامية:

- ‌خامسًا: تجارب الولايات الإِسلامية "المرحلة الثانية

- ‌1 - الحملة الاستعمارية الحديثة الأولى لبلاد المسلمين "الحملة الفرنسية

- ‌الحملة العلمية المصاحبة لجيش بونابرت ومجمعها العلمي:

- ‌مواقف جديدة لبعض شيوخ الأزهر من العلوم العصرية:

- ‌أ - عبد الرحمن الجبرتي:

- ‌ب- حسن العطار:

- ‌2 - ولاية محمَّد علي باشا، ثم أولاده من بعده:

- ‌أدوات محمَّد علي في تحصيل العلوم العصرية:

- ‌أ- الاستعانة بالأجانب

- ‌ب- مشروع الابتعاث لأوروبا:

- ‌ج- إنشاء المدارس الفنية في مختلف التخصصات:

- ‌د- المدارس الأجنبية "مدارس الإرساليات

- ‌هـ - مشروع الترجمة:

- ‌و- المطبعة وما ارتبط بها من ظهور الصحافة العلمية والفكرية:

- ‌خلاصة التجربة:

- ‌3 - السلاطين الشباب في الدولة العثمانية ومغامرات الإصلاح:

- ‌1 - السلطان محمود الثاني:

- ‌2 - السلطان عبد المجيد:

- ‌3 - السلطان عبد العزيز:

- ‌سادسًا: تجربة بلاد المغرب

- ‌1 - تجربة تونس:

- ‌أ- المدرسة الحربية والصادقية:

- ‌ب- خير الدين التونسي:

- ‌2 - تجربة المغرب:

- ‌أ- تنبيه النخبة بأهمية العلوم العصرية:

- ‌ب- إصلاح التعليم أو توسيع دائرته:

- ‌سابعًا: تجربة فارس

- ‌تكوين نظام علمي موازي للنظام القديم:

- ‌ثامنًا: تعرّف المجتمع الإسلامي على العلوم العصرية ونظرياتها

- ‌1 - طُرق تعرف المجتمع على العلوم العصرية وما ارتبط بها من مشكلات:

- ‌2 - تاريخ دخول النظريات العلمية ذات الإشكالات للعالم الإسلامي:

- ‌الفصل الرابع أسباب دخول الانحرافات المصاحبة لحركة العلم الحديث إلى البلاد الإسلامية

- ‌أولًا: ضعف مؤسسات الأمة العلمية

- ‌الاحتياجات المعرفية الجديدة وعدم قدرة المؤسسات التعليمية على تلبيتها:

- ‌نموذج الأزهر:

- ‌قصة الوالي العثماني مع الأزهر ودلالاتها:

- ‌مشكلات ذاتية للمؤسسات العلمية الإِسلامية:

- ‌الاحتلال الفرنسي ثم ولاية محمَّد علي وآثار ذلك على الأزهر:

- ‌بوادر الاختلاف داخل الأزهر ومطلب التحديث:

- ‌أثر جمال الدين الأفغاني:

- ‌دار الدعوة والإرشاد والمشاريع الجديدة:

- ‌ثانيًا: المدرسة الحديثة ومدارس الأقليات

- ‌الفصل والانفصال: الفصل بين المجالين الديني والدنيوي، والانفصال عن هوية الأمة:

- ‌دور مدارس الأقليات:

- ‌ثالثًا: دور الصحافة (نشأتها وتمكن النصارى منها وتوجيههم التغريبي لها)

- ‌ظروف نشأة الصحافة وأثر ذلك على الانحراف بمسيرة العلم الحديث:

- ‌النموذج الأول، مجلة المقتطف -النظريات الجديدة:

- ‌المثال الأول: نظرية الفلك الجديدة ومسألة دوران الأرض:

- ‌صدى المشكلة عند بعض المسلمين:

- ‌المثال الثاني: داروين ونظرية التطور:

- ‌النموذج الثاني: مجلة الجامعة العثمانية "الجامعة" لفرح أنطون -الإطار العلماني:

- ‌رابعًا: التيارات الفكرية الوافدة وتنظيماتها كالماسونية والسيمونية

- ‌[1] الدور الماسوني:

- ‌[2] أتباع سان سيمون

- ‌خامسًا: دور الاستعمار

- ‌سياسة التعليم الاستعمارية:

- ‌1 - تهيئة بيئة تسمح بتسرب الانحرافات وتغذي حركتها:

- ‌2 - صناعة الازدواجية في التعليم وعلمنته:

- ‌3 - ترسيخ الهزيمة النفسية في مجال التعليم:

- ‌4 - تحول المؤسسة العلمية في منبع لتوليد التيارات التغريبية:

- ‌5 - فتح الباب للنظريات الاجتماعية:

- ‌سادسًا: بيئة ثقافية جديدة وحضور التيار التغريبي فيها

- ‌الفصل الخامس أبرز المواقف العلمية والفكرية في العالم الإسلامي من العلوم الحديثة ومناهجها

- ‌تمهيد الأصول الثقافية للوضع المعاصر

- ‌فترة التحولات واضطراباتها ومشروع الشيخ حسين الجسر

- ‌المبحث الأول موقف الاتجاه السلفي الداعي للتأصيل الإِسلامي للعلوم الحديثة

- ‌أولًا: الشيخ محمود شكري الألوسي

- ‌1 - الموقف من النظرية الجديدة في الهيئة:

- ‌2 - السعي إلى التأصيل الإِسلامي لهذه العلوم:

- ‌ثانيًا: الشيخ عبد الرحمن السعدي

- ‌1 - تأكيد دخول العلوم الصحيحة النافعة العصرية في الإِسلام، وأثر إدراك هذا المقصد

- ‌2 - خطورة ابتعاد العلوم الصحيحة النافعة العصرية عن الدين وحاجتنا إلى تقريبها من الدين:

- ‌ثالثًا: الشيخ محمَّد الشنقيطي

- ‌موقف الشيخ من الحضارة الغربية والعلوم الدنيوية التي برعت فيها:

- ‌1 - القرآن فيه تبيان كل شيء وهو يهدي للتي هي أقوم:

- ‌2 - الموقف من العلوم الدنيوية وكيف نحولها إلى أشرف العلوم:

- ‌رابعًا: الشيخ عبد العزيز بن باز

- ‌دعوة التأصيل الإِسلامي للعلوم الحديثة

- ‌1 - الوعي باختلاف أرضيات العلوم:

- ‌2 - الوعي بمشقة المشروع:

- ‌3 - قوة التماسك في منهج التنظير وفي العمل التطبيقي:

- ‌المبحث الثاني موقف الاتجاه العصراني الداعي لتأويل ما توهم تعارضه من النصوص الشرعية مع العلم الحديث

- ‌أولًا: ما الاتجاه العصراني

- ‌ثانيًا: ظهور الاتجاه العصراني وحقيقة منهجه:

- ‌ثالثًا: النموذج الهندي العصراني:

- ‌رابعًا: النموذج العربي العصراني:

- ‌المبحث الثالث موقف الاتجاه التغريبي الداعي لتقديم العلم وعدم ربطه بالدين

الفصل: ‌ثانيا: أسباب نشأة الاتجاه التغريبي

‌ثانيًا: أسباب نشأة الاتجاه التغريبي

لقد تعرفنا على مفهوم العلم ومفهوم النظرية العلمية، وعلى الوضع الجديد للعلم في الحضارة الغربية بعد أن تسلّمته من الحضارة الإِسلامية، ولاسيّما في إظهار نوع واحد من العلم على أنه الجدير بالتسمية العلمية وأما ما سواه فلا يكون علمًا، وهو مشكلة خطيرة نجح الغرب الحديث في تجذيرها في مفهوم العلم، ويعود السبب إلى الرؤية العلمانية التي طغت على الحياة الغربية وأخذ بها أغلب علمائهم ومفكريهم، وترسخت مع السنين، وأصبحت جسمًا ضخمًا يؤثر على المنضمين الجدد إلى ميدان العلم والفكر.

ومن أخطر المشكلات الفكرية الحديثة ما وقع من انحراف تيارات فكرية علمانية بالعلم، فقد نشأ العلم الحديث قريبًا منها، فقامت هذه التيارات باستغلاله ومحاولة توجيه نظرياته والتأثير في مسيرته بما يخدم رؤيتها العلمانية. وإذا كانت هذه التيارات لا تجد في حقائقه البيّنة فرصة تستغلها فإنها قد وجدت في فرضياته ونظرياته وفلسفته تلك الفرصة، فظهرت تيارات فكرية مادية وإلحادية وظّفت العلم في مصلحتها وبما يحقق رسالتها. والخطير في الأمر أنها أصبحت نموذجًا يُحتذى، ولاسيّما بعد أن أصبح الغرب قبلة طالبي التقدم الدنيوي، فجاء الناس إليهم من كل مكان، فاستقبلتهم تلك التيارات الفكرية وأثّرت فيهم أيّما تأثير، وعادوا إلى بلادهم محملين بالرؤية العلمانية الجديدة، ومن هؤلاء أصحاب الفكر التغريبي العربي.

° تعريف التغريب:

التغريب مصطلح حديث للدلالة على تيارات فكرية حديثة، وللدلالة على

ص: 47

وجهة جديدة في التصور والفكر والحياة، وبالعودة إلى المكتبة التراثية لا نجد فيها مثل هذا المصطلح بمثل هذا المحتوى الجديد.

فمادة "غَرَبَ" و"تغريب" في اللغة والاصطلاح بعيدة عن المفهوم الجديد للتغريب، قال الفيروز آبادي:"الغَرْبُ: المغْرِبُ، والذهابُ، والتنحي، وأول الشيء، وحدّهُ، كغُرابِهِ، والحِدّةُ، والنشاط، والتمادي، والراوية، والدلو العظيمة، وعِرْق في العين يسقي لا ينقطع، والدمع، ومسيلُهُ، أو انهلاله من العين، والفيضة من الخمر ومن الدمع، وبثْرة في العين، وورم في المآقي، وكثرة الريق،. . . . ويوم السقي، والفرس الكثير الجري، ومُقْدِمُ العين، ومُؤْخِرُها، والنّوى والبُعد، كالغَرْبَةِ وقد تَغَرَّبَ. وبالضم النزوح عن الوطن، كالغُرْبَةِ والاغْتراب والتَّغَرُّبِ،. . . . وتَغَرَّبَ: أتى من الغرب. . . . وغَرَبَ: غاب، كغرّب، وبَعُدَ. واغْتَرَب: تزوج في غير الأقارب. . . ."(1).

وفي الاصطلاح الفقهي نجد التغريب للزاني، قال ابن الأثير:"التَّغْريب: النَّفْي عن البلد الذي وَقَعت فيه الجِناية. يُقال: أغْرَبْتُه وغَرَّبْتُه: إذا نَحَّيْتُه وأبْعَدْتُه. والغَرْب: البُعْد"(2).

ويمكن أن نأخذ مما سبق بعض المعاني للدلالة على المصطلح الجديد، ولاسيّما "الذهاب والتنحي، النشاط، التمادي، البعد، النزوح عن الوطن"، ففيها دلالات على مفهوم التغريب الحديث من بعض الوجوه.

وبما أن التغريب في أساسه بدأ بصفته مشروعًا غربيًا قامت به دول الغرب نحو البلاد غير الغربية (3)، فقد كانت نشأة المصطلح هناك، تحت لفظة " westernization"، وترجمتها في القواميس:"يتغرب، يجعله غربي السمة أو الثقافة، يصبح غربي السمة أو الثقافة"، وتطلق لفظة " westerner"، على المستغرب المنادي بضرورة الأخذ بالثقافة الأوروبية الغربية (4)، فيكون في

(1) القاموس المحيط، الفيروز آبادي، مادة (غرب) ص 153 - 154.

(2)

النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، مادة (غرب) 3/ 349.

(3)

انظر: الإِسلام، الغرب وحوار المستقبل، محمَّد محفوظ ص 25، وانظر: رحلة الفكر الإِسلامي. . . .، د. السيد محمد ص 164 - 188.

(4)

انظر: القواميس، ومن ذلك: المورد، بعلبكي ص 1056، أكسفورد - Oxford، مادة (westernization)، ص 1355.

ص: 48

أساسه مصطلحًا غربيًا في حاجة للترجمة العربية اللغوية والاصطلاحية.

والتعريف القاموسي منطبق بدرجة كبيرة على المعنى الاصطلاحي الفكري للتغريب، فهو مفهوم يحوي على دلالتين مهمتين: الأولى أن هناك من يسعى للتغريب؛ أي: هناك من يقوم بالمشروع؛ والثانية نتيجة للأولى وهي وجود طائفة قد قبلت الدعوة واستجابت لها فأصبحت متغربة، حتى وإن لم تمارس الدعوة إلى التغريب. ففي الدلالة الأولى نجد طرفين: الطرف الغربي ومن استجاب له من المدعوين وشاركه في الدعوة، بينما الثانية خاصة بالمدعوين فقط.

وبالنظر للدراسات العربية حول هذا المصطلح الجديد نجد منها النماذج الآتية:

يتحدث المفكر البارز "د. محمَّد حسين" المهتم بهذا الباب عن الزحف الغربي نحو الشرق عن طريق الغربيين أنفسهم أو عن طريق من تأثر بهم، فـ"ظهر في معجم السياسة والحضارة ما يسميه الغربيون ومفكروهم بالـ" westernization" وما يمكن أن نسميه بالتغريب؛ أي: طبع المستعمرات الآسيوية والأفريقية بطابع الحضارة الغربية. وجهود الاستعمار في هذا تشمل المسلمين وغير المسلمين من أهل المستعمرات، ولكن جهدهم الأكبر وعنايتهم الأوفر كانت للمسلمين بخاصة؛ لارتباط حياتهم في مختلف مناشطها بالدين" (1).

أما "د. السيد محمَّد الشاهد" فبعد النظر في المدلولات العربية التراثية للتغريب والنظر في الحملة الغربية توصل إلى تعريف، فقد عرَّف "التغريب الثقافي بأنّه وقوع ثقافة مجتمع ما تحت تأثير ثقافة غربية أقوى منها عن طريق الاحتكاك الثقافي غير المتوازن بهدف إبعاد هذه الثقافة عن جذورها وتغيير أهم معالمها فتصبح غربية عن أصولها الاجتماعية التي نشأت وتكونت فيها وميزت مجتمعها عن المجتمعات الأخرى، أو هو محاولة لإبعاد المجتمع عن ثقافته الأصلية وإرغامه بطرق غير مباشرة على قبول ثقافة غريبة عنه"(2).

وعرَّفت موسوعة إسلامية مهمة التغريب فقالت: "التغريب هو تيار فكري ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وفنية، يرمي إلى صبغ حياة الأمم بعامة،

(1) الإِسلام والحضارة الغربية، د. محمَّد حسين ص 41 - 42.

(2)

رحلة الفكر الإِسلامي. . . .، د. السيد محمد ص 151 - 152.

ص: 49

والمسلمين بخاصة، بالأسلوب الغربي، وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة وخصائصهم المتفردة وجعلهم أسرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية" (1).

ويربط الدكتور "علي النملة" بين التغريب والتنصير أثناء حديثه عن التنصير فيقول: "وذلك بالسعي إلى نقل المجتمع المسلم في سلوكياته وممارساته، بأنواعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأسري والعقدي، من أصالتها الإِسلامية، إلى تبني الأنماط الغربية في الحياة، وهي المستمدة من خلفية دينية نصرانية أو يهودية. وفي هذا يقول سيرج لاتوش، في كتابه تغريب العالم: إن تغريب العالم كان لمدة طويلة جدًا -ولم يكف كليًا عن أن يكون- عملية تنصير، إن تكريس الغرب نفسه للتبشير بالمسيحية يتضح تمامًا قبل الحروب الصليبية الأولى، في انطلاقات التنصير قسرًا، وإن مقاومة شارل مارتل في بواتييه، وأكثر من ذلك تحويل السكسون إلى المسيحية بوحشية على يد القديس بونيفاس (680 - 754 م): ألا يشكل ذلك الحرب الصليبية الأولى، وأقصد القول بأنه شهادة لتأكيد ذاتية الغرب كعقيدة وكقوة؟. وهكذا، نجد أن ظاهرة المبشّرين بالمسيحية هي بالتأكيد حقيقة ثابتة للغرب، باقية في ضميره بكل محتواها الديني، يجدها الإنسان دائمًا في العمل تحت أكثر الأشكال تنوعًا، واليوم أيضًا، فإن أغلب مشروعات التنمية الأساسية في العالم الثالث تعمل بطريق مباشر أو غير مباشر تحت شارة الصليب"(2).

وعرَّفه الكاتب "محمد محفوظ" فقال عنه: التغريب "ويضم هذا التيار مجموع القوى والشخصيات التي انطلقت في عملها الفكري أو الاجتماعي أو السياسي من منطلق عقدي أو فكري ينتمي حضاريًا للغرب، فهو يضم كل المنبهرين بالحضارة الغربية، الذين ربطوا مصيرهم بمصير الغرب سياسيًا وحضاريًا كما يضم التيار الماركسي، الذي حاول انطلاقًا من مقولات ثابتة أن يمارس عملية النقد والتشريح للنظام الرأسمالي الغربي. ."(3).

فمن مجموع هذه التعريفات والرؤى نستخلص الآتي:

(1) الموسوعة الميسرة. . . .، عن الندوة العالمية للشباب الإِسلامي 2/ 698.

(2)

التنصير مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته، علي النملة ص 57 - 58.

(3)

الإِسلام، الغرب وحوار المستقبل، محمَّد محفوظ ص 24 - 25، وانظر له أيضًا: ص 18.

ص: 50

- التغريب نشاط غربي هدفه تذويب المجتمعات الأخرى، وإلحاقها بطابع الثقافة الغربية.

- التغريب نشاط طائفة منبهرة بالحضارة الغربية تسعى إلى تقليد الغرب من جهة، ومن جهة أخرى تبذل جهدها لنشر دعوتها في مجتمعها.

- التغريب حالة ثقافية هدفها تحويل العالم إلى حال على شاكلة الغرب الحديث.

- التغريب حالة مرضية، وبهذا يختلف عن النشاطات الصحية الإيجابية مثل التجديد والإصلاح والنهضة والتحديث.

- التغريب حالة عامة، يشترك فيها أطراف من جميع فئات المجتمع: المثقف والتاجر والسياسي وعوام الناس، ويأخذ أشكالًا مختلفة ثقافية وفكرية وفنية وسلوكية و. . . .

- التغريب حالة سمحت بتلاقي كل القوى النافرة من الإِسلام أو المعادية له تحت مظلة واحدة، فنجد اليهودي والنصراني والمسلم الضال والملحد في التيار الفكري التغريبي الواحد، ومن ثم وجدت الأقليات الدينية فرصتها في التغريب.

- التغريب تيار شارك الغرب مشكلاته وانحرافاته، ومنها المشكلات التي ارتبطت بالعلم الحديث ونظرياته وفلسفته.

وينطبق على المسلمين من هؤلاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟! "(1)، فهذا الوصف العجيب في بيان شدّة المتابعة حتى لو كان فيما يخالف العقل الصحيح والفطرة السليمة نجده منطبقًا على المتغربين؛ فعندهم تتبع لحال الغرب في كل شيء؛ في الفكر والثقافة، في الفن والأدب، في طريقة العيش والحياة والسلوك، في القيم، وفي

(1) في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، البخاري برقم (7320)، كتاب الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لتتبعن سنن من كان قبلكم"، وعند مسلم، برقم (2669)، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى.

ص: 51

غيرها، قال الشاطبي رحمه الله:"فدلّ ضرب المثال في التعيين على أن الاتباع في أعيان أفعالهم"(1).

وهذه بعض الشهادات من مفكرين غير بعيدين عن الفكر التغريبي، وميزتها أنها من أشخاص يعرفون التغريب من داخله، ورغم نقدهم له إلا أنهم لم يخرجوا عنه، ومنها مجمل ما كتبه المفكران المصريان: حسن حنفي وأنور عبد الملك.

يتحدث "د. حسن حنفي" عن أثره الذي امتدَّ "إلى الحياة الثقافية وتصوراتنا للعالم، وهدد استقلالنا الحضاري، بل امتد إلى أساليب الحياة اليومية ونقاء اللغة ومظاهر الحياة العامة وفن العمارة"(2)، إلى أن قال:"كما تحولت مساحة كبيرة من ثقافتنا المعاصرة إلى وكالات حضارية للغير، وامتداد لمذاهب غربية اشتراكية، ماركسية، ليبرالية، قومية، وجودية، وضعية، شخصانية، بنيوية، سيريالية، تكعيبية. . إلخ حتى لم يعد أحد قادرًا أن يكون عالمًا أو فنانًا إن لم يكن له مذهب ينتسب إليه. ووضعنا أنفسنا أطرافًا في معارك لسنا أطرافًا فيها، وتفرقنا شيعًا وأحزابًا كما تفرق القدماء من ذواتهم، ولكن فرقتنا هذه المرة لم تكن موقفًا من الذات بل تبعية للآخرين. . . . وعادة ما يتحول التغريب الثقافي إلى موالاة سياسية للغرب. . . .""ص 20". ومع أن التغريب دخل بقوة مع الاستعمار إلا أنه لم يخرج بعد الاستقلال، فيقول:"ولكن بعد الاستقلال الوطني عاد المستعمر من خلال الثقافة، وانتشر التغريب. استقلت البلاد ولكن احتُلَّت الأذهان"(ص 20 - 21)، وعندما ظهرت الأحزاب السياسية وريثة التيارات الفكرية أصابها التغريب أيضًا:"إذ لا يوجد عمل سياسي إبداعي دون أصالة بعيدًا عن التغريب. وما زالت أحزابنا السياسية حتى الآن -خاصة العلمانية منها- تصوغ القضية السياسية على نحو متغرب. . . ."(ص 22)(3).

ويقول "د. أنور عبد الملك" عن التغريب تحت مسمى تيار العصرية الليبرالية: "إن نقطة الانطلاق هنا ليست شيئًا آخر في جوهرها سوى نهضة

(1) الاعتصام، الشاطبي ص 438.

(2)

مقدمة في علم الاستغراب، د. حسن حنفي ص 19.

(3)

وانظر بتوسع: المرجع نفسه ص 53 - 56.

ص: 52

الحضارة الغربية التي يجب أن يسمح قليلها بتجديد كل أبعاد الوجود في العالم العربي المعاصر، سيكون التركيز على الفكر العلمي والعقلانية الفلسفية والليبرالية السياسية، وستحدد الهدف على أنه خلق مجتمع عصري مماثل لمجتمعات أوروبا وأمريكا الشمالية ينزع بتصميم نحو الأمام، وينفتح على التقدم مع احتفاظه من الماضي بالتقاليد والسنن التي لن تحول دون بنائه" (1)، وهي تتسع لاتجاهات مختلفة ولاسيّما بين تيار ليبرالي وآخر ماركسي.

ثم يصف حال هذا التغرب فيقول: "كان على تقليد الغرب أن يعم كافة المجالات، من الثياب حتى الفلسفة، ومن الأبجدية حتى المؤسسات السياسية، ومن العادات الجنسية حتى الاقتصاد، إذ لن يوقف منحى الانحطاط سوى قطيعة حاسمة مع الماضي وتنكر كامل للانحطاط، وبعد ذلك -أي: بعد أن نكون بذلك قد ضربنا صفحًا عن كل ما كان يكوّن "الأنا" الوطني الانحطاطي- فقد كان من الممكن ازدراع الغرب في الأراضي العربية لتثبيت النهضة"(2).

فهذه الشهادات الناقدة من داخل التغريب ذاته تكشف حجم التغريب وسعة مجالاته، وأخْذِها بكل جزء من حياة المتغرب، وهي ظاهرة عجيبة قد حذّر منها النبي صلى الله عليه وسلم أمتَه، فالحديث -وإن كان فيه إخبار بما سيقع، وقد وقع فعلًا- ففيه تحذير من هذا الطريق لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

نحن إذًا أمام ظاهرة جديدة هي ظاهرة التغريب، وهي معروفة ومشهورة، فما سبب ظهورها؟

أسباب نشأة الاتجاه التغريبي:

لظهور أي اتجاه جديد أسبابه الداخلية والخارجية، ومن ذلك الاتجاهات الحديثة التي عرفتها بلاد المسلمين، والبحث العلمي عن الأسباب ليس بتلك السهولة، وخير طريق لمعرفة ذلك الابتداء بتوجيهات الوحي وإرشاداته والاسترشاد بفقه سلف الأمة حول مثل هذه الظواهر، إذ هي الموصلة إلى طريق السلامة، ويبقى الأمر بعد ذلك بحسب دقة الباحث في التنزيل الصحيح على الوقائع الجديدة، فيأتي النظر -من خلال هذا الإطار العام- في الحالة الجديدة

(1) الفكر العربي في معركة النهضة، د. أنور عبد الملك ص 27 - 28.

(2)

المرجع السابق ص 36.

ص: 53

ومنها ظاهرة التغريب الحديثة، وذلك بالنظر العلمي في الوقائع التاريخية والاجتماعية، واستخراج الأسباب منها.

وسأقسم الأسباب إلى قسمين: قسم عام دلّ عليه الوحي، وهذا القسم هو الإطار الصحيح للنظر في أسباب الانحراف؛ لأنه من العلم الخبير -سبحانه- ثم تأتي بعده الأسباب الجزئية التي تتحرك في الإطار العام السابق، والتي ما كان لها أن تؤثر كل ذلك التأثير لولا وجود ذلك الخلل العام الذي نبهنا إليه العليم الحكيم -سبحانه-.

° القسم الأول: الأسباب العامة التي حذر منها الوحي:

لقد تأمل العلماء نصوص الوحي حول الانحراف، فجمعوا الأسباب التي دلّ عليها كلام الله -سبحانه- وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما قام به "الشاطبي" رحمه الله في كتابه "الاعتصام" فذكر أن الاختلاف قدري كوني، وآخر كسبي جاءت النصوص بالتنبيه عليه والتحذير منه مثل: الجهل، واتباع الهوى، واتباع العوائد، وتحسين الظن بالعقل، والفرقة، وساق في ذلك النصوص، وبيّن رحمه الله أثرها في ظهور الطوائف المخالفة والبدع والانحرافات العقدية.

قال الشاطبي رحمه الله: "فلابد من النظر في هذا الاختلاف ما سببه؟ وله سببان. أحدهما: لا كسب للعباد فيه، وهو الراجع إلى سابق القدر، والآخر هو الكسبي وهو المقصود بالكلام عليه في هذا الباب، إلا أن نجعل السبب الأول مقدمة. . . . قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)} [هود: 118، 119] فأخبر سبحانه أنهم لا يزالون مختلفين أبدًا. . . ."(1).

ومن أهم الأسباب الكسبية التي ورد بذكرها القرآن نجد:

أولًا: الجهل:

ولاسيّما الجهل بالله -سبحانه- والجهل بالدين.

قال -تعالى-: {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ

(1) الاعتصام، الشاطبي ص 390 - 391.

ص: 54

تَجْهَلُونَ (138)} [الأعراف: 138]، وقال -تعالى- عن نوح عليه السلام:{وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29)} [هود: 29]، وقال -تعالى-:{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)} [الأنعام: 111].

فالجهل بالله والجهل بدينه له خطره، وله أثره في ظهور المخالفة والمخالفين، فهذه شهادة من رب العالمين وشهادة من أنبيائه المرسلين في أن سبب ضلال من ضلّ هو الجهل (1)، وكل من تتبع حال المخالفين -ولاسيّما في أزماننا المعاصرة- وجد الجهل بالدين صفة لازمة لهم، وقد يوجد عند بعضهم معرفة نظرية دون أن تصل القلب فتنفعه، وذلك له أسبابه ومنها الهوى، وهو السبب الثاني الذي ذكره الشاطبي رحمه الله.

ثانيًا: الهوى:

قال "الجرجاني" في تعريفه للهوى إنه: "ميلان النفس إلى ما تستلذه من الشهوات من غير داعية الشرع"(2)، وقال الشاطبي رحمه الله:"ولذلك سمي أهل البدع أهل الأهواء لأنهم اتبعوا أهواءهم فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها، والتعويل عليها، حتى يصدروا عنها، بل قدموا أهواءهم، واعتمدوا على آرائهم، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظورًا فيها من وراء ذلك. ."(3).

قال -تعالى-: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 119]، وقال -تعالى-:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)} [القصص: 50]، وقال -تعالى-:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)} [البقرة: 87]، وقال -تعالى-: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ

(1) انظر كلام الشاطبي عن هذا السبب في: الاعتصام ص 396 - 398، وانظر: وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق، جمال أحمد ص 161 - 171.

(2)

التعريفات، الجرجاني ص 257.

(3)

الاعتصام ص 398.

ص: 55

أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)} [البقرة: 145] وقال -تعالى-: {فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)} [طه: 16]، وقال -تعالى-:{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56)} [الأنعام: 56]، وقال -تعالى-:{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)} [الكهف: 28]، وقال -تعالى-:{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)} [النجم: 23]، وقال -تعالى-:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23]، وقال -تعالى-:{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)} [الفرقان: 43]، وقال -تعالى-:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام: 153]، وغيرها من الآيات (1).

ثالثًا: التقليد:

وقد عنون له الشاطبي بـ "التصميم على اتباع العوائد وإن فسدت أو كانت مخالفة للحق"، وقال عنه:"هو اتباع ما كان عليه الآباء والأشياخ، وأشباه ذلك، وهو التقليد المذموم"(2)، وهو في حقيقته سبب عند من قلد وعرض لمرض أعمّ وأشمل.

وقد جاءت النصوص في هذا الباب بذكر الآباء وبذكر الأحبار والرهبان، وإنّ في دعوى المقلدين اتباع آبائهم -مع أن الآباء فيهم الجاهل والعالم- تعبيرًا عن ثقل البيئة الضالة التي يقلدها المقلد، وفي اتباع الأحبار والرهبان نوع آخر من التقليد، فإن ضلال الآباء عام غير مخصص، أما الأحبار والرهبان فهو خاص؛ فهم قادة دينيون وعلميون، ومع ذلك فهم أشد إضلالًا لقومهم ولمن

(1) انظر كلام الشاطبي على هذا السبب: الاعتصام ص 398 - 401، أيضًا: ص 431 ص 453 - 467، وانظر: وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق، جمال أحمد ص 189 - 201.

(2)

الاعتصام ص 402.

ص: 56

قلدهم، وبهذا يأتي الخطر من عموم البيئة ومن قادتها. ومن تأمل في حال المتغربين وجد فتنتهم بهذين البابين، فقد وقع لهم من جنسهما أشكال، فيجد فتنتهم بعموم البيئة الغربية التي ينتسبون إليها، حتى إن منهم من أعلن كفره بالشرق وانتماءه للغرب، ويجد فتنتهم بقادتها الفكرية والعلمية.

قال -تعالى-: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)} [البقرة: 170]، وقال -تعالى-:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104)} [المائدة: 104]، وقال -تعالى-:{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)} [الزخرف: 22 - 24]، وقال -تعالى-:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]، وقال -تعالى-:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7]"والزيغ هو الميل عن الحق اتباعًا للهوى"(1). ومن عادة العلماء ذكر هذه الأدلة في النهي عن كل تقليد مذموم، فالعبرة بعموم الدلالة (2).

رابعًا: الفرقة والافتراق:

قال د. ناصر العقل: "الافتراق في الشرع يُطلَق على أمور:

1 -

التفرق في الدين، والاختلاف فيه. . . .،

2 -

الافتراق عن جماعة المسلمين. . . . فمن خالف سبيلهم في أمر يقتضي الخروج عن أصولهم في الاعتقاد، أو الشذوذ عنهم في المناهج، أو الخروج على أئمتهم، أو استحلال السيف فيهم، فهو مفارق" (3)، ومن كان بهذه الحال فهو موطن تحذير الشرع، وهو من أسباب الانحراف، وقد اتصف أهل التغريب بهذه الحال.

(1) الاعتصام ص 431.

(2)

انظر كلام الشاطبي عن هذا السبب: الاعتصام ص 402 - 403، وانظر: وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق، جمال أحمد ص 219 - 229.

(3)

مقدمات في الأهواء. . . .، د. ناصر العقل ص 18 - 19.

ص: 57

قال -تعالى-: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران: 105]، وقال -تعالى-:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام: 153]، وقال -تعالى-:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)} [الأنعام: 159]، وقال -تعالى-:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)} [الروم: 30 - 32]، وقال -تعالى-:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)} [الشورى: 13]، وغيرها من الآيات (1).

خامسًا: النفاق:

لقد جاء الحديث عن النفاق في القرآن بشكل واسع، مما يدل على خطورته وأثره في صناعة الانحراف، وهو مرض عضال يصيب طائفة من الناس، يتصف أهله بإظهار الإِسلام وإبطان الكفر، ومن مظاهره كراهية الإسلام، وكراهية شرائعه، وكراهية نبيه صلى الله عليه وسلم أو تكذيبه، وكراهية انتصار المسلمين أو قوتهم (2).

قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ

(1) انظر حول الافتراق: وجوب لزوم الجماعة ص 29 - 61 ص 74 - 84، وانظر: الاعتصام، الشاطبي، 428 - 429، والفرقة هي مرض من وجه وسبب لأمراض أخرى من وجه.

(2)

انظر: المنافقون في القرآن الكريم، د. عبد العزيز الحميدي ص 443 - 449.

ص: 58

شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)} [المائدة: 41]، وقال -تعالى-:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)} [التوبة: 107 - 108]، والآيات في ذلك كثيرة. وقد ظهر أمر النفاق وخطره في حال المتغربين ولاسيّما الغلاة منهم، فتجد من يدّعي الإسلام ثم يتقول بأعظم مقولات الكفر، ويعتدي على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الإسلام وعلى القرآن.

سادسًا: التشبه بالكفار:

تُعد ظاهرة التغريب من أشهر صور التشبه بالكفار، وهو تشبه طال كل أمور المتغربين، وهو أمر يصرح به كُتاب علمانيون فكيف بغيرهم؟! فقد وقع انهيار نفسي كبير عند طائفة من المسلمين في العصر الحديث أمام الحضارة الغربية، وقادهم ذلك إلى التشبه العجيب بحال الكافرين.

قال -تعالى-: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)} [الرعد: 37]، وقال -تعالى-:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)} [الجاثية: 18]، وقال -تعالى-:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)} [الحديد: 16]، وقال -تعالى-:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)} [البقرة: 120]، وقال -تعالى-:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115]، وغيرها من الآيات. وقد أشبع شيخ الإسلام هذا السبب بيانًا وشرحًا وتوضيحًا في كتابه المشهور "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم"(1).

(1) انظر: السنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفار، سهيل حسن، وانظر: التشبه المنهي =

ص: 59

فهذه الأمراض الخطيرة التي جاء التحذير منها في الوحي -وهي: الجهل والهوى والتقليد والفرقة والنفاق والتشبه بالكفار- هي من أهم مسببات الانحرافات في الأمة، وفقه هذا الأمر يعطينا العلاج لها، فإن نشر العلم الشرعي في الأمة من أعظم الأمور في الوقاية من الانحراف، ومن أعظم وسائل مقاومته، وإذا نُشر العلم وتعلَّمه الناس على مذهب أهل السنة والجماعة ساعد أيضًا -بإذن الله- في تحجيم الأهواء والافتراق والتقليد المذموم والتشبه المحرم، والعلم هنا هو العلم المصحوب بالعمل، فقد كثر تحذير السلف من علم دون عمل؛ لأنه علم لا ينفع كثيرًا (1). ومن العجيب أن نجد بعض من ينتمي إلى الفكر التغريبي قد تنبه إلى أهمية العلاج المديني، وحثّ على الاستفادة من هذا العلاج في مواجهة هذا التغرب المفزع، وقد عدد حسن حنف -مثلًا- صورًا يمكن بها إيقاف التغريب أو التخفيف منه، ومنها: إبراز الموقف الإسلامي من موالاة الكفار والتودد إليهم، فغاية الأعداء القضاء على هويتنا، وإظهار الموقف الإسلامي الرافض للتقليد والتبعية في السلوك وفي العقائد. . وهكذا (2)، فإذا كان هذا الكلام من قِبَل المنخرطين في العلمنة والتغريب فمن باب أولى على دعاة الإسلام أن يبذلوا جهدهم في نشر العلم والدين والدعوة إلى إيقاف مثل هذه الأمراض.

° القسم الثاني: الأسباب الأخرى الجزئية:

بقي الآن أن نتلمس الأسباب الأخرى التي ما كان لها أن تعمل لولا الأسباب الكبرى السابقة التي حذر منها الشارع العليم الحكيم -سبحانه-، ولكن لوجود الأسباب الكبرى سَهُلَ على غيرها من المؤثرات أن تعمل وتؤثر دون صعوبة.

سأكتفي في هذه الفقرة -إن شاء الله تعالى- بتعداد أهم ما وجدته من أسباب لظاهرة التغريب، وذلك أن تفصيلات كثيرة سيأتي ذكرها -بإذن الله- في

= عنه في الفقه الإسلامي، جميل اللويحق، فضلًا عن كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم.

(1)

انظر مثلًا: اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي بتحقيق الشيخ الألباني.

(2)

انظر: مقدمة في علم الاستغراب، د. حسن حنفي ص 22 - 23.

ص: 60

الفصول الثلاثة "الثالث والرابع والخامس" من الباب الأول مع فقرات متنوعة من بقية البحث حول هذا الموضوع؛ ولهذا أكتفي في هذه الفقرة بتعداد الأسباب، ومن أهمها ما يلي:

أولًا: الضعف والتخلف العام الذي لحق بالعالم الإسلامي في العصور الأخيرة:

وهو يرتبط أساسًا بضعف التمسك بالدين على هدي سلف الأمة، وعادة ما يسمح الضعف بظهور الانحرافات دون القدرة على مقاومتها، والمجتمع في ذلك يشبه الجسد الحي، فإن الجسد إذا أُصيب بضعف أصبح معرضًا للفيروسات والأمراض، فهي تجد فرصتها عند ضعف المقاومة، وربما يكون منها القاتل.

ومن صور الضعف: الضعف العلمي، والضعف الاقتصادي والسياسي والصناعي، والضعف العسكري، وقابلت هذا الضعف قوة مادية ودنيوية بكل مجالاتها عند الغرب، وكانت هذه القوة مصدر فتنة وإغراء، مما سمح بتسرب التغريب وانتشاره.

ومن مشكلات الضعف ما يحدث من ولع الضعيف المنهار نفسيًا المصاب بهزيمة نفسية بتقليد القوي المشهور، وهو كما أنه حالة نفسية في الأفراد فهو حالة نفسية جماعية للمجتمعات إلا تلك التي تعتصم بدينها وهويتها.

ثانيًا: الاتصال بالغرب:

تأتي أغلب صور التأثر والتاثير من خلال الاتصال بين الحضارات والثقافات، وقد وقع تأثر من بعض المسلمين في عصر قوة الإسلام وضعف الحضارات الأخرى وظهرت فرق مختلفة بسبب ذلك الاتصال، والحال أكثر وضوحًا في زمن ضعف المسلمين وقوة الغرب المادية وتطوره الدنيوي الفاتن.

فقد جاء الاتصال وقت تقدم الغرب مع غليان ساحته الفكرية بتيارات جديدة، ومن صور الاتصال التي وقعت في البدايات:

أ- الرحلات الأولى الاستكشافية أو التجارية أو البعثات الدبلوماسية، إذ تولَّت هذه الشريحة الأولى وصف حال الغرب، وهو وصف لا يخلو من فتنة، وقد كان هذا من بدايات بروز أشخاص منبهرين بالحضارة الغربية.

ب- الابتعاث من أجل تحصيل العلوم والمعارف الجديدة في الغرب، وُيعد الابتعاث أحد أبرز الظواهر الثقافية الخطيرة، وهو جديد على الأمة

ص: 61

الإسلامية، فقد كان الأمر مختلفًا في العصور الأولى، إذ غلب عليها مشروع الترجمة، ومن النادر ظهور حالات ذهاب إلى أمم أخرى لتحصيل العلوم إلا بشكل رحلات فردية. أما في العصر الحديث فقد برز مشروع الابتعاث، بما يعنيه ذلك من ذهاب عدد من الشباب في وقت حماسهم من جهة وضعفهم من جهة، ولاسيّما أنه إذا لم يتم الإعداد الجيد للشباب المبتعثين فسيكونون عرضة للافتتان بالحياة الفكرية والاجتماعية وبعموم الحضارة الغربية، فكيف إذا واجه هؤلاء الشباب مؤسسات وقوى غربية تحاول استثمارهم لمشروعات تغريبية أو مشروعات فكرية علمانية. وقد نجح الغرب في جعل الابتعاث عملية مستمرة؛ فهو يكسب منها ماديًا ويكسب منها معنويًا، ومن الواضح أن العالم الإسلامي لم ينجح في الاستقلال المعرفي بعد كل هذه السنين من الابتعاث. وما يهم هنا أن الابتعاث المستمر قد أصبح منفذًا خطيرًا للتغريب الفكري والاجتماعي، وقد كان أغلب رموز التغريب الفكري من المبتعثين، فقد تحولوا من نفع الأمة إلى تغريبها.

ثالثًا: البيئة العلمية والثقافية الجديدة:

لقد ارتبطت هذه البيئة بمشروع التحديث الأعرج، الذي قام على جانب العلم الدنيوي والثقافة البشرية وأهمل جانب العلم الشرعي، إذ نمت مؤسسات علمية وثقافية جديدة لا تهتم من جهة بالعلوم الإسلامية وهي مختَرَقة من جهة بمشكلات العلمنة والتغريب، ومن ذلك المدارس العصرية التي تمكن منها غير المسلمين في بداية مشروع التحديث، وما لحقها من مؤسسات علمية أعلى، ولاسيّما أنه في فترة من الزمن كان تحصيل العلم الدنيوي إما بالابتعاث أو من خلال كليات تبناها الغرب مثل "الجامعة الأمريكية اليسوعية" التي أسسها المنصّرون في بلاد الشام أو كلية "فكتوريا" التي أسسها "كرومر" في مصر لإخراج جيل متغرب، وقد تخرج في هاتين الكليتين وشبيهاتها زعماء التغريب وقادة التيارات الفكرية المتغربة. كما أن هناك حقلًا ثقافيًا وأدبيًا تكوَّن وكوَّن من الجيل المتغرب في مؤسسات ثقافية و"صالونات" وتجمعات وأندية وغيرها، وكانت مجال إشهار واسع للتغريب، وخاصة بعد تسلط هؤلاء على مؤسسات الآداب والفنون المختلفة واستغلالهم لها في نشر التغريب، وقد كانت أداة مهمة في ذلك بسبب حبّ الناس للمتع الفنية والأدبية، ومن ثمّ تسرُّب الأمراض من خلالها إلى المتلقين دون أن يشعروا بها.

ص: 62

رابعًا: دور وسائل الإعلام:

لقد أصبح للإعلام شأنه في العصر الحديث؛ ولاسيّما بعد الاكتشافات المهمة للطباعة وما لحق بها من ظهور الصحافة ثم اخترع الإذاعة ثم الشاشة وقدرتها على توجيه الرأي العام. وقد كانت الصحافة الفكرية مخصصة لنخبة المجتمع، وقد لعبت الصحافة التغريبية دورًا خطيرًا في نشر التغريب، ولاسيّما أن انطلاقة مشروع الصحافة كان مع النصارى ولاسيّما الجيل المتغرب منهم، فبثّوا التغريب والعلمنة وأمراض كثيرة في وقت لم يكن لهم فيه منافس، مع حماية حصلوا عليها من بعض الولاة ومن الاستعمار فيما بعد.

خامسًا: الطباعة والترجمة:

لقد ازدهرت الطباعة والترجمة في العصر الحديث؛ فمع إدخال المطبعة نمت طباعة الكتب والمجلات والصحف، ومع تأسيس مدارس تعليم اللغات الغربية نمت ترجمة الكتابات الفكرية والعلمية الغربية، ولكن المكتبة الغربية العلمية عسيرة على الترجمة وعلى الفهم إلا من قِبَل عدد قليل، فجاء التحول إلى ترجمة ما لا ينفع أو ضرره أكثر من نفعه من الكتابات الفكرية والأدبية والفنية، ولاسيّما أنها ممتعة وغير عسيرة مثل الكتابات العلمية، ولكن ليس كل ممتع مفيد، ومن هنا جاء التوسع في طباعة الفكر الغربي المترجم، وهو فكر غلب عليه العلمنة والتكذيب بالدين والانفلات من قيمه. لقد كان لفوضى الطباعة والترجمة أثرهما على مسيرة الفكر الحديث، وأسهمت في توسع التغريب.

سابعًا: دور الأقليات الدينية:

لقد لعبت تلك الأقليات دورًا بارزًا في التغريب، فقد كانت أداة اختراق استخدمها الغرب لتغريب العالم الإسلامي، وذلك أن هذه الأقليات تملك صلات بالطرفين: بالعالم الإسلامي من جهة سكناها ومعرفتها الجيدة بواقع المسلمين، وبالغرب من جهة الروابط الدينية. وقد بدأ الأمر بالتدخل الغربي والضغط على الدولة العثمانية بطلب إعطاء امتيازات خاصة لتلك الأقليات والسماح للغرب بالتواصل معها، فتعلموا اللغات الأوروبية وحصلوا على رعاية أوروبية ودعم كبير، وصنع منهم الغرب نخبة متعلمة نجحت في التغلغل في مفاصل المجتمع الإسلامي الثقافية والفكرية والاجتماعية، وقد كان منهم المتدين

ص: 63

الذي رعته الإرساليات، وكان منهم العلماني الذي كان دوره أبرز في مسيرة التغريب، وقد تولى هؤلاء كثيرًا من المؤسسات مثل: المطبعة والصحافة والمدارس العصرية والكليات التي أسسها الاستعمار، وأسهم الكثير منهم في إنشاء الجمعيات "الماسونية" في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، ثم الجمعيات "القومية" و"الليبرالية" و"الماركسية" في أوائل القرن الرابع عشر/ العشرين، ثم في المذاهب الفلسفية وتيار الحداثة منتصف القرن نفسه وما بعده، فإن كل البحوث حول هذه الجمعيات والتيارات والأحزاب التغريبية قد شاركت فيها تلك الأقليات بدور كبير. وهذا الدور قد تحدث القرآن عن جنسه وذلك بحديثه عن طرق اليهود والنصارى في مواجهة الإسلام.

ثامنًا: التيارات الفكرية التغريبية وجمعياتها وأحزابها ومؤسساتها:

كما عرف الإسلام الفِرَقَ قديمًا فقد عرف المذاهب الفكرية حديثًا، ويمكن وضع تفريق يساعد على الدراسة، فالفِرقة غالبًا تكون أصولها دينية، فسبب افتراقها الأول هو الأصول الدينية التي أخذت بها، أما المذاهب الفكرية فأغلبها قد نشأ في الغرب العلماني النافر من الدين والساعي إلى تأسيس حياة فكرية بعيدة عنه، ومع ذلك فهي غير بعيدة عن الفِرَق الدينية؛ لأن كثيرًا من هذه المذاهب قد جعل من تلك الأصول الفكرية شبيهًا بالأصول الدينية، فعند معتنقيها من الإيمان بها والثبات عليها ومقاومة من يخالفها مثل ما عند الفِرَق وربما أكثر، ومن الأمثلة على ذلك أصحاب الاتجاهات الماركسية.

وقد كان لهذه التيارات الفكرية التغريبية الدور الأقوى في نشر التغريب، فالظواهر الجديدة في حاجة إلى دعاة يرعونها وينشرونها بين الناس، وقد كان هذا من دور تيارات التغريب التي تغلغل التغريب في أصحابها كما يتجارى داء الكلب بصاحبه، وقاموا على نشره بين الناس، ولاسيّما بعد أن وجد فيهم الغرب أداة مناسبة لمواصلة الهيمنة الفكرية وغير الفكرية على العالم الإسلامي.

وتختلف التيارات الفكرية -ولاسيّما إذا أصبح لها جمعيات وأحزاب- عن غيرها بتلك القوة التي تحصل عليها بسبب توحد معتنقيها في تيار واحد يجمعهم وينظم جهودهم وحركتهم، وقد مكنتهم تلك القوة في بعض الفترات من الوصول إلى السلطة ومن ثم استغلال مؤسسات الدولة في بثّ التغريب، ومن

ص: 64

الأمثلة البارزة على ذلك جمعية "تركيا الفتاة" أو "الاتحاد والترقي" التي نجحت في الوصول إلى السلطة وإسقاط الدولة العثمانية، وإلغاء كثير من مظاهر الإسلام ومؤسساته، وفرض نمط تغريبي علماني شديد الغلو.

تاسعًا: الدور الغربي الحديث:

إن التحدي الغربي قديم ولم يتغير، فقد كانت المواجهات مع الروم طويلة ومستمرة، ويمثل سقوط القسطنطينية أحد المنعطفات المهمة في حياة الغربيين، وقد حاولوا التعويض زمن الحروب الصليبية ولكنهم أُخرجوا بعد قرنين، عندها انكمش الغرب على ذاته فترة طويلة من الزمن وفي ذاكرته هذا العدو الذي طردهم من فلسطين وطردهم من القسطنطينية وحاصرهم داخل قارتهم فترة طويلة من الزمن. وبعد تطورات خطيرة داخل القارة الأوروبية وتحولها إلى قوة جديدة وخطيرة تموج بتيارات خطيرة، عندها عادت طموحاتها من جديد لاختراق العالم الإسلامي، وكانت أولى المحاولات عن طريق الحملة الفرنسية على مصر، وبعدها انفتحت شهيتها نحو العالم الإسلامي، وقد جعلت من أهم طرقها لتحقيق ذلك تغريب المجتمع المسلم.

ومن أخطر الأدوار الغربية لتغريب المجتمعات الإسلامية ما يأتي:

أ - الاستعمار.

ب - الاستشراق.

جـ - الصهيونية.

د - التيارات الفكرية الغربية.

وقد كان الاستعمار أخطرها؛ وذلك أنه بعد نجاحه في الاستيلاء على كثير من بلاد المسلمين قام بتوجيه كل المؤسسات بما يحقق هدفه في تغريب المجتمع، ومن أهم نجاحاته قيامه بتكوين طائفة متغربة تقوم بالدور نيابة عنه في تغريب المجتمعات المسلمة.

أما دور الاستشراق فهو تغريب العقل الإسلامي بحيث ينظر إلى تراثه ودينه وهويته من خلال المنظور الغربي الاستشراقي، فوضع المتغربون بينهم وبين دينهم وتراثهم وسيطًا خطيرًا، وقد افتتن كثير من المتغربين بهذه الدراسات الاستشراقية.

ص: 65

وترتبط بالاستعمار وريثته الصهيونية، فما خرج الاستعمار إلا بعد غرس جرثومة خطيرة داخل العالم الإسلامي، تقوم برعاية اليهود داخل البلاد الإسلامية ولاسيّما من خلال دولتهم التي أقاموها في فلسطين، وتقوم في الوقت نفسه برعاية المصالح الغربية، ويتبع الدور اليهودي دورُ الأقليات السابق ذكرها، وقد حدثنا القرآن عن التعاون بين اليهود والمنافقين وبين اليهود وأعداء الإسلام من المشركين، وهو يتكرر في زمننا هذا، ولاسيّما من جهة التعاون العلني والخفي بين اليهود وبين المتغربين، مع أن وضع دولتهم قد نفَّر المجتمعات المسلمة من كل متغرب يظهر تعاونه معهم، فتبقى الأدوار الخفية هي الأهم في هذا الباب.

أما التيارات الفكرية الغربية فهي تيارات ذات أبعاد أيديولوجية، وترغب مع دعاتها في تعميم فكرها، وقد رحل السيمينيون أتباع سان سيمون والماسون مع الحملات الأولى لبث أفكارهم ومشروعاتهم داخل العالم الإسلامي في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، أما في القرن اللاحق فقد نشط المعسكران: الشيوعي والرأسمالي في الانتشار من خلال التيارات الفكرية داخل العالم الإسلامي، وقد كانت التيارات الغربية تحصل على الدعم من أجل مدّ النفوذ داخل البلاد الإسلامية لتغريب المجتمع، ومن الطبيعي أن يرعى كل تيار غربي الفرع العربي الذي يمثله داخل البلاد الإسلامية.

فهذه القوى الغربية الخطيرة نشطت نشاطًا محمومًا داخل العالم الإسلامي لما يقرب من قرنين من أجل تغريب المجتمع، ولا يُستغرب نجاحه في إيجاد طائفة متغربة، فنشاطٌ بكل هذه القوة الفكرية والمادية وأخَذَ كل هذا الوقت ومارس كل الأساليب لابد أن يحقق ثمرة جهده، ومع ذلك فقد كان لمشروعات الجهاد الإسلامية الفكرية والمادية دورها في تخفيف وطأة الهجمة التغريبية وإبطال كثير من مشروعاتها.

فهذه مجموعة أسباب كان لها دورها في ظاهرة التغريب، وقد يكون بعضها أكبر من بعض ولكنها بمجموعها تشبه النهر وروافده، فالانحراف الفكري الحديث يشبه النهر الملوث، وهذا النهر تكوَّن من مجموعة من الروافد التي تصب فيه، فهي تأتي من أماكن مختلفة، وبعضها يلتقي قبل الصب فيه، ثم تصل إليه ملوِّنةً ماءه بحسب ما تلوّنت به، ومغيِّرةً وضعه بحسب حالها، وهي إن كانت غزيرة وكثيفة زادت من قوته، وإن كانت ضعيفة ضَعُفَ حال ذلك النهر، وبقدر ما

ص: 66

تُقفل تلك الروافد أو يُخفف من حجمها أو يُغيَّر في تركيبتها السيئة بقدر ما يكون لذلك له أثره في هذا النهر.

لقد كان لهذه الأسباب دورها في ظاهرة التغريب، وأصبح الاتجاه التغريبي اتجاهًا واضحًا في المجتمع المسلم، وهو اتجاه لا يتفق مع هوية الأمة، وهو خليط من تيارات تختلف في مسافة بُعدها عن الدين، ففي بعض مستويات هذا الخليط نجد الإلحاد الصرف الذي يجعله في أقصى الشرّ، ومنه ما هو دون ذلك. وهذا الخليط الفكري والاجتماعي المنحرف يحتاج إلى الدعوة والمجادلة والمجاهدة، فالدعوة تكون في حق كل غافل أو ضال وهم كُثُر في هذا الاتجاه، كما أنهم موضع مجادلة ومجاهدة واحتساب من قبل العلماء والمفكرين والباحثين، والنموذج التغريبي ليس بجديد وإن غيّر من شكله، ولذا فالموقف الدعوي والاحتسابي ليس جديدًا أيضًا، وهذا من قَدَر هذه الأمة الكوني والشرعي؛ فالكوني بظهور الانحراف، والشرعي بالقيام على تغييره أو الحدّ منه، لتظهر عبوديات كثيرة من دعوة ومجاهدة ومجادلة واحتساب وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وبهذا لا نستغرب وجود تيار ضال، ولكن من المهم تحقيق العبوديات التي أُمرنا بها بحسب الحاجة وحسب الاستطاعة.

° الفكر التغريبي والعلم الحديث ونظرياته:

بعد أن تعرفنا على العلم الحديث ونظرياته وعلى الفكر التغريبي وأسباب نشأته، يأتي الحديث عن العلاقة بينهما، فهدف البحث هو الدراسة النقدية لمشكلة العلاقة السيئة بين الاتجاه التغريبي وبين العلم الحديث ونظرياته؛ وذلك أن الاتجاه التغريبي بسبب توجهه العلماني وقع تحت تأثير علمنة العلم الغربية وما ارتبط بها من مناهج ونظريات وفلسفات ذات موقف سلبي أو عدائي لكل ما هو ديني.

ويدور الأمر بين التأثر بفلسفات ارتبطت بالعلم ونظرياته أو استغلت العلم ونظرياته من جهة، وهذا غير مستغرب من اتجاه وقع في أسر تقليد المذاهب الغربية، وبين الاستغلال للعلم الحديث ونظرياته في مواجهة الإسلام من جهة أخرى، وهو غير مستغرب أيضًا من اتجاه انفصل عن أمته والتصق بالعلمانية والمادية، وما بين هذين الأمرين "التأثر والاستغلال" قامت علاقة الاتجاه التغريبي بالعلم الحديث ومناهجه ونظرياته وفلسفته.

ص: 67