الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادسًا: تجربة بلاد المغرب
رأينا فيما سبق بأن القرن الثالث عشر/ التاسع عشر هو نقطة تحول في العالم الإِسلامي، وقد كان من أهم مرتكزات هذا التحول طلب العلوم العصرية على حالها في أوروبا، وتتبعت باختصار حال طلبها في أهم أجزاء العالم الإِسلامي: مركز الخلافة وبلاد الهند وولاية مصر زمن محمَّد علي وأبنائه من بعده، كانت الهند أهم جزء اشتبك في هذه القضية في الشرق الأقصى من العالم الإِسلامي، وكانت مصر أهم جزء عربي، ومن الطبيعي أن يكون مركز الخلافة أول الجهات أو أكثرها اهتمامًا بهذه القضية، إلا أن تجربة مركز الخلافة كانت باللغة التركية؛ مما أعاق انتفاع غير الأتراك بها ولاسيّما أهل اللسان العربي، وقيل مثل ذلك في التجربة الهندية إضافة إلى بعدها عن المراكز الحضارية التاريخية للعالم الإِسلامي.
والآن نتأمل في جزء مهم من العالم الإِسلامي دخل أيضًا في هذه المعركة وهي بلاد المغرب، وقد كانت في الغالب رغم تبعيتها للدولة العثمانية تتمتع بحكم شبه ذاتي، وكان من الطبيعي أن تكون هذه البلاد أول من يحتك بأوروبا بسبب جغرافيتها، والطريف في علاقة هذا الجزء من العالم الإِسلامي بأوروبا: أنه كان من زمن قريب مقصد الأوروبيين في طلب العلم، وإذا بنا بعد زمن نصل من الضعف لدرجة مذلة ومهينة عند طلبها منهم.
لم يستطع هذا الجزء من العالم الإِسلامي طلب ما يحتاجه من أوروبا طلب الند من الند أو القوي من القوي وإنما جاء في وقت صعب، وجاء طلبها من ضعيف خائف من غدرة القوي، بينما أوروبا آنذاك تتأهب لاستعمار البلاد
الإِسلامية، وما أخّرها إلا اختلافهم الشديد حول الغنيمة، وقد أسهم بُعدها عن مقرّ الخلافة في سهولة اختراقها واحتلالها، وعندما احتلت فرنسا الجزائر سنة (1830 م) لم تستطع الدولة العثمانية فعل الكثير، فما كان باستطاعتها فعل شيء، وكانت الحال أصعب فيما بعد.
كانت تونس والمغرب من الحواضر الإِسلامية المهمة، وكان في تونس جامع الزيتونة وفي المغرب جامع القرويين يلتحق بهما طلبة العلم، ويتخرج منهما العلماء فضلًا عن مراكز أخرى هنا أو هناك، وقد كان الجامعان أشبه بالجامعتين، ولكنهما كغيرهما من جوامع المسلمين العلمية قد أخرجت الكثير من العلوم من دائرة اهتمامها في وقت الضعف الذي خيّم على العالم الإِسلامي، ومن ذلك العلوم الدنيوية النافعة، ولكن بالقرب منهما يرون بوضوح ثمار هذه العلوم في حياة الناس من تطور طبي وصناعي وعمراني وحربي. ولوجود الجامعين (الجامعتين) في تونس والمغرب؛ فسنركز عليهما أكثر من غيرهما، مع أن كل ذلك يرد على سبيل الاختصار بما يكفي لإبراز صورة طلب هذه العلوم، وما يكفي لإبراز أهم المشكلات التي ارتبطت بهذا الحدث.
بعد فقد المسلمين لبلاد الأندلس وقعت قطيعة بين أوروبا وبلاد المغرب رغم تقاربهما، بدأت أوروبا تستمتع بالمكاسب، وطورت نفسها دنيويًا بما حصلت عليه من علوم من بلاد المسلمين، بينما كان فقد الأندلس فترة انحدار وضعف لبلاد المغرب كغالب العالم الإِسلامي، وبدأ الاتصال يعود عبر التجار والرحّالة، وكثرت كتب الرحلات من قبل المغاربة حول ما رأوه في أوروبا، وكان الوجود اليهودي في المغرب نافذة للعلاقة بالغرب، حيث كان سفرهم للغرب أيسر من سفر المسلمين، كما أن أوروبا اتخذت من هؤلاء اليهود فرصة للتدخل في بلاد المغرب.
عند ذلك بدأ التفكير عند بعض الولاة بطلب بعض هذه العلوم من أوروبا، كل بحسب استطاعته وقدرته على المناورة والحركة مع دول تتأهب لاحتلال بلاد المسلمين، وقد مرّ ذلك بمراحل: أولها ما قبل الاستعمار، حيث كان الولاة يطلبون ما يدعم سلطتهم، فظهرت محاولتهم أولًا لإعداد جيش عصري وإنشاء مدارس حديثة تلبي احتياجات الجيش والولاية، وتمّ ذلك في فترة تدخّل غربي خطير وإن لم يكن هناك احتلال فعلي إلا أنه أشبه بالاحتلال، وثاني هذه