الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالدعوة إلى "التأصيل" تتطلب جهدًا خارقًا من المسلمين، فللدعوة متطلبات كبيرة، لا ينفع معها الكسل أو الجهد المتقطع، ومن يدرس لكي يحصل على مجرد مؤهل (1)، يستحيل أن يكون قادرًا على مهمة التأصيل، فلا أصحاب الترجمة ولا أصحاب الابتعاث إن كان همهم فقط المؤهل، بقادرين على هذا المشروع، وهو وإن كان شاقًا إلا أنه مهم.
3 - قوة التماسك في منهج التنظير وفي العمل التطبيقي:
لابد أن يكون مشروع التأصيل قويًا في باب التنظير بحيث لا يسمح بالانحراف أو الضعف أو الانقطاع في جانب التطبيق (2)، فقد رأينا مشكلة المنهج التوفيقي الذي عرفه العالم الإِسلامي مع الشيخين:"جمال الدين الأفغاني" و"محمد عبده"، حيث كان هدفه النهوض الحضاري بالمسلمين، فإذا هو قد تحول مع الأتباع والمتأثرين إلى "مسار انفلاتي" أول الأمر، ثم إلى "علمانية صريحة"(3) بعد ذلك. لا يعني ذلك عدم الوقوع في الخطأ؛ فإن التأصيل عمل اجتهادي (4)، والمجتهد قد يصيب وقد يخطئ، ولكن من المهم وجود شروط قوية تساعد المجتهد في عمله من جهة وتخفف أخطاءه من جهة أخرى.
خلاصة حول المنهج السلفي:
1 -
قاد أعلام المنهج السلفي دعوة تجديدية لا خلاف حول أثرها في
(1) انظر: التأصيل الإِسلامي للعلوم. المفهوم والمنهج ص 10.
(2)
انظر: المرجع السابق حول صورة منهجه التنظير وصور التطبيق، د. رجب، المرجع السابق ص 12 - 18.
(3)
انظر: المرجع السابق، من كلام د. الزنيدي ص 22.
(4)
انظر: المرجع السابق، من كلام د. محب الدين أبو صالح ص 36. وانظر حول مشروع التأصيل الإِسلامي: التأصيل الإِسلامي للعلوم الاجتماعية، د. إبراهيم رجب، تمهيد في التأصيل (رؤية في التأصيل الإِسلامي لعلم النفس)، عبد الله الصبيح، التأصيل الإِسلامي للعلوم الاجتماعية، محمَّد قطب، نحو منهجية إسلامية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، د. سيد محمَّد الشنقيطي، مدخل إلى إسلامية المعرفة، د. عماد الدين خليل، مقدمة في إسلامية المعرفة، طه العلواني، إسلامية المعرفة. . . .، إسماعيل الفاروقي. فهذه المجموعة بالذات قد استفدت منها في البحث، والحقيقة أن هناك مكتبة ضخمة في هذا الباب، لدرجة أنه قد يتكون من هذه المكتبة مدارس داخل الحقل الإِسلامي بينها بعض الفروق، تقل وتتسع بحسب الاقتراب من السلفي أو العصراني.
تاريخنا الحديث، عُنيت بتصحيح الدين والاهتمام بالتوحيد، وقيام الدين عقيدة وشريعة في حياة الناس.
2 -
هزت الحركة السلفية هزًا عنيفًا كل معوقات انطلاق الأمة ومثبطاته، مثل: التعصب والجبرية والإرجاء والخرافات القبورية ما في بابها وكلها قيود خطيرة.
3 -
أخرجت الحركة السلفية للعالم الإِسلامي تراثًا إسلاميًا محفِزًا للعمل ومصفّيًا للاعتقاد ولاسيما تراث أعلام المذهب السلفي في كل القرون مع عناية خاصة بأعلام القرن الثامن كابن تيمية رحمه الله ومن معه.
4 -
إعلان صريح وقوي حول أهمية أخذ عناصر قوة الغرب، ولتكن البداية بالجوانب التي لا لبس فيها مثل العلوم والصناعات ومناهجها المفيدة، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى بها.
5 -
الانتباه والحذر مما يشغلنا عن المهم مما تستلذ به الأنفس لكن لا تحصل منه قوة، كما أنه ممتلئ في الوقت نفسه بأصناف الانحرافات، مثل الآداب والفنون وكثير من الفلسفات، فحتى على افتراض سلامتها، فإن العاقل يعلم أن البداية تكون بالأهم الذي لا نختلف حول فائدته جميعًا بكل اتجاهاتنا.
6 -
الدفاع عن الاجتهاد والتجديد والنظر الصحيح والعقل السليم والعلم النافع والبعد عن الخرافة والتقليد والعلوم المخدرة أو الضارة.
7 -
الوحي من عند الله سبحانه، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هو نور وبرهان وهو الحق المبين، فهو المقدم وهو الأصل لكل ما سواه، ولا يوجد حق في عقل أو علم أو حس إلا ويتوافق مع القرآن، بل ينبع منه، ولا يوجد حق يعارض الوحي.
8 -
لا يمكن أن يوجد تعارض بين الدين والعلوم البشرية، وعند وجود تعارض بين ظاهر النص وبين حقائق علمية لا يمكن إنكارها، فنعلم علم اليقين بأن هذا المفهوم من النص غير مراد بشرط أن يكون العلم حقائقَ لا شك فيها، وعندها يفسر النص بما يقترب من سياقه، وإن خالف بعض اجتهادات أهل العلم السابقين؛ لأن العالم المجتهد يصيب فله أجران ويخطئ فله أجر.
9 -
يلتزم أهل السنة بالتثبت والتبيّن وعدم الاستعجال في رد أقوال أهل
العلوم أو قبولها، حتى يتثبتوا من صحتها، والمقصود من ذلك ما ظاهره يوهم التعارض مع نصوص أو عقائد إيمانية، وإلا فما لا يتعارض مع النصوص فلا كلام حوله، وهو متروك لعقول الناس وعلومهم وجهودهم.
وبعد هذه الوقفة مع الاتجاه السلفي، والتعريف به وبنماذج من علمائه، وبطريقة تعاملهم مع العلوم العصرية ونظرياتها، ولاسيّما من جهة العلاقة بالدين القائمة على إيجاد الانسجام بين الدين وبين هذه العلوم، ومن جهة العلاقة بالدنيا القائمة على حثّ المسلمين على أخذ هذه العلوم وتأصيلها في بيئتنا العلمية، والانتفاع بها. ينتقل البحث إلى طائفة أخرى في الفكر الإِسلامي، اعتنت كثيرًا بمشكلة العلوم العصرية ونظرياتها وبشأن الحضارة الغربية، ولكن بمنهجية لا يقبلها الاتجاه السلفي بكل مكوناتها رغم وجود قواسم مشتركة في بعض الأبواب، ألا وهو الاتجاه العصراني.